|
التعددية في المغرب: بين التعددية الحزبية والتعددية السياسية
يوبا اليكهام
الحوار المتمدن-العدد: 1542 - 2006 / 5 / 6 - 09:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
بعد تعديل حكومة جطو في يونيو 2004، يتكرر ظهور السمة البارزة للسياسة المغربية: استمراريتها المملة ولكن في نفس الوقت آفاقها المحيرة. بعد نصف قرن من الاستقلال والتعددية الحزبية، نعيش في مطلع القرن الواحد والعشرين وضعية لا تختلف نوعيا عن سابقاتها، الأحزاب موجودة ولكنها مهمشة، والملكية، بالرغم من التعددية الحزبية، تبقى هي المؤسسة الحاكمة بدون منازع.
الممل في الأمر، هو أن يعم الإحساس بغياب التغير بعد تجربة التناوب، والمشاركة القوية الأولى لأحزاب الحركة الوطنية في حكومة التناوب سنة 1998. والتوقع وقتها كان أن حكومة اليوسفي لم تكن إلا الخطوة الأولى نحو تأسيس لمشاركة الأحزاب في الحكومة بشكل يتقوى تدريجيا، والاتجاه تحو الانتقال بالتعددية الحزبية إلى تعددية سياسية تنتقل فيها الأحزاب إلى صنع القرار. لكن ما وقع، كان عكس هذه التوقعات. فعوض التزايد في تمثيلية الأحزاب في الحكومة، لاحظنا تقلصها وتزايد الوزارات الخارجة عن نفوذ الأحزاب (وزارات السيادة) فيها، والتي عادت لتصبح الوزارة الأولى من ضمنها منذ حكومة جطو 2002، وبعد تجربة الوزارة الأولى الحزبية في فترة اليوسفي التي لم يتعد عمرها أربع سنوات.
على مستوى أول، نحن أمام وضعية لا تشير إلى توجه نحو تفعيل التعددية الحزبية والانتقال إلى تعددية سياسية تمارس فيها الأحزاب الحكم، بل تؤكد الاحتفاظ بالسلطة في يد الملك وحصر التعددية في مستوى التعددية الحزبية غير الفعالة، غير المنتجة للأفكار والمبادرات والاختيارات الكبرى، أي تعددية حزبية عقيمة سياسيا.
على مستوى ثاني، فالمغرب اختار منذ بداية الاستقلال أن يتجنب اختيار الحزب الواحد الذي ساد الأنظمة السياسية حديثة العهد بالاستقلال. هذا الاختيار السياسي عكسته كل الدساتير المغربية التي تؤطر دستوريا للتعددية الحزبية المغربية. وعلى مستوى الممارسة، فإن حكومة اليوسفي، تعتبر أكبر تجربة تقترب من تفعيل التعددية السياسية (بعد حكومة عبد الله ابراهيم)، حيث احتلت نخبة الأحزاب السياسية الكبرى في المغرب، مراكز صنع القرارات السياسية في قطاعات استراتيجية كانت محرمة على أحزاب الحركة الوطنية. وبالرغم من أن هذا الاختيار قد تراجع بتراجع المشاركة الحزبية كما ونوعا في حكومة جطو وفي التعديل الحكومي الأخير، فإنه لا زال قائما عبر الوزراء المتحزبين في الحكومة الحالية.
نحن بكل تأكيد لسنا أمام حالة نظام الحزب الواحد، ولا حالة ملكية مطلقة. بل أمام تعددية حزبية، بل وحتى سياسية وإن كانت محدودة ومترددة، تلعب المؤسسة الملكية الدور المركزي والحاسم في تدبيرها.
ما يحير أولا، هي قدرة النظام على الحفاظ على هذه الاستمرارية، هذه الخصوصية التي تميزه عن غيره من التجارب السياسية على مستوى بلدان العالم الثالث التي حافظت فيها الأنظمة السياسية على استمراريتها لكن على حساب منع التعددية الحزبية أصلا (مَلكِيات الخليج) ، أو عن طريق السماح بالتعددية لكن في ظل هيمنة حزب حاكم واحد (معظم تجارب التعددية الحزبية العربية)، أو عن طريق تفعيل التعددية الحزبية وممارسة التعددية السياسية (التجارب الديمقراطية في أمريكا اللاتينية). ما يحير في التعددية المغربية ثانيا هي آفاق انتقالها مستقبلا من تعددية حزبية إلى تعددية سياسية فعالة، أو انتقالها إلى تأسيس تعددية مغايرة بديلة للتعددية الحزبية.
إن فهم وضعية التعددية في المغرب اليوم، وآفاق تحولها مستقبلا يتطلب تتبع السياق السياسي والتاريخي الذي تتبلور فيه. إذ على المستوى الدولي، فقد أنتجت السياقات التاريخية أشكالا متنوعة من التعدديات مثلت الأجوبة العملية للإشكالات السياسية والفكرية التي واجهت كل دولة على حدة.[1] وإن فهم السياق التاريخي يسمح بفهم مقارن للتجربة المغربية، و لتفكيك ما يبدو كتناقضات الحاضر المحيرة، بل وللتفكير في التطور المحتمل للتعددية في المغرب، وبالتالي لمستقبله السياسي.
