أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - افريقيا: من صيد البشر الى نهب الذهب والموارد الطبيعية















المزيد.....

افريقيا: من صيد البشر الى نهب الذهب والموارد الطبيعية


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6257 - 2019 / 6 / 11 - 19:35
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


إعداد: جورج حداد


في منتصف الالفية الثانية المنصرمة، وخاصة بعد "اكتشاف" اميركا، بمشاركة رئيسية من قبل الطغمة المالية اليهودية العالمية (راجع هنري فورد في كتابه "اليهودي العالمي")، وبمباركة من المؤسستين الكاثوليكية والبروتستانتية، تعرضت القارة الافريقية لحملة ابادة عنصرية واسعة النطاق، تمثلت في عملية صيد البشر وبيعهم عبيدا لشحنهم الى اميركا للمشاركة في بناء "العالم الجديد" كيد عاملة رخيصة. وكان يتم اصطياد الشبان والشابات الاصحاء والاقوياء لسوقهم الى اميركا، في ظروف شحن بالغة الوحشية. والغالبية الساحقة من هؤلاء البؤساء ماتوا من الجوع والتعذيب والامراض قبل ان يصلوا الى اميركا. وكانت جثثهم تلقى في البحر كالنفايات بدون اي طقوس دينية وبدون اي احترام للكائن البشري. ويقول احمد بن بله في كتابه "نحو عالم جديد" ان عدد هؤلاء البوساء الذين تم اصطيادهم بلغ 100 مليون انسان، ولكن اكثريتهم الساحقة ماتوا في الطريق الى العبودية ولم يصل منهم الى اميركا سوى 1/10. ولا حاجة الى القول ان صيد (وابادة واستعباد) 100 مليون من خيرة ابناء افريقيا الشباب ادى الى قطع تطور وتدمير دورة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية في افريقيا. وللاسف ان بعض الحثالات البشرية من العرب شاركوا في هذه الجريمة الكبرى ضد الانسانية كصيادي بشر، او سماسرة او نخاسين.
لقد اباد الهتلريون، حسب الاحصاءات الاسرائيلية، 6 ملايين يهودي اوروبي، من الشيوعيين والاشتراكيين والمعارضين للصهيونية، الذين رفضوا المجيء الى فلسطين بموجب وعد بلفور. ولكن المانيا ما بعد الهتلرية اجبرت على ان تدفع التعويضات لاسرائيل عن جريمة الهولوكوست.
فهل سيأتي يوم تجبر فيه اوروبا واميركا على دفع التعويضات لافريقيا عن ابادة واستعباد 100 مليون من ابنائها، وتدمير التطور الطبيعي لبيئتها الاجتماعية؟
سؤال للتاريخ!
وقبل ان تخلص افريقيا من جائحة صيد البشر، تعرضت لجائحة اخرى ادهى وأمرّ هي جائحة الاستعمار الاوروبي. فخلال انتشارهم في كافة انحاء افريقيا السوداء وانهماكهم في "مهنة" صيد الافارقة الاصحاء والاشداء، كان "الصيادون" الاوروبيون يلاحظون كم هي غنية افريقيا بالاراضي الزراعية البكر وشديدة الخصوبة، وغنية بالثروة الحيوانية والثروات المنجمية، من جهة، ولاحظوا، من جهة ثانية، انه لم تكن توجد في افريقيا السوداء دولة او مجموعة دول مركزية قوية، كما انه ـ وبسبب ضعف وسائل الاتصالات والمواصلات، فإن المجموعات القبلية الافريقية كانت مفككة وضعيفة جدا، وقد زادها صيد البشر ضعفا على ضعف. وهذا يعني ان استعمار هذه الاراضي البكر لن يجد مقاومة شديدة، او لن يجد اية مقاومة من قبل السكان الاصليين. وكان هذا بمثابة "الاكتشاف الحضاري" الثاني لاوروبا الاستعمارية، بعد "اكتشاف اميركا". ومنذ القرن الخامس عشر حتى القرن التاسع عشر، وجنبا الى جنب حركة الاستعمار والاستيطان وابادة الهنود الحمر في اميركا، اخذت البلدان الاوروبية، صغيرها وكبيرها، تتسابق لاستعمار الاراضي الافريقية "ما وراء البحار"، وتلقي فيها حثالاتها الاستعمارية، وتحل ازماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية، وخاصة ازمة البطالة والفائض النسبي للسكان، بفعل قوانين التطور الاولي للرأسمالية المتوحشة. وحتى نهاية القرن التاسع عشر كان قد تم استعمار كل سنتيمتر مربع في افريقيا وتقاسمها بين جميع الدول الاستعمارية الاوروبية، التي اثرت واغتنت على حساب الشعوب المستعمرة، الافريقية وغير