|
نقد نقد العقل
نعمان الفاضيل
الحوار المتمدن-العدد: 6263 - 2019 / 6 / 17 - 05:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نقد نقد العقل
في التأمل راحة قلّ نظيرها ! بل في التأمل لوعة، في التأمل لهيب يحرق الذات حين تحاول أن تمنطق سلوكات الفرد العبثية. والعبثية ذاتها نمط وجود كائن يعيش إنفصاما من نوع آخر لم يستطع السيكولوجيون تصنيفه ضمن خانة محددة تتيح للفكر سبر أغواره أو التعرف عن تجلياته في الواقع. تأمل إنفصامي يجعل الفكر مضطربا إلى حد إدراك الحقيقة في مظاهرها المتناقصة التي تأخذ من الجدلية روح الوعي. وأقصد بالوعي هنا: ما ليس إدراكا لظواهر العالم الخارجي من أشياء أو صور لها،كما أنه ليس استنباطا للذات لما تنطوي عليه من مشاعر أو أفكار،بل هو محايثة للحدث action الزمكاني، أي الممارسة المصحوبة بالتخطيط الاستراتيجي للفعل ولردوده الممكنة، حتى الخارجة منها عن نطاق المحسوب والمحدد. ربما التأمل الفلسفي التقليدي كان مقيدا رغم تهافته بالاستقلالية و الإرادة الحرة لأنه ببساطة البداهة لم يكن ليخرج عن الإطار سواء كان هذا الاخير أخلاقيا أو معرفيا او منطقيا أو حتى على مستوى الخيال الذي يسبح ضمن خانة اللامحدود. كلنا قرأنا لكانط و لتأسيسه الميتافيزيقي للأخلاق فتبينّا أن كانط أخذ يسبح في ميتافيزيقا الواقع أو ميتافيزيقا الدنيوة رغم ادعائه التعالي tronsandental، حيث تمثلت جل محاولاته في جعل أساس الأخلاق أساسا دنيويا، يستمد مبادئه من خلال انعكاسات الواقع الغربي المضطرب على الوعي الآخذ في التحرر من ربقة الكهنوت وسلطة الله الزمنية.فلم يجد الانسان الغربي العالق في أزمة اليقين بكل تجلياتها الاتيقية بدا من المغامرة وقبول الارتماء في أحضان الميتافيزيقا الواقعية الانعكاسية التي أسسها كانط.
كما أن الوقوف عند الجابري ومحاولاته المضنية لجبر الهوة بين فكر غربي متحضر، وفكر شرقي يغوص في التخلف غوصا،يكشف بالملموس عن حجم العقم الذي أصاب العقل العربي جراء هيمنة ايديولوجيا الأصول والفروع، وفروع الفروع التي جعلت من نفسها أصولا وأحكمت قبضتها على رقاب الناس لتسعة لقرون ،فأخذت تقوض العقل وتعطل ملكة الفهم،عبر النظر لكل ابداع وتجديد على أنه بدعة وتجديف، خصوصا ان كان صاحب الفكرة غربي مخالف للعقيدة، مادامت عقدة السلفي لم تكتفي بخصوم الماضي بل جعلت للحاضر خصوما كذلك. الأمر الذي فوت الفرصة غير ما مرة عن الفكر الشرقي الجامد للدفع بالذات نحو التحرر من ذاتها المغتربة، عن طريق ممارسة نقد لا هوادة فيه لعزل كل ما تعلق بتراثنا الابستيمولوجي من شوائب أيديولوجية وجدت في الأسطورة والخرافة ضالتهامن ناحية، ومن ناحية أخرى، إعادة النظر إلى الغرب وسؤال نهضته بصيغة كيف وصل الى ما هو عليه الآن من تحضر لا مثيل له عوض سؤال "اللماذا؟" الذي ظل لقرنين من الزمان عقيما و هو يحاول أن يفك شفرة تقدم الغرب وتأخر عقلنا المثقل بمظاهر الجهل والعبثية اللاأدرية المفضية للموت. إن حديثنا الآن عن هكذا نماذج ليس غرضنا أن نجعلها مقدمات أو أطاريح نبني عليها نقدنا، بقدر ما هي مؤشرات نحاول من خلالها أن نبين الفرق بين محاولتين/فكرتين، الأولى وجدت تربة مناسبة لتبنيها رغم عدم وجاهتها المنطقية لأن ميتافيزيقا كانط هي ميتافيزيقا معلمنة (إن شئنا القول)لأنها عوضت أخلاق البروتستانت بأوامر العقل القطعي،لتصبح بذورا خصبة لما سيؤسس عليه هيجل فيما بعد تصوره للتاريخ .