سياق التعددية الحزبية المغربية:
يجد واقع التعددية الحزبية في المغرب اليوم في ظل هيمنة المؤسسة الملكية جذوره في السياق التاريخي لتبلور التعددية المجتمعية في المغرب، وفي الجذور الثقافية لسياسة تدبير هذه التعددية. وتمثلت التعددية المجتمعية في المغرب في تنوع المجتمع قبليا وثقافيا وفكريا، عكست عناصره وحدات متفرقة، ومتعارضة، ومتنافسة ظلت تفتقد عبر التاريخ للمقومات الذاتية التي تسمح لها بالتوحد والانسجام. على المستوى الإيديولوجي، انبنت المشروعية السياسة للملك في المغرب على أن وظيفته الأساسية تكمن في كونه يجسد العنصر الموحد لهذه التعددية، والفاعل المركزي الذي تؤول إليه مهمة التدبير الفعال للأزمات التي تنتج عن هذه التعددية. وذهبت دراسات إلى التأكيد على أن المؤسسة الملكية لم تقتصر على الاستجابة لطلب التحكيم من طرف المجتمع المنقسم، بل علمت على المساهمة النشطة في اختلاق هذا التقسيم وإذكائه، كاستراتيجية ضمنت بواسطتها حاجة المجتمع إلى دورها التحكيمي.[2]
أضيفَ إلى هذا السياق المرتبط بتاريخ المغرب ما قبل الحديث، مظاهرُ التعددية المجتمعية الحديثة المتمثلة في التعددية الطبقية، والثقافات المرتبطة بالفضاء العمومي الحضري. هذه المستويات، أفرزت أشكالا جديدة من التعددية المجتمعة، وأظهرت المؤسسة الملكية قدرتها في التجاوب مع هذه التحولات وفي الحفاظ على موقعها المركزي في المجتمع التعددي الجديد.
ارتبط التحديث الاقتصادي في المغرب بظهور طبقات اجتماعية جديدة، شأنه في ذلك شأن باقي الدول. وليس هناك شك في أن البنية الطبقية في المغرب عرفت خصوصيات تميزه عن غيره من الدول بسبب تنوع السياسات الاقتصادية التي جربتها هذه الدول. إحدى هذه الخصوصيات المغربية الطابع المحافظ الذي ميز المغرب والمتمثل في غياب التحولات في الاختيارات الاقتصادية الكبرى، كالتصنيع مثلا، أو في الحماية التي حظي بها كبار الفلاحين من طرف الدولة، الشيء الذي لم تعرفه هذه الطبقة الاجتماعية في دول كثيرة طبقت الإصلاح الزراعي (بغض النظر عن المخلفات الاقتصادية لهذا الإصلاح). ما يهمنا هنا بشكل خاص هو أن الأطروحات النظرية الماركسية أضفت صبغة طبقية على الدولة والملكية (الدولة الإقطاعية، الرأسمالية التابعة) وتوقعت أن تفقد الملكية مشروعيتها بسبب كونها جزءا غير منفصل عن البنية الطبقية، ولكونها بالتالي محكومة بأن تسقط ضحية الصراع بين المصالح الطبقية المتناقضة. وكيفما كان الحكم النهائي على أطروحة الطبيعة الطبقية للملكية وللدولة، فإن النظريات الماركسية لم تكن تتوقع (على عكس ما حدث لحد الآن) قدرة الأنظمة السياسية، بما فيها النظام المغربي، على الاستمرار في إطار التعددية الطبقية.
كما أن التنوع الثقافي الذي فرضته الحياة الحضرية الحديثة، لم تؤد بالملكية إلى اتخاذ إجراءت تهدف حصر التعددية الثقافية الحديثة، على غرار ملكيات الخليج المحافظة، بل فضلت مواكبة هذه التحولات، والبحث عما يربطها بهذا التنوع، الشيء الذي جعل صورتها على مستوى ممارسات الحياة اليومية التي سخرت وسائل الإعلام على نشرها، تبدو على أنها المرآة التي تعكس هذه التعددية وتشجعها، عوض كونها تمثل السلطة المحافظة المتعارضة مع الثقافات المتنوعة. فالملك يلبس الألبسة التقليدية الأصيلة والأوربية المواكبة للموضة، ويتحدث اللغة العربية الفصحى والدراجة الشعبية والفرنسية الراقية، ويمارس الطقوس الدينية بكل احترام بقدر انسجامه مع مظاهر السلوك العلماني المعاصر. كل هذه الصور ظلت ترسخ أن الملكية لا تمثل بعدا واحدا من الثقافة المغربية، بل إنها وهي ترتبط بكل بعد على حدة، تجسد في شخص الملك الواحد، كل تلك الأبعاد المتعددة.
