|
الصراع الروحي في الانسان
محمد برازي
(Mohamed Brazi)
الحوار المتمدن-العدد: 6278 - 2019 / 7 / 2 - 14:51
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
قال يسوع المسيح: فَمِنَ الْقَلْبِ تَنْبُعُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ. (متى 15: 19) وقال أيضا: فَحَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ، هُنَاكَ أَيْضاً يَكُونُ قَلْبُكَ. (متى 6: 21) الأفكار الأثيمة مشكلة تهمّ كل مؤمن من وقت لآخر. فإذا تعذب الرجل أو المرأة بصورة متكررة من بلاء المشاعر أو الصور غير المرغوب فيها، فسوف تغدو هذه التجربة عبئا ثقيلا على الشخص. فالأفكار عموما تُسلِّط ضغطا على الشخص لكي تجعله يجسِّدها على أرض الواقع، ولكنها تصبح لعنة إن كانت فكرة شريرة. وأنا أعرف الكثير من الناس الذين كانوا يضطربون روحيّا من جراء شهوة تداهمهم أو فكرة شريرة تنتابهم، إلّا أنهم كانوا يفضِّلون الموت على اقترافها وعدم تجسيدها على أرض الواقع – وبرغم ذلك، تبيّن أن مثل هذا التصميم لم يكن بمقدوره أن يجنّبهم الصراع الروحي؛ فتراهم وكأنهم مُلاحقين من قِبل الفكرة. وقد تكون هذه الأفكار عند البعض أفكار حسد، أو حَمْل ضغينة في الصدر على شخص ما، أو مشاعر شكوك وعدم ثقة بأحد الأشخاص؛ ولكنها قد تكون عند البعض الآخر أفكار الخيال الجنسي؛ وقد تكون عند غيرهم مشاعر حقد وكراهية، أو تجديف على الله، أو حتى أفكار قتل. ولا أظن أن هناك من هو قادر على تفسير ما يجري في قلبه أو قلبها تفسيرا كاملا ودقيقا. فالله وحده عالم بالحالة النفسية لكل إنسان، ولكننا من ناحية أخرى نعلم علم اليقين وفقا للإنجيل بأنه: مِنَ الْقَلْبِ تَنْبُعُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ. (متى 15: 19) ويقول الإنجيل أيضا: طُوبَى لأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ. (متى 5: 8) وتُعتبر هذه الكلمات البسيطة للرب يسوع أساسا لفهم هذا الكتاب. لقد رأيتُ من خلال خدمتي الرعوية في تقديم المشورة لأبناء مجتمع كنيستي أن الكثير من الرجال والنساء كانوا يخشون الاعتراف بأنهم يصارعون الأفكار غير المرغوب فيها. فكانوا يظنون أنهم الوحيدون الذين قد ابتلوا بهذا الأمر. إلّا أننا نحن البشر لدينا كلنا في الحقيقة طبيعة شريرة بدرجة أو بأخرى. ففي حياتنا قد نستسلم كلنا من وقت لآخر للشيطان الذي هو ليس فكرة نظرية، بل قوة شريرة حقيقية يهاجم كل شخص في أشد نقاط ضعفه أو ضعفها. وبمجرد أن يحظى الشيطان بمكان في قلوبنا، سوف يؤدي الشرّ المتجذّر هناك إلى كلمات شريرة، التي سوف تؤدي بدورها إلى أفعال شريرة. وقد ترعرعتُ أنا شخصيا في ألمانيا في العشرينيات، وقد سمعتُ تصريحات بغيضة بِحقّ اليهود، ولا سيما من دار الاستراحة الذي كان يقابل منزل أهلي هناك. وقد تجاهل معظم سكان القرية الخطورة الكامنة في ظاهرة معاداة السامية (أو معاداة اليهود،) ولكن والدي احتج عليها احتجاجا عنيفا، وقال: ربما يقتصر الأمر الآن على كلام شرير، ولكنه سوف يؤدي لاحقا إلى أفعال شريرة. وسوف يقوم الناس فعلا في يوم من الأيام بتطبيق ما يقولونه. وهذا ما حصل بالفعل. تنتاب بعض الناس أفكار شريرة بصفة مستمرة، بحيث تراهم يعيشون في حالة لا يمكننا أن نطلق عليها سوى كلمة «عذاب.» غير أن هؤلاء الناس ينبغي أن يثقوا بأن الله قادر على أن يرى ما في أعماق قلب الإنسان. ثم إنّ الله يعلم بالتأكيد بأنه رغم اضطراب مُخَيِّلتنا، إلّا أن القلب لا يبغي أفكارا شريرة ثقيلة الأعباء. ولو كنا لا نزال غير متأكدين من ذلك رغم ما جاء أعلاه، فبإمكاننا استمداد التعزية من كلام اللاهوتي والفيلسوف