|
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني عصر الحضارة الاقطاعية د - الذروة والانهيار في الحضارة الاقطاعية 1 - 4
عبدالله اوجلان
الحوار المتمدن-العدد: 1542 - 2006 / 5 / 6 - 09:49
المحور:
القضية الكردية
عندما ننظر من زاوية عامة لتاريخ الشرق الأوسط، نجد أن الإسلام يمتلك دوراً تقدمياً محدوداً، ولا يملك قيمة إبداعية كبيرة، ويمكننا تفسيره على أنه المشتق الثالث للسومريين من حيث الهوية الإيديولوجية، ولا يمكن التنكر للدور الذي لعبه على صعيد الانتقال من تعدد الآلهة إلى الإله الواحد، ومن الميثولوجيا إلى الدين، ومن الزراعة إلى التجارة، ومن القبلية إلى السمو القومي، ومن العبودية إلى العبودية المرنة وصولاً إلى التقدم الحضاري. لكن كل هذه الظواهر كانت تحقق تطوراً ذاتياً ولا يوجد أي شيء جديد تم خلقه، و كان" وجود الله ووحدانيته والرسل الأنبياء " مفهوماً تم تمأسسه وتحويله إلى مصطلح، مسيطراً على التقاليد والذهنية الاجتماعية منذ زمن طويل، وما قام به الإسلام هو دفع المجتمع الإقطاعي الذي أتخذ من الفرد القن مركزاً له إلى الأمام، ومن المؤكد أن الإسلام قد لعب دوراً في تسريع الإقطاعية وتكاثفها، وتحويلها إلى مؤسسات قوية ونشرها عالمياً وهو القوة الخارجية المجددة لتحريك تطور الحضارة الإقطاعية حتى في أوروبا والهند والصين، وبتعبير عام فإن الإسلام هو من أفضل المصدرين للإقطاعية، كونه دين التجار، والمهنيين والفلاحين والمزارعين، إن إجلاله وتكريمه لمفهوم الجهاد، وتقديس طريق الفتح الذي لا يعني سوى الاحتلال، وفي حال الموت أي الاستشهاد يذهب إلى الجنة مباشرة، وفي حال البقاء على قيد الحياة تكون الحصة الكبيرة من الغنيمة بانتظاره، كل ذلك له علاقة بتصدير الإقطاعية عن كثب.
إذا قيمنا المرحلة منذ الانطلاقة حتى عصر النضج، من القرن السابع حتى القرن العاشر الميلادي بانتشار الثورة الإقطاعية، نرى أن كل المراحل التي جاءت بعد هذه لا تتضمن أي دور تقدمي حيث سادت الحروب العمياء بين الإمارات والسلالات على المصالح والغنائم والنهب. إي تحولت هذه المرحلة إلى فاجعة بعد القرن الثاني عشر، واستخدم الدين كأتفه وسيلة شخصية للسلالات والإمارات بعد أن كان سامياً في البداية، وبينما أصبح المذهب السني المذهب المتعصب الرسمي، تطور المذهب العلوي على شكل اتجاه ديني مقاوم يمثل الكادحين والمسحوقين، لم يقطع روابطه بالقيم الثقافية للشعوب، وظهرت الكثير من المذاهب الباطنية ضد الظلم والكذب، واكتسبت الصوفية والتصوف القوة من جديد، مع أن الصوفية كانت طريقة منذ القرون الأولى تمثل رد الفعل في الأديان الرسمية، حيث يبدأ الانكماش الداخلي، وبدلاً من التمسك بالسلطة المادية يتم اللجوء إلى السلطة المعنوية تحت اسم الآخرة، وذلك يعني ربط الآمال بها وجعل ذلك مثالياً، وما ذلك الا تعبيراً عن الانهزامية والضعف مما أدى إلى ظهور وتطور التيارات السلبية بما يشبه التجمعات اليسارية في يومنا هذا. رغم وصول العلوية إلى السلطة على شكل الشيعة في