|
الجزائر أيقونة النضال العربي إلى أين؟
حزب العمل الشيوعي في سوريا
الحوار المتمدن-العدد: 6256 - 2019 / 6 / 10 - 19:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
من مقالات العدد "90" لنشرة الآن الصادرة في شهر أيار .................................................... الجزائر أيقونة النضال العربي إلى أين؟
صرخة الأوطان من ساح الفدا فاسمعوها واستجيبوا للندا وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر فاشهدوا...فاشهدوا.. فاشهدوا
إنها كلمات زكريا المفدي وهو في السجن (1956) النشيد الوطني للجزائر لاحقا، لم يكن ليعلم المفدي أن كلماته الهادرة تلك، ستشعل المحتجين في ساحة البريد بالجزائر العاصمة، وربما كانت عظامه ترتجف قهرا وصوت انشودته يرددها ملايين المتظاهرين من شباب ملوا الجلوس على المقاهي بانتظار فرصة عمل، وحلقوهم جفت من الصمت السياسي بوجه من تبقى من رفاق الكفاح المسلح، وأولهم الرئيس المقعد المصّر على الترشح للمرة الخامسة إلى دوائره الضيقة والواسعة، وكأن الجزائر بلد المليون ونصف شهيد، وبلد (41) مليون نسمة، وشبابها الذي يشكل (60%) أصبحت عاقرا؛ لكن صوت الرفض والتحدي جاء عاليا صارخا : لم يكن يصغى لنا لما نطقنا فاتخذنا " رنة البارود وزنا ". وقولنا الآن القول الفصل. ولن يعاد فيلم يوسف أسطورة النائم السابع (لمحمد شويخ) ما دمنا في الشوارع والحواري. لأننا في الجزائر، وما أدرك شعب الجزائر نحن من أقسم " بالدماء" الزاكيات الطاهرات...نحن ثرنا فحياة أو ممات. قلناها قبل عقود زمن حرب التحرير، وحصلنا على الاستقلال، ومنذ ذلك الحين ومسارنا يتعرج يسارا ويمينا، ويتخبط عند كل انعطافة وتغير. ومن قاتل في جيش التحرير (وبقي حيا) وانتصر لازال يمسك روح جزائرنا الحبيبة، ويرسم خطواتها ومسارها وخياراتها الايجابية والسلبية سواء زمن تسلم البرجوازية الصغيرة والمتوسطة السلطة أو تحولاتها البنيوية إلى برجوازية البيروقراطية. الجيش والسلطة والدولة كان تأسيس الجيش الجزائري سابقا لتشكل الدولة نتيجة حرب التحرير الشعبية التي قادها (جيش التحرير الشعبي) الذراع العسكري لجبهة التحرير (لا تزال تحكم الجزائر) ومنذ ذلك الحين نشأ ما يشبه ثنائية العسكر والمدنيين اتفاقا أو صراعا، فكانت أولى محطاته الصراعية انقلاب هواري بومدين وزير الدفاع ضد احمد بن بيلا (1965) في إطار صدف قل أن تتكرر، إذ استيقظ الناس على الدبابات، وظنوا أنها تتعلق بتصوير فيلم (معركة الجزائر للمخرج الايطالي (بينوكوفو) وبنفس الوقت كانوا ينتظرون لعبة الأسطورة البرازيلية (بيليه) ضيفهم في ذلك اليوم.. ليكتشفوا انه انقلاب، الغي على أثره العمل بالدستور، وأسس مجلس قيادة الثورة، واعتقل بن بيلا، وبقي بو مدين حاكما حتى وفاته (1977). لتمر الجزائر بمرحلة رئاسة انتقالية، أعقبها تسلم الضابط الشاذلي بن جديد (1979) الذي سبق له المشاركة في انقلاب هواري. وفي عام (1989) ومع بداية التغييرات السوفييتية، ارتأى ضرورة التعددية السياسية وإجراء انتخابات ديمقراطية (إثر احتجاجات) في الوقت الذي كان يسيطر الإسلاميون على الشارع الجزائري، جرت الانتخابات، وفازت جبهة الإنقاذ الإسلامية، فتدخل الجيش، ورفض نتائج الانتخابات (انقلب عليها) وتسليم السلطة للجبهة (1991). أقيل (بن جديد) واختارت المؤسسة العسكرية المناضل (محمد بومضياف)الذي سجن فترة الاحتلال ومرحلة الاستقلال ذو الخلفية اليسارية (حزب الشعب) ومن ثم اختار المنفى والانزواء حتى رجع، وحكم مدة (166) يوما، وكان اغتياله مشهدا دراميا " لوكشين " المركز الثقافي بعنابة، وهو يلقي خطابا، فألقيت عليه قنبلة عند قوله الإسلام يدعو إلى العلم، وأزيحت الستارة عن رجل يرتدي ملابس الوحدات الخاصة وافرغ رشاشه في جسده، وكأننا في فيلم أمريكي قصير، ولم يعرف من اغتاله حتى الآن، وإن كان للقوتين المتصارعتين مصلحة (القتل مرتين) فالجيش غضب من خطابه عن اجتثاث الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والجبهة الإسلامية لأنه رفض العودة إلى نتائج الانتخابات في (1990) واتهمته بالماسونية. ثم انتقى الجيش (اليمين زروال) ودخلت الجزائر حربا أهلية سميت (بالعشرية السوداء) أو (الحمراء) بين الجيش