أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بلمزيان - ظاهرة اجتماعية أو منظومة تربوية ؟















المزيد.....

ظاهرة اجتماعية أو منظومة تربوية ؟


محمد بلمزيان

الحوار المتمدن-العدد: 6257 - 2019 / 6 / 11 - 16:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تأملت في مونولوغ مع نفسي ظاهرة تكاد تنخر مجتمعاتنا المعاصرة، ولا تكاد يسلم منها أي نشاط بشري تجاريا كان أو سياسيا أو اقتصاديا أو غير ذلك من المجالات التي يتعاطى لها الإنسان، إنها ظاهرة الغش، التي طغت على السطح وأصبحت ظاهرة مخيفة وفي خط متنامي ومرعب، وقد خلصت خلال تأملي هذا الى درجة التوجس الذي أصبح بعض الناس يعيشونه في ظل التوتر والضغط الإجتماعي والنفسي الراهن ومستوى الخوف واللاأمان فيما سيأتي ويضمره الآتي، وجعلهم بالتالي ميالين الى انتهاج أساليب تحايلية من أجل تجاوز نقص ما أو الفوز بجائزة أو النجاح في الإمتحان وغيرها من الكوابح النفسية والذاتية التي قد تعترض بعض الناس في حياتهم الإجتماعية واليومية، فنسمع مثلا عن غش في الميزان، وغش في البناء وغش في الإمتحان وغش في الأوراق المالية، وغيرها من السلوكات غير الطبيعية، وهي كلها ممارسات مخجلة وغير مقبولة أخلاقيا، وهي فوق هذا وذلك فهي ممنوعة يعاقب عليها القانون. لا شك أن ظاهرة الغش لا يمكن أن تجد تربتها للإنتعاش إلا في مجتمع نشأ وترعرع على الغش، وبالتالي تصبح ظاهرة الغش قاعدة مؤسسة، ومنهجية لكل شخص يريد أن يتدرج في المراتب والفوز في الإمتحان اعتمادا على مجهودات الغير وسرقة اجتهاداتهم، وطريقة للربح السريع وماركمة الثروات على حساب الخدمة المغشوشة التي يقدرمها لزبنائه والتي كيفما كانت الأحوال ورغم شكل العروض المغرية التي يقدم خدماتها للزبناء فهي مغشوشة في جانب من جوانبها إما في الكيل أو الجودة أوغش ما آخر يمس سلعة ما أو اي خدمة مقدمة للغير من أجل الإقبال عليها بشراهة، وقد تكون هذه السلعة قد تجاوزت صلاحية استهلاكها في بعض الأحيان فيما يخص المواد العدة للإستهلاك.
أعتقد جازما بأن ظاهرة الغش لا يمكن محاربتها بوسائل ردعية فقط، لكون الغش حينما ينتشر على نطاق واسع، ويمس دواليب المجتمع المختلفة، فإنه يصبح منظومة سلوكية سائدة وثقافة اجتماعية ( مقبولة) بل و( مطلوبة) لدى قطاع واسع من المقبلين عليها أو المتعاطين لها بنهم في حياتهم اليومية، الى درجة يصبح الغش جزءا من حياة البعض ومسلكا لقضاء حاجياتهم اليومية، مقابل الإمتعاض من اتباع المساطر والشفافية، وتجد ثقافة الغش بيئتها الحاضنة أكثر حينما تكون بعض المساطر القانونية معقدة أوتستوجب وقتا طويلا لتحقيق غايات البعض،وبالتالي فإن عدم إصلاح منظومة التعليم والتربية ستبقى هذه الظاهرة تضرب أطنابها في مختلف دواليب البلاد التي تعرف تهميشا وتخريبا لهذا القطاع، لكون الغش يندرج ضمن منظومة سلوكية وتربوية انتعشت في ذاكرة الفرد بلا شك عبر ترسانة من المفاهيم التي يكتسبها منذ الصغر، فكيف تطمح الى محاربة الغش في الإمتحان وبعض الأساتذة