أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين مطاوع الترتوري - خطوات البحث العلمي الرصين وأهم نتائجه















المزيد.....



خطوات البحث العلمي الرصين وأهم نتائجه


حسين مطاوع الترتوري

الحوار المتمدن-العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 02:27
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


إن أهم أغراض البحث العلمي تحقيق نتائجه التي تسهم في تقدم العلوم والأمم.

وحتى يحقق البحث نتائجه لا بد من اتصافه بالأصالة والإبداع، ولا يكون البحث أصيلا إلا إذا تمت مناقشة المخالف بأسلوب علمي، ولابد أن يعد الباحث -أن كان دارسا في برنامج دراسات عليا-خطته أعدادا وافيا كي تحظى بالموافقة عليها.

وقد وجدت من خلال تجربتي في الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه ومناقشتها، قصورا عند بعض الباحثين في فهمهم لما تتضمنه خطة البحث، ولنتائج البحث وتوصياته، وبعداً عن مناقشة مخالفيهم بأسلوب علمي. فكانت فكرة كتابة هذا البحث «البحث العلمي خطته وأصالته ونتائجه.»

أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى تحقيق التطلعات التالية:

بيان العناصر الأساسية التي يجب أن تشمل عليها خطة البحث المقدمة من الباحث قبل شروعه في البحث.
بيان العناصر الأساسية التي يجب أن تضاف لخطة البحث بعد إتمامه.
التعريف بالأصالة والإبداع في البحث، وبيان مجالات الإبداع في الدراسات الفقهية في هذا العصر.
بيان أن مناقشة الباحث مخالفيه بأسلوب علمي من أساسيات البحث العلمي.
بيان معنى نتائج البحث وتوصياته.
أهمية البحث:
تظهر أهمية هذا البحث من خلال النقاط التالية:

تحقيق أهدافه المذكورة.
يلقي الضوء على العناصر الأساسية لخطة البحث، فيعين الباحثين على أعداد خطط أبحاثهم.
يحقق للدارسين في برامج الدراسات العليا الموافقة على أبحاثهم من قبل اللجان العلمية المختصة؛ لاستكمال خططهم عناصرها الأساسية.
منهج البحث:
لتحقيق أهداف هذا البحث على الوجه الأكمل، اتبعت المنهج الوصفي، مستفيدا من المنهجين الاستنباطي، والاستقرائي، كما هو حال جل أبحاث الدراسات الشرعية والإنسانية.

حدود البحث:
سيقتصر الحديث على ما يخدم الدراسات الشرعية عموما، والفقهية خصوصا.

مصطلحات البحث:
البحث: دراسة دقيقة لموضوع وفق مناهج معتبرة لتحقيق أهداف محدد.

البحث العلمي: دراسة تتسم بالدقة لموضوع، وفق مناهج معتبرة، غايتها تحقيق أهداف حددها الباحث.

خطة البحث: الإطار العام للبحث، وعناصره الرئيسة. وليس المراد بخطة البحث خصوص محتوى البحث من أبواب وفصول ومباحث، وأن كانت جزءاً مهماً من الخطة، فخطة البحث: هيكله وعناصره الرئيسة.

أصالة البحث: استقصاء مادته العلمية من مصادرها، وبناؤها على أسس صحيحة قوية، وقواعد سليمة، ومناقشة المخالف بأسلوب علمي. فإن تميز واشتمل على إضافة علمية جديدة، كان إبداعا.

نتيجة البحث: ثمرته، وهي الحقائق أو المعارف التي توصل الباحث إليها، بعد عرض الآراء والأدلة، ومناقشتها، ودراستها بموضوعية.

محتوى البحث:
قسمت هذا البحث إلى مقدمة، وخمسة مباحث.

المقدمــة: تضمنت عنوان البحث، وأهدافه، وأهميته، ومنهج البحث، وحدوده، ومصطلحاته، ومحتواه.

المبحث الأول: خطة البحث ومحتواه.
المبحث الثاني: ما يضاف "لخطة البحث" بعد إتمامه.
المبحث الثالث: الأصالة والإبداع في البحث.
المبحث الرابع: مناقشة المخالف بأسلوب علمي.
المبحث الخامس: نتائج البحث وتوصياته.
المبحث الأول: خطة البحث ومحتواه:
وفيه مطلبان:

المطلب الأول: خطة البحث.
المطلب الثاني: العناصر الأساسية التي تشتمل عليها خطة البحث.
المطلب الأول: خطة البحث:

الخطة: جمع خطط ومعناها: الكتابة باليد، ومنه قول الله عز وجل: {وما كُنت تتْلُو مِن قبْلِهِ مِن كِتابٍ ولا تخُطُّهُ بِيمِينِك إذًا لاّرْتاب المُبْطِلُون} "1" ومنه كتاب مخطوط: أي مكتوب بخط اليد، يقال: خط الرجل الكتاب بيده خطاً، أي كتبه. والخطة: المكان المختط لعمارة، والجمع خطط.

والبحث لغة: طلب الشيء والسؤال عنه"2"، أو الاستقصاء، يقال بحث عن الأمر: استقصى.

والبحث في الاصطلاح: دراسة دقيقة لموضوع وفق مناهج معتبرة لتحقيق أهداف محددة.

وهذا التعريف يصدق على حقيقة البحث العلمي، فهو دراسة تتسم بالدقة لموضوع، وفق مناهج البحث العلمي، الغاية منه تحقيق أهداف حددها الباحث ووضعها نصب عينيه.

ولما كان البحث وسيلة لتحقيق أهداف معينة، عرفه بعض الباحثين بأنه:

"وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة عن طريق التقصي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها، والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة""3". وعرفه أيضا بأنه: "استقصاء منظم يهدف إلى إضافة معارف يمكن توصيلها والتحقق من صحتها عن طريق الاختبار العلمي""4". وكما يلاحظ فأن هذين التعريفين لم يشيرا إلى المنهج الوصفي، واقتصر الأول على الإشارة للمنهج الاستقرائي والثاني على الإشارة للمنهجين الاستقرائي والاستنباطي. فهذان التعريفان، وأمثالهما على وضوحها إلا أنها غير جامعة لأفراد المعرف؛ لعدم ذكرها المنهج الوصفي، وهو المنهج الغالب في الدراسات الشرعية والإنسانية والتربوية.

ومعنى خطة البحث: الإطار العام للبحث، وعناصره الرئيسة. وليس المراد بخطة البحث الاقتصار على محتوى البحث من أبواب وفصول ومباحث، وأن كان محتوى البحث جزءاً مهماً من الخطة، وإنما خطة البحث: هيكل البحث وعناصره الرئيسة"5".

المطلب الثاني: العناصر الأساسية التي تشتمل عليها خطة البحث:

تشتمل خطة البحث العناصر الرئيسة التالية:

أولا: عنوان البحث.
ثانيا: موضوع البحث "مشكلة البحث" وحدوده.
ثالثا: أهداف البحث وأسئلته.
رابعا: أهمية البحث وأسباب اختياره.
خامسا: أدوات البحث ومصطلحاته.
سادسا: الدراسات السابقة.
سابعا: منهج البحث وإجراءاته "خطواته."
وفيما يأتي تعريف بكل واحد من هذه العناصر:

أولا: عنوان البحث:
عنوان البحث: هو الكلام الذي يكتب على واجهته يدل على مضمونه ويظهر محتواه، فهو كالعلامة التي تميز البحث عن غيره، قال الفيومي: "وعنوان كل شيء ما يستدل به عليه ويظهره""6".

