كامل النجار
الحوار المتمدن-العدد: 6265 - 2019 / 6 / 19 - 11:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
القرآن يقول في سورة الحاقة (الحاقة [1] ما الحاقة [2] وما أدراك ما الحاقة [3] كذبت ثمود وعاد بالقارعة [4] فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية [5] وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية [6] سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية [7]).
ثم يقول القرآن في سورة الذاريات (وفي عادٍ إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم [41] ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم [42] وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين [43] فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون [44]
تحدثنا في الفصل السابق عن قبيلة عاد التي انحدرت من أحد أحفاد إيشو قبل الميلاد وسكنت هذه القبيلة في المنطقة التي تمتد من جنوب الأردن إلى جنوب البحر الميت. وكونت إمبراطورية في الصحراء وعملت في التجارة والغزوات وبعد عدة قرون تضعضت قبيلة عاد وانتهت إمبراطوريتها، فحلت محلها قبيلة ثمود التي انحدرت من مملكة النبط في البتراء جنوب الأردن، ثم ارتحلت تدريجياً إلى المنطقة التي كانت تحتلها عاد. ثمود كانت قبيلة متقدمة تجارياً وعسكرياً وعمل جزء من رجالها في الجيش الروماني حتى القرن الخامس الميلادي. وكانت لها أبجديتها الخاصة التي تركت بها نقوشاً في عدة مناطق من الجزيرة العربية، بما في ذلك اليمن.
العرب قبل الإسلام كانوا ملمين بتاريخ عاد وثمود ومناطق سكنهم، وكانوا يسمون منطقة سكنهم بالحِجر "مدائن صالح" بناءً على النبي صالح، نبي ثمود. محمد لا بد أنه سمع قصص عاد وثمود من أسلافه فأتى بآيات في القرآن ، كالمذكورة أعلاه تخبرنا أن عاد أهلكها رب السماء بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليالي وثمانية أيام حسوماً. أما ثمود فقال إنه أهلكها بالصاعقة أو بالقارعة أو بالطاغية. رغم الآيات الكثيرة عن عاد وثمود، ليس هناك عبرة تقنع الإنسان بالإسلام، لأن دمار الأمم السابقة بالزلازل والبراكين ليس جديداً ولا يختلف عن قصة قوم لوط وأصحاب الرس وغيرها. ولكن الغريب في الأمر أن محمداً زعم أن قرآنه منزل من رب السماء ولو كان غير ذلك لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
ولكن يبدو أن محمداً أو ربه قد نسي كيف أنه أهلك عاد بريح صرصر عاتية، فقال لنا في سورة فُصلّت (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقةً مثل صاعقة عادٍ وثمود [13]). فقوم عاد في هذه السورة قد أهلكهم رب السماء بالصاعقة وليس بالريح العقيم.
أسطورة خلق الإنسان:
قالت الاساطير القديمة في سومر (العراق) ان الاله أنكى والإلهة نمو خلقا الانسان من طين. وتقول الأسطورة البابلية إن الاله مردوخ خلق الانسان من طين، وكذلك الأسطورة الإغريقية تقول إن الاله بروميثيوس "خلق الانسان من طين. وأثناء السبي اليهودي في العراق تشبع العبرانيون بالميثولوجيا السومرية والبابلية وأدخلوها في كتابهم المقدس وقالوا إن يهوه او الوهيم خلق الانسان من طين. ولم تختلف المسيحية عن قصة خلق الإنسان من طين. ثم جاء محمد وبعد أن تشبّع بالقصص التوراتي من ورقة بن نوفل، أتى بعدة آيات في عدة سور تقول إن الله خلق الإنسان من طين:
(إذ قال ربك للملائكة إني خالقٌ بشراً من طين [71] فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين [72]) (سورة ص).
فأستفتهم أهم أشد خلقاً أم من خلقنا إنا خلقناهم من طين لازب) (الصافات 11)
(خلق الإنسان من صلصال كالفخار) (الرحمن 14)
(ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حماٍ مسنون) (الحجر 26)
ويظهر لنا التذبذب في قصة خلق الإنسان في القرآن، فتارةً خلقه من طين، ثم من طينٍ لازب، أي لزج، وتارةً من صلصال كالفخار، وهذا من أصعب أنواع الخلق إذ أن الفخار يصعب العمل به لخلق تفاصيل جسم الإنسان. بل يزيد القرآن من صعوبة خلق الإنسان إذ جعله من صلصال من حما مسنون، إي صلصال محمي على النار.
وكأن كل هذا السرد عن خلق الإنسان في القرآن لم يكن كافياً فزاد عليه مفسرو القرآن وقالوا إن الله أرسل جبريل إلى الأرض فأخذ قبضةً من طين أسود، وقبضةً من طين أبيض كالرمل فخلق منه الإنسان، وهذا يفسر اختلاف ألوان البشر.
