|
الفساد في البلاد العربية
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6268 - 2019 / 6 / 22 - 19:16
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
سوف أعرض عليكم تحديات الفساد في البلاد العربية ، ولكن من وجهة نظر ليبرالية ديمقراطية خالصة ، ولن نتهاون إنشاء الله في تسمية الأشياء بمسمياتها ، وفي هذا سنتعرض لشيئين أصابا البلاد العربية بالضعة والهوان ، وهما الميوعة وعدم الوضوح واللامبالات لدى أحزاب السلطة الحاكمة ، ولن نزيد على ذلك وسوف نذكركم بما ورد في كتابنا - الطريق إلى الليبرالية الديمقراطية - ، وهناك قلنا : - إن الفساد في البلاد عرضي سببه التوزيع غير العادل للثروة وهيمنة قوى معينة على مقدرات الدولة - هذا الشيء جعل من غير الممكن العلاج من خلال الوسائل الذاتية ، ولهذا تطلب الإستعانة بالغير الأجنبي في عملية التغيير ، ومع ذلك لم تنتج تلك العملية سوى الفوضى وزيادة نسبة الفساد وتعدد وجوهه .
ولعل الأمية السياسية والجهل وهيمنة فئات تفتقد للحس الوطني والأخلاقي ، قد نمى وزاد في مناسيب الفساد بالحدود غير المألوفة ، ولم يختلف أثنان في أن الفساد عرض زائل لكن أسباب زواله تحتاج إلى حركة من نوع خاص ، هي ثورة في كل المقاييس هي حركة النقلة ، وهذا ما لم يعد متاحاً في ظل تبدل قوى العمل السياسي وإرادات الدول ذات المصالح الضيقة ، والتي لم يعني لها التغيير والبناء الديمقراطي الصحيح شيئا بالمدى المنظور ، ولديها تغليب للمصالح على القيم والتي هي عندها الشيء المباح والمتاح في نفس الوقت ، ولهذا فشلت التجربة في العراق وفي اليمن وفي سوريا وستفشل إذا ما طبقت في إيران ، وتعالوا ننظر للأمر من وجهة نظر محايدة
ونقول : - وهل إن سلامة العمل السياسي يكون لدى الأغيار في سلامة التوجه الوطني ؟ - .
ونقول : - لا فالأغيار لا يهمهم من هذا كله سوى مصالحهم ، ومن حيث تكون ومن حيث تتحقق فهذا هو المطلوب .
وأما الشعارات أو الإرادات الوطنية فليس لها محل من الأعراب عندهم ، وهم في ذلك يعملون بالمقولة القديمة في صحة عمل الحاكم وإن كان قاطعاً للطريق ، مادام يحقق المصلحة ويؤدي ما عليه من ضرائب ، إذن فالتعويل على الغير في التصحيح ومكافحة الفساد هي أمنية بعيدة المنال ، وإنتظار الفرج من خلال ذلك عبث وعمل في الممنوع .
ونعود لنقول إن الحل يكمن في الإرادات الوطنية الشريفة ، والسؤال وهل هناك لازال إرادات وطنية شريفة ؟ ، وسنقول بتجرد نعم لكن صوتها خافت في ظل هذه الإرجوحة التي صنعها المحتل ومن جاء في حضنه وعلى أكتافه ، ولكي تتم عملية النقلة نحتاج إلى وحدة الصف والتراص والإيمان بالوطن المشترك الجامع ، وفي ذلك ثمة مسؤولية أخلاقية وإجتماعية وسياسية ، والتصدي لها يتطلب المزيد من الصبر والتأني والثقة ، بأن الحياة هي دورات وليس دورة واحدة ، ولعل القرآن المجيد أدلى بدلوه في هذا حينما قال : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ، ومفهوم المداولة قضية حتمية بل هي صيرورة إجتماعية وإنسانية ، ولهذا نعد المفسدين مهما علا صوتهم وتمرسوا في أساليب الفساد وفنونه ، إن الشعب قاهر وهو الباقي بعد الله وبيده القدرة على محو أثار الفساد والطمع والدونية والتحرش بمستقبل الأجيال ، وفي هذا المضمار لابد من تدشين وترسيخ ثقافة الوعي العام الوعي الجماهيري ليكون هو الدافع والمحفز لتوكيد النظرة الوطنية الخالصة .