إيران والفاطمية في مصر، وتأسيسها للدولة بقيت بعيدة عن القيام بإصلاح إسلامي صادق وتحقيق إصلاحية إسلامية صادقة، وعلى صعيد الأسس الإيديولوجية لم تستطع تجاوز "تبعية أهل البيت"، ولم تمتلك فلسفة متطورة ولا برنامجاً سياسياً، كما أن طموحاتها لم تتطور لإقامة قاعدة اجتماعية جديدة وتمثيلها، فلا يمكن تحقيق إصلاحات بالقول: "لقد تعرض أهل البيت للظلم"، حيث لا يمكن تحليل الأسباب السياسية والاجتماعية لهذا الظلم الواقع على أهل البيت بهذا القول فقط، وبناءً عليه فرغم اعتمادها على أرضية المظلومين العادلة، إلا أن العلوية لم تصل إلى مستوى الإصلاحات التي قامت بها المسيحية، وتفتقر إلى الشمولية التي تدفعها إلى لعب دور متقدم ينتظر منها، مليئة بالعاطفة ولكنها تبقى ملتزمة بنفس القوالب الاجتماعية الاقتصادية عندما تغدو نفسها السلطة، فهي لا تنطوي على أي اختلاف سياسي، وإنما ميولها تتجه نحو اليسار بعض الشيء. لم تؤد الحروب المذهبية (التقاتل الأعمى) التي استمرت مئات السنين إلا إلى مآزق وانقسامات، واستنفاذ بشكل متبادل. ولم يبق الإسلام محصوراً بتخلفه فقط، حيث وصل إلى حالة التشتت من الناحية السياسية. وبالنتيجة لم يتطور الاقتصاد ولا المهن اليدوية بسبب الفوضى، وبينما كانت التجارة في أوربا تتجه نحو التجارة الحرة من أجل خلق الطبقة البرجوازية، اصبح التجار في المجتمع الإسلامي متربصين بالربا، كطبقة تتخلف يوماً بعد يوم. لقد منعت الأنظمة الصغيرة الأميرية التي تم إنشاؤها على الأراضي الخصبة من التحول إلى الإقطاعية بشكل طبيعي، وخنقت البرجوازية المدينية منذ البداية بالحفاظ على قوة الإقطاعية المركزية، وبالتالي لا مفر من التخلف لعدم تطور طبقة برجوازية تخلق توازناً مستقلاً كما جرى، إن المركزية المعتمدة على الفتوحات تصبح متخلفة، وتدافع عن الماضي في الشرق الأوسط والمجتمعات الإسلامية، كمؤسسة لا داع لها، وليس لها معنى، وذلك عندما تصل إلى نهاية عهد الفتوحات، وستبقى السلطنة ككتلة سرطانية في أحضان كل المجتمعات، تلك الكتلة السرطانية التي تقضم الجسم وتعرضه للتفسخ! ولم يبق أي التزام بإيديولوجية ومبدأ الإسلام، وهناك مرحلة مختلفة عن الطراز البيزنطي، حيث يتم القيام بكل شيء وبالمكائد لأجل السلطة. فقد كانت المرحلة ما بين القرن 12ـ 15 بعد الميلاد هي مرحلة الانهيار من الذروة. أما المرحلة ما بين القرن 15ـ20 بعد الميلاد، فتقيم على أنها مرحلة الظلام الدامس في تاريخ المجتمعات الإسلامية، ولا تملك أي مؤشر للتطور، وكافة الأدلة دلت على الانتقال من الذروة إلى الانهيار. وكانت اللعنة التي يتم ذكرها في الكتب المقدسة، قد شملت كل الذهنيات والمؤسسات من رأسها إلى أخمص قدميها. وظهر أكبر تناقض مأساوي إلى الميدان، فنفي النفي المضاد دخل مرحلة الآلام والاستهلاك، فالنفي الكبير لتجاوز البنى المترسخة وإمكانية ولادة الجديد التي حكمت المجتمع والإنسان منذ آلاف السنين والتي تمثل الطرح، تتعرض الآن لنفي القوى التابعة للطرح المضاد، التي تلحق هزيمة بالجانب