والباحث الناجح هو الذي يحسن صياغة العنوان، وقديماً قالوا: "الكاتب من أجاد المطلع والمقطع""7". ولما كان العنوان هو الدال على مضمون ما تحته فيجب أن يصاغ بشكل جيد، سواء أكان عنوان البحث الرئيس أو عنوان الأبواب أو الفصول أو المباحث، وأن تراعى عند صياغته النقاط التالية:

أن يصاغ بأسلوب علمي، بعيداً عن السجع والألفاظ المثيرة التي تستعمل غالباً في الصحافة.
أن يكون دقيقا مفصحا عن محتواه من أبواب وفصول ومباحث.
أن يكون عنوان الفصل أو المبحث مبيناً، بحيث لا يتوقف فهمه على العنوان الذي قبله.
أن يكون بعبارة موجزة ما أمكن. من غير اختصار مخل؛ لأن حذف كلمة واحدة من العنوان-أحيانا-يغير معناه، مثاله ما جاء في "غمز عيون البصائر لأحمد الحموي:" "إذا صار الشافعي حنفيا ثم عاد إلى مذهبه...""8"، وقد سقطت كلمة «إذا» من القرص المدمج «CD-ROM»، المسمى «جامع الفقه الإسلامي»، فجاء العنوان «صار الشافعي حنفيا ثم عاد إلى مذهبه ». ولاحظ كيف تغيرت دلالة العنوان بحيث يفهم منه الأخبار بأن الشافعي انتقل إلى المذهب الحنفي، ثم عاد إلى مذهبه.
أن لا يكون واسعاً بحيث يوهم ما ليس من عناصره فيه. وإذا تعذر ضبطه بعبارات دقيقة وبقي واسعاً، فإنه يمكن ضبطه بحدود الدراسة.
أن لا يكون متضمناً حكماً أو نتيجة متوقعة. ويستثنى من ذلك العناوين التي تكون محل اتفاق، أو عناوين الأمور المعلومة من الدين بالضرورة. فلا بأس أن يكون عنوان بحث أو باب أو فصل أو مبحث: وحدانية الله عز وجل، أو وجوب الصلاة، أو تحريم الزنا، أو مضار الربا الاجتماعية والاقتصادية، أو حسن الصدق وقبح الكذب.
أن تتحد ألفاظ العنوان في كل مكان يرد ذكره في البحث.
وأضرب مثالاً لاعتناء علمائنا باختيار أسماء "عناوين" كتبهم، وهو حسن اختيار البخاري لاسم "عنوان" كتابه"9"، فاسم الكتاب الذي ألفه البخاري، المشهور بين الناس «صحيح البخاري»، هو: «الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه»"10".

وقد أغنى العنوان الذي اختاره البخاري لكتابه عن الكلام المهم الذي يثبته المؤلفون في مقدمة كتبهم، خاصة إذا علمنا خلو صحيح البخاري من مقدمة تبين منهجه. فنجد في هذا العنوان الإفصاح عن الأسس العظمى التي بنى عليها البخاري صحيحه، وبيانه"11":

قوله «الجامع»، بيان لشمول الكتاب لأبواب العلم، وأنه غير مقتصر لأحاديث الأحكام ككتب «السنن»
و «المسند»، هو مرفوع صحابي بسند ظاهر الاتصال، ولهذا اللفظ فوائد كثيرة منها: أن ما ذكره البخاري في كتابه من تعليقات لا تعد من صحيحه؛ لأنه سماه «المسند»، ويترتب على هذا أن البخاري أول من صنف في الصحيح المجرد، وأن رجال تعاليق البخاري لا يلزم أن يكونوا على شرط رجال الصحيح المسند في كتابه.
«الصحيح»، بيان اشتراط البخاري الصحة في الأحاديث التي جمعها في كتابه.
«المختصر»، بيان بأن البخاري لم يجمع في كتابه كل كل الأحاديث الصحيحة، وأنه لم يجمع فيه كل ما صح عنده من أحاديث.
ثانيا: موضوع البحث " مشكل ة البحث" وحدوده:
اختيار البحث وتحديد موضوعه، أو صياغة مشكلته من خلال أسئلة واضحة محددة، وبيان أهدافه، أول الخطوات وأهمها.

وموضوع البحث، أو تحديد مشكلته هي المفتاح الحقيقي له؛ لأن تحديد الموضوع يقود الباحث إلى أمرين مهمين في بحثه"12":

الأول: تحديد منهج الدراسة واتجاهها.
الثاني: تكثيف الجهود والدراسات المعمقة فيه.
ويجب أن يتصف الباحث بالأناة في اختيار بحثه، وكتابته. فالعجلة في البحث العلمي لا تأتي بخير، سواء في اختيار الموضوع، أو أثناء كتابته. فعلى الطالب أن يكون منتبهاً مصغياً لما يسمع أولا، لذا قيل: "أول العلم الصمت ثم الاستماع ثم الحفظ ثم العمل ثم النشر""13".

ويحتاج الباحث إلى إثبات «حدود البحث،» إذا كان العنوان الذي يصلح للإفصاح عن محتوى البحث طويلاً، عندها يمكن أن يختصر ويستغنى عن بعض كلماته، وتوضع هذه الكلمات قيوداً في «حدود البحث». سواء أكانت هذه القيود موضوعية، أو مكانية، أو زمانية.

ثالثا: أهداف البحث و أسئلته:
أهداف البحث: طموحات غير موجودة، تنبع من الفلسفة، يسعى الباحث إلى تحقيقها، من خلال وسائل معينة"14".

وأما الفلسفة فهي: مبادئ وقواعد ومعتقدات عامة مقررة توجه العمل أو النشاط.

وأما الوسائل: فهي الإجراءات والخطوات المتبعة لتنفيذ الأهداف.

فأهداف أي نشاط إنساني تتوسط بين فلسفته، وبين وسائل تنفيذه.

فالأصل أن يتم الاتفاق على تحديد الفلسفة لأي عمل، ثم توضع أهدافٌ معينة لتحقيق تلك الفلسفة، ثم توضع الوسائل على اختلاف أنواعها لتحقيق تلك الأهداف في ضوء الفلسفة المقررة.

فكل باحث يهدف من بحثه تحقيق هدف أو أكثر من الأهداف التالية:

اكتشاف شيء جديد أو فكرة جديدة، لم يسبق إليها.
إثبات صحة بعض المعتقدات أو الأفكار.
إبطال بعض النظريات، أو الآراء.
تصحيح بعض المفاهيم والأفكار.
إضافة بعض المعارف التي تؤدي إلى تقدم المعرفة.
شرح بعض القضايا الصعبة، أو الغامضة، وتحليلها.
تنظيم بعض المسائل الشائكة، وتبويبها، بحيث يسهل الاستفادة منها.
حل مشكلات يعاني منها الناس.
اختصار بعض الكتابات، التي يمنع إسهاب مؤلفيها من استفادة كثير من الناس منها، مع عدم الإخلال في ذلك.
وقد حدد مصطفى بن عبد الله -الشهير بحاجي خليفة-الأهداف التي يجب أن تراعى في التأليف فقال: "التأليف على سبعة أقسام لا يؤلف عالم عاقل إلا فيها وهي: أما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، أو شيء ناقص يتممه، أو شيء مغلق يشرحه، أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، أو شيء متفرق يجمعه، أو شيء مختلط يرتبه، أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه" "15".

والباحث الناجح هو الذي يتقيد بتحقيق أهداف بحثه من غير زيادة ولا نقص بلغة واضحة سليمة قال حاجي خليفة: "وشرط في التأليف: إتمام الغرض الذي وضع الكتاب لأجله من غير زيادة ولا نقص، وهجر اللفظ الغريب،... وزاد المتأخرون اشتراط: حسن الترتيب، ووجازة اللفظ، ووضوح الدلالة، وينبغي أن يكون مسوقا على حسب إدراك أهل الزمان وبمقتضى ما تدعوهم إليه الحاجة" "16".

