|
حماس وتحديات الداخل والمحيط
إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي
(Driss Lagrini)
الحوار المتمدن-العدد: 1543 - 2006 / 5 / 7 - 11:59
المحور:
القضية الفلسطينية
أحدث فوز حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات الأخيرة، جدلا واسعا على الصعيد المحلي وفي الأوساط الفكرية والسياسية والمجتمعية الإقليمية والدولية. وإذا كان هذا الفوز هو نتاج لممارسة ديموقراطية جديرة بالتقدير، فهو أيضا تعبير عن إرادة شعبية عارمة باتجاه تغيير تدبير الشؤون الداخلية بشكل أفضل وبمقاربة القضية الفلسطينية دوليا وفي مواجهة إسرائيل بمنطق آخر. غير أن هذه الإرادة الفلسطينية التي عبرت عنها صناديق الاقتراع، ستواجه بمجموعة من الضغوطات الخارجية - وبخاصة الإسرائيلية والأمريكية منها- التي تحاول توجيه مسار الحياة السياسية الفلسطينية بالشكل الذي يتماشى ورغباتها واستراتيجياتها. الأمر الذي يفرض مجموعة من التحديات على حركة حماس في بداية طريق دخولها معترك تدبير الشأن العام الفلسطيني. أولا: فشل الخيار التفاوضي وتزايد المشاكل الداخلية بعد انطلاق مفاوضات السلام في بداية التسعينيات من القرن المنصرم، إثر إبرام اتفاقيات أوسلو وانعقاد مؤتمر مدريد، سادت آمال واسعة وعريضة داخل الأوساط الفلسطينية والعربية وحتى الدولية، بإمكانية تسوية القضية بشكل سلمي وعادل، وهكذا وبعد أن ظلت القضية لسنوات طويلة تطرح كأولوية كبرى ضمن مؤتمرات ولقاءات عربية وإسلامية ودولية (الجامعة العربية، المؤتمر الإسلامي، الجمعية العامة للأمم المتحدة، حركة عدم الانحياز..)، انتقلت لتدار عبر مفاوضات غير متكافئة بين طرف فلسطيني- السلطة الفلسطينية- وحيد وضعيف - في ظل تشرذم عربي- وخصم عنيد قوى ومعزز بتواطؤ وحماية أمريكيين، الأمر الذي سينعكس بدوره سلبا على الحضور القوي الذي كانت تحظى به القضية ضمن خطابات المجتمع السياسي والمدني العربيين والإسلاميين. لكن مسار هذه المفاوضات سيعرف تطورا كبيرا، فبعد مرور أكثر من عقد من الزمن على انطلاق هذه التسوية جاءت حصيلة هذا الخيار مخيبة للآمال، فعلى الجانب الآخر من مسلسل المفاوضات، استمرت إسرائيل في تهديم البيوت الفلسطينية واغتيال رموز المقاومة والتوغل العسكري في المناطق الفلسطينية الآهلة بالسكان وتدمير البنيات التحتية، بذرائع ومبررات مختلفة، واعتقال الفلسطينيين, وبناء المستوطنات وإقامة الحواجز وفرض العقوبات الجماعية وتقييد حرية تحرك المواطنين بجدار فصل يؤكد الخيارات الحقيقية لإسرائيل ويفرغ هذه المفاوضات والاتفاقات من قيمتها ومحتواها ويهمش الجهود الودية الدولية الرامية لاحتواء الصراع وحله. ومن جانب آخر، لا تخفى الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الكارثية التي أفرزتها هذه السلوكات اليومية على الداخل الفلسطيني، فقد ارتفعت نسبة البطالة نتيجة التضييق المستمر على تحركات المواطنين باتجاه الأراضي المحتلة من أجل الالتحاق بعملهم وأشكال الحصار اليومي على الشعب الفلسطيني (نشير هنا إلى أن بعض التقارير ذكرت أن نسبة البطالة في الضفة الغربية بلغت 63.3 بالمائة, وتعيش 55 بالمائة