ولذلك، فعندما طرحت على المجتمع اختيارات حاسمة وملحة مرتبطة بالتعددية الثقافية في حالتي مدونة الأسرة والمسألة الأمازيغية، لم تتمكن المؤسسة الملكية من إيجاد الصيغة الملائمة لمعالجة المطالب المطروحة فحسب، بل أثبتت أنها بكل تأكيد المؤسسة الأكثر تأهيلا لتمثيل التعددية الثقافية ولتدبير أزماتها.
الملكية والتعددية الحزبية:
إذا ما استثنيا مرحلة الحماية، التي سنعود إليها لاحقا، فإن التعددية الحزبية تتجلى في المغرب من خلال القوانين والممارسة السياسية. فالتعددية الحزبية رسختها كل الدساتير المغربية عن طريق منع الحزب الواحد. وطبقت
عبر تشكيل الحكومات منذ الحكومة الأولى وإلى اليوم، وإن كانت هذه الحكومات لم تعرف قبل حكومة اليوسفي إلا مشاركة قصيرة الأمد لأحزاب الحركة الوطنية. طُبقت أيضا على مستوى حرية التنظيم و حرية التعبير التي مارستها الأحزاب عبر جرائدها، بالرغم من حالات المنع والمراقبة التي عرفتها بعض الأحزاب وبعض المنابر السياسية، والتي بقيت مع ذلك بشكل محدود.
ولكن، إذا كان تدبير الملكية للتعددية قد تجلى في الحفاظ على التعددية وحمايتها من جهة، فإنه في نفس الوقت وضع الحدود السياسية التي لم يسمح للتعدية بأن تتخطاها، مستعملا لذلك الغرض وسائل متنوعة من أشكال العنف. تجلى ذلك في ثلاثة أنواع من الحدود الفاصلة للدولة تمثلت في التعددية بدون سلاح، والتعددية في إطار القبول بمشروعية الملكية، ثم التعددية في ظل الوحدة الوطنية.
التعددية بدون سلاح:
وجدت الملكية نفسها غداة الاستقلال في وضعية استثنائية في العالم، وهي تواجدها بجانب الحركة الوطنية بفرعيها السياسي والمسلح. استهدفت الملكية نزع السلاح عن جيش التحرير والسعي إلى إدماج كل العناصر المسلحة في صفوف القوات المسلحة. ارتبطت هذه العملية بترسيخ الوظيفة الرئيسية للدولة المتمثلة في احتكار أدوات العنف والقضاء على فاعلين سياسيين مسلحين خارج أجهزتها، ووظفت الملكية كل الوسائل لذلك الغرض، بما فيها الوسائل البالغة العنف، كالقتل، والتعذيب، والاعتقالات الجماعية، والمحاكمات الجائرة. وكان موقف الملكية مماثلا بالنسبة للانقلابيين الذي سعوا إلى تغيير النظام السياسي عن طريق استعمال السلاح. وتحتفظ الذاكرة السياسية المغربية بسجن تازمارت كمسرح أقصى مستويات العقاب التي مورست على المعارضة المسلحة.
التعددية في ظل القبول بمشروعية النظام الملكي:
ظهرت في المغرب تيارات سياسية تعتمد منطلقات تعارض النظام الملكي وتعتمد أفكارا جمهورية، وبالتالي وضعت نفسها في مواجهة مع أسس النظام الملكي المغربي. واتخذت الحركة الماركسية اللينينية أكثر المواقف وضوحا وراديكالية ضد الملكية. انطلق رفض الملكية لدى الماركسيين من تحليل للمجتمع لا يعترف أصلا بمشروعية التعددية السياسية، والتي ظل يعتبرها أطروحة إيديولوجية تخفي وتبرر حقيقة السيطرة الاقتصادية والسياسية للطبقات المستغِلة. ولم يكن موقع الملكية في البنية الطبقية محايدا ولكنها اعتبرت كشريحة من شرائح الطبقات المستغِلة هي بالأساس الطبقات إقطاعية أو الكومبرادورية أو الرأسمالية. وما دامت التعددية لن تخدم في نهاية الأمر، إلا عملية إعادة إنتاج النظام الاقتصادي والسياسي القائم، فإن الوسيلة الوحيدة للتغيير وتحقيق التقدم هو التغيير الجذري لهذا النظام عبر القضاء على بنيته الطبقية، أي عبر الثورة. واجهت الدولة هذا التيار عن طريق المنع والرقابة والتعذيب والاختطاف والسجن. وانتهت هذه المواجهة بالقضاء على هذا التيار الذي في خضم مواجهته مع الدولة اكتشف أن قاعدته الاجتماعية كانت محصورة في صفوف فئات من الطلبة الجامعيين وتلاميذ المدارس.
