|
بغداد تعانق الموت واقفة ؟..
صادق محمد عبدالكريم الدبش
الحوار المتمدن-العدد: 6256 - 2019 / 6 / 10 - 20:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يستوعب الإسلام السياسي الطائفي والعنصري حقيقة ما يجري في العراق ، ولا يريد أن يعي ذلك . لم يدرك حجم التدهور الذي حصل نتيجة سياساتهم الحمقاء ، ولا يريد الإقرار بذلك ، و فشله الذريع والكارثي والمدمر في كل المرافق ، وفي إدارته للدولة والمجتمع ؟.. بالرغم من مرور كل تلك السنوات العجاف ( الاثنتا عشرة سنة الماضية ) الفترة التي حكم فيه العراق و تسلمه مقاليد السلطة !.. التي أودت بحياة عشرات الألاف من الضحايا ..والحبل على الجرار ، وأضعاف من هذا العدد من المصابين والمشردين والنازحين ، ومن الأرامل والثكالى والمهجرين ، نتيجة غياب الأمن والاستقرار ، ورغم أن لدينا جيش جرار ( العرمرم ! ) . هذا الجيش الذي يزيد تعداده على 800000 ثمانمائة ألف نسمة ، مضاف إليه الشرطة الاتحادية والأمن الوطني والمخابرات العامة وقوات حماية المنشئات !.. وتحت قيادة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي الحاكم ، ما يقرب من 44 ميليشيا مسلحة ومجهزة بالعدة والعدد وبمختلف الأسلحة ، باستثناء الطائرات المقاتلة ، وجميعها تحت امرت وتصرف الأحزاب الإسلامية الشيعية الحاكمة !.. وتعمل بشكل ( شرعي ! ) وبغطاء قانوني ( الجهاد الكفائي أفتى به السيد علي السيستاني ! ) وعلى إثر هذه الفتوى !!.. تم تشريعه قانون الحشد الشعبي من قبل مجلس النواب ، وهو قانون مخالف للدستور ، وتمول هذه المجاميع المسلحة التي تعمل تحت خيمة ( الحشد الشعبي ! ) تمول من ميزانية الدولة !.. هذا القانون كما بينا يطلقون عليه اليوم الحشد الشعبي ، الذي يضم تلك الميليشيات الطائفية المسلحة ، وبحقيقة الأمر تتبع الى أحزاب السلطة ومراجعها الدينية والسياسية . والأكثر غرابة في ذلك ، أن قوى سياسية من خارج دائرة قوى الإسلام السياسي !تطلق على هذه الميليشيات ( بالحشد الشعبي ) ؟ .. وهي تعلم الحقيقة كاملة ، ومتيقنة كون هذه المجاميع لا تعدوا كونها مجموعة من الميليشيات الطائفية ، تابعة لأحزاب الإسلام السياسي الحاكمة . ولا مجال لتناول ما ارتكبته هذه الميليشيات من كوارث وجرائم بحق الناس العزل وبدوافع طائفية ، وكان يجري بعلم وموافقة النظام السياسي لأحزاب الإسلام السياسي القائم حتى اللحظة ؟... وما ارتكبته من جرائم بحق الأبرياء ، وما سببته من فساد وعنصرية وتمييز بين مكونات شعبنا وأطيافه ، والذي أدى الى تغييب الدولة وثنيها عن أداء مهماتها على الوجه الأكمل . وبغياب الدولة والفساد والطائفية ، انحسرت الخدمات وعمت البطالة ، وازداد الفقر والمجاعة ، وتوقفت عجلة الاقتصاد والزراعة والصناعة والسياحة ، وتدمير البيئة واتساع مساحات التصحر ، وانحسار الثروة المائية وسوء إدارتها ، وتمدد الإرهاب في مساحات واسعة من أرض العراق ، وشيوع الجريمة المنظمة والمخدرات وتجارة السلاح . ما أصاب المجتمع نتيجة غياب الدولة ، من