الآخر لتهيمن مرحلة من الاستهلاك وفراغ المضمون. إن التفكير بأن الإسلام وحده هو الذي خلق هذا العصر في تاريخ الشرق الأوسط، يتضمن نقصاً كبيراً، ويجب أن نربط ذلك بأسباب أعمق، فبمقدار ما تتجذر ثقافة أو حضارة في ساحة ما وتتعمق، فإن ظهور الجديد المضاد لها يكون صعباً، حيث لابد من توفر دماء وأراضي جديدة من أجل التجديد، والمثال على ذلك هي المرحلة التي تطور فيها الصيد والتجميع أكثر من أي وقت آخر، والتي تسمى بثقافة ما جدليان magdelian التي سادت حتى أعوام 10000 ق.م لازالت تشاهد في المناطق التي نسميها اليوم بفرنسا وأسبانيا، ولم تدخل العصر النيوليثي رغم مرورها بالمرحلة العليا للعصر الباليوليتي والسبب الهام هو ان ثقافة العصر الباليوليتي الأعلى لا تملك ظروف إنكار نفسها، وكانت ديناميكيتها الداخلية والمحيط المقرب لها، يفتقر إلى الخصائص التي قد تؤدي إلى تجاوز تلك المرحلة وكان لا مفر من تجاوز ذلك عن طريق التأثيرات الخارجية، مثلما يكون الشخص المتعود على نفسه، مغرماً بنفسه، ويرى نفسه متفوقاً على غيره، ولا يرضى تغيير نفسه بغيره. إن القوة والثقافة التي ستغير وتضغط على الثقافة المتمركزة حول ذاتها والتي تعيش نفسها بعمق، إلى درجة لا تفكر بوجود غيرها، يجب أن تكون خارجية، والانحلال والتجدد سيكونان أثراً للديناميكيات الخارجية. ترتبط حياة الشرق الأوسط للعصر النيوليثي بعمق بالجغرافيا والمناخ والثقافة النباتية والحيوانية عن كثب، وتعتبر أنهار دجلة والفرات والنيل، كجيل جغرافي ثان هام، ظروفاً يمكنها من تطوير المجتمع العبودي كبديل للعصر النيوليثي، ويعتبر ذلك فرصة تاريخيةً لتحيا عصرين تاريخيين جنباً إلى جنب، وتقومان بتغذية بعضهما البعض لفترة طويلة، والجانب الذي يجب ملاحظته هو أن أحدهما لا ينبثق من الآخر ولم تكن التفسيرات الديالكتيكية المعاصرة صحيحة، والتي تقول بأن الأنظمة تنبثق من قلب بعضها, لأن الآراء تشير إلى أن هذا التطور يجري من الخارج على أساس التأثير غالبا، و لم يتطور المجتمع العبودي السومري في مركز العصر النيوليثي. بل تطور في منطقة المستنقعات التي تعيش فيها القبائل المتخلفة رغم التأثير الشديد بينهما، ولم تعيش هذه المنطقة المسماة ميزوبوتاميا السفلى العصر النيوليثي إطلاقاً، ولعبت دور الأراضي العذراء كساحات لم تتجاوز ثقافة القبيلة . لقد ظهر النظام الاجتماعي الجديد عن طريق توحيد قيم الثقافة النيوليثية مع الأراضي المناسبة للري، وتشكيل ميزوبوتاميا العليا والدنيا أرضية لثقافتين تاريخيتين، لم يكن إلا نتيجة لفرصة تاريخية تجعل هذه المنطقة أغنى حضارتين تاريخيتين في التاريخ وتخلق التاريخ، أما الحضارة الإقطاعية فقد ظهرت في ساحة خارجية، في مكان تقاطع الطرق، أي في إحدى مراكز المدن الصحراوية التي كانت نتاجاً للتجارة، وما كان بالإمكان للحضارة الإقطاعية أن تتطور حول النيل والفرات، لأنه لا يمكن لهذه الثقافة ونمط حياتها والمتعودة على مؤسساتها، أن تخلق النظام الجديد من أحشائها، قد تتعرض للتطور، لكن