قبل الماركسيين، كان برز تيار في صفوف الحركة الوطنية، توصل إلى نتيجة متقاربة مع الماركسيين، والذي طالب بقلب النظام السياسي، بعد أن فقد الأمل في إمكانية إحداث التغيير السياسي من خلال النظام الملكي، وتوصل إلى قناعة عدم قدرته تحقيق أهدافه في ظل النظام السياسي التعددي الذي تتحكم فيه الملكية. مهما كانت التحليلات العملية التي انطلق منها زعماء هذا التيار، فإن النتيجة كانت هي أن الدولة، بوسائلها العنيفة المتمثلة في المحاكمات والمطاردات والاعتقالات، تمكنت من أن تقضي على هذا التيار المسلح والمرتبط بالأساس بحزب الاتحاد الوطني.
واستعملت الدولة وسيلة الاعتقالات والمحاكمات أيضا، وإن كانت بدرجة عنف أقل، ضد التيارات الإسلامية الراديكالية والتي شككت في مشروعية الملكية كمؤسسة مركزية في النظام المغربي.
التعددية في ظل الوحدة الوطنية:
هناك الشكل الآخر للتدبير العنيف للتعددية والمتمثل في القضاء على الزعامات القبيلة ذات التوجهات الانفصالية أو المتمردة عن السلطة المركزية، وهذه ظهرت في حالات أشهرها حرب الريف، وأحداث بني ملال سنة 1960. وتتميز هذه المواجهة مع الزعامات القبلية عن المواجهة مع عناصر جيش التحرير في كون الأولى كانت تعتمد على روابطها القبلية بالأساس، على عكس جيش التحرير التي كانت قوته ترتكز على الأسلحة والخبرة العسكرية التي اكتسبها في الميدان وعلى الروابط بين عناصرها والتي كانت تتجاوز علاقات الانتماء إلى نفس القبيلة وعلى مجال القبيلة المحدد كفضاء للمواجهة. وتعد مشكلة الصحراء نموذجا آخر للتوجهات الانفصالية التي شهدها المغرب منذ الاستقلال، والتي تعمل الدولة منذ على منع حدوثها بخطط تمزج بين الديبلوماسية والعنف.
الحصيلة هي أن الإستراتيجية الملكية للعنف تمثلت من جهة في الحفاظ على هذه التعددية وتشجيع استمرارها، وفي نفس الوقت، وضع الحدود التي لم تسمح للتعددية أن تتجاوزها. وحافظت الملكية على موقعها المركزي في تدبير أزمات التعددية بدون أن تظهر قوة سياسية قادرة على منافستها في هذا المجال.
التعددية والحركة الوطنية:
إذا كان السياق التاريخي الذي تبلورت فيه طبيعة المؤسسة الملكية المنسجمة مع التعددية المجتمعية والحزبية، فإن سياق ظهور الحركة الوطنية هيأها منذ ميلادها للتعارض مع فكرة التعددية من جهة، و للتشبث بالملكية كرمز لوحدة الجسم السياسي المغربي من جهة أخرى.
فالحركة الوطنية برزت كرد فعل النخبة الحضرية على سياسية الإدارة الاستعمارية لتبني تعددية قانونية عبر الظهير البربري سنة 1934 وتبنيه كوسيلة لترسيخ التمايز القائم بين القبائل البربرية والعربية. كانت السياسة الاستعمارية تسعى عن طريق هذا الظهير لأن تعطي صبغة رسمية لهذه التفرقة، تخرج بواسطته القبائل البربرية عن منطقة الشريعة وبالتالي تضع حدا للرباط القانوني (وإن لم يكن في الكثير من الأحيان إلا رمزي على مستوى الممارسة) بين هذه القبائل وبين المدينة. كان الظهير البربري يشكل بداية مشروع نظام سياسي طائفي في المغرب أجهضته الحركة الوطنية، وبداية مشروع موجه ضد المؤسسة الملكية نفسها تخرج بواسطته قبائل الأعراف الأمازيغية عن منطقة الشريعة التي يمثلها السلطان. كان الخطر الذي يشكله الظهير البربري سواء بالنسبة للسلطان أو للمدينة المتمثلة في الحركة الوطنية هو تهديد نفوذهما القانوني وبالتالي السياسي والرمزي على البادية، وتأسيس وضعية جديدة مهيأة لتتحول إلى نظام طائفي، يتجاوز حالة التعايش التعددي في ظل نظام سياسي موحد، إلى وحدات منفصلة قانونيا عن بعضها البعض، وتتحدد مجالات اختصاصات كل وحدة عبر القوانين والمؤسسات. لم تكن هذه الوضعية تعني فقط إحداث تغيير جذري في وظيفة الدولة التقليدية التي يجسدها السلطان، بل وفي آفاق إنشاء دولة حديثة موحدة كما كانت تطمح لتحقيقها النخبة الحضرية.