وميليشيات جبهة الإنقاذ، واستمرت إلى (1999) قتل فيها أكثر من (20000) جزائري. وأدت إلى عسكرة التجارة والاستحواذ على السوق، وتفشى الفساد، هذه المرحلة هي من جاءت بعبد العزيز بو تفليقة إلى الرئاسة كخيار توافقي، واستطاع بمهارة تحقيق توازنات بين مصالح متضاربة (الجيش، والرئاسة، الإسلاميين، رجال الأعمال) ومعه بدأ حكم تحالف قطاع المال والأعمال مع الضباط المتنفذين (صيرورة البرجوازية البيروقراطية) على اعتبار أن من يحكم الجزائر هذه الشريحة الطبقية (الجزائر اتخذت طريق رأسمالية الدولة الوطنية) وتحالفاتها مع الكومبرادور (اثروا على المنتج ا لوطني) ورجال أعمال نشأوا في أحضان الفساد البيروقراطي وتحت حماية " شرعيته السياسية". مرحلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اتفق الجيش على شخصية بوتفليقة (وزير خارجية سابق) المقيم في الخارج، وجيء به ليحكم الجزائر (خيار الخارج فرنسا أمريكا) وفعلا قام ببداية حكمه بإنهاء الحرب الأهلية، وتحقيق السلم، وأد خل قسما من الإسلام السياسي (المعتدلين) السلطة، وأقصي المتطرفون، وجمل النظام ببعض الاصطلاحات، واتكأ سياسيا على ثلاثة أحزاب أبرزهم جبهة التحرير، ولعب لعبة الأجنحة المتنافسة في السلطة، ثم قام بتهميش دور الجيش لصالح الاستخبارات، عاد وأقال رئيس الجهاز القوي (محمد مدين توفيق وعين بشير قرقاط) وفي السياسة حافظ على لعبة التوازن، فابقي تسليح الجيش من روسيا (خوفا من الجيش) وفتح الأبواب لفرنسا (شريكة نظامه بالفساد) واستثماراتها ولأمريكا بحجة محاربة الإرهاب، أما الصين فأصبحت أكبر شريك اقتصادي للجزائر، ولم ينس التراث الشرقي فأعطى لإخوته الامتيازات، وأصبح شقيقه سعيد(مستشاره) الحاكم الفعلي بعد إصابته بالجلطة الدماغية (2013) التي أقعدته على كرسي، وغيبته عن الحكم (مشافي سويسرا فرنسا) ولم يستطع النظام السياسي نتيجة عجز الطبقة المسيطرة من إعادة تجديد نفسها، وبالتالي إيجاد بديل له، لإفلاسها على كل الأصعدة. وفي الاقتصاد استحوذ رجال الأعمال المتحالفين مع عائلته على الأموال والأعمال، فنهبت مئات المليارات من الدولارات (قروض، مشاريع وهمية، قطاعات عقارية، قطاع الطاقة) من أبرزهم على حداد، سعيد ربراب، عائلة كوتيناف (اعتقلوا جميعا) ما سميت بالعصابة، واستشرى الفساد والزبائنية السياسية مترافقا مع احتكار السلطة، وبذلك احتكروا الثروة والسلطة ونهب المال العام. لكن النظام لم يستدن من الخارج، واعتمد على الاستدانة الداخلية، وحافظ على مواقفه من القضية الفلسطينية والصراع مع الكيان الصهيوني.. لماذا الاحتجاجات الآن؟ ودور القوى السياسية! تعد احتجاجات السودان والجزائر الموجة الثانية من الربيع العربي. لأن أسباب تفجر الاحتجاجات متشابهة، ويأتي في طليعتها احتكار السلطة والثروة من قبل فئة قليلة، والذي أدى إلى تزايد عدد العاطلين عن العمل ففي الجزائر بلغت النسبة (11،7) نسبة الشباب (26،4) وارتفعت مؤشرات الفقر في بلد هو الرابع بالعالم بإنتاج الغاز، والرابع إفريقيا بإنتاج الفوسفات و(13) عالميا بإنتاج النفط، لكن عدم توزيع الثروة بشكل عادل نسبيا واحتكار المافيا لمقدرات البلد والفساد وتراجع التنمية، أوصل إلى هذه النتائج المدمرة، وسبق للنظام وقام برشا بعض الفئات الاجتماعية (2011) قروض خيالية وتسهيلات للعمل.. الخ لوقف احتجاجها (الآن تراجعت أسعار النفط وتقلص احتياطي النقد من 114 مليار إلى 93 مليار) أرفقه بالتذكير والوعيد بالعشرية السوداء الحاضرة في الذاكرة الجمعية الجزائرية. اتخذ الاحتجاج خلال السنوات الماضية الطابع المهني (مدرسين، عمال، مهمشين) لكن إتباع النظام لسياسة التقشف الاقتصادي نتيجة أزمته الطبقية الحادة التي حمّلها للعمال والفقراء، ودفعته إلى القيام بتسريحات جماعية. هذه الأسباب شكلت أرضية الاحتجاج الواسع في (22) شباط من العام الجاري، فانتفض الشارع، وامتدت التظاهرات أفقيا (وهناك من يقول أن رئيس الاستخبارات توفيق ليس ببعيد عما حصل) وقوامه نشطاء مدنيين طلاب، مهمشين وعمال ومعلمين والحركة الامازيغية وبعض رجال الأعمال ومرشحو الرئاسة السابقون وجهات وطنية من محاربين قدماء (المناضلة جميلة بوحريد) حركة مواطنة حزب جيل جديد(حديث النشأة