قد تدرجوا ونجحوا عبر سلوك الغش كمنهج للنجاح في الإمتحان أو المباراة، إما عبر سرقة أفكار زلائه أو استعمال التكنولوجيا الرقمية أو غيرها من الوسائل، فكيف سيكون سهلا على مثل هؤلاء أن يغرسوا ثقافة عدم الغش في النشىء الذي يشرفون على تربيته وتعليمه، وهل يملك جرأة كافية لتلقين دروس علمية في نفوس الطفولة من أجل الإقلاع عن الغش في الإمتحان، ذلك أن المثل القائل فاقد الشيء لا يعطيه يرخي بثقله في هذا المقام الصارخ، ولا يمكن كيفما كان المجهود الذي يمكن أن يبذله الغشاش لإيصال خطاب مغاير مهما اختار من الوسائل والمصطلحات والمعاني لمحو الصورة النمطية التي تترعرع في ذهنية الطفل، وهو يشاهد يوميا ظواهر تجري أمام عينيه، ويسمع عن حكايات من أقربائه وأصدقائه والمحيط الذي يعيش فيه. واعتبارا لما لمنظومة التعليم والتربية من دور من بناء شخصية الفرد كلبنة أولى لبناء المجتمع، فإن طبيعة المقررات المدرسية والمناهج المتبعة، يجب أن تخضع لتجارب ميدانية ودراسات علمية أثناء وضعها، والقطع مع كل المفاهيم التي تنتج ثفاقة الإتكالية ومحاربة أفكار التباري والمنافسة من أجل الحصول على الجواز الظرفية والمغريات التي تقدم في بعض المناسبات على سبيل المثال من أجل الفور بشروط تعجيزية، وبالتالي انتهاج أساليب بيداغوجية واضحة في إيصال الخطاب الى التلاميذ، لكن هذا لن يتأتى دون المصاحبة الإعلامية المستمرة عبر برامج ثقافية وترفيهية موجهة خصيصا للطفولة في سن ما قبل المراهقة وخلال مراحل النشوء الحساسة، الموازاة مع بذل مجهود حثيث لمحاربة أشكال الغش الإجتماعي كيفما تلونت ألوانه، بدءا من المجال التجاري وضرب كل الأيادي الفاسدة، وتخليق الحياة العامة السياسية والجمعوية والنقابية والفضاءات العمومية.
فإذا كان الغشاش والغششة يجنون ثمار هذه الظاهرة وقد يراكمون الأموال عبر هذه الطريقة المخجلة، وقد يتدرجون في المناصب عبر شواهد تعليمية مزورة أو النجاح في الإمتحان عبر الإعتماد على مجهودات الغيير، فإن ذلك يلحق ضررا فادحا في الطرف الآخر،والذي لا يعرف طريقا آخر في الإشتغال والعمل والتعليم سوى الإعتماد على نفسه وعلى مجهوداته الذاتية وقدراته الشخصية، وقد تكون مجهوداته لا تسعفه في مواجهة جهود الغشاش ومنافسة أخطبوط الغش الذي يفوت كل الفرص على
أصحاب المجهودات الفردية والنيات الحسنة، وقد عشنا هذه التجارب بكثير من التفاصيل خلال مرحلة دراستنا، وكيف أن البعض كان يعتمد كليا على الفرص التي كانت متاحة من أجل الغش في الإمتحان وحتى في الفروض، رغم أن تلك المرحلة كانت لها خصائص معينة فنادرا ما كان يقبل التلاميذ على الغش، وكانت حالات شاذة، لاعتبار أن صاحبها يكون موضع تساؤل أو نظرة انتقاصية أو موضع إشارة ،وبالتالي فإن هذا السلوك كان مرفوضا وغير مقبول مبدئيا، وحتى أن الذين يضطرون الى سلوكه، كانوا لا يقدرون على الإفصاح عنه، لما ينطوي عليه على الإحساس بالدونية بغياب المقدرة المعرفية والإهتزاز النفسي، والحال أن اليوم قد تجد البعض يتباهى أمام الآخرين بأنه