كان المشروع السياسي للحركة الوطنية هو مشروع وحدوي معادي للتعددية باعتبارها تشكل خطرا على وحدة الجسم السياسي الواحد. وإذا كانت هذه الوضعية عادية في تطور حركات الاستقلال عبر العالم، فإن خصوصية الحركة الوطنية المغربية تكمن في كونها ربطت هذه الوحدة بشخص الملك، وبنت إيديولوجيتها الوطنية ارتكازا على دور الملك في تجسيد هذه الوحدة. هناك تفسيرات متعددة لهذا الاختيار الذي سلكته الحركة الوطنية[3]. التفسير الذي أقترحه هنا هي كون أن الحركة الوطنية كحركة مدينية، لم يكن باستطاعتها أن تمثل المغرب القروي الذي كانت علاقتها به ضعيفة، ولم يكن باستطاعتها أن تحتل موقعا سياسيا رياديا في مجتمع قروي بالأساس إلا عبر الملك. وبالتالي، فإن الضعف البنيوي للقاعدة الاجتماعية للحركة الوطنية هو الذي دفعها إلى أن تتشبث بالملك كرمز الوحدة الوطنية.
وانحصر مفهوم التعددية السياسية بالنسبة للحركة الوطنية في سلطة سياسية مقتسمة، بشكل أو بآخر، بين الحركة الوطنية والملكية. ومن دون شك، فإن الحركة الوطنية لم تكن تتوقع أن يكون مآل مفهومها للتعددية هي أن تتبوأ الملكية الموقع المركزي في نظام السياسي لما بعد الاستقلال تحتل فيه الحركة الوطنية دورا ظل يقلص مع مرور الوقت، تتحول فيه إلى حزب ضمن فاعلين سياسيين آخرين يتنافسون في إطار تعددية حزبية كانت إحدى أهدافها الغير معلنة، هي أن تحول دون احتكار الحركة الوطنية للسلطة السياسية. وهكذا، كانت إحدى أبرز النتائج السياسية للتعددية المغربية التي ظلت الحركة الوطنية تكن لها كل العداء، هي أن الحركة الوطنية لم تتمكن من أن تحتكر السلطة السياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال على غرار بقية الحركات الوطنية عبر العالم. بل إن نشاطها السياسي ظل محصورا في المعارضة إلى حدود حكومة التناوب، التي شكلتها برغبة من الملك، وهي منقسمة إلى أحزاب كثيرة ومقاعد برلمانية غير كافية لضمان الأغلبية، واضطرت وحتى تشكل تحالفا برلمانيا يساندها، إلى أن تعترف على مضض، ولأول مرة، بالتعددية الحزبية التي لا تقتصر على الأحزاب المنبثقة عن الحركة الوطنية.
كيف نفسر تحول المشروع السياسي الطموح للحركة الوطنية المبني على تصور نظام سياسي يقتصر قطباه على الملكية والحركة الوطنية، ومآله إلى نظام سياسي متعدد الأحزاب لا تعتبر الحركة الوطنية فيه إلا فاعلا من بين غيرها من الفاعلين، بينما تحتل فيه الملكية الدور المركزي بدون منازع؟
سنجيب على هذا السؤال انطلاقا من ثلاثة أطروحات. أطروحة البنيات السوسيو-اقتصادية، أطروحة الاستبداد، وأطروحة الديمقراطية بدون ديمقراطيين.
البنيات السوسيو-اقتصادية:
ربطت هذه الأطروحة ضعف الحركة الوطنية بخصوصيات البنيات السوسيو-اقتصادية للمغرب، التي لم تسمح بظهور طبقة برجوازية قوية مستقلة عن الدولة ولا طبقة وسطى ذات قاعدة اجتماعية واسعة قادرة على الحد من الهيمنة السياسية للملك. هذه الخصوصيات تتجلى في كون أن الاقتصاد التقليدي أو الاقتصاد التابع للمركز يمنع بنيويا من ظهور نشاط اقتصادي رأسمالي تحركه قوانين السوق المستقلة عن هيمنة الدولة، ولا يخلق النمو بالوثيرة القادرة على تغيير عميق في الطبقات الاجتماعية، الشيء الذي يحول دون ظهور طبقات قوية قادرة على فرض اختياراتها على الدولة. هذه الأخيرة ظلت تعتبر المؤسسات السياسية الأداة الممثلة للمصالح الاقتصادية المهيمنة سواء كان ذلك في ظل تعددية حزبية، أو أحادية حزبية أو نظام عسكري أ ونظام ملكي تقليدي. ما يهم في هذه المؤسسات السياسية حسب هذه الأطروحة ليست أشكالها القانونية، بل حقيقتها الطبقية. والعامل الحاسم في التغيير السياسي هو التحولات على المستوى البنيات الاقتصادية التي تخلق شروطا جديدة لظهور الطبقات ولقوتها السياسية التي تتحدد من خلال القوانين العلمية للصراع الطبقي. لكي نحدد مآل التغيير السياسي، يجب تحديد أنماط الإنتاج، وتحديد الطبقات الاجتماعية المتولدة عنها. وما تبقى لن يكون إلا إعادة للقوانين التاريخية. لقد استثمر الفكر الماركسي المغربي، المنظّر الأساسي لهذه الأطروحة، جهدا كبيرا في تحديد أنماط الإنتاج وأشكال الصراع الطبقي المترتب عنها، إلا أنه تم التخلي عن هذا المجهود الفكري بشكل فجائي وشبه كامل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. لا يسمح المجال في هذه الورقة بالقيام بقراءة نقدية مفصلة لهذه الأطروحة، ولكن لا بد وأن يكون أحد مصادر ضعفها دور تدبير التعددية من طرف الملكية في التقليص من حدة الصراع الطبقي، بغض النظر عما إذا كان ذلك النوع من الصراع قد شكل فعلا المحرك الأساسي للسياسة المغربية.