بشرط أن تظل ضمن النظام نفسه، أما النظام الجديد المختلف فسيتطور في الخارج وسيؤثر ويتأثر أيضاً، وهذا منسجم مع قانون نفي النفي الذي يعتبر أحد قوانين التطور التاريخي، فظهور النظام الجديد يجعل كل الأنظمة السابقة وما قبلها لا حول لها ولا قوة في المنطقة التي يقوم فيها، وكأنه قوة تقنية جديدة، أو قوة متفوقة لامتلاكها سلاحاً، وسيتعرض القديم لهجوم الجديد من الساحة الخارجية التي أنشأ فيها، وسيتفوق عليه ويتجاوزه. بعد أن لعب الإسلام دوره كانطلاقة كبيرة ثالثة في الشرق الأوسط، سيتعرض للنسيان أو بمقولة أخرى بسبب تعرضه للخيانة واللعنة، إنها هي نتيجة محزنة لكنها مفهومة. إن تكهن النبي محمد بأنه أخر نبي وسينبعث يوم القيامة ليشفع لامته أمر متعلق بهذا الموضوع يحمل معنى كبيراً. حتى الأرض التي نحبها كثيراً تدعو الضرورة الى تركها بوراً في بعض الأحيان، ويجب غرس شجرة جديدة عوضاً عن الشجرة المتفسخة، والشيء الذي يطول استخدامه يصبح قديماً، ولا يبقى أي شيء يمكن إنتاجه بعد الانفجار الذي جرى في الصحراء. لقد أنجبت جميع معطيات الحضارة وامتصت كل قوة الأرض القابلة للامتصاص، وأصبحت الأم مسنة، ولن تستطيع در الحليب بعد، ولا تستطيع أن تقدم إنتاجاً جديداً من خلال عملية تطعيم جديدة أو زواج آخر. لقد أنجبت ما أمكنها من الأطفال، وغذّتهم بحليبها وحان الوقت للرجوع إلى الأرض. لقد أنتجت "الأم الأرض " ما تتطلبه الإنسانية ونشرته إلى أطراف العالم الأربعة. أصبح هابيل وقابيل أولاد أدم و حواء، أحدهم راعٍ والأخر مزارع وولد لنوح أربع أبناء انتشروا في الأطراف الأربعة في العالم ليكونوا أربعة أعراق ومهدوا للعالم السبيل امام الحضارة، وخلقوا ما تحتاجه الإنسانية من نباتات زراعية، وحيوانات أليفة، والقرية والمدينة والطبقة والدولة والإله وكل المهن والكتب المقدسة، والأنبياء والأدب والفنون والموسيقى والعمارة والسلاح والطريق...الخ، وغذوها وأهدوها إلى كل العالم، وإن كل ذلك متعب. أنسحب الشرق الأوسط الذي كان الثقافة الأم الخلاقة ومهد الإنسانية، إلى ما وراء الستار وربما إلى القبر، وربما ينسحب من أجل أن يخلق حضارة حية وجديدة ومتعددة الألوان، لينام ويستيقظ من جديد، ليحقق نهضته التنويرية التي تليق بواقعه. تظهر هذه الحقائق عدم صحة تحميل كل أسباب التخلف والتعفن على الإسلام، فقد تركت المجتمعات مهزومة ومتعفنة تحت الشكل الإسلامي ليتم سحقها والاستهتار بشرفها وإذلالها. إن الكهنة الذين خلقوا الميثولوجيا، والأنبياء الذين خلقوا الأديان، وسارغون وأمثاله الكبار الذين بنوا الإمبراطوريات، وجميع الربات اللواتي عرفهن التاريخ، وكل الذين خلقوا أولى الملاحم وكتبوا الشعر وأعطوا الموسيقى حقها. وكل الذين كانوا غدارين حتى النهاية، وأصحاب الضمائر الكبيرة، كلهم ولدوا في هذه الأرض، وعاشوا وماتوا وولدوا من جديد بشكل أقوى وأغنى وأكثر ألواناً وأصواتاً، فلماذا لا ينبتون مرة أخرى؟. إذا كان التاريخ مليئاً بالدروس فإن ما يجب القيام به هو شرح أسباب اللعنة