تمزق واحتراب ، نتيجة التمييز الطائفي والقومي والمنطقة والعشيرة ، وانهيار المنظومة القيمية والأخلاقية والأعراف والتقاليد الحميدة في المجتمع . فتعرضت ( الدولة ! ) والمجتمع لتخلف مريع في الأنشطة المختلفة ، وتخلفت عن ركب الحضارة الإنسانية ، وتخلفنا في المساهمة الفاعلة بصنع وتطور المعرفة والعلوم المختلفة في الأدب والفنون والثقافة !.. وخرجنا من دائرة ومنظومة الأمم التي تساهم في رفد وصنع الحضارة الإنسانية . والسبب معروف ومعلوم لكل المراقبين !.. تخلف نظامنا السياسي القائم وفلسفته ونهجه وثقافته ، الذي يقوم على [ فلسفة ونهج وثقافة الدولة الدينية ٍ]. ثقافة هذه الدولة تقوم على الرأي الواحد والدين الواحد والمرجعية السلفية الواحدة ، وإلغاء كل من يخالفها ، ويريدون العودة بنا الى العصور الغابرة ، التي ماتت منذ قرون ، هذه الفلسفة تتعارض مع حركة الحياة وقوانينها المتجددة ، التي تتطور مع حاجات الناس وحركة الحياة . ثقافة النظام القائم اليوم ، ثقافة تتقاطع مع الديمقراطية وحرية التعبير والاختلاف والتنوع والتعددية . النظام القائم يفرض إرادته بالقوة على المجتمع ، من خلال فرض رؤيتهم في الدولة الدينية ، وتضمين ذلك في التشريع وبناء الدولة ، وإلغاء أي دور للمرأة وهضم حقوقها ، ولا يقيم وزنا للدولة الديمقراطية وما جاء في الدستور العراقي ، وهنا تكمن أس المشاكل ؟ ... أن بناء الدولة الحديثة ، يقوم على أسس علمية واضحة المعالم في ( التنظيم .. والتشريع .. والتوجيه .. والتخطيط .. والرقابة .. وقبل هذا وذاك في الإدارة ، والفصل بين الدين والسياسة وعدم الجمع بين السلطتين ( الدينية والسياسية !) هذا إذا كنا نرغب في قيام دولة المواطنة وتتفق مع الدستور . لتكون لدينا دولة تساوي بين مواطنيها وتحقق العدالة ، يجب قبل كل شيء أن يستتب الأمن أولا والغائب منذ سنوات . الأمن كما يعلم الجميع ، منظومة متكاملة ومترابطة ومتجانسة ومتوافقة مع وجود هذا الكيان الذي اسمه الدولة العادلة ، وتقوم وفق القانون والدستور وتشريعاتها الخاصة التي تحدد مهماتها وواجباتها ، ولها نظامها الخاص تنظيميا وإداريا ، مؤسسة موحدة واحدة ومستقلة ومهنية ، ويتم حصر السلاح بيدها ، يقودها أناس مشهود لهم بالوطنية ، وقيادة تتمتع بالكفاءة والنزاهة ، مستقلة في عملها ومنسجمة مع الدستور والقانون وتمثل إرادة النسيج الوطني العراقي ، وبعيدة عن التجاذبات السياسية والحزبية والطائفية والقومية ، مؤسسة قادرة على أن تنجز مهماتها على أحسن وجه ، في تأمين حماية البلد وشعبه ودولته ومؤسساته المختلفة من أي تهديد . ويجب أن تنبثق هذه المؤسسة من رحم هذا المجتمع بأطيافه المختلفة ، دون تمييز وتمايز وحسب الكفاءة واللياقة والأهلية ، والمنتسب إليها يتمتع بكل الشروط التي تفرضها عليه هذه المؤسسة الوطنية والمستقلة والمهنية ، بغض النظر عن لونه ودينه وأصوله القومية أو منطقته . حصر السلاح بيد هذه المؤسسة كشرط لحفظ أرواح الناس ، وفق القوانين النافذة التي تفرض على هذه