بعد ظهور ما يكفي من المؤشرات على صلابة النظام السياسي القائم، بدأت التحاليل المرتبطة بهذه الأطروحة تعي بهشاشة البنيات الاجتماعية القادرة على إفراز طبقات اجتماعية قابلة لأن تُعبّأ من أجل إحداث التغيير السياسي، وضمان مشاركة سياسية فعلية من طرف الحركة الوطنية. وركزت هذه التحاليل على الضعف البنيوي للطبقة الوسطى، وعلى الانتشار الواسع للأمية الشيء الذي يحول دون تعبئة سياسية فعالة، وعلى التوسع المستمر للفقراء والمهمشين، اللمبن- بروليتاريا، تلك الشريحة الدائمة التقلب التي تفتقد لشروط التسيس. واقتصرت استراتيجية الحركة الوطنية من موقع المعارضة، على التركيز على المخاطر السياسية الناجمة عن ضعف النمو الاقتصادي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا في ظل مشاركة سياسية فعلية للحركة الوطنية. ومهما كان الدور الذي لعبته هذه الاستراتيجية في التهييء لحكومة التناوب فإن نتيجة هذه الأخيرة كانت هي ترسيخ التعددية الحزبية، بحكم عدم تأهل أحزاب الحركة الوطنية لوحدها في معالجة المشاكل البنيوية للتأخر الاقتصادي.
تجب الإشارة إلى أن التهديد بالخطر السياسي للأزمة الاقتصادية هو تصور سائد أيضا لدى الراديكاليين الإسلاميين الممثلين في حركة العدل والإحسان. لكن على عكس أحزاب الحركة الوطنية، فالعدل والإحسان لا توظف الأزمة الاقتصادية كأداة للدفع بإشراكها في السلطة السياسية، بل من أجل التعبئة السياسية لقاعدتها في غياب استراتيجية عملية تضمن وصولها إلى الحكم. وتعتمد هذه التعبئة على نشر الاعتقاد بأنه مع تفاقم الأزمة يكون المآل الحتمي للنظام السياسي هو السقوط، وأن المستفيد الأول لن تكون الأحزاب المتعددة التي ارتبطت بالحكم الآيل للسقوط، بل سيكون العدل والاحسان.
الاستبداد والاستبداد المتنور:
تنطلق أطروحة الاستبداد من وجود تناقض مبدئي بين الحاكم المستبد بالسلطة وبين السلطة المقتسمة في ظل التعددية السياسية. وبالتالي فعقم التعددية في المغرب فسر في كتابات متعددة انطلاقا من منطق الاستبداد. حيث المؤسسة الملكية هي التي تمنع التعددية من أن تتحول إلى تعددية خلاقة، وتمنع الأحزاب من أن تتحول إلى فاعلين مستقلين، وذلك من منطق قانون التمسك الطبيعي بالسلطة. ولا تعطي هذه التفسيرات أهمية تذكر للتعددية الحزبية القائمة. إنها ليست إلا الاستبداد نفسه، ولا تهدف في نهاية الأمر إلا إلى تكريسه أو ترسيخه أو تلميعه. ونجد في الكتابات المتعددة حول المخزن، مصدرا مهما في هذا الموضوع.[4]
مع ذلك، يجب الاعتراف بأن التواجد الفعلي للأحزاب، كما رأينا، لم يكن من صنيعة النظام السياسي، وأنها وعبر تاريخها قاومت مشاريع الدولة، وعارضت اختياراتها السياسية، وطرحت مشاريع بديلة، وإن لم تكن نتائج المعارضة في مستوى الطموح المعارض. كل ذلك يضعف أطروحة الاستبداد الذي نجد نماذجها المثلى ليس في النظام المغربي الذي حافظ على التعددية الحزبية، بل في الأنظمة السياسية التي ألغت هذه التعددية وسعت إلى محوها. كما أن حكومة التناوب، تعتبر اختيارا مخالفا لإبعاد أحزاب الحركة الوطنية عن مراكز القرار السياسي، الشيء الذي يصعب معه تفسير كل هذه التحولات انطلاقا من منطق الاستبداد.