من الأسر الفلسطينية تحت عتبة الفقر, فيما فقد حوالي 77 ألف عامل فلسطيني عملهم. كما استهدفت القوات الإسرائيلية حوالي 2465 من المنازل والمنشآت المدنية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية منها 1500 منزل دمر بشكل تام). وفي الوقت الذي كانت فيه المؤسسات الخيرية لحركة حماس المرتبطة بالقطاعات التربوية والاجتماعية تعمل بمصداقية ونزاهة، كانت هناك مظاهر مختلفة من الفساد المالي والإداري والسياسي تستشري في بعض مؤسسات السلطة، ناهيك عن ظهور حالات متزايدة من الانفلات الأمني.. إلى جانب ذلك، برزت بعض مظاهر الانقسام والصراع داخل حركة فتح، وبخاصة بعد رحيل الزعيم ياسر عرفات، وهو الأمر الذي تبين بشكل واضح في دخول الانتخابات بشكل يطبعه التمزق (نشير هنا مثلا إلى دخول مجموعة من المرشحين هذه الانتخابات بصفة مستقلة رغم أنهم من الحركة في مواجهة قائمة فتح نفسها، بالشكل الذي أسهم في تشتت الأصوات لصالح حماس). وكل هذه العوامل أسهمت بشكل ملحوظ في تراجع صورة هذه الحركة في الداخل الفلسطيني. وقد استثمرت حماس - التي تزايدت شعبيتها ومصداقيتها رغم الاغتيالات التي طالت زعمائها في الأشهر الأخيرة – كل هذه المعطيات لصالحها في حملتها الانتخابية، حيث رفعت شعارات عديدة من قبيل تأكيد خيار المقاومة ومواجهة الفساد ونهج سياسة إصلاحية شاملة. ثانيا: بين انتظارات الداخل وضغوطات المحيط إن المتأمل في نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة، والظروف التي مرت منها، يجد أنها تعطي انطباعا حقيقيا بإرادة الشعب الفلسطيني نحو التغيير سواء على مستوى تدبير الشؤون الداخلية أو في التعامل مع المحيط في ارتباطه بتدبير القضية بشكل أكثر فاعلية وبمردودية أفضل، ومن تم فهي دعوة لمقاومة المحتل وللإصلاح الداخلي. إن هذا الفوز سيقابل باشتراطات دولية وبتحفظات أمريكية كبيرة وبعدم ارتياح إسرائيلي، وبخاصة وأن حماس تعتبر حركة "إرهابية" من منظور هاتين الدولتين. وهذه المعطيات مجتمعة تجعل الحركة في موقف داخلي ودولي لا تحسد عليه، فهي أمام وضع داخلي مترد على المستوى الأمني والاجتماعي والاقتصادي.. كما أسلفنا، ومحيط إقليمي ودولي متربص، مما يضع على عاتقها مسؤوليات وتحديات جسام. فالعديد من الدول أضحت تلوح بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني إذا ما لم تعترف الحركة بإسرائيل وتلقي سلاح المقاومة جانبا، وكأن هذه المساعدات هي ثمن للتخاذل والتراجع والتواطؤ.. ولذلك فحماس مجبرة من جهة على التعامل بشكل إيجابي مع هذه الملفات الداخلية والالتزام بتعهداتها أمام الشعب الفلسطيني الذي منحها ثقته ارتباطا بإصلاح الأوضاع الداخلية ومقاومة المحتل. ومن جهة أخرى تجد نفسها مطوقة بالعديد من الضغوطات الإقليمية والدولية باتجاه حثها التراجع عن بعض مواقفها، مما يفرض حذرا كبيرا بهذا الخصوص. ولعل الغريب في الأمر هو أن جل الضغوطات توجه نحو طرف ضعيف في موقع الدفاع عن النفس وبإمكانيات بسيطة.. في معادلة غير متكافئة كما قلنا، كما أنه وصل للسلطة بوسائل مشروعة وسلمية في زمن التبشير بالمشاريع والوصفات "الديموقراطية"، على الرغم من أن