نعم إن السبيل إلى ذلك هو نفسه السبيل للقيم الأخلاقية وللإيمان بالله وباليوم الأخر ، فكل نزاع أو خلاف أو تشاكس حول الأحقيات في المجال الوطني هو فساد وهو تهديم للوطنية وأسسها ، وهذا الشيء قلناه حين كان خطر الإرهاب يمزق الوطن ويحاول دثر معالم الوحدة الوطنية ، في ذلك الوقت تعرضت سلامة الوطن للخطر، وتعرض المواطن لنوع من الهزات التي كادت أن تبعده بعيد جداً ، وسوف نتذكر بإجلال تلك الفتوى الشجاعة التي سجلت حضوراً لافتاً في صيانة الوطن ووحدته ، وقضت مع الإيام على فتنة الدجال ، وبالنسبة لنا لم تكن قضية الوطن تدخل في حسابات الربح أو الخسارة ، بل كان الحساب هو البناء والتقدم وليس غير ذلك ، ولكن بعض النفعيين وأعوان الغريب لم تكن سلامة الوطن تعني لهم شيئا مقدساً ، ولهذا حين أختلفوا أختلفوا في الموقف منه ، فعرضوا السلامة الوطنية للخطر الجدي
لقد أثبتنا بالدليل إن الفساد هو العدو الأول للوطن والمواطن ، وأثبتنا إن النفعيين والوصوليين والمرابين لا يعملون إلاّ من أجل مصالحهم الشخصية ، وهم يفعلون كل قبيح من أجل ذلك وكلما هدأت نار الفتنة والفساد أوقدوا لها باباً لتظل مستعرة ، وهذا ليس بغريب إنما الغريب أن لا يفعلوا ذلك فالوطن عندهم حقيبة مال وأرصدة وعمارات في دول الخليج وأستثمارات باطلة هنا وهناك ، حتى عم الفساد في البر والبحر ، ومعهم لم يتحقق للشعب سوى الخوف ونقصان الكرامة والإضطهاد والتخوين والتخويف وزرع الفتن وخلق التوتر وإشعال النيران ، لذلك نقول إن الفساد من الأشياء التي لا يختلف في تعريفها ، لدى الجميع وإن أختلفوا في أشياء كثيرة لأنه ببساطة يعني جعل الأكثرية الساحقة من الشعب في حالة من الاضطهاد ، الذي يسلبهم إمكانية الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وكراماتهم ، إن تحقيق مصالح فئة أو أقلية من البشر يجعل من غير الممكن الإيمان بمعنى الوطن أو الشعور به ، وواحدة أخرى من قضايا الفساد هي ضعف الحكومة وسيادة النزعة القبلية وفقدان هيبة الدولة والقانون ، مما سخر إمكانيات الشعب لتكون رهناً لفئة النفعيين ومصاصيي الدماء ، إن تصعيد الموقف ضد الفساد لم يأت بوحي من الأخر ، ولكنه كان حاجة وضرورة بعدما تفاقم الوضع وأصبح الأمر لا يطاق على كل الصعد ، نعم لن نغلق الباب وسنظل متجاوبين مع كل دعوة لرفع الحيف والمعانات من على هذا الشعب المسكين ، إن شرطاً وحيداً يقربنا من الجميع حين نرى ونشاهد الهمة والدقة والنزاهة وعدم المحابات وإحترام القانون ، وإعادة الهيبة لمؤوسسات الدولة ، وفي ذلك يكون الكلام عن إمكانية تغيير الحال واردة في الحسبان ، وحتى تحين تلك اللحظة سنظل مع الشعب نجاهد معه ونشد على يديه وهو يطالب بكرامته وحقوقه وحرياته ..
راغب الركابي
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عيد العمال العالمي
-
الإرهاب في عيد القيامة
-
هزيمة المسلمين
-
وهم العقل الإسلامي
-
عيد النوروز
-
صحيح البخاري
-
بمناسبة الحكم الصادر على قتلة الشهيد حسن شحاته
-
الزواج المدني
-
رسالة مفتوحة إلى الأخ الرئيس برهم صالح رئيس الجمهورية
-
داعش تعود من جديد
-
أمُنيات 2019
-
الدولة الفاسدة
-
تظاهرات في فرنسا
-
لإحتفال الدولي بنهاية الحرب العالمية الأولى
-
العلاقة بين الفكر والسلطة
-
القوي الأمين
-
القانون المخروم
-
زمن التوافه
-
مقابر المسلمين
-
الحكومة العتيدة
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|