الألماني ايكهارت، فقد كتب: لو أردتَ أن تتأجَّج حياتك بمحبة الله فيجب أن تشتاق إلى الله. ولو لم تحس لحد الآن بهذا الاشتياق، فيجب أن تشتاق إلى هذا الاشتياق. من الواضح أن أيّ اشتياق إلى الحياة الشريفة العفيفة لدى الإنسان هو علامة على بداية عمل الله في قلب الإنسان، حتى لو كان هذا الاشتياق في أوله، أو لم تكن معالمه واضحة بعد. بطبيعة الحال، هناك فرق شاسع بين الاستمتاع عمدا بالأفكار الشريرة وبين الجهاد ضدها. وقد قدَّمتُ المشورة إلى أشخاص كانوا يشعرون بأن الأفكار أو الشهوات غير المرغوب فيها كانت تلاحقهم بشدة، بحيث قالوا لي أنهم على استعداد لأن يسيروا الكرة الأرضية كلها – إذا استطاعوا ذلك – لمجرد أن يتحرروا منها. وهم على استعداد لأن يقدِّموا كل شيء لأجل الحصول على سلام الفكر، وعلى قلب عفيف نظيف.إنّ مثل هذا التصميم جيد، إلّا أنه من الضروري أن ندرك في الوقت نفسه أننا لا يمكننا تحرير نفوسنا بقوتنا البشرية. لأن الصراع بين الخير والشرّ ليس محصورا «في الذهن،» وإنما هو معركة على صعيد الكون بين روح الله القدوس وبين الخطيئة، التي وصفها القديس بولس الرسول كالآتي في هذه الآية الإنجيلية: وَلكِنَّنِي أَرَى فِي أَعْضَائِي نَامُوساً آخَرَ يُحَارِبُ الشَّرِيعَةَ الَّتِي يُرِيدُهَا عَقْلِي، وَيَجْعَلُنِي أَسِيراً لِنَامُوسِ الْخَطِيئَةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. (رومة 7: 23). ويتطلب الفوز بهذه المعركة الإيمان بالرب يسوع المسيح، الذي وعدنا بالانتصار عندما قال لنا: فَإِنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي، فَأَنَا أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ. (متى 18: 20) غير أن الكثير من المسيحيين لا يؤمنون بواقع وحقيقة هذه المعركة، دعْ عنك واقع الشرّ. لذلك، لا ينفعهم هذا الكتاب شيئا. إلّا أن هذا الكتاب مفيد للذين قد عرفوا الخطيئة واقترفوها وتلوثوا بها، ويسعون جاهدين للتحرر من أعبائها، ويشتاقون إلى عفاف القلب ونقاوته. أما بالنسبة إلى موضوع هذا الكتاب «الأفكار الأثيمة» فهو ليس موضوعا مرغوبا فيه أو مسايرا للحياة المعاصرة؛ ولكني رأيت آلافا من الناس يصارعون الأفكار الأثيمة خلال سنوات عديدة. ولو تمكَّن هذا الكتاب من إرشاد مجرد واحد منهم إلى التحرر الذي يهبه الصليب، لأمكننا القول إنه قد وفّى بالهدف المرجو منه.
#محمد_برازي (هاشتاغ)
Mohamed_Brazi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشيعه المندائيَّة أو المندعيَّة
-
الرهبان و المصليانيّة أو جماعة المصلّين
-
ظهور التعفُّفيَّة أو حركة المتعفِّفين في المسيحيه
-
العالم الغنوصي و الفكر الديني وتطوّراته
-
سبب الخلاف في الطبيعتين بين الارذوكس و باقي المسيحيين
-
من دون إكراه او ضغط سلم نفسك الى الله
-
لا تقلق لعدم سماع أولادك لكلامك ولكن أقلق عندما يراقبك أولاد
...
-
مسيحيه المسيح و اليوم طوائف مسيحيه تغير فظيع
-
البحث عن الكنسيه الحقيقيه
-
الحقد و الكره و ما الحل للخروج من فخ الانتقام؟
-
لماذا تغيرت الكنسيه الاولى الى تلك الكنائس اليوم
-
مقابله مع انسان ضحى بكل شئ حياته في سبيل ايمانه
-
انما الامم الاخلاق
-
اراده الانسان و اختيار التعليم المناسب للاولاد
-
التخلف و الجهل الاسلامي
-
تعاليم المسيحيون الأوائل في المسيحيه
-
متى يتعلم رؤوساء الطوائف المسيحيه من البابا فرنسيس
-
البابا شنوده السياسي و بيعه الاقباط للسطله
-
المحبه في المسيحيه و انعدمها بين المسيحيين
-
رؤوساء و حكام العرب هم اسباب البلاء على البلاد العربية
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|