والتعفن، وإذا كانت هناك شكوك بمرض ما، فالشيء الذي يجب القيام به هو تشخيص المرض وليس حقن إبرة عشوائياً. يجب أن نعرف هذه المسائل مسبقاً بشكل جيد: إن الذهنية الميثولوجية للشرق الأوسط ممزقة، وقد فقد الشرق الأوسط دينه منذ زمن طويل، ولم يمتلك علماً أبدأ، وكأنهم يعيشون حوار الطرشان الذين يتحدثون بكل اللغات ولا يفهمون بعضهم البعض تحت برج بابل. كم هو أليم هذا القدر، فالدولة الصفوية الإيرانية في شرق الشرق الأوسط، والأناضولية العثمانية تعيشان في غربه مرحلة من التاريخ بدون معنى وبدون عقل وقلب مرة أخرى، وكأن ما تقومان به أشبه ما يكون بكورس لعبة خيالات كاراكوز مكررة، فلا علاقة لهما لا بالتاريخ القديم ولا بالمعاصر، كما لم تبق لهما علاقة لا بالحضارة الغربية ولا بالشرقية ولا اهتمام لهما بالمسيحية ولا بالإسلام، أحدهم أنقطع عن الإنسانية لدرجة قيامه بخنق سبعة عشر من أخوته من أجل الحكم. وتم نسيان الميثولوجيا والفلسفة والعلم منذ زمن بعيد، والعقارات أضاعت أصحابها الحقيقيين، لم يعد يسكنها إلا الثراثرة السيئون ولا يفعلون شيئاً سوى الثرثرة. كانت المرحلة ما بين القرنين 15ـ 20 م، عصر الازدهار الأوربي الكبير والزمن الذي تصاعد فيه العلم والعقل والتقنية، وهي المرحلة التاريخية التي كان الفرد فيها يؤمن بإمكانية تحطيم جميع دروع العبودية، وخطا فيها خطوات موثوقة وناجحة. انها حضارة حقيقية جديدة وكبيرة ولدت وأخذت بالنمو، أليس للشرق الأوسط حصة فيها..؟ وكيف لا يكون..؟ فهو الذي وهبها كل الخامات على مدى 15000 سنة لتقوم أوروبا بتحقيق هذه الولادة، فالشرق الأوسط هذا كان الحاضن، فهو الذي أحتضنها في العصر النيوليثي على مدى 10000 سنة، وأحتضنها في العصر الحضاري على مدى خمسة آلاف سنة، وجاء الوليد عاقاً لا يعترف بأجداده، بعيداً عن الاحترام والتقدير مغروراً بنفسه، يعتقد بأنه يستطيع الدفاع عن ذاته كالآلهة. ومتيم بالعظمة، ولكن رغم ذلك يحيط به خطر الانزلاق إلى الهاوية، وذلك صحيح أيضاً، هذا ما يجب أن نفهمه جيداً كي لا نكون معجبين بتفسخنا ولكن يجب ألا ننسى أيضاً بأننا الأم التي ولدت الحضارة وأنشأتها واحتضنتها، وسنتعلم دون أن نلجأ إلى التقليد، ولكن في أرض حضارة الأم ومن ألوانها ودمائها كأولاد وبنات من صلبها، لنحقق الولادة الجديدة، لنجعل من أوروبا المسنة قابلة هذه المرة، إننا سنحقق هذا الميلاد الجديد المقدس. تتراكم جميع الدروس التي نستخرجها من تاريخ الشرق الأوسط بشكل عام، والتاريخ الإسلامي بشكل خاص وتتعقد في نهضة شرق أوسطية، ويجب أن نعترف إن الهويات الإيديولوجية المزدهرة والقيم التي تمثلها قد انهارت، ووصلت إلى نهاية التعفن الذي تعيشه منذ زمن طويل أيضا، يجب القيام بتحليل شامل وبمقاييس علمية صحيحة للعلوم الاجتماعية، ولجميع العناصر الميثولوجية والدينية الماضية كخطوة أولى في درب التنوير، وستحقق النقاشات الجريئة والمتعددة الاتجاهات التي تجري في ضوء ذلك نتائجاً صحيحة. وستحل الشخصية والعمل المتين والفهم الصحيح والمقتدر