الافريقية، وليس بفضل "حسنات" النظام الرأسمالي الذي انتج الظاهرة الاستعمارية العنصرية والوحشية. ولا شك ان الادارة الاستعمارية كانت تواجه المقاومات المتفرقة، الا ان جميع اشكال المقاومة كانت تواجه بالقمع بالغ الوحشية والسحق التام دون ان يدري العالم الخارجي بالفظاعات التي يرتكبها المستعمرون الاوروبيون ضد الجماهير الافريقية المسحوقة. ولتضليل الشعوب الاوروبية، كانت العملية الاستعمارية تجري تحت شعارات التنصير والتمدين، حيث كانت ترسل بعض بعثات التبشير بالكاثوليكية والبروتستانتية، وتبنى بعض المدارس الابتدائية والتكميلية ونادرا الثانوية، التي يتعلم فيها ابناء بعض الافريقيين المطوّعين، بهدف ايجاد موظفين محليين لمساعدة الادارة الاستعمارية.
وفي القرن العشرين قامت الثورة الاشتراكية الكبرى في روسيا، التي سجلت صفحة جديدة في تاريخ البشرية، كما قامت الثورة الصينية، وتم سحق الفاشية والنازية في اوروبا واسيا، واندلعت ثورات التحرر الوطني في جميع البلدان المستعمرة الآسيوية، ووجدت هذه الثورات انعكاسها في كافة البلدان المستعمرة الافريقية، ولم يعد بامكان الظاهرة الاستعمارية ان تستمر لا في افريقيا ولا في غيرها.
واليوم تتمتع الدول الافريقية بالاستقلال السياسي الشكلي وهي اعضاء في الامم المتحدة. ولكنها جميعا ضعيفة وفقيرة، بسبب التفكك القبلي والحروب الاهلية الدائمة التي تشعلها وتديرها الدوائر الاستخباراتية الغربية والاسرائيلية. وهي تتعرض للاستغلال ونهب خيراتها عن طريق اغراقها في الديون وجني الفوائد الفاحشة منها، كما عن طريق النهب المباشر لثرواتها الطبيعية ولا سيما المعادن الثمينة كالذهب والماس. ويجري نهب الذهب الافريقي ببساطة متناهية بالطرق التالية:
ـ يحصل المغامرون والمافيات وحتى العصابات الارهابية التكفيرية على تراخيص لاستخراج الذهب في مساحات شاسعة تبلغ احيانا مئات الكيلومترات المربعة. ويدفع صاحب الترخيص رسما ماليا تافها لخزينة الدولة المعنية.
ـ يتم التنقيب والاستخراج عادة في الاراضي السبخة المشبعة بالمياه، حيث يجري الحفر الى عمق بضعة امتار لتجاوز القشرة الترابية والوصول الى طبقة رمول وحصى صغيرة هي التي تحتوى خامات الذهب، وتستخرج الرمول والحصى بواسطة جرافات ضخمة ويتم غسلها في المياه بواسطة الات خاصة وفصل نثار الذهب منها. ولهذه الغاية يتم استخدام المواد الكيماوية السامة كالسيانيد وحمض النيتريك والزئبق لاجل تجميع نثار الذهب في كرات صغيرة وفصله عن الاتربة والمواد الاخرى.
ـ وفي اغلب الاحيان، وبدلا من استخدام الجرافات وآلات الغسل غالية الثمن، يتم استخدام المنجميين، رجالا او اطفالا. فيتم تحديد مربع يجري فيه حفر عدة حفر عميقة بعمق عدة امتار وبعرض مترين او ثلاثة للحفرة التي تغمرها المياه، ويغطس المنجمي في المياه العكرة في هذه الحفرة كي يصل الى طبقة الرمول والحصى ويحمل كمية منها في قفة معه ويصعد الى السطح ويقوم هو بغسل هذه الكمية وسكب الزئبق عليها لاستخلاص الذهب ثم "يبيع" ما استخلصه لصاحب الترخيص. وما يحصل عليه هذا المنجمي البائس الذي يعرض نفسه للموت مع كل غطسة كما يعرض صحته للتدمير بسبب استعماله للزئبق لاستخلاص الذهب، ـ ما يحصل عليه لا يكاد يكفيه لقوت يومه. وفي احيان كثيرة تنهار التربة في المربع المعين بسبب كثرة المياه، ويموت المنجميين في حفرهم اختناقا بالتراب المنهار فوقهم، وفي احيان كثيرة تترك جثثهم في مكانها ولا يحصل ذووهم على اي تعويض من اي جهة كانت. ويقول احد المنجميين: انني اغطس كي اطعم اطفالي. ولكن في كل مرة أصلي صلاتي الاخيرة لان نفسي تحدثني انني لن اخرج حيا من هذه الحفرة. وتجدر الاشارة ان المواد السامة التي يستخدمها المنجميون لاجل استخلاص الذهب تدمر صحتهم لانها تؤثر على الجهاز التنفسي والرئتين والقلب والكبد والطحال والكليتين. كما ان المياه المسمومة التي يتم شطف الرمول والحصى بها، يتم تصريفها عشوائيا في الاراضي المحيطة بمربعات الاستخراج وفي مجاري الانهار ومصباتها والبحيرات وشواطئ البحار. وهكذا يتم ايضا تدمير وتلويث وتسميم البيئة الافريقية من اجل الحصول على الذهب.