الموضوعية تقتضي أن توجه هذه الضغوطات أساسا باتجاه إسرائيل التي مارست وتمارس مظاهر مختلفة من العنف والإرهاب في الأراضي المحتلة وتتهرب بشكل مستمر من التزاماتها. إن إصرار الولايات المتحدة على تقديم مساعدات سخية وغير مشروطة لإسرائيل منذ قيامها وعلى الرغم من علمها المسبق من توظيفها في تعزيز الخناق على الفلسطينيين واغتصاب حقوقهم، يقابله هذا الابتزاز الموجه لحماس نتيجة مواقفها المشروعة في مواجهة المعتدي المحتل، بل إن المساعدات التي كانت تسلمها للسلطة ظلت مشروطة بمجموعة من الضوابط. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مسار الحركة والوعود التي رفعتها أمام أنصارها خلال حملتها الانتخابية الأخيرة، فلن يكون من السهل عليها أن تقدم بين عشية وضحاها اعترافا مجانيا لإسرائيل أو أن تتخلى عن خيار المقاومة. والمنطق يقتضي ألا تقدم على أي تنازل (التخلى عن السلاح والاعتراف بإسرائيل...) ولا تخضع لأي ضغوطات دولية أو إسرائيلية كيفما كانت، إلا مع وجود ثمن حقيقي يخدم المطالب الفلسطينية المشروعة، فتصويت الشعب الفلسطيني على خيار "المقاومة" أمر ينبغي على حماس احترامه مادامت الحقوق مهضومة والتعسف قائم. إن قوة الحركة وشرعيتها- باعتبارها طرفا أساسيا في مركز صناعة القرار السياسي الفلسطيني الحالي - لا ينبغي أن تستمد من المحيط الدولي والرضا الأمريكي والإسرائيلي بقدر ما ينبغي أن تستند وتراهن أولا وقبل كل شيء على ثقة الفلسطينيين أنفسهم، لأنهم في المحك ويعلمون بشكل واضح حجم التحديات التي تواجههم وواعون باختياراتهم. والحقيقة أن تدبير ملفات بهذا الحجم وعلى هذه الخصوصية يتطلب التأني وعدم التسرع، والمقاومة لا يمكن حصرها في العمل العسكري فقط، فهي بحاجة إلى التطوير والتكييف مع المعطيات والوضع الحاليين، وأعتقد في هذا الخصوص بأن التدبير الجيد للملف أيضا والقدرة على انتزاع مزيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بالسبل السلمية من خلال توظيف مجموعة من الأوراق المتاحة، وإخراج الشعب الفلسطيني من المحن الاقتصادية والاجتماعية.. داخليا والتحلي بالنزاهة وحسن التدبير في ظل كل الإكراهات، هو استمرار للمقاومة أيضا بشكل آخر. ثالثا: إسرائيل ومطلب الاعتراف المجاني يمكن القول، إن الأحكام الجاهزة والمسبقة التي أصدرتها العديد الدول بخصوص حماس جاءت في غالبيتها متراوحة بين التسرع والمبالغة، ولم تستحضر مجموعة من المعطيات التي تظهر حسن نيتها ومرونتها- حماس -، فقد عبرت هذه الحركة في الأشهر القليلة الماضية عن اعتدال ومرونة ونضج سياسي – في خطاباتها وسلوكاتها- عندما انخرطت في العمل السياسي وأقرت باحترام الضوابط السياسية والديموقراطية، ودخلت الانتخابات البلدية الفلسطينية التي فازت خلالها بمقاعد مهمة، وعبرت عن إمكانية عقد هدنة محددة مع الإسرائيليين ووقف العمليات الاستشهادية وإطلاق الصواريخ على المستوطنات الإسرائيلية، وانخرطت في الانتخابات التشريعية الأخيرة. ومع ذلك تظل حماس بحاجة إلى وقت كاف حتى تتبين لها الأمور، فتدبير الأزمة في مواجهة إسرائيل، يقتضي معرفة القدرات والإمكانيات والأوراق المتاحة وحقيقة