المؤسسة حصر كل ما له علاقة بالأمن وصيانته واستتباب السلم المجتمعي ، وتكون مسؤولة أمام السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية ، وأمام القانون في حالة أي إخفاق أو قصور في أداء واجباتها ، وفي تنفيذ المهمات الموكلة إليها حصرا ، ومبدأ العقاب والثواب هو الفيصل . عندها فقط نكون قد أسسنا لمنظومة أمنية وعسكرية رصينة ووطنية بامتياز ، وكما جاء في الدستور ، تقوم على أسس علمية وقانونية ومنية ووطنية ، ويميزها طابعها المهني والوطني وتمثل إرادة الناس . وستنال هذه المؤسسة المساندة الكاملة من الشعب ، ويكون الشعب ظهير قوي لنجاح هذه المؤسسة في أداء عملها ، ويحمي ظهرها ويذود عنها بالنفس والنفيس ، كما تسهر على حمايته وعلى أمنه وماله وعرضه وسلامة أرضه وسمائه ومياهه . بقاء الحال على ما هو عليه ، فسوف لن يستتب الأمن ويعم السلام ، سيستمر الموت والخراب والدمار والتفجيرات والخروقات الأمنية وإزهاق المزيد من الأرواح البريئة . داعش وأخواتها وما ارتكبته من جرائم ، هو نتيجة منطقية أفرزتها تراكمات كثيرة وكبيرة ، نتيجة الإخفاقات والفشل الكبير في إدارة الدولة ، وفي بنائها ، هذا أدى كذلك الى الفشل في عملية البناء الاجتماعي وإشاعة السلم الأهلي ، وانعكس سلبا على الوضع الاقتصادي بفروعه المختلفة ، والصراع السياسي وتفشي الفساد والمحاصصة ، والخروق الدستورية وعدم تمكين القضاء لأخذ دوره في بسط العدالة والقانون واستقلاله وحمايته من المتنفذين والفاسدين والطفيليين . كل ما تعرض له العراق ما بعد الاحتلال ، سببه !.. الخطأ القاتل والمدمر ، في بناء دولة المواطنة ،وغيابها ، الدولة الديمقراطية العلمانية الاتحادية الواحدة هذه الحلقة المفقودة والمغيبة منذ سنوات . لا شيء غير قيام دولة المواطنة ، لانتشال البلد وشعبه من محنه وما أصابه من كوارث ومصائب وألام يشيب لها الرضيع . عدى ذلك !.. فهو عبث ومضيعة للوقت والجهد والمال ، ويعني مزيد من الانحطاط والتدهور والتمزق والتقاتل ، ويعني مزيد من الموت والخراب والتشرد والجوع والجهل والمرض . وربما سنعود الى ما قبل عصر النهضة والحضارة والثورة الصناعية ، نركب على الدواب ونتنقل بواسطتها في سفرنا وحمل أثقالنا ، ونحيك ملابسنا بأيدينا كما كان يفعل أجدادنا قبل اكتشاف النول والماكنة الحديثة !.. ونحرث بمحراث الإنسان القديم ، الذي صنع أول محراث بدائي قبل مئات القرون ..! ونتمسك بأسلافنا وما يصنعون ويأكلون ، حينها يحكمنا الأموات وهم في قبورهم وأنصابهم التي نعبدها اليوم . وما نراه في كوابيسنا وأحلامنا ، نجتره بعد استيقاظنا من سباتنا ، ونقتدي بالحكمة القائلة ( أتتركون حمار الله ؟ ... وتركبون الشمندفر !.. يعني القطار !) . الحل بأيدينا يا سيداتي وسادتي !.. وبشكل ملح وعاجل ، في العمل فورا بقيام دولة ديمقراطية علمانية اتحادية موحدة . ومؤسسة أمنية وطنية مهنية واحدة موحدة ومستقلة ، وحصر السلاح بيدها دون غيرها . حل جميع الميليشيات الطائفية الشيعية ، وكل المجاميع المسلحة والحشد الشعبي ، ومصادرة الأسلحة والمعدات ، والتصدي للعصابات الخارجة عن القانون وعصابات تجارة المخدرات والجريمة المنظمة ، وتجفيف منابع الإرهاب وفكره وحواضنه ، ومجاميعه المسلحة المتواجدة على الساحة العراقية . وكما بينا أنفا ، يعاد النظر في بناء الدولة وعلى أساس هويتها الديمقراطية العلمانية الاتحادية المستقلة ، والفصل الكامل بين الدين والدولة وبين الدين والسياسة . وتكون المواطنة هي المعيار ، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، ومحاربة الفساد المفرخ للإرهاب وللجريمة والعابثين والطفيليين ، وتشريع قانون من أين لك هذا وتطبيقه على الكبار قبل الصغار . عندها نكون قد حققنا الهدف السامي ، ولتحقيق العدالة وتثبيت دعائم الأمن والسلام والتعايش ، ليسود السلم المجتمعي والتأخي والتعاون والمحبة بين الجميع . هذا إذا صدقت النوايا ، وإن كان في نيتنا قيام دولة المواطنة وقبول الأخر ، هذه الدولة التي يحلم بها شعبنا لتقيم العدل والمساواة والإنصاف بين كل العراقيين بمختلف مشاربهم وأطيافهم ومذاهبهم ومناطقهم ؟ دولة المواطنة والدستور والقانون .
#صادق_محمد_عبدالكريم_الدبش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من وراء الحملة الظالمة على الشيوعيين ؟..
-
الوقوف الى جانب الشعب السوداني واجب وطني وأممي .
-
الثورة السودانية ترعب الأنظمة الدكتاتورية .
-
عيشنا المشترك حقيقة لابد منها .
-
كيف تسير الأمور في العراق ؟..
-
الدولة الديمقراطية العلمانية خيارنا .
-
ما هي الدولة ؟.. وما ركائزها ؟..
-
الحرب والسلام ..
-
لشعبنا العظيم وريث أعظم حضارة !..
-
كيف لنا الخروج من الذي يعيشه العراق ؟..
-
يسعد أيامك يا عراق .
-
ما أشبه اليوم بالبارحة !..
-
سياسة العداء للشيوعية سهام ترتد لصدور مطلقيها !..
-
جلسة عسل .. وبصل !..
-
المجد للأول من أيار ..
-
شيء عن الأول من أيار المجيد .
-
رسالة من مخلوقات الكواكب الأخرى !..
-
سؤال يراود الكثيرين .. في أي دولة نعيش ؟..
-
النصر حليف الشعب السوداني .
-
ثقافة الحوار شرط أساس لقيام دولة المواطنة .
المزيد.....
-
عربات قطار بأمريكا تستبدل الركاب بالشعاب المرجانية والسلاحف
...
-
مسؤولان أمريكيان لـCNN: فريق بايدن ليس لديه خطط وشيكة حول اق
...
-
-ميتا- تحظر وسائل الإعلام الروسية الرسمية على منصاتها لمنع أ
...
-
-نزهة الغولف- الخاصة بترامب.. -مصدر قلق طويل الأمد- لدى الخد
...
-
ماهر الجازي: الأردن يستلم جثمان منفذ -عملية اللنبي- في مسقط
...
-
بعد محاولة الاغتيال المفترضة.. بايدن يتصل هاتفيا بترامب
-
بعد رحلة تاريخية من جدة إلى الرياض.. -طائرات موسم الرياض- تس
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال رئيس وحدة الصواريخ والقذائف في
...
-
الإعلام العبري يرصد صواريخ باليستية مصرية في جبال سيناء ويتس
...
-
ناريشكين: الأنظمة الموالية لواشنطن في أوروبا تسير على خطى ال
...
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|