إذا ما اعتبرنا أن التعددية الحزبية ليست في عمقها مناورة من طرف الملكية لتجنب التعددية أصلا، ولكنها أسلوب من أساليب تدبير التعددية، فهل نفسرها انطلاقا من دينامية الاستبداد نفسه الذي يجعل من الحاكم في حالات معينة، متفتحا على الإصلاح، والعدل والحرية أي الاستبداد الذي يفرز الاستبداد المتنور؟ هل التعددية الحزبية التي ظل النظام المغربي محتفظا بها، وهل المشاركة في حكومة التناوب التي هيأها الملك نفسه، هل هي مرتبطة بتنور الاستبداد؟ إذا كان الأمر كذلك، فيبقى أن نبحث في العوامل التي تجعل نفس الحاكم ينحو نحو الاستبداد أحيانا ونحو التنور أحيانا أخرى، وتصبح عملية تتبع التطور السياسي متعلقة بتتبع الظروف السياسية والنفسية لتقلبات الاستبداد، هل هو الخوف من تفاقم الأوضاع الذي يدعو للإسراع بالإصلاح، أم الثقة بالنفس التي تبدد خوف الحاكم من المنافسة ومن مغامرة الحرية؟
انطلاقا من هذه الأطروحة، فهل يمكننا نناقش استمرار التعددية الحزبية وآفاق الانتقال إلى التعددية الحزبية الفعالة على ضوء دينامية الاستبداد والاستبداد المتنور؟ هل يمكن أن نقول أننا في المغرب نعرف وضعية المستبد المتنور أو أننا على مشارف أن نجربه؟
إن التنور ينطلق من القناعة بأن مبادئ الأنوار العقلانية هي وحدها الكفيلة بضمان تدبير فعال لعلاقة الحاكم والمجتمع، وهي وحدها الكفيلة بتحقيق السعادة والتقدم. أي أنها تضع ثقتها في نهاية الأمر في المجتمع الحر، وبالتالي بالضرورة التعددية وبقدرة هذا المجتمع أن يحقق هذا التقدم عن طريق ممارسته تعدديته وحريته. لا يظهر أن هذه القناعة مترسخة في المغرب بعد. فالنظرة الهوبزية التي تنطلق من الشر الكامن في المجتمع لا زالت قوية، أو هي لا تزال مغرية على الأقل في فترات التردد والأزمات، كما ظهر بعد أحداث 16 ماي.
ديموقراطية بدون ديموقراطيين:[5]
إذا كانت الأطروحة الأولى تركز على العوامل الاقتصادية في تفسير صعوبة التحول السياسي في المغرب، والأطروحة الثانية تربط بين آفاق هذا التحول، واحتمالات تفعيل التعددية الحزبية بالتحول الذي يطرأ على الحاكم نفسه، فإن الأطروحة الثالثة تفسر الاختيارات السياسية للفاعلين السياسيين بحسابات عقلانية لاختياراتهم، تدفع بهم نحو المواجهة والاصطدام والانغلاق، أو نحو التعايش والتنافس في إطار تعددي. هذه الحسابات ليست وليدة مواقف مبدئية راسخة، بقدر ما هي نابعة من التصورات البراغماتية عن الربح والخسارة التي يأمل كل فاعل تحقيقها أو تجنبها عبر اختياراته. وتصبح الديمقراطية، باعتبارها النموذج الأرقى لتفعيل التعددية، اختيارا عقلانيا عندما يحقق أكبر المنافع الممكنة بأقل التكاليف. في هذه الحالة، فليس هناك حاجة لفاعلين متشبعين بمبادئ الديمقراطية النابعة من خصوصيات ثقافية قد لا تتحقق، بل هناك الحاجة إلى فاعلين عقلانيين لن يترددوا مهما كانت الخصوصيات السياسية على اتخاذ المواقف المناسبة. وفي الوقت الذي يتوصل فيه الفاعلون إلى قناعة بتكافؤ القوة بينهم، وباستحالة تحقيق أكبر المنافع بأقل الخسارات في اختيارات غير اختيار تفعيل التعددية السياسية، فإنهم سيفعلون ذلك، أي أن الديموقراطية يمكنها أن تتحقق بواسطة فاعلين تتوفر فيهم العقلانية، وليس شرطا بواسطة الديموقراطيين.
ما هي الاستنتاجات التي يمكن استخلاصها عندما نطبق هذه الأطروحة، أطروحة مدى عقلانية الاختيارات الإستراتيجية لكل من الملكية والأحزاب السياسية المغربية؟
بالنسبة للحركة الوطنية، فإنها في الوقت الذي تشبثت فيه بأحقيتها في اقتسام السلطة مع الملك، افتقدت إلى الآليات التي تسمح لها بالحفاظ على وحدة صفوفها، مما أدى إلى سلسلة الانشقاقات التي عرفتها منذ نشأتها وإلى اليوم. وفي الوقت الذي كانت القوة السياسية تنفلت من يدها، ظلت متشبثة بتصوراتها البالغة الطموح، عوض العمل على تأهيل مؤسساتها للعب دور مشارك مع فاعلين آخرين، في تدبير الشأن العام. فتزايد العداء المبدئي للتعددية الحزبية من طرف أحزاب الحركة الوطنية منعها من تطوير ثقافة التحالفات البراغماتية الفعالة، واكتساب الخبرة في هذا المجال. وبقيت بالتالي تجربة الكتلة تجمعا رمزيا للإخوة الأعداء، عوض تفعيلها لتحسين مواقفها التفاوضية مع الملك سواء في تشكيل حكومة التناوب، أو في حكومة جطو الحالية.