وتجمع الاحصاءات الافريقية والدولية على ان قيمة الذهب المستخرج من افريقيا تبلغ عشرات مليارات الدولارات. ويتم تسجيل قسم صغير جدا من الكمية المستخرجة ودفع الضرائب الجمركية عليها الى خزيبة الدولة الافريقية المعنية. اما القسم الاعظم فيتم تهريبه بواسطة المستخرجين انفسهم او بواسطة الوسطاء والسماسرة وتجار الذهب والمافيات والمنظمات الارهابية التكفيرية. وتشارك شتى الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية وبعض الدول العربية في المتاجرة بالذهب الافريقي المهرب.
وفي بحث لوكالة رويترز ان سويسرا، التي هي مركز عالمي لتكرير الذهب وسبكه، استوردت بقيمة 7.5 مليار دولار من الذهب الافريقي سنة 2016. في حين استوردت الامارات العربية المتحدة بـ 15 مليار دولار. ويقول البحث ان دولة الامارات اصبحت بابا رئيسيا لتوريد الذهب الافريقي المنهوب الى مختلف الدول الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية.
وما ينطبق على الذهب ينطبق ايضا على الخامات والثروات الاخرى الافريقية كالماس والعاج والمعادن والفواكه الثمينة.
وهذا هو احد اشكال النهب الاستعماري لافريقيا والبلدان الفقيرة والضعيفة. وتجني الاحتكارات العالمية الكبرى، الامبريالية واليهودية العالمية الارباح الاسطورية من هذا النهب، مما يمكنها من تحويل اقتصاد بلدان المتروبول الى اقتصاد خدماتي مالي وتجاري وسياحي وترفيهي وعقاري ومتخصص في الصناعات التكنولوجية رفيعة المستوى، وإلقاء عبء الصناعات الكلاسيكية على البلدان الاخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الابعاد الجيوستراتيجية للمواجهة المصيرية بين اميركا والصين
- اوكرانيا على عتبة تحول مصيري جديد
- فشل سياسة العقوبات الاميركية
- تصدع العلاقات بين الاتحاد الاوروبي ودول اوروبا الشرقية
- العلاقات الصينية الاوروبية الى أين؟
- آفاق المواجهة بين اميركا والغرب وبين روسيا والشرق
- تباطؤ الاقتصاد العالمي وحرب تجارية اميركية ضد اوروبا
- بدأ زمن العد العكسي لهيمنة الدولار
- روسيا تعمل بثبات لنزع السيادة السياسية الدولية لاميركا
- روسيا قوضت السيادة العسكرية العالمية لاميركا
- -صراع البقاء- بين روسيا واميركا
- -اسرار- الهيمنة العالمية للدولار
- اميركا تغرق في دوامة الدين العام والعجز المالي
- بعد فشل النظام العالمي الجديد لاميركا... اورروبا الى أين؟
- الادارة الترامباوية تأخذ الاقتصاد الاميركي الى الانتحار
- خطوة تصعيدية اميركية وروسيا ترد بالمثل وأكثر
- تفاقم الازمة الاقتصادية السياسية الاميركية
- على نفسها تجني براقش الاميركية
- خطوة الى الامام أم خطوتان الى الوراء؟
- اليونان ستتحول الى مرتكز اقتصادي عالمي لروسيا


المزيد.....




- العثور على مركبة تحمل بقايا بشرية في بحيرة قد يحل لغز قضية ب ...
- وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان يدخل حيّز التنفيذ وعشرات ...
- احتفال غريب.. عيد الشكر في شيكاغو.. حديقة حيوانات تحيي الذكر ...
- طهران تعلن موقفها من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنا ...
- الجيش اللبناني يدعو المواطنين للتريّث في العودة إلى الجنوب
- بندقية جديدة للقوات الروسية الخاصة (فيديو)
- Neuralink المملوكة لماسك تبدأ تجربة جديدة لجهاز دماغي لمرضى ...
- بيان وزير الدفاع الأمريكي حول وقف إطلاق النار بين إسرائيل ول ...
- إسرائيل.. إعادة افتتاح مدارس في الجليل الأعلى حتى جنوب صفد
- روسيا.. نجاح اختبار منظومة للحماية من ضربات الطائرات المسيرة ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - جورج حداد - افريقيا: من صيد البشر الى نهب الذهب والموارد الطبيعية