قدرات وإمكانيات ونوايا الخصوم، ومن تم فمطالبة حماس بالاعتراف المبكر بإسرائيل.. هو أمر يحمل بين طياته قدرا من المبالغة، فسحب بند عدم الاعتراف من ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها تطلب مدة زمنية لم تكن بالقصيرة. ومعلوم أن حماس لم تستبعد بدورها إمكانية إعادة النظر في بعض بنود ميثاق الحركة والاتصال بإسرائيل والانخراط في هدنة طويلة الأمد معها، إذا ما أقدمت هذه الأخيرة على الانسحاب من أراضي 1967 والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. إن الصرامة التي تبدي بها حماس مواقفها ينبغي أن تقرأ في جانب مهم منها على أنها رد فعل على التشدد الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي، فإسرائيل بلد محتل ويملك إمكانيات عسكرية كبيرة ومعزز بدعم مالي وإعلامي وسياسي وعسكري.. أمريكي. ولعل دخول السلطة بهذه الصرامة وبهذا الخطاب هو في صالح القضية وبإمكانه أن يؤدي إلى انتزاع الحقوق، طالما لم تحقق الخيارات التفاوضية الودية الأخرى التسوية العادلة المنشودة. ومن ناحية أخرى، فالمحيط الدولي ليس من اختصاصه إجهاض مسلسل ديموقراطي أفرز نجاح حركة تطالب بحقوق مشروعة. كما أن الولايات المتحدة التي تقود هذا الضغط الممنهج ضد حماس، لن تستطيع بدورها إجبار إسرائيل على احترام التزاماتها المفترضة أو منعها من مواصلة التدمير والاعتقال والاغتيالات في الأراضي المحتلة حتى في حالة اعتراف حماس بإسرائيل وإلقاء سلاح المقاومة جانبا. والغريب في الأمر أن الضجة التي رافقت وصول حماس إلى البرلمان الفلسطيني وحثها على الالتزام بالاتفاقيات المبرمة..، قابلها استخفاف وتنكر كبيرين من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا لالتزاماتهما المرتبطة بضمان حماية الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات وبعض رفاقه في معتقلهم بسجن أريحا، الأمر الذي أتاح إمكانية اعتقالهم من قبل السلطات الإسرائيلية في خرق صارخ للاتفاقات المبرمة. إن التنكر للاتفاقيات المبرمة بين الطرفين هو أمر لا يخدم سوى الفوضى، فإسرائيل بتماديها في التنكر لهذه الاتفاقيات وقطع المستحقات المالية على الفلسطينيين وتحريض المجتمع الدولي ضد حماس التي تمثل حاليا فئة عريضة من الشعب الفلسطيني، هو أمر سيقوض السلطة الفلسطينية ذاتها ويسهم في تردي الأوضاع، ويفرض عليها - إسرائيل- تحمل تبعات تدبير الشؤون الفلسطينية من جديد، في حين أن تجاهل حماس لهذه الاتفاقيات - التي جاءت نتاج تضحيات جسام أبلاها الفلسطينيون بكل فئاتهم - هو أمر سيفقد القضية تعاطف المجتمع الدولي وسيزيد من معاناة الشعب الفلسطيني. كما أن دفع الولايات المتحدة وإسرائيل باتجاه قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني ومطالبة الدول والمنظمات الدولية بقطع المعونات عن الشعب الفلسطيني، هو سلوك يمكن أن يجر إلى فوضى عارمة في الأراضي المحتلة الفلسطينية، بالشكل الذي يثقل كاهل المحتل أيضا ويرجع الأمور إلى الأوضاع التي سبقت عقد اتفاقيات السلام. الأمر الذي يفرض تفهما إسرائيليا بالمطالب المشروعة لحماس وتشجيعها بسلوكات ميدانية وواقعية