وتصاغ أهداف البحث بأسلوب تقريري، بخلاف أسئلته فأنها تصاغ بأسلوب استفهامي.

رابعا: أهمية البحث وأسباب اختياره
تأتي أهمية البحث العلمي بقدر ما يقدم للإنسانية من فوائد جديدة؛ تعينهم على طاعة ربهم، وتسهم في الإجابة عن أسئلتهم، أو تحقق في حياتهم تقدماً، أو تحل إشكالاً، أو تزيد أحد جوانب المعرفة.

وتزداد أهمية البحث العلمي إذا كان يعالج موضوعاً مهماً في حياة الناس، هم بحاجة للسؤال عنه. فيدرس الباحث الموضوع بعد أن يحدد مشكلته "موضوعه" ليصل إلى نتائج منطقية تقدم فائدة للبشرية عموما أو لشريحة منها.

وتظهر أهمية البحث العلمي في أنه يقدم للناس خلاصة جهد متواصل وجاد من ذوي الاختصاص والخبرة، مما يساعد على تقدم المجتمعات الإنسانية في جوانبها المختلفة. وتقديم معلومات صحيحة مبنية على أسس علمية تساعدهم في نشر الفكر الصحيح بين الناس، وتسهم في تطوير المجتمع وتقدمه.

والأصل أن يذكر الباحث الأسباب الحقيقية التي دعته لاختيار موضوع بحثه بموضوعية وصدق وأمانة، بعبارات واضحة، بعيداً عن المبالغة. ويشير عند أسباب اختيار الموضوع إلى أهميته وأهدافه. فيقول: ومن الأسباب التي دعتني للكتابة في هذا البحث أهميته التي سبق ذكرها، وتحقيق الأهداف التي سبق ذكرها أيضاً.

والباحث الموفق يبين أهمية بحثه الأسباب التي دعته لاختياره من خلال نقاط منطقية وموضوعية. ويتجنب ذكر النقاط الضعيفة؛ لأنها تضعف النقاط القوية التي تذكر معها.

خامسا: أدوات البحث ومصطلحاته
أداة البحث: هي الوسيلة التي يجمع بها الباحث مادته العلمية. وقد عبر بعض الباحثين عن المادة العلمية بالبيانات، فعرف أداة البحث بأنها: الوسيلة التي يجمع بها الباحث بياناته"17".

والأداة الرئيسة التي تستخدم في الأبحاث الشرعية هي نظرية مكتبية.

وأدوات البحث العلمي التي تستخدم في الأبحاث هي:

النظرية المكتبية: وتشمل في أبحاث العلوم الشرعية على: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وبقية مصادر التشريع، والكتابات العلمية في كل التخصصات الشرعية من عقيدة ومذاهب فكرية وملل ونحل، وتفسير وأصوله، وحديث ومصطلحه، وفقه وأصوله.
الوثائق.
الإحصاء.
الملاحظة بأنواعها.
المقابلات.
الاستبانات.
وعلى كل باحث أن يختار من هذه الأدوات ما يناسب بحثه ليتمكن من تجميع بياناته"18".

ويحتاج الباحث إلى إثبات عنوان «مصطلحات البحث» إذا تضمن عنوان بحثه بعض الكلمات أو المصطلحات التي يمكن أن تخفى أو تشتبه على القارئ.

سادسا: الدراسات السابقة
يغفل بعض الباحثين ذكر الدراسات السابقة. والأصل أن لا يخلو بحث علمي جاد من عنوان "الدراسات السابقة"، يذكر الباحث تحته الأبحاث والرسائل والدراسات الجادة التي كتبت في الموضوع الذي قرر دراسته. ويبين الإضافات، أو التعديلات التي يتوقع أن يتضمنها بحثه ويمتاز بها على من سبقه. ويبين سبب تكرار البحث في الموضوع مرة ثانية، كظهور معطيات جديدة، أو أن النتائج التي توصل إليها من قبله غير صحيحة.

وتأتي أهمية ذكر الدراسات السابقة في النقاط التالية:

تقود الباحث إلى الأصالة والإبداع المطلوبين في الرسائل الجامعية.
توقف الباحث على ما توصل إليه الباحثون قبله، فيستفيد من جهد من سبقوه.
تجعل الباحث يبدأ من حيث انتهى غيره، فيتجنب التكرار ويختصر الوقت والجهد.
تعطي المسوغات المقنعة للجان العلمية التي يقدم لها البحث للموافقة عليه.
فإذا ظهر للباحث أن من سبقه قصر في جمع المعلومات، أو أخطأ في فهم بعضها، أو بنى بعض نتائجه على مقدمات غير صحيحة، فأن هذا من أقوى المسوغات لأن تعاد الكتابة في الموضوع الذي سبق أن كتب فيه.

وقد لا يكون عند من سبق أخطاء أو قصور، ولكن الباحث يهدف إلى تنظيم المادة العلمية وعرضها في صورة نظرية، أو بشكل متكامل يتيح فائدة أكبر، وهذا غرض معتبر من أغراض التأليف. وقد حدد حاجي خليفة الأهداف التي يجب أن تراعى في التأليف إذا كان المؤلف قد سبق في التأليف فيما يكتب فقال: "وينبغي لكل مؤلف كتاب في فن قد سبق إليه أن لا يخلو كتابه من خمس فوائد: استنباط شيء كان معضلاً، أو جمعه أن كان مفرقاً، أو شرحه أن كان غامضاً، أو حسن نظم وتأليف، و إسقاط حشو وتطويل""19".

وإذا كان ذكر الدراسات السابقة مهماً، فالأهم أن لا يقلل الباحث من شأن الأبحاث التي سبق إليها، وأن يعرضها بأمانة. فالهدف من عرض الباحث دراسة من سبقه إفادته منها، وبيان الحاجة لمزيد من الدراسات في الموضوع، فيكون هذا العرض مسوغا للكتابة فيه مرة ثانية.

سابعا: منهج البحث و إجراءاته " خطواته"
المنهج: هو ما يؤدي للكشف عن الحقيقة، أو الوصول إليها، بطرق عقلية منطقية.

ومنهج البحث في العلوم والمعارف: جمع الأفكار المتعلقة بالموضوع، ودراستها وتحليلها، وفق طرق علمية منطقية، وحسن عرض تلك الأفكار وتنظيمها، للكشف عن الحقيقة أو الوصول إليها، أو أثباتها.

بعد أن يحدد الباحث منهج البحث -في الدراسات الشرعية، والإنسانية-بأنه وصفي مع الاستفادة من المنهجين الاستنباطي، والاستقرائي، فإنه يحدد الخطوات والإجراءات التي تساعده على إنجاز بحثه، وفق المنهج الذي حدده. فيقول وسأحقق ما أريد وفق الخطوات والإجراءات التالية:

عزو الآيات القرآنية إلى مواضعها في السور القرآنية"20".
تخريج الأحاديث النبوية، من المصادر الحديثية التي خرجتها بسندها"21"، والحكم عليها إذا كانت مروية في غير الصحيحين، أو أحدهما.
تخريج الأثار من المصادر الحديثية التي خرجتها بسندها، والحكم عليها، كتخريجها من: المصنفات، كالمصنف لعبد الرزاق، والمصنف لابن أبي شيبة، والموطأت كموطأ مالك، وموطأ ابن أبي ذئب، ومصادر التفسير بالمأثور، كجامع البيان للطبري، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير، وكتب التراجم والرجال، كتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، والكامل في الرجال لابن عدي، وبعض كتب الفقه كالمحلى لابن حزم، وبعض كتب أصول الفقه، كالفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر.
الرجوع إلى المصادر المعتمدة في كل مذهب من المذاهب.
ذكر أدلة كل مذهب مع بيان وجه الاستدلال بها، ومناقشتها، وترجيح ما يؤيده الدليل، من غير تعصب لأي منها.
الرجوع إلى المصادر الحديثة التي يمكن الاستفادة منها في موضوع البحث.
الرجوع إلى كتب القانون، وشروحها، لأخذ موقف القانون.
مقارنة الراجح من أقوال الفقهاء مع ما أخذ به واضعو القانون.
الرجوع إلى المعاجم اللغوية وللمصادر المتخصصة في المصطلحات لبيان معاني المصطلحات، والألفاظ الغريبة.
إثبات النتائج والتوصيات التي يتوصل إليها، ومراعاة الموضوعية والأمانة العلمية.