أسطورة الفداء بكبش:
تقول الأسطورة الإغريقية إن الأميرة أفجينيا Iphigenia كانت ابنة الملك أجاممنون Agamemnon، وعندما كان الملك على رأس جيشه العظيم متجهاً إلى طروادة - في منطقة تركيا الحالية - لحصارها، توقف الاسطول في مكانٍ ما ونزل الملك ليصطاد بعض الحيوانات. وصدف أن اصطاد غزالاً أو وعلاً ملكاً للإلهة أرتميس، فغضبت عليه أرتميس وقررت أن تمسك الريح عن الاسطول اليوناني فلم يستطع الاسطول أن يتحرك لحصار طروادة، وطلبت الإلهة أرتميس أن يذبح الملك ابنته الوحيدة أفجينيا إن أراد لاسطوله أن يتحرك. وبعد تردد رضخ الملك وقرر ذبح ابنته. وفي اللحظات الأخيرة حنت الإلهة أرتميس للملك وابنته وفدت الأميرة بوعل من السماء (36)
وهناك أسطورة هندية في كتاب سانكيانا سوترا Sankhayana Sutra تقول إن الملك هاريسكاندرا Hariscandra لم يكن له ولد فطلب من الإله فارنا Varna أن يمنحه ولداً ونذر أن يذبح ذلك الولد أن منحه ألإله فارنا واحداً. وولد له ولد أسماه روهيتا. وعندما كبر زوهيتا أخبره أبوه بالنذر الذي كان قد وعد به الإله فارنا، فهرب الولد وظل يعيش في الغابة لمدة ست سنوات، وقابل رجلاً فقيراً معه أولاده، واستطاع أن يقنع ذلك الرجل أن يبيعه أحد أولاده بمئة بقرة، فوافق الرجل. ,اخذ روهيتا الصبي وذهب به لوالده الملك هاريسكاندرا ليذبحه بدلاً عنه. وعندما هم الملك بذبح الولد، أعفاه الإله فارنا من نذره
وبما أن الإغريق كانوا قد احتلوا سوريا وفلسطين قبل الرومان واستقر عدد كبير منهم في تلك المناطق وتعرّف العرب على الميثولوجيا الإغريقية التي كان كُتّاب العهد القديم قد نقلوها إلى كتابهم المقدس ، وجعلوا الإله يهوه يطلب من إبراهيم أن يذبح ابنه إسحق ليثبت ليهوه إيمانه، فقال كُتّاب العهد القديم (1 وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم ، فقال له: يا إبراهيم، فقال: هأنذا. 2 فقال: خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحاق، واذهب إلى أرض المُريا، واصعده هناك محرقةً على أحد الجبال الذي أقول لك. 3 فبّكر إبراهيم صباحاً وشد على حماره، وأخذ اثنين من غلمانه معه وإسحاق ابنه، وشقق حطباً لمحرقة، وقام وذهب إلى الموضع الذي قاله له الله. 4 وفي اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد، فقال إبراهيم لغلاميه: اجلسا انتما ههنا مع الحمار، أما أنا والغلام فنذهب إلى هناك ونسجد، ثم نرجع إليكما. 6 فأخذ إبراهيم حطب المحرقة ووضعه علي إسحاق ابنه، اخذ بيده النار والسكين. فذهبا كلاهما معاً. 7 وكلم إسحاق إبراهيم أباه، وقال: يا أبي! فقال: هأنذا يا ابني. فقال: هوذا النار والحطب، ولكن أين الخروف للمحرقة. 8 فقال إبراهيم: الله يرى له الخروف للمحرقة يا إبني. فذهب كلاهما معاً. 9 فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله، بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب وربط إسحق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب. 10 فلما مد إبراهيم يده وأخذ السكين ليذبح ابنه . 11 فناداه ملاك الرب من السماء وقال: إبراهيم! إبراهيم! فقال: هأنذا. 12 فقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئاً، لأني الآن علمت أنك خائف الله، فلم تمسك ابنك وحيدك عني. 13 فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبشٌ وراءه ممسكاً في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه.) (37)
جاء محمد ونقل الاسطورة لقرآنه وقال: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبتِ أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين [102] فلما أسلما وتله للجبين [103] وناديناه أن يا إبراهيم [104] قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين [105] إن هذا لهو البلاء المبين [106] وفديناه بذبح عظيم [107]) (الصافات).
نلاحظ هنا أن الكتاب المقدس لليهود أتى بالتفاصيل كاملة وذكر أن الله طلب من إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق، ولكن القرآن كعادته لم يذكر اسم الابن المطلوب ذبحه، مما جعل المفسرين، كعادتهم، يختلفون في تحديد الابن المطلوب ذبحه، فمنهم من قال إنه إسماعيل، ومنهم من قال إنه إسحق. يقول الطبري في تفسير الآية من سورة الصافات: (حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرظِي وهو يقول: إن الذي أمر الله إبراهيـم بذبحه من بنـيه إسماعيـل, وإنا لنـجد ذلك فـي كتاب الله فـي قصة الـخبر عن إبراهيـم وما أُمر به من ذبح ابنه إسماعيـل, وذلك أن الله يقول, حين فرغ من قصة الـمذبوح من إبراهيـم, قال: وَبَشّرْناهُ بإسْحاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحينَ يقول: بشّرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب, يقول: بـابن وابن ابن, فلـم يكن لـيأمره بذبح إسحاق وله فـيه من الله الـموعود ما وعده الله, وما الذي أُمِر بذبحه إلا إسماعيـل.) بينما يقول:
(قال أبو جعفر: وأولـى القولـين بـالصواب فـي الـمفْدِيّ من ابنـي إبراهيـم خـلـيـل الرحمن علـى ظاهر التنزيـل قول من قال: هو إسحاق, لأن الله قال: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ فذكر أنه فَدَى الغلامَ الـحلـيـمَ الذي بُشّر به إبراهيـم حين سأله أن يهب له ولدا صالـحا من الصالـحين).
. ثم أن السيناريو بين إبراهيم وابنه الذي أراد ذبحه، لا ينسجم مع تفكير أو منطق طفل. الشئ الطبيعي أن يبكي الطفل ويحاول الهرب، غير أن القرآن يقول إن الطفل قال لأبيه: أفعل ما تؤمر وستجدني إن شاء الله من الصابرين.
المراجع:
(36) https://en.wikipedia.org/wiki/Iphigenia
(37) سفر التكوين، 22
#كامل_النجار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