|
حورِبوا كمؤمنين كما حورِبوا كملحدين
ماجد ع محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6264 - 2019 / 6 / 18 - 11:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من كل بد أن السجال الذي حصل بين مرشح حزب العدالة والتنمية في اسطنبول، بن علي يلدرم، وزعيم حزب الحركة القومية التركي المعارض، دولت باهتشه لي، الذي كان حليف الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية الأخيرة في تركيا، حيال كلمة كردستان التي ذكرها يلدرم خلال زيارته الأخيرة لولاية ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، يكشف عن بغض دفين لكل ما يتعلق بهوية الشعب الكردي، وهذا البغض الكامن خطورته في عدم اقتصاره على طائفة كبيرة من العوام، إنما في أنها تركن في قاع أقحاف الكثير من نخبة هذا البلد موالاة ومعارضة، وهذا الحجم من الحقد الدفين لا شك هو مهيأ للعدوان في أية لحظة، ومن المتوقع أن هذا المخزون الكبير من العداء والكراهية لا يزول بنيانه إلاّ بطريقتين إحداهما قائمة على الإقرار بالحقوق القومية لكل قوميات هذا البلد، وبالتالي ممارسة ديمقراطية حقيقية بعيداً عن السطوة القومية للعنصر الواحد، وإما بحدوث زلزالٍ كبير يشمل كل أنحاء الجمهورية. عموماً ومن باب التذكيرِ وليس من باب احترام مشاعر الشوفينيين سواء في بلادنا أو في أي مكان آخر وجدَ العنصريون فيه، نشدّد على أننا لم نكن يوماً من أنصار العداء الدائم بين الأمم، ولا كنا من هواة توسيع الشروخ بين الأقوام والمجتمعات البشرية، ولا نحتفظ بنظرية المؤامرة في جيوبنا فنخرجها أينما حطينا الرحال، أو نصيح بمارد الفانوس لأن يجلبها لنا عند التصدي لأية واقعة عادية في الشارع، ولكن مِن شبه المؤكد أن مَن لا يقرأ أحداث الماضي ليتجنب الوقوع في شباك ما يضارعها راهناً هو ليس من أهل اليقظة أو الحكمة، وذلك باعتبار أن وقائع الغابر عادةً ما تكون دروس وعِبر لأبناء الحاضر، ومن كل بد ليس الهدف من العودة إلى مسرودات الماضي هو العيش فيها، إنما ليقي المرء نفسه أو المجتمع برمته من الوقوع في مهاوي جديدة تماثِل سعير الماضيات، وفي هذا الصدد يرى الكاتب المصري علاء الديب في(وقفة قبل المنحدر) أن"الإنسان المتحضر هو من يبقى تاريخه حياً، الأمم المتحضرة، هي التي لا تدفن تاريخها، ولا تكرر مآسيها". وبما أن واقع العلاقة التاريخية بين الشعب الكردي والسلطات التركية المتعاقبة بعد انهيار الدولة العثمانية لم تكن في أغلب فصولها على ما يرام، لذا يطيب لنا استحضار قصة منطوقة على لسان البهائم، عساها تختصر الكثير من الكلام والشواهد التاريخية بين طرفي المعادلة، أي الكرد والحكومات التركية منذ تأسيس الدولة الحديثة، ألا وهي قصة الذئب والخروف؛ حيث تقول الحكاية: بأنه صودف أن تواجد ذئبٌ وخروف معاً في وادٍ على ضفة نهر صغير، الخروف كان في الأسفل والذئب في المنطقة العليا من النهر، وبما أن الذئب هاجسه الأساس هو الانقضاض على الخروف واِلتهامه، فقال للخروف: إنك تعكِّر صفوَ المياه التي أشرب منها! فرد الخروف معاذ الله أن أقترف هكذا عمل، وكيف لي فعل ذلك والمياه قادمة من ناحيتك إلى الجهة التي أقف فيها وليس العكس، فقال الذئب للخروف: قبل هذه الفترة بستة أشهر تحدثتَ بالسوء عني! فرد الخروف: سامحك الله فأنا قبل ستة أشهر لم أكن قد ولدتُ بعد! ولأن الذئب ديدنه البحث عن ذريعة ما تمهِّد له اِلتهام الخروف، قال للحروف: أباك تكلم عني بسوء، وانقض على الخروف ليأكله. حقيقةً فمَن يقرأ خلفيات استهداف الكرد مِن قِبل خاقانات السلطات المتعاقبة في كل مرحلة تاريخية قد يندهش من الأسباب والدوافع التي تذرعت بها السلطة الحاكمة لضرب الكرد، حيث في كل مرحلة راحت السلطات تختلق ذرائع هي بالضد من الحجج السابقة التي استخدمتها لضربهم، فمرة استهدفوا الكرد لأنهم طالبوا بحقوقهم القومية، ومرة شنوا الحرب عليهم بكون تركيا دولة علمانية متطورة والكرد مسلمون متخلفون ينبغي التخلص منهم، ومرة أخرى راحوا يشنون الحرب على الكرد بسيف الدين الإسلامي بعد تكفير الكردِ وجعلهم ملاحدة، حيث بناءً على فتاوي أئمة ومشايخ وقادة السلطة العلمانية الحاكمة غزيت ديار الكرد "الكفرة". ولا ريب أن غزو منطقة عفرين العام الماضي، على المستوى الاجتماعي كان تحت غطاء محاربة الكفرة والملاحدة الكرد في عفرين، وبناءً عليه رحّب أئمة جوامع تركيا ومرتادوها بغزو بلاد "الكفرة" في عفرين، وتحولت الكثير من الجوامع في تركيا ليس فقط للتشجيع والتهيؤ لعملية الغزو من خلال الإنشاد المتواصل لسورة الفتح التي عادةً ما تُقرأ إذا ما كان المسلمون