كما أن التركيز على مبدأ الأحقية بالمشاركة في السلطة كان على حساب التهيؤ العملي لتدبير الشأن العام، والبحث عن بلورة سياسات قابلة للتطبيق في ظل تحالفات سياسية مبنية بالأساس على التعددية الحزبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحسم في الاختيارات الإستراتيجية ظلت محتكرة على مستوى الزعامة، بسبب موقف لم يقبل التعددية الحزبية إلا متأخرا، ولا زال لا يرى في التعددية داخل الحزب الواحد إلا مصدر التشتت والانقسام والضعف.
هذه العناصر تلتقي كلها في إبراز نتائج النقص في خبرة الحركة الوطنية في ممارسة التعددية وتدبيرها وتوظيفها للقيام بأكثر الخيارات عقلانية والتي ساهمت بدون شك في إضعافها. وبالمقابل، فإن خبرة تدبير التعددية قوت موقع الملكية ومركزيتها في النظام السياسي.
آفاق التعددية:
إن المستقبل السياسي للمغرب مرتبط بتصورات كل من الملكية والأحزاب السياسية التي لم تعد أحزاب الحركة الوطنية إلا فاعلا واحدا ضمنها، عن التعددية وكيفية تفعليها في الممارسة السياسية. وتواجه كل من الملكية والأحزاب خيارات متباينة في هذا الشأن.
فالملكية تواجه اختيار تفعيل الانتقال من التعددية الحزبية إلى تعددية سياسية، تتحول فيها الأحزاب إلى فاعل سياسي مسوؤل عن الاختيارات السياسية الكبرى في ظل حكومة حزبية تتخذ القرارات حسب منطق التحالفات والانتخابات. وإذا كان الاختيار هو الأقرب إلى مفهوم الديمقراطية الناجحة، والتي تجعل منها الثقافة السياسة السائدة اليوم، النموذج الذي يجب أن يحتذى به، فإنه مع ذلك يطرح مشاكل عملية تعرقل صعوبة تطبيقه. أهم هذه المشاكل كون أن التعددية الحزبية المغربية، لا يبدو أنها قادرة على أن تتحول إلى منبع لأفكار جديدة تستطيع أن تقدم حلولا عملية للمشاكل الكبرى المطروحة. ويعود السبب في ذلك كون أن الأحزاب، بسبب هيمنة بيروقراطيتها، لم تعد قادرة على منافسة الإدارة والقطاع الخاص على استقطاب الطاقات البشرية الكفئة. كما أن تجنب تفعيل التعددية داخل الأحزاب نفسها أدى إلى بالقواعد إلى أن تتحول إلى فاعل سلبي لا يشارك في صنع التصورات الجديدة وبلورتها، بقدر ما هو مطالب بالامتثال لخيارات نخب الحزب وتجنب مساءلتها. وما دام وضع الأحزاب كذلك، فإن آفاق الانتقال من التعددية الحزبية إلى التعددية السياسية لا يبدو محتملا ولا حتى مرغوبا فيه. وفي انتظار أن تتوصل القيادات الحزبية إلى قناعة راسخة بأن المستقبل السياسي للأحزاب، رهين بتفعيل التعددية داخل أحزابها، فإن المحافظة على حصر التعددية في المغرب في مستوى التعددية الحزبية غير الفعالة يبقى هو الاحتمال الأقوى.
وإذا كانت الأحزاب لن تكون هي مصدر تجديد النخبة، فإن الاختيار الآخر المتوفر للملكية هو تكريس تجارب الهيآت الاستشارية في مجالات متنوعة تسمح للملكية بمواجهة التحديات المطروحة، وفي نفس الوقت تجديد النخب المسيرة من مصادر خارج الأحزاب. ومن المتوقع أن يؤسس هذا الاختيار خلق سلطة موازية للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية القائمة، تعكس التعددية السياسية التي تصنعها المؤسسة الملكية مباشرة ودون حاجة للمرور عبر الأحزاب. وإذا كانت فعالية هذا النوع من المؤسسات الاستشارية تبدو مغرية على الأمد القريب لمعالجة القضايا المستعجلة والملحة، إلا أنها بالإضافة إلى كونها تساهم في إضعاف السلط القائمة، فإنها تفتقد إلى الضمانات التي تمنع تحولها إلى جهاز بيروقراطي متحصن ضد المساءلة، ومنغلق عن المجتمع، وبالتالي متعارض مع فكرة التعددية السياسية الفعالة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] J. S. McClellland, A History of Western Political Thought, Routledge, London, 1996.
[2] John Waterbury, The Commander of the Faithful
[3] Cliford Geertz
[4]
[5]جون واتربوري، إمكانية التحرك نحو الليبرالية السياسية في الشرق الأوسط، في كتاب ديمقراطية من دون ديمقراطيين: سياسة الانفتاح في العالم العربي الإسلامي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1995
#يوبا_اليكهام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|