على الانخراط في التسوية السلمية. وأمام تزايد التلويح بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، تفرض مجموعة من الأسئلة نفسها: فانطلاقا من كون الالتزام بالاتفاقيات المبرمة أمر تفرضه مصالح الطرفين - وإن بأشكال متباينة -، فهل يمكن قراءة التهديدات الإسرائيلية والأمريكية بقطع المساعدات على الفلسطينيين، وردود حماس عليها بعدم الاعتراف بإسرائيل واستمرار المقاومة على أنه مناورة ومحاولة لإعداد الأجواء النفسية لاتخاذ خطوات حاسمة، أو لجر الأطراف المعنية نحو كشف النوايا بشكل مبكر؟ وكيف ستدبر الحركة الشؤون العامة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تعيشها السلطة والتي عمقها قطع المساعدات الأمريكية والمستحقات الإسرائيلية بعد تكليف حماس بتشكيل الحكومة؟ وهل تملك حماس فعلا خطة للاعتماد على الإمكانيات الذاتية، في ظل هذه التهديدات والضغوطات وارتباط الاقتصاد الفلسطيني بإسرائيل؟ وهل يمكن للقضية أن تعود من جديد إلى عمق الشارع العربي بنفس القدر الذي كانت عليه قبل انطلاق مسلسل التسوية السلمية في التسعينيات؟ وهل يمكن للعرب والمسلمين دعم حركة حماس "الإسلامية" التي تجعل من المقاومة - التي تعتبرها العديد من الدول الغربية عملا "إرهابيا" - مطلبا وشعارا لها؟ وهل يمكن التفاؤل بالدعم العربي الرسمي والشعبي للقضية في ظل الضغوطات التي ما فتئت الولايات المتحدة تمارسها على الدول العربية والإسلامية في سياق ما أصبح يعرف بمكافحة "الإرهاب"؟ وهل يمكن للأنظمة العربية أن تبادر بتقديم المساعدة والدعم لحركة حماس وهي - الأنظمة العربية- التي طالما تطيرت بالحركات الإسلامية في مشهدها السياسي وفي الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة العربية والإسلامية لضغوطات متزايدة؟: فإيران تعيش إكراهات بدورها من جراء الضغوطات الأمريكية والغربية المتتالية لإعمال رقابة "دولية" على مشاريعها النووية، فيما تعيش لبنان أزمات داخلية بعد اغتيال الحريري، أما سوريا فهي أيضا في وضع صعب، بفعل تزايد الضغوطات المفروضة عليها بعد تشكيل لجنة اغتيال الحريري، واتهامها بدعم حركات "إرهابية"، بينما العراق فهو في وضع مأزوم وخارج الحسابات الاستراتيجية منذ احتلاله. رابعا: إكراهات حماس والدعم العربي المطلوب منذ ظهور النتائج الانتخابية أعلن قادة حماس أن برنامجهم الحكومي المستقبلي سيتمحور حول: حماية المقاومة وتبني إصلاحات داخلية تصب باتجاه ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتفعيل المؤسسات. وفي نفس الآن نادت الحركة بتشكيل حكومة وحدة وطنية (وأعتقد أن الانفتاح على قوى وطنية أخرى في هذا الشأن أمر حيوي يقتضيه ولوجها الجديد لهذا المعترك) وبناء جيش موحد تشارك فيه كل الفصائل الفلسطينية، وأكدت على التزامها بمقتضيات الاتفاقيات التي عقدتها السلطة الفلسطينية والتعامل معها بواقعية، والعمل على التشاور مع القوى الأوربية والولايات المتحدة، كما عبرت عن إيمانها بالتعددية السياسية وتداول السلطات سلميا. حقيقة إن خطاب الحركات السياسية وهي خارج إطار اللعبة السياسية أو في موقع المعارضة بعيدا عن متاعب تدبير