محل حوار الطرشان الذي يجري في أسفل برج بابل. إن تحديد الصفوف بشكل صحيح وتميثل الطابع المقتدر سيجلب نهاية التقليد الأعمى والحياة اللاوجدانية وغير الصحيحة، وستنير الهوية الإيديولوجية الجديدة المستندة إلى التصور الصحيح للمستقبل، الطريق أمام التطبيق الاجتماعي الذي يجب أن يتم عيشه بمقدار معنى الصلاحية التاريخية، وسيمنح الشجاعة اللازمة من أجل ذلك، والتطبيق الثوري بالذات سيخلق حركة التنوير الشرق أوسطية حتى لو كانت متأخرة. المثالان الهندي والصيني لم يضيفا كثيراً إلى أصالة الحضارة الإقطاعية، فكلا من الهند والصين تبنتا قوالب النيوليثية الشرق أوسطية منذ الألف الرابع قبل الميلاد وتبنتا إنجازات الثورة الزراعية، وبذلك التزمتا نفس المسار التاريخي، وتظهر حضارتا هارابا وموهنجادارو في أودية نهري البنجاب والهندوس في أعوام 2500 ق.م، على شكل أنها تطوّر من المدن السومرية كاحتمال كبير ليأخذا مكانهما على مسرح الحضارة، بينما الآريون الذين تسلحوا بالأسلحة البرونزية كانوا في أعلى المستويات البربرية، ويحققون تطورهم بلا انقطاع في أعوام 1500 ق.م، ليقوموا بوضع أسس الحضارة الهندية، ويمكننا رؤية التطورات نفسها على ضفاف النهر الأصفر في الصين، حيث تصاعد النظام العبودي المشابه للنظام السومري متأخراً بـ 2500 سنة، وتتأسس أولى أمثلة للدولة ليشكل الكهنة الثقل فيها، حيث المركزية المتصلبة والملوك ـ الآلهة، هذه الأنظمة التي آمنت بألوهيتها تستمر لـ 500 سنة تقريباً، ثم تتمزق إيديولوجياً لتحدث معها تمزقاً سياسياً، وبالتالي الانجراف إلى مرحلة طويلة من الفوضى، فالنظام العبودي الذي دام فترة من الإصلاح فيما بين عامي 250 ق.م ـ 250م، يترك مكانه لنمط العلاقات الجديدة التي تمثل تطور الحضارة الإقطاعية، إن كلا من كونفوشيوس وبوذا اللذان يعتبران رسولان إصلاحيان للشرق الأقصى يلعبان دورهما كطليعة نظام سياسي استغلالي أكثر مرونة. بدأ عصر التحول الإقطاعي في أعوام 500 م، بعد مرحلة الحضارة العبودية التي استمرت طويلاً، وكانت التطورات في الشرق الأوسط تواصل تأثرها من الخارج، حيث كانت تأثيرات وضغوطات الإسلام الإقطاعي يسرع ويقوي الإقطاعية في الهند والصين، وكانت مرحلة 1000 ـ 1500 م، تشكل مرحلة النضج، أما المرحلة التي تلتها فهي مرحلة التفسخ والتبعية في مواجهة الحضارة الأوروبية المتصاعدة. لقد شهدت حضارتا الأستيك والأنكى "في المكسيك والبيرو" في جنوب أمريكا تطورات مشابهة كشعبين متأخرين في المرحلة التي بدأت بتاريخ 500 ق.م، وفي أعوام 1500 م، وصلت إلى استقلالها تحت التأثير الأسباني لتتعرض إلى انحلال مشابه لتبقى في مواجهة الزوال من التاريخ.
#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الثاني
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الخضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
-
من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول
...
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|