كما أنها تفتقد إلى بعد التجلي في ممارسة الأفراد في المناخ الغربي،إذ يكشف الواقع والممارسة كذلك، عن أن مجمل سلوكات الأفراد الغربيين تنطلق من دافع انساني حر يترك للفرد حرية الارادة من اي اكراه وقسر خارجي كان او داخليا، وليس من نطاق عقلي قطعي مقيد و مكرِه - بكسر الراء- يجثم بسلطته المطلقة على رقاب الافراد ويخضع سلوكاتهم لمحكمة نقد يجعل الأولوية للكوني على الخصوصي والمتفرد. أما الثانية فهي فكرة تاخذ من محاكاة الفكرة الاولى وجاهتها، حيث يكشف التأمل كذلك عن محاولة مضنية لجعل عقل غاص في بحور التاويلات الاسطورية لفكر أو وحي بالأحرى لم يستطع أن يرسم لأتباعه منحى ابستيمولوجيا واضح المعالم،ما جعله يقاوم اي تجديد لنمط الفكر لخضوعه للجانب اللاهوتي، المغالي في يقينيته الثابتة المانعة لأي تغيير أو تطور على مستوى البنية الذهنية المفتقرة لأبسط الآليات المنهجية وأساليب التفكير. ومن ثمة، فاي محاولة جاءت بعد محاولة الجابري كانت عائق ابستيمولوجي،يؤمن بإفشال أي محاولة تروم النجاح واكتساب الثقة في الذات، يغذيه في ذلك قصور في القدرة على التخلص من رواسب الأيولوجية المتعصبة. مما ينقله من عائق ابستيمولوجي، إلى عائق سيكولوجي، ينتصر لعقدة النقص التي تميت أي فكر يجرؤ على تعرية الطابو أو كشف جوهر الإشكال وأصل العقد. وهكذا جاءت كل تتمة هي نقد هدام لما بني من قبل (اللهم إن استثنينا محاولة حسن حنفي) التي حاولت أن تقوم باستغراب على غرار استشراق المستشرقين ولكنها سقطت في السطحية والاقتباس المختزل لفكر يطبعه التعدد والدينامية. وبناء عليه، فإن ما أود إثارته في من خلال هذا الاستنطاق المضني للعقل الشرقي، المطبوع بقيود الأيديولوجيا والإغتراب في هذا المجتمع المغلق والمنغلق، ليس إلا محاولة للإنعتاق من قيود الإطار الموضوع حول رقابتنا جميعا، و أقصد بالنحن هنا :كل من تلقى فكرا أخفق في التخلص من أثر الرؤية الغربية،في ترجمته أو بالأحرى تأويلاته، التي لم تكن لتوفي بالمطلوب، إزاء تصورات الفلسفة الغربية أو حتى العربية التي حاولت أن تعالج الخلل من منظوها الخاص،المحكوم بالغصة،والمتوجس من الإقتراب من حقل مغلق،أغلقه اصحابه الذين كانوا موجهين لاريب في ذلك، من قبل سلطة لاهوتية تقتل الزمن، وتقيد التجديد وفق تأويلاتها المستقاة من فروع تحتمي بأصولها من المنغلقة،التي تجعل من اضطهاد الآخر القائل بفكرة أولوية الإبستيمولوجي على الايديولوجي، ومعاداته،وسيلة لدرء الغزو الحضاري الغربي، الآخذ في بسط هيمنته على جل مستوايات معيشنا الثقافي والمعرفي،أو جعل تأويلاته مجرد محاكاة، تتشبث برؤيته الأيديولوجية المختلفة، وتشوه جوهره الابستيمولوجي الذي يحمي الأمم من انحدار إلى مستوى البربرية المتوحشة التي تطبعها مختلف أشكال التفسخ الاخلاقي من أنانية ومكر وخيانة. وفي الختام،ومن خلال كل ما تقدم، يجب أن ندعم بقوة،الفكرة القائلة أن أي وعي كيفما كان نوع جموده،ينبغي أولا التحرر من هيمنة اللاهوتي على الزمني في نشاطه الذهني،ويقتضي بالضرورة مراجعة آلياته المنهجية التي يستطيع بمفادها الإرتقاء إلى سلم آخر من التفكير،يجعل من عمق المعنى الذي بني عليه المقوم الحضاري هو الأساس الذي ينطلق منه الفرد، لبناء ذاته و المجتمع كذلك، لأن أي خطوة لا تأخذ بعين الاعتبار مسار تشكل الفكر ومختلف العوائق التي يمكن أن تعترض طريقه نحو التحرر من ربقة التخلف والعقم،هي محاولة إرتكاسية، تحاول عبثا وقف الزمن ضمن نطاق لا يحتمل تقبله. والآن! وإشكالاتنا بديهية بداهة وجودنا،يحق لنا أن نتساءل: هل نبتغي أن نكشف عن عقد نقصنا تجاه الاخر؟ هل نملك الجرأة لنعترف أن العائق الأساسي أمام تحررنا،هو تطبعنا بالعصبية والقبلية والوثنية؟ هي أسئلة أخرى تشرق في ذهني كما أشرقت دلائل القديس أنسلمو الأكويني. هو قلق وجودي وحيرة معرفية، ووخز ضمير لا يمكن أن يهدأ ضمن مناخ يرى في ترجمة فكر الغرب غاية وليس وسيلة،إذ لا فائدة ترجى فائدة من امتلاك لغة اخرى، إن لم تكن لنا الجسارة في نقد هذا الفكر، وتطويعه بالشكل الذي يغدو معه صيغا لبناء فكر آخر متجدد،يجعل الاستفادة من السابق غربيا أو عربيا،إحدى أهم اللّبنات الأساسية، لبناء فكر منظم،ذو ذوق وأخلاق.
#نعمان_الفاضيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل أصبح المغاربة عبيدا !!
-
قوة الحق المشروع أمام حق القوة المتمادي
-
أزمة المثقف ام مثقف الأزمة !
-
ديستوبيا الفرد أم ديستوبيا المجتمع !
-
نحو نقد بناء لعقلنا التراثي
-
الحرية الإنسانية في فكر سارتر
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|