الشؤون اليومية وعلى حدته النقدية والمطلبية وصرامته لا يثير مشاكل داخلية كبرى في الداخل أو مع المحيط الدولي، غير أن المنخرط في السلطة هو في محك ومطوق بمجموعة من الضوابط، ولهذا فمن المتوقع أن تعدل حماس من خطاباتها أكثر تبعا لمسؤولياتها الجديدة.. والحقيقة أن مشاركة حماس في الانتخابات لا يمكن أن تكون دونما تفكير في قضية الالتزام بالاتفاقيات المبرمة وتدبير الملف مع إسرائيل. ومن تم فهي بحاجة إلى التفاعل مع هذه المعطيات التي جاءت أكبر من توقعاتها، والبحث عن سبل كفيلة بمقاربة الملفات الداخلية والخارجية التي تنتظرها. ومع ذلك تظل أسئلة كبرى تفرض نفسها، مثلا: ما هو موقف حماس من المقاومة والعمليات الفدائية ضد إسرائيل في حالة تبادل الاعتراف والإقرار بمضمون المعاهدات والاتفاقيات المبرمة؟ إن تزايد الضغوطات منذ البداية على حماس واستعمال سلاح المساعدات كمدخل ومقابل لاكتساب الشرعية والاعتراف الدوليين وكورقة للدفع بالحركة إلى تقديم اعتراف مجاني بإسرائيل في بداية طريقها على تشكيل الحكومة، هو أمر - إذا تم بهذا الشكل المجاني- فسوف ينتقص من صورتها أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي.. إن الشعب الفلسطيني هو في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز مواقفه ودعمه ماديا ومعنويا من خلال حث إسرائيل والولايات المتحدة وأوربا نحو الاعتراف بمشروعية مطالب حماس التي تتماهى ومطالب الفلسطينيين الذين انتخبوها بشكل ديموقراطي، ودفع هذه القوى باتجاه الضغط على إسرائيل من أجل حثها على وقف اعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني والكف عن اعتقال واغتيال قادة المقاومة.. وتدمير المنازل والتوقف أيضا عن بناء المستوطنات وعن بناء جدار الفصل العازل الذي أقرت محكمة العدل الدولية بعدم شرعيته في رأيها الاستشاري الصادر في السنة الماضية، وإطلاق سراح المعتقلين وإبداء حسن النية مع مجمل المحاولات والمشاريع الدولية الرامية لحل المشكل بصورة سلمية وعادلة. كما على الجامعة العربية التي هي بحاجة إلى تقديم مؤشرات تؤكد على استيعابها للتحولات الدولية الراهنة والتهديدات المتزايدة وإرادة تطويرها والمرتبطة بملحاحية العمل الجماعي، أن تبادر إلى الدعم المالي والسياسي للفلسطينيين في ظل هذه الظروف العصيبة، وحث الدول العربية بدورها على استخدام أوراق ضغط - كالنفط - في مواجهة الدول الضاغطة على الفلسطينيين. خامسا: التوافق السياسي في سبيل مصلحة الوطن إن تشكيل حكومة وحدة وطنية في هذه الظرفية يعد أمرا مهما، فحماس بحاجة إلى تعزيز صفوفها في الحكومة بأعضاء لهم تجربة ودراية بالملفات السابقة. كما أن ذلك يمكن أن يشكل عامل مناعة في مواجهة الضغوطات المتزايدة، وسبيلا لكسب مزيد من التأييد الدولي ومواجهة التدخلات الخارجية. إن تغيير السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية بشكل جذري في ظل حكومة تشكلها حماس أمر مستبعد ويحتمل المبالغة، فإذا كان القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية يعطي صلاحيات واسعة للحكومة التي من المنتظر أن تتقلد فيها حماس مناصب مهمة، فإنه