في حالة التأهب لغزو ديار الكفار، إنما حسب شهود عيان تحولت بعض الجوامع إلى أماكن تجميع المتطرفيين الاسلاميين الراغبين بمحاربة الكرد "الكفرة"، وتم تكفير كل الكرد في عفرين تحت غطاء محاربة مسلحي (PKK) و(PYD)، وذلك حتى يكون العنصر الغازي في أتم حالات حقده وهمجيته السلوكية أوان الغزوة، وحتى يخال إليه بأنه غدا من سرايا نبي المسلمين وهو يحارب تحت أمرته كفار قريش؛ حيث ظهر بأن المسؤولين عن قرار الغزو في السلطة قد رفعوا راية الإسلام في العالم، وبناءً عليه استوجب فتح مضارب جديدة للملاحدة على تخومها في منطقة عفرين، ومعلوم للقاصي والداني أن الجهات المسؤولة عن أوامر شن الحرب واعتماداً على مزاج ورغبات الأغلبية من الموالاة والمعارضة وظّفت النص الديني، وكذلك الأمر وظّفت المجموعات البشرية المتدينة خير توظيف لغزو تلك المنطقة، وهذا طبعاً بعد شيطنة وتكفير أهلها على أكمل وجه في وسائل الإعلام، وبالتالي حشد الرأي العام التركي ضد كرد تلك المنطقة، على اعتبار أن سكانها ليسوا سوى كفار وملاحدة، لذا ينبغي غزو ديارهم. بينما في عام 1923 حاربت السلطات الحاكمة الكرد آنذاك ليس لأنهم كانوا بوذيين أو صليبيين أو ملاحدة أو زنادقة، إنما بكونهم كانوا مسلمون فحسب!!! كما أن الشيخ سعيد بيران الذي بلغ عدد مريديه وأتباعه حوالي 12 ألف شخص كان يرغب بإنشاء جامعة دينية في مدينة "وان" إلا أن الزعماء والحكام ومسؤولي الدولة وقفوا حينها ضد محاولات الشيخ سعيد لتأسيس جامعة دينية! ولمحاصرة الشيخ سعيد والقضاء على ثورته الإسلامية أصدر مجلس العموم في البرلمان التركي في 25 شباط تعديلًا للمادة (1) من قانون العقوبات عن خيانة الوطن، والذي سن في 15 أبريل 1923، (القانون 556) إلى النص التالي: "منع تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، وكذلك استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبار الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات خونة"* كما ظهرت فيما بعد وثيقة لجلسة سرية لمجلس أركان الحرب التركي تبيّن فيها من خلال الوثائق وشهادات الشهود بأن ثورة الشيخ سعيد كانت ثورة إسلامية بحتة تهدف إلى إعادة الخلافة وتطبيق الشريعة، وبناءً عليه عُمّم ذلك القرار الذي يحمل المرقم (1845) على جميع الإدارات الحكومية المعنية. والمفارقة العجيبة أن السلطات الحاكمة في تركيا منعت آنذاك تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، كما منعت استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبرت الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات بمثابة خونة للوطن! بينما إذا ما استخدمت السلطات الحاكمة في الوقت الراهن الدين لتحقيق أهدافها فلا بأس بذلك، وهو ربما بنظر متخذي قرار الحرب عمل وطني صرف ولا يدخل في إطار الخيانة، كما أن استفادة السلطة من كل الحركات الدينية في سورية وخارج سورية فلا إثم عليه، لأن الإزدواجية تقول صراحةً بأنه حرام على الكرد "الكفرة" الاستفادة من الدين الاسلاي بأي مجالٍ كان، بينما هو حلال على السلطات الحاكمة في كل زمانٍ ومكان!! وحيث أن العالم كله شاهد العام الفائت وكيف وضعت السلطات كل جهودها الإعلامية لشيطنة أهالي منطقة عفرين حتى يكون الغزو بغطاء ديني مشرعن ومستساغ من قبل الشارع التركي المتدين، وكذلك الأمر مِن قبل مَن استخدمتهم الدولة في غزوتها، عموماً نتصور بأن أي عاقل إن أمعن النظر قليلاً وقارن ملياً بين هذين الحدثين فقط، لا شك سيفهم حينها آلية تفكير الشوفينيين في تركيا وموقفهم العدائي الدائم من الكرد سواء أكانوا علمانيين أم ماركسيين، مسلمون أم ملاحدة. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *سعيد بيران قائد ثورة "الخلافة" الكردية/ بوابة الحركات الإسلامية 30/ حزيران/2015 .
#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في أدراج الشذوذ وأهله
-
دون الاحتلال وأبعد من الغزو
-
الإعلام بين المعمول به والمقول
-
عندما تكون العادات الاجتماعية أفضل من القوانين
-
مواجع الضحية
-
إرشاد الطاغية
-
حاضرنا المشدود للرديء من ماضينا
-
أبواب الحرية
-
الانتصارات الدائمة للمهزوم
-
دواعي الاستعانة بالفاسقات
-
بلايا الدين السياسي
-
لغة السّطوة لدى العَسَس في سوريا
-
الإرهابي المفضّل على سواه
-
تطويق رُسل الخراب
-
معاناة المجلس الوطني الكردي
-
كابوس الهجوم على شرق الفرات
-
الجهل جاسوسٌ مقيم
-
الاستعانة بفلسفة باقي الكائنات
-
في نُصرة الملاعين
-
الطوطم الكردي المعاصر
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|