قد استطاع سلوك أساليب الغش أو أنه قد مرر معلومات لغيره بدون خجل أو حياء، خاصة أثناء إجراء الإمتحانات والمباريات الحاسمة. فيكف نتصور بعض الحالات التي يمكن أن تكون في مركز القرار ويتحمل مسؤولية عمومية في تدبير شؤون الدولة، ويتوفر على حصانة أن يكون مصدر شبهة من هذا القبيل،والحال أنه من المفروض أن يكون قدرة للآخرين ومصدر اعتزاز لهم، لكن العكس هو الذي يحصل ويكونون أول من يدوسون القانون ويتحايلون عليه، محاولين تبرير سلوكاتهم بمختلف التبريرات المردودة.
أعتقد جازما بأن القطع مع الغش كيفما كان نوعه، لا يمكن أن يمر إلا عبر بوابة التربية والتعليم، وهو المعمار الوحيد الذي بإمكانه أن يشيد مجتمع الغد، فالتفكير في بناء مدرسة عمومية واضحة بمقررات سليمة ومفتوحة على المستقبل وتحديات العصر لتوظيف تقنيات التكنولوجيا المتاحة، هو المدخل نحو الفوز ببناء الفرد ومشروع الإنسان المستقبلي، بعيدا عن ثقافة الإتكال والكسل والتحنيط والغش، وهذا لن يتأتى إلا بانفتاح التلعيم على مختلف المناهج التربوية والتعليمية الرائدة للشعوب والمجتمعات التي حالفها الحظ في كسب رهان التنمية الحقيقية، فقد استخلصت من خلال هذا التأمل الشخصي بأن الغش كظاهرة اجتماعية قد تجد تعبيراتها في مختلف دواليب الدولة وقد تنتعش في مختلف المؤسسات والمرافق ، لكن منبتها لن يكون إلا تعليميا وتربوية، ففي هذا الأخير تطبخ جميع عقول الأجيال المتلاحقة، فما قد تزرعه اليوم سوف تجني ثماره غدا بكل تأكيد، وما تدبجه في المقررات وطبيعتها وحمولاتها المعرفية والعلمية ومدى أجراتها في الواقع سوف يظهر جليا بعد عقود من الزمن بلا ريب، اذن فلا مناص في وضع هذه التقديرات نصب الأعين بشكل يستوعب دقائق المرحلة وتحدياتها المختلفة لربح رهانات الغد، فبدون هذه الشروط الكفيلة بوضع منظومة التعليم والتربية في واجهة القضاء على منظومة فاسدة تربوية وسلوكية ومظاهر ثقافية نمطية سائدة لا يمكن أن نحلم يوما بالقطع مع العقلية الإجتماعية المتوارثة جيلا بعد جيل .



#محمد_بلمزيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن دائري
- العمل الجمعوي وعوائق إنتاج النخب
- قبل الرحيل
- الهجرة والعمران
- أضغاث أحلام
- ظواهر اجتماعية أم انفعالات شخصية ؟
- نسغ الحياة
- متاهة الأيام
- فن إدارة الحوار بين الممكن والمقلب
- على هامش الإحتفالات باليوم العالمي للمرأة (مساهمة التلميذات ...
- حول التحالفات السياسية الهجينة
- على هامش احتجاجات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد
- السياقة والتهور = الموت .
- أكل غلتهم وسب ملتهم
- المجتمع المدني بين التباس المفهوم والتوظيف الملغوم 6
- جعجعة بلا طحين عنوان لائق
- المجتمع المدني بين التباس المفهوم والتوظيف الملغوم 5
- المجتمع المدني بين التباس المفهوم والتوظيف الملغوم 4
- روايات كنفاني وسحر الكلمة
- الصراخ ليس هو عين الصواب


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بلمزيان - ظاهرة اجتماعية أو منظومة تربوية ؟