يخول للرئيس في نفس الوقت صلاحيات محورية وأساسية في مجال تدبير الأمور الخارجية، من قبيل تعيين ممثلي السلطة في الخارج. فهو بموجب الدستور الفلسطيني (النظام الأساسي للسلطة الفلسطينية) وإلى جانب سلطته في توجيه مجلس الوزراء في رسم السياسة العامة ودوره في المصادقة على القوانين بعد إقرار المجلس النيابي لها، يُعين سفراء دولة فلسطين وممثليها لدى الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وينهى مهامهم، بتنسيب من الوزير المختص بالشؤون الخارجية ويعتمد ممثلي الدول والمنظمات الدولية والإقليمية أيضا، كما يعتبر الرئيس الأعلى لقوات الأمن الوطني الفلسطيني التي يرأسها وزير مختص.. وفيما يتعلق بتعديل الدستور ف"لرئيس الدولة أو لرئيس مجلس الوزراء، أو لثُلث أعضاء المجلس النيابي طلب إجرائه وذلك بإضافة أو إلغاء أو تعديل مادة أو أكثر فيه. وفي جميع الأحوال يلزم لإقرار مبدأ إجراء التعديل موافقة أغلبية ثُلثي مجموع أعضاء المجلس النيابي، يُناقش المجلس النيابي خلال ستين يوما من الموافقة على طلب التعديل، المادة أو المواد المراد إجراء التعديل فيها، فإذا وافق عليها ثُلثي مجموع أعضائه اعتبر التعديل مقبولاً، وللمجلس النيابي أيضاً، وبأغلبية مجموع أعضائه، أن يقرر طرح التعديل للاستفتاء الشعبي العام لإقراره. فإذا وافق أغلبية المشاركين في الاستفتاء على التعديل، اعتبر نافذاً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء". ومن خلال هذه الضوابط يتبين أن حجم المقاعد التي حصلت عليها حماس داخل المجلس التشريعي (74 نائبا) لن تمكنها من تعديل هذا القانون الأساسي ( الأمر الذي يتطلب موافقة 88 عضوا من مجموع 132). ولذلك فالمصلحة العليا للوطن تفرض قيام نوع من التوافق بين الرئيس والحكومة التي من المفروض أن تشكل حماس غالبيتها. كما أن مسلك المفاوضات لا ينبغي أن يلغي استراتيجية الانتفاضة/ المقاومة بل ينبغي أن يتقوى ويحتمي بها ويتكامل معها، فاستمرار المقاومة يصب باتجاه تعزيز وتقوية الكفة الفلسطينية نحو مفاوضات متكافئة, ذلك أن إسرائيل دأبت على إجراء المفاوضات من ناحية وممارسة المجازر في حق الفلسطينيين بالموازاة مع ذلك من ناحية أخرى, ولذلك فامتناع حركة الجهاد عن عقد هدنة مع إسرائيل وإصرارها على المقاومة هو في صالح القضية، فتدبير الملف سلميا يظل دائما بحاجة إلى قوة موازية قادرة على المناورة والضغط باتجاه انتزاع الحقوق. خاتمة: إن فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي لا ينبغي النظر إليه باعتباره مؤشرا لأزمة أو فشل فتح أو يعني إلغاء لدورها التاريخي في القضية، فهذه الحركة ككل الحركات التحررية الوطنية قادت نضالا طويلا ومريرا وقدمت تضحيات جسام من أجل انتزاع الحقوق الفلسطينية المشروعة.. وجربت مجموعة من الخيارات في مواجهة المحتل، ومع كل ذلك فهي تظل الآن بحاجة إلى وقفة تأمل في بيتها الداخلي وبلورة تصورات لإصلاح أجهزتها.
#إدريس_لكريني (هاشتاغ)
Driss_Lagrini#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المغرب وتجربة الإنصاف والمصالحة
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|