المبحث الثاني: ما يضاف “لخطة البحث” بعد إتمامه:

وفيه أربعة مطالب"22":

المطلب الأول: الإهداء.
المطلب الثاني: الشكر والتقدير.
المطلب الثالث: العقبات التي واجهت الباحث.
المطلب الرابع: ملخص البحث.
المطلب الأول: الإهداء:

صفحة الإهداء مخصصة للباحث، وله أن يعبر فيها عن أحاسيسه ومشاعره، وما يدور في نفسه من مشاعر طيبة تجاه أناس لهم عليه حق، أو يحبهم ويقدرهم، فيهديهم بحثه، تعبيراً عن حبهم وتقديرهم، وما لهم عليه من فضل، أو حق.

وأولى الناس بالإهداء الوالدان، والزوج والأبناء، لما رواه أبو هريرة قال: "قال رجل يا رسول الله من أحق الناس بحسن الصحبة قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك أدناك" "23".

وللباحث أن يهدي بحثه لمن أحب من الناس، كمن كان لهم تأثير عليه في سلوك هذا الطريق، سواء أكان تأثيراً مباشراً، أم غير مباشر.

ويراعى أن تكون ألفاظ الباحث في الإهداء بعيدة عن المبالغات، فنحن أمة وصفها الله عز وجل بالوسطية في قوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا ً}"24"، أي عدولاً.



المطلب الثاني: الشكروالتقدير:
صفحة الشكر والتقدير مخصصة لمن أسهم إسهاماً علمياً في الرسالة، وعلى الباحث أن يتجنب الإفراط والتفريط، فلا يبالغ ولا يقصر في هذه الصفحة، -بل وفي كل أموره-؛ لأنهما مذمومان، وقد أمرنا الله بالعدل في القول، فقال الله عز وجل: {وإذا قلتم فاعدلوا}"25".

من المناسب أن يبدأ الباحث الشكر والتقدير بآيات قرآنية تحث على الشكر والإحسان إلى المحسنين، كقول الله عز وجل: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم}"26"، ويتبع ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله""27".

ويفضل أن يتبع الباحث الآية والحديث المذكورين بحمد الله عز وجل، والثناء عليه بأن يسر له إكمال بحثه، ثم يشكر الجامعة التي احتضنته، ثم يشكر أستاذه المشرف على الرسالة بكلمات صادقة، لا إفراط فيها ولا تفريط، ثم يشكر أساتذته الذين درسوه، والمناقشين على بذلهما الجهد والوقت لتقييم الرسالة، وإفادته بالتوجيهات التي ترفع قدرها، وتصوب ما فيها من أخطاء أو تقصير.

ويشكر الباحث كل من قدم له عوناً علمياً أسهم في إخراج رسالته، كمن دله على مراجع نادرة أو أعاره إياها، وله أن يشكر القائمين على المكتبات التي قدم له موظفوها العون، واستفاد من مراجعها. ولا أرى محلاً في صفحة «الشكر والتقدير» لشكر الوالدين أو بعض الأقارب على مساعدتهم للباحث مادياً، أو شكر الطابع على طباعته، أو الأهل والأقارب على تحملهم له في الظروف الصعبة التي مر بها.

المطلب الثالث: العقبات التي واجهت الباحث:

البحث العلمي الجاد لا بد أن تواجهه بعض الصعوبات والعقبات، وليس من المناسب أن يذكر الباحث ما واجهه من صعوبات وعقبات من الطبيعي أن يواجهها الباحثون، ولكن يذكر ما واجهه من صعوبات وعقبات غير متوقعة، أو زائدة عما توقعة. وليس من الأمانة العلمية أن يضخم الباحث العقبات التي واجهته قاصداً التنويه بجهده، وصبره.

ويذكر الباحث الصعوبات والعقبات التي واجهته في كتابة البحث لسببين:

الأول: إشعار القارئ بالجهد الذي بذله؛ فإن هذا يكون محل تقدير.
الثاني: التماس العذر للباحث إذا ظهر بعض قصور في بحثه بسبب العقبات التي واجهته.
المطلب الرابع: ملخص البحث:

ملخصات الأبحاث نوعان:

النوع الأول: ملخص البحث الأولي، ويكون قبل كتابته، وهو أشبه بإعطاء تصورٍ عامٍ عن الأفكار التي تدور في ذهن الباحث، وعن منهج البحث ومحتواه، ونتائجه المتوقعة -أن أمكن-. والملخص الأولي أشبه بمسودة لملخص البحث النهائي، فهو قابل للتعديل حذفاً وإضافةً حسب ما تقتضيه كتابة البحث، وما يوصل إلى نتائج. وليس هذا الملخص الذي أتحدث عنه هو المطلوب من طالب الماجستير أو الدكتوراه.
وأكثر ما تطلب الملخصات الأولية ممن يرغب في الاشتراك في مؤتمر علمي، فإن الهيئة العلمية للمؤتمر تحدد موعداً مبكراً لاستلام ملخصات الأبحاث الأولية، لتقرر مدى صلاحية ما عرضه الباحث من بنية البحث الأولية للقبول في المؤتمر؟ وتطلب الملخصات الأولية أيضا ممن يرغب في الحصول على إجازةٍ علميةٍ من المؤسسة التي يتبعها، فيقدم ملخصاً لبيان ما سيقوم فيه، والتزاماً منه لإنجاز ذلك العمل في نهاية المدة التي يحددها.

النوع الثاني: ملخص البحث الذي يكتبه الباحث بعد الانتهاء من أعداد البحث كلياً. وهذا الملخص الذي يعني طالب الماجستير أو الدكتوراه؛ لأنه جزء من الرسالة يثبته الباحث في أولها. وهذا الملخص هو الذي يكتب مع الأبحاث العلمية، التي يرغب الباحثون في نشرها.
وكتابة ملخص للرسالة أمر مهم؛ لأنه يعطي القارئ فكرة عن هدف البحث، ومنهجه، وموضوعه، ومحتواه، وأهم نتائجه، فهو في الحقيقة عرض لجهد الباحث.

ويمكن للباحث أن يعطي قارئ الملخص صورة عن بحثه، مما يعطي للمهتمين في موضوعه رغبة في متابعته وقراءته، والحصول على نتائجه، وبالتالي تتحقق الإفادة مما فيه.

وأستطيع القول إن ملخص البحث بمثابة إعلان عنه، وتنويه بمحتواه، وبالجهد المثبت فيه. ولا يخفى على أحد دور الإعلان في ترويج المعلن عنه وإشهاره.

وإذا كان التكرار في أفكار البحث، أو ألفاظه غير مقبول، فلا يقبل التكرار في ملخص البحث من باب أولى؛ لأن أهم ما يميز ملخص البحث: الاختصار مع الوفاء بالأفكار المذكورة فيه المطلوب إيصالها للقارئ، فهو ألفاظ قليلة تدل على المراد. وأشبه ما يكون ملخص البحث بالمجسم الصغير لعمل ضخم كبير، كالمجسمات التي تعمل للأسواق التجارية الكبيرة، أو للمطارات، أو للمدن النموذجية. فلو أراد شخص أن يزور مدينة جامعية كبيرة يجد لها مجسماً مختصراً، من خلاله يستطيع أن يتعرف على ما حوته من كليات، ومختبرات، ومراكز أبحاث، وإدارة، ومكتبة، وسكن لأعضاء هيئة التدريس، وسكن للطلاب، ومرافق عامة كالملاعب، والمسبح، والحدائق، ومواقف السيارات، والمطاعم.

والمطلوب أن يكون ملخص البحث مختصراً، ما بين مائة وخمسين إلى مائتي كلمة، مع الوفاء بما حواه، فلا يصح أن يكون ملخص البحث مقتصراً على بعض الأفكار التي حواها بدعوى أنه ملخص، فأن هذه من السلبيات التي يجب أن لا يقع فيها الباحث. وقد ذكر بعض العلماء الفرق بين الاختصار والإيجاز، وبين الاختصار والاقتصار، قال النفراوي: "ولبعض التفرقة بين الاختصار والإيجاز وهي أن الاختصار يكون في اللفظ، والإيجاز يكون في المعنى، كما فرقوا بين الاقتصار والاختصار بأن الاقتصار هو الإتيان ببعض الشيء وترك بعضه والاختصار تجريد اللفظ اليسير من الكثير مع بقاء المعنى الأصلي""28".

المبحث الثالث: الأصالة والإبداع في البحث:

وفيه مطلبان:

المطلب الأول: الأصالة والإبداع.
المطلب الثاني: مجالات للإبداع في الدراسات الفقهية في عصرنا.
المطلب الأول: الأصالة والإبداع:

يجب أن يتصف البحث العلمي بالأصالة والإبداع، أو على الأقل بأحدهما. فيكفي أن يتوفر في رسالة الماجستير: الأصالة، في حين يشترط أن يتوفر في رسالة الدكتوراه الأصالة والإبداع.

ولما كان البحث وسيلة لتحقيق أهداف معينة، عرفه بعض الباحثين بأنه: "وسيلة للدراسة يمكن بواسطتها الوصول إلى حل لمشكلة محددة عن طريق التقصي الشامل والدقيق لجميع الشواهد والأدلة التي يمكن التحقق منها، والتي تتصل بهذه المشكلة المحددة""29". وعرفه أيضا بأنه: "استقصاء منظم يهدف إلى إضافة معارف يمكن توصيلها والتحقق من صحتها عن طريق الاختبار العلمي""30". وكما يلاحظ فأن هذين التعريفين لم يشيرا إلى المنهج الوصفي، واقتصر الأول على الإشارة للمنهج الاستقرائي والثاني على الإشارة للمنهجين الاستقرائي والاستنباطي. فهذان التعريفان، وأمثالهما على وضوحها إلا أنها غير جامعة لأفراد المعرف؛ لعدم ذكرها المنهج الوصفي، وهو المنهج الغالب في الدراسات الشرعية والإنسانية والتربوية.

وأصالة البحث: استقصاء مادته العلمية من مصادرها، وبناؤها على أسس صحيحة قوية، وقواعد سليمة، ومناقشة المخالف بأسلوب علمي. وهذا المعنى يلتقي مع المعنى اللغوي للأصالة، جاء في المعجم الوسيط: " أصل الشيء أصلا: استقصى بحثه حتى عرف أصله... أصل أصالة: ثبت وقوي""31"، وقال الفيومي: "أصل الشيء: أسفله، وأساس الحائط: أصله. واستأصل الشيء: ثبت أصله وقوي...وأصلته تأصيلًا جعلت له أصلا ثابتًا يبنى عليه""32".

والإبداع في البحث العلمي: تميزه وشموله على إضافة علمية جديدة، وهذا المعنى مأخوذ من المعنى اللغوي، قال الفيومي: "أبدع الله تعالى الخلق إبداعا خلقهم لا على مثالٍ. وأبدعت الشيء وابتدعته: استخرجته وأحدثته،... وفلانٌ بدعٌ في هذا الأمر: أي هو أول من فعله""33"، وجاء في المعجم الوسيط: ""بدع" بداعة وبدوعا: صار غاية في صفته...ويقال هذا من البدائع: مما بلغ الغاية في بابه""34".

وقد يعترض فيقال: الأصالة في البحوث الفقهية يمكن تحقيقها؛ لأن الحكم الفقهي الصحيح يصدر بعد استقصاء الأدلة الجزئية ذات الصلة، ويبنى على دليله الجزئي الذي يعد أصلا له، وهذا معنى الأصالة. لكن كيف يمكن اتصاف البحوث الفقهية بالإبداع بأن تتحقق الإضافة العلمية الجديدة فيها، وقد بلغ هذا العلم غايته، كما قال علاء الدين الحصكفي:

"العلوم ثلاثةٌ: علمٌ نضج وما احترق، وهو علم النحو والأصول. وعلمٌ لا نضج ولا احترق، وهو علم البيان والتفسير. وعلمٌ نضج واحترق، وهو علم الحديث والفقه""35". ومعنى نضج العلم: "تقرر قواعده وتفريع فروعها وتوضيح مسائله""36". فقول علاء الدين الحصكفي يقتضي أنه لا مجال للإبداع في الفقه. ومعنى احتراقه: "بلوغه النهاية في ذلك""37"، "بل قد تكلم الفقهاء على أمورٍ لا تقع أصلا أو تقع نادرًا""38".

والرد على هذا الاعتراض من ثلاثة وجوه:

الوجه الأول: عبارات الفقهاء القدامى تنص على أن مجال الإبداع في الفقه مازال قائماً، فتراهم في مقدمة مؤلفاتهم الفقهية، أو في خاتمتها، يذكرون عبارة "كم ترك الأول للأخر"، ومعناها كما قال البجيرمي في حاشيته على تحفة المحتاج المسماة تحفة الحبيب: "وكم «... خبريةٌ للتكثير... المعنى أن الأوائل لم تدرك أشياء كثيرةً ظفر ببعضها المتأخرون""39". وهذا تصريح منهم على أن علم الفقه لم يبلغ نهايته، وقد ذكر عبارة "كم ترك الأول للأخر"، الرملي في مقدمة نهاية المحتاج"40"، والشربيني في مقدمة مغني المحتاج"41"، ومرعي بن يوسف في مقدمة غاية المنتهى"42"، وابن عابدين في العقود الدرية في تنقيح الفتاوى الحامدية "43". ولم يقتصر ذكر عبارة: "كم ترك الأول للأخر" على الفقهاء، بل ذكرها العطار في حاشيته على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع"44"، وذكر معناها ابن مالك، فقال: "وإذا كانت العلوم منحًا إلهيةً، ومواهب اختصاصيةً فغير مستبعدٍ أن يدخر لبعض المتأخرين، ما عسر على كثيرٍ من المتقدمين""45".
ولا يعني ترك المتقدمين للمتأخرين مجالاً للإبداع أن المتقدمين لم يوفوا الأمر حقه، بل معناه أنهم اجتهدوا فبذلوا وسعهم في وقتهم، وبذل المتأخرون وسعهم في وقتهم، فيسر الله عز وجل لهم من المعارف وفتح عليهم فتوحات جديدة"46".

•الوجه الثاني: هناك مسائل -غير قليلة-ثبت حكمها بالدليل الشرعي، تستلزم إعادة النظر فيها لتحقيق مناطها، كالمسائل التي بني حكمها على عرفٍ تغير أو على مصلحة تغيرت أو على ضرورة أو علة زالت، أو العكس، أو تحتاج إلى تحقيق مناط خاص، وكل هذه المسائل تحتاج إلى نظرة عميقة فاحصة من المجتهد، لذلك نجد الأمام الشاطبي يعد من أقسام الاجتهاد ما لا ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف، وهو: الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو: أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي -أي بدليله-، ولكن يبقى النظر في تعيين محله"47". فلو قال قائل لا أحد يخالف أن مصارف الزكاة ثمانية، وهي المذكورة في قول الله عز وجل: {إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ والْمَسَاكِينِ والْعَامِلِينَ عَلَيْهَا والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقَابِ والْغَارِمِينَ وفِي سَبِيلِ اللَّهِ وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} "48"، فما مجال الاجتهاد في هذه المسألة. فالجواب: يبقى باب الاجتهاد واسعاً فيها، فيبقى النظر في تحقيق مناط كل مسألة يسأل عنها الفقيه مما يستدل له بالآية. فلا أحد يخالف أن الفقير من مصارف الزكاة، لكن حصل خلاف بين الفقهاء في تحديد ضابط الفقر. وترتب على هذا الخلاف الاختلاف في الحكم على من يسأل عنه الفقيه، هل يعطى من أموال الزكاة أم لا؟ أي هل يتصف المسؤول عنه بالفقر فيكون من مصارف الزكاة، أم أنه غني لا يعطى من الزكاة؟ كما أن مسمى الفقر يختلف باختلاف الأزمان والأماكن، فمن يسمى فقيراً في البلاد الغنية قد لا يسمى فقيراً في البلاد الفقيرة، وهكذا في مسائل كثيرة. لذا عد الشاطبي هذا الاجتهاد بأنه لا ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف، وذلك عند قيام الساعة.

وقد ظهرت كثير من الإبداعات الاجتهادية عند الصحابة والأئمة الأربعة من بعدهم من خلال مراعاتهم الواقع في اجتهادهم، فقد جمع أبو بكر رضي الله عنه القرآن في عهده، وجمعه عثمان رضي الله عنه، وأمر عمر رضي الله عنه بقتل الجماعة بالواحد، وذهب عمر ووافقه الصحابة رضي الله عنهم، ووافقهم الأئمة الأربعة على أن طلاق الثلاث بفم واحد ثلاثا بعد أن كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر وسنتين من خلافته واحدة، وجمع عمر رضي الله عنه الصحابة على إمام واحد في صلاة التراويح مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصلها بالصحابة جماعة، وأمر عثمان رضي الله عنه بالتقاط ضالة الإبل مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك، واجتهادات كثيرة من هذا الباب.

الوجه الثالث: استجدت مسائل كثيرةٌ في عصرنا هذا لم تعرض للفقهاء قديماً فكان لا بد من اجتهادات المتأخرين وإبداعاتهم للإجابة عليها، ببيان وجه مشروعيتها، أو عدمه.
المطلب الثاني: مجالات الإبداع في الدراسات الفقهية في عصرنا:

تظهر مجالات الإبداع في الدراسات الفقهية في عصرنا، في الجوانب التالية:

دراسة المسائل الفقهية المستجدة في هذا العصر لبيان حكمها الشرعي. فقد استجدت مسائل فقهية في مجالات متعددة اقتصادية، وطبية، وسياسية، واجتماعية، وجب على العلماء دراستها لبيان حكمها الشرعي.
دراسة النظريات والأفكار التربوية والفلسفية، وبيان أحكام كل نظرية أو فكرة لمعرفة مدى موافقتها للإسلام للاستفادة منها، أو مدى مخالفتها للإسلام لتجنبها.
دراسة المسائل الفقهية المختلف فيها بين العلماء دراسة علمية موضوعية منهجية بعيدة عن التعصب لمعرفة الرأي الراجح والعمل به وبيانه للناس.
دراسة الفقه الإسلامي مقابلاً بالقانون الوضعي، وبيان عظمة الإسلام التشريعية.
الاستفادة من فكرة تقنين القانون الوضعي، وتقنين أحكام الفقه الإسلامي وعرضها وفق مواد قانونية؛ ليسهل تطبيقها والرجوع إليها، ولتحقيق العدل والمساواة في التطبيق.
عرض الفقه وفق نظريات، وجمع الأحكام الفقهية المتناثرة في نظرية ليسهل الرجوع إليها.
عرض الفقه وفق الحروف الهجائية، بصرف النظر عن موضوعه، وهذا ما يسمى بالعرض الموسوعي للفقه، كما في الموسوعة الفقهية الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية.
عرض الأحكام الفقهية على مواقع متخصصة على الأنترنت، كموقع جامع الفقه الإسلامي لشركة حرف لتقنية المعلومات، وموقع الوراق، والمكتبة الشاملة على موقع المشكاة.
عرض الأحكام الفقهية على أقراص مدمجة "CD-ROM"، كجامع الفقه الإسلامي، الصادر عن شركة حرف لتقنية المعلومات.
المبحث الرابع: مناقشة المخالف بأسلوب علمي"49":

أهم ما يميز الباحث عموماً، والباحث المسلم خصوصاً، أنه مأمور بحسن عرض ما عنده، ومناقشة المخالفين بالتي هي أحسن.

وحتى تتحقق الأصالة في البحث يجب مناقشة أفكار المخالفين بأسلوب علمي وفق القواعد التالية"50":

القاعدة الأولى: أن يكون هدف الباحث الوصول إلى الحقيقة، ويقتضي ذلك أن لا يتعصب لمذهبه، وأن يعتمد ما رجحه الدليل بصرف النظر عن قائله. وقد أرشدنا القرآن الكريم إلى ذلك لما خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمته أن يقولوا للمشركين في مناظرتهم لهم في أعظم قضية إسلامية، وهي توحيد الله عز وجل وعدم الإشراك به: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ الله وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}"51"، "وفي هذا غاية التخلي عن التعصب لأمر سابق، وكمال إعلان الرغبة بنشدان الحقيقة أنى كانت. ولما كان موضوع المناظرة الذي وردت هذه الآية في صدده توحيد الخالق أو الإشراك به، وهما أمران على طرفي نقيض، لا لقاء بينهما بحال من الأحوال، وهما يدوران حول أصل عظيم من أصول العقيدة الدينية، كان من الأمور البدهية أن الهداية في أحدهما أذ هو الحق، وأن الضلال المبين في الأخر أذ هو الباطل، ومن أجل ذلك كانت عبارة إعلان التخلي عن التعصب لأمر سابق، تتضمن الاعتراف بهذه الحقيقة""52".
وقد أصبح من موروثنا العلمي والثقافي القول «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»"53".

القاعدة الثانية: أن يتقيد الباحث بالعبارات المهذبة في عرض الرأي المخالف ومناقشته، وأن يتجنب الطعن، أو التجريح، أو الاستهزاء، أو السخرية، من الرأي المخالف أو تحقيره. وقد أمرنا الإسلام بذلك وأرشدنا إليه، قال الله عز وجل: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}"54"، وقال الله عز وجل: {ولا تُجَادِلُوا أَهْلَ الكِتَابِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}"55"، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسلم لا يتصف بتلك الصفات القبيحة في كل أمور حياته بما فيها التعامل مع المخالف وعرض رأيه ومناقشته فقال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء""56".
القاعدة الثالثة: التزام الباحث بتقديم الأدلة المثبتة أو المرجحة لما يدعيه.
والتزامه بإثبات صحة النقل عن الآخرين فيما ينقل، وقد تقرر عند أهل العلم قولهم «: إذا كنت ناقلا فالصحة، وإذا كنت مدعيا فالدليل.»

ويشهد لهذه القاعدة عموم الأدلة التي تأمر بمجادلة المخالفين بالتي هي أحسن.

القاعدة الرابعة: أن لا يكون الباحث ملتزماً في أمر من أموره بضد الدعوى التي يحاول أثباتها، فلا يدعي دعوى ويعتقد ضدها، لأن الضدين لا يجتمعان، وكل من يدعي دعوى ويكون معتقدا ضدها، تسقط دعواه. ومن أمثلة ذلك استدلال بعض من أنكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنه بشر، وزعمهم أن الاصطفاء بالرسالة لا يكون إلا لملكٍ أو ملك، أو أن يكون مع الرسول من البشر ملكٌ يرى، وقد ذكر ربنا عز وجل دعواهم في قوله: {وقَالُوا مَال لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ويَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا}"57".
القاعدة الخامسة: أن لا ينقض بعض كلام الباحث بعضه الأخر. ومثال ذلك قول الكافرين حينما كانوا يروا الآيات الباهرات تنزل على رسول الله {سحر مستمر}، كما حكى الله عز وجل عنهم ذلك في قوله: {وأن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر}"58". فكلام الكفار ينقض بعضه بعضاً؛ لأنهم ادعوا أن معجزة انشقاق القمر سحر، ووصفهم لهذا السحر أنه مستمر، يناقض ادعاءهم بأن معجزة انشقاق القمر سحر؛ لأن من شأن الأمور المستمرة أن لا تكون سحراً، ولا يتصور أن يكون الشيء الواحد سحراً ومستمراً في أن واحد.
القاعدة السادسة: أن لا يكون دليل الباحث على دعواه ترديداً لأصل الدعوى مقترناً ببراعة في التلاعب بالألفاظ.
القاعدة السابعة: أن لا يلجأ الباحث إلى الطعن في أدلة المخالف من غير حجة، كما قال الله عز وجل حكاية عن المشركين لما أعجزهم القرآن: {وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}"59".
القاعدة الثامنة: التسليم بالقضايا المسلمة والمتفق عليها، وعدم المكابرة والإصرار على إنكارها، فإن طالب الحق لا يكابر في إنكار الثوابت، وإن لم يقم مدعيها أدلة على صدق دعواه؛ لأن إقامة الأدلة على المسلمات والثوابت إضاعة الوقت، وقديماً قال الشاعر: وليس يصح في الإفهام شيء...إذا احتاج النهار إلى دليل.
القاعدة التاسعة: قبول النتائج التي يتوصل إليها بالأدلة الصحيحة، سواء كانت أدلة قطعية، أو تفيد ظناً غالباً. وعدم رد النتائج التي توصل إليها غيره أن كانت مبنية على ظن غالب بدعوى أنها نتائج غير قطعية. وكثيراً ما أكنت اسمع أنصاف المتعلمين يتناقشون مع غيرهم في مسألة فقهية، فإذا أراد التهرب من مخالفه قال له أريد دليلاً قطعياً لأثبات ما تقول، مع أن الدليل الذي يثبت ظناً غالباً يكفي لأثبات المدعى في تلك المسألة.
المبحث الخامس: نتائج البحث وتوصياته:

يقع بعض الباحثين في قصور أو أخطاء، تقلل من قيمة نتائج بحثهم. ولما كانت نتائج البحث ثمرته المرجوة منه، فأن أي خلل فيها يجعل جهد الباحث ضائعاً كأن لم يكن، وتوقع من يأتي بعده من الباحثين ممن بنوا أبحاثهم على نتائج بحثه في أخطاء، فيؤدي الخطأ في نتائج أي بحث إلى أخطاء متكررة في مسيرة البحث العلمي. وتتفاوت هذه الأخطاء بحسب جسامة التقصير أو الخطأ في النتائج التي يعتمد عليها الباحثون ومدى ثقتهم بنتائج من سبقهم.

والأصل أن لا يبدأ الباحث من نقطة الصفر، وأن يستفيد من جهود من سبقه، ويكفيه لاختبار نتائجهم بعرضها على الثوابت والمسلمات، للتأكد من صحتها.

والمراد بنتيجة البحث: ثمرته، وهي الحقائق أو المعارف التي توصل الباحث إليها، بعد عرض الآراء والأدلة، ومناقشتها، ودراستها بموضوعية.

ولا بد لأي بحث جاد أن يوصل إلى نتائج، والبحث الذي لا يوصل إلى أية نتيجة يكون جهداً ضائعاً. وقد يكون سبب ذلك أخطاء وقع فيها الباحث، كتقصير في اختيار موضوع بحثه، أو في منهجه، أو في وسائل البحث وإجراءاته.

وإذا اتبع الباحث منهجاً علمياً مناسباً لبحثه، وخطوات سليمة فأنه سيصل إلى نتائج صحيحة. وعدم صحة النتائج أو عدم وضوحها، أو عدم نضجها، يرجع إلى أسباب متعددة، يمكن للباحث إذا تنبه لها أن يتجنب الوقوع فيها.

وأول ما يطلب من الباحث أن يحدد موضوع "مشكلة" بحثه، ثم المنهج العلمي الذي يناسب هذا البحث، ثم يجمع المادة العلمية للبحث من غير تقصير، فيرجع لما يحتاج إليه، حتى لو كان مخطوطاً، أو تجارب علمية، أو مقابلات واستطلاعات، ثم يدرس المادة العلمية التي بين يديه، ويحللها، ويستدل للآراء بموضوعية، ثم يخلص إلى النتائج.

ويرجع سبب عدم صحة النتائج أو عدم وضوحها، أو عدم نضجها إلى النقاط التالية:

ضعف الباحث العلمي، فالأصل أن لا يسلك طريق الدراسات العليا التي لا بد فيها من الأبحاث العلمية إلا الطلبة المتميزون؛ لأن ضعف الباحث ينعكس على بحثه عموماً ونتائجه خصوصاً، ولا يستطيع الباحث الضعيف التوصل إلى نتائج صحيحة.
عدم موضوعية الباحث وتعصبه، بحيث تكون في ذهنه نتائج مسبقة يسعى لأثباتها، وفي هذه الحالة نجد الباحث يتحمس لرأي معين قبل بحثه أو استكمال بحثه، فيستدل بآيات أو أحاديث ضعيفة الدلالة، أو بأحاديث ضعيفة، أو يتجاهل الأدلة القوية التي تؤيد الرأي الأخر.
استعمال العبارات العاطفية والمرنة في صياغة وعرض نتائج البحث تجعلها غير واضحة، فنتائج البحث يجب أن تكون نقاطاً واضحة محددة أدى البحث الجاد إليها.
عدم فهم الباحث للمراد بنتائج البحث! فالأصل أن يكتب الباحث نتائج حقيقية توصل إليها من خلال بحثه. فلا يكتب مسلمات ونتائج لا يخالف فيها أحد إذا لم يكن بحثه قد أوصله إليها. ولا يكتب نتائج لقضايا تعرض لها أثناء بحثه لكنه لم يبحثها بحثاً علمياً. ولا يجعل نتائج البحث خلاصة وملخصاً لبحثه. فالنتيجة لا تعد نتيجة علمية إلا إذا توصل إليها الباحث بعد عرض الآراء والأدلة ومناقشتها ودراستها بموضوعية.
العجلة في البحث، وعدم استقصاء الأدلة، أو عدم فهم دلالتها، أو عدم الوقوف على صحة الأحاديث والأثار التي استدل بها. وهذه العجلة تؤدي إلى خطأ في عزو الآراء لأصحابها، أو خطأ في فهم مذهب عالم من العلماء. فأحيانا يكون العالم متوقفاً، أو لا يصرح بمذهبه في المسألة، ويحتاج لمعرفة رأيه إلى تأمل فيما كتب؛ لأن النظرة الأولى السريعة في كلامه قد توحي بخلاف مذهبه الحقيقي.
عدم تفريق الباحث بين النتائج والتوصيات، فيجعل التوصيات أو بعضها ضمن النتائج، وفرق بينها؛ فالنتيجة كل ما توصل له الباحث بعد دراسة وعرض أدلة ومناقشة وترجيح. أما التوصيات فلها صور:
الأولى: أن تكون التوصية مبنية على إحدى نتائج البحث، ومحققة لثمرته المرجوة منه، وتقود إلى استثمار عملي تطبيقي للنتيجة.
الثانية: أن تكون التوصية تتعلق بمسألة ذات صلة بالبحث، رأى الباحث أنها مهمة، وبحاجة إلى دراسة وتحقيق، لكنه لم يدرسها؛ لأنها خارجة عن موضوع بحثه، أو لأن صلتها به ضعيفة.
الثالثة: أن تتعلق التوصية بمسألة قصر البحث عن الوصول إليها لعدم توفر بعض البيانات أو لعدم وجود الأدوات اللازمة، فيوصي الباحث إعادة دراسة المسألة في حال ظهور بيانات جديدة تعين على الوصول للنتائج المرجوة.
الخاتمة: في نتائج البحث:
البحث العلمي: دراسة تتسم بالدقة لموضوع، وفق مناهج معتبرة، غايتها تحقيق أهداف حددها الباحث.
تشتمل خطة البحث ابتداءً العناصر الأساسية التالية: عنوان البحث، وموضوعه، وحدوده، وأهدافه وأسئلته، وأهميته، وأسباب اختياره، وأدواته، ومصطلحاته، والدراسات السابقة، ومنهج البحث وإجراءاته "خطواته."
يضاف للخطة بعد انتهاء البحث: الإهداء، والشكر والتقدير، والعقبات التي واجهت الباحث، وملخص البحث.
الأصالة والإبداع صفتان للبحث الجاد، وأقل ما يقبل في البحث اتصافه بالأصالة.
أصالة البحث: استقصاء مادته العلمية من مصادرها، وبناؤها على أسس صحيحة قوية، وقواعد سليمة، ومناقشة المخالف بأسلوب علمي.
الإبداع في البحث العلمي: تميزه واشتماله على إضافة علمية جديدة.
نتيجة البحث: ثمرته، وهي الحقائق أو المعارف التي توصل الباحث إليها، بعد عرض الآراء والأدلة، ومناقشتها، ودراستها بموضوعية.
الهوامش:
سورة العنكبوت، آية 48.
معجم تهذيب اللغة للأزهري 1/278.
أصول البحث العلمي ومناهجه لأحمد بدر ص 20.
أصول البحث العلمي ومناهجه لأحمد بدر ص 20.
منهج البحث في الفقه الإسلامي خصائصه ونقائصه لعبد الوهاب" أبو سليمان" ص .216
المصباح المنير للفيومي ص 434، وانظر: العنوان الصحيح للكتاب للشريف حاتم العوني، ص15-17.
فالمطلع هو: العنوان. والمقطع هو: أخر البحث أي: خاتمته. قال الفيومي في المصباح المنير ص 509: "ومنقطع الشيء بصيغة البناء للمفعول حيث ينتهي إليه طرفه"، وجاء في المعجم الوسيط ص746: "المقطع من كل شيء أخره حيث ينقطع وينتهي".
غمز عيون البصائر لأحمد الحموي 2/180.
لا فرق بين اسم الكتاب وبين عنوانه -غالباً-؛ لأن العنوان هو الكلام الذي يكتب على واجهة الكتاب يدل على مضمونه ويظهر محتواه، وأغلب المؤلفين يضعون أسماء مؤلفاتهم على أبرز مكان في الكتاب، وهو غلافه، فيكون ما وضعه المؤلف على غلاف كتابه هو عنوان الكتاب، وهو اسمه أيضاً. انظر: العنوان الصحيح للكتاب للشريف حاتم العوني ص 17.
تحقيق اسمي الصحيحين، واسم جامع الترمذي، عبد الفتاح أبو غدة، ص 9-32، العنوان الصحيح للكتاب للشريف حاتم العوني ص 50. واسم جامع الترمذي كما حققه الشيخ أبو غده ص 55، 79: “الجامع المختصر من السنن عن رسول الله r ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل”.
العنوان الصحيح للكتاب للشريف حاتم العوني ص 50-52.
كتابة البحث العلمي صياغة جديدة لعبد الوهاب" أبو سليمان" ص 59.
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش 17/415.
والأهداف التربوية: مجموعة من العبارات التي تصف السلوك المتوقع القيام به بعد مرور المتعلم بخبرة تعليمية معينة.
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 1/35.
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 1/36.
أصول البحث العلمي ومناهجه د.أحمد بدر ص 35.
أصول البحث العلمي ومناهجه د.أحمد بدر ص 35.
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 1/ 35.
أحيانا يخطئ الباحث في كتابة بعض الآيات القرآنية، وهذا شنيع. وحتى لا يقع في مثل هذا الخطأ، فالأصل أن يكون المصحف العثماني محملاً على جهاز كمبيوتره، وما عليه إلا نسخ الآيات المطلوبة، ثم لصقها في المكان المراد في البحث. وهذا يريح الباحث من عناء طباعة الآيات وضبطها، ويخلصه من الوقوع في الخطأ، إضافة إلى أنه يحقق مزية أثباته الآية بالرسم العثماني لا بالرسم المتعارف عليه.
يلاحظ أنه لا يقبل حديثيا تخريج الحديث من مصدر حديثي لم يرو الحديث بسنده، فلا يصح تخريج الحديث من نيل الأوطار، أو سبل السلام أو رياض الصالحين، أو الترغيب والترهيب، وما أشبهها.
يكتب الإهداء، والشكر والتقدير، في رسائل الماجستير والدكتوراه، ولا يكتب في غيرهما من الأبحاث.

هوامش الدراسة والبحث
1- سورة العنكبوت، آية 48.
2- معجم تهذيب اللغة للأزهري 1/278.
3- أصول البحث العلمي ومناهجه لأحمد بدر ص 20.
4- كتابة البحث العلمي صياغة جديدة لعبد الوهاب" أبو سليمان" ص 59.
5- شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش 17/415.
والأهداف التربوية: مجموعة من العبارات التي تصف السلوك المتوقع القيام به بعد مرور المتعلم بخبرة تعليمية معينة.
6- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 1/35.
7- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 1/36.
8- أصول البحث العلمي ومناهجه د.أحمد بدر ص 35.
9- أصول البحث العلمي ومناهجه د.أحمد بدر ص 35.
10 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة 1/ 35.
11- المنهج العلمي٫ موقع ويكيبيديا ٫ الرابط : https://ar.wikipedia.org
البحث العلمي في تكنولوجيا التعليم ٬ من على الموقع : https://maktabeti.com/ ٫ بتاريح 11-06-2019.
12- منهجية إعداد بحوث الدراسات العليا ٬ على احمد علي ٬ على الرابط: https://www.marajie.com ٬ بتاريخ: 11-06-2019
13- ذكر هذه القواعد الأستاذ عبد الرحمن الميداني في ضوابط المعرفة ص -373 379، تحت عنوان: "توجيهات إسلامية إلى القواعد العامة للجدال بالتي هي أحسن."
14- مصطفى محمود٬ قواعد البحث العلمي ومناهجه٫ دار المعرفة: بيروت٬ 2013 ٬ ص ص 201-208.



#حسين_مطاوع_الترتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطوات البحث العلمي الرصين وأهم نتائجه


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين مطاوع الترتوري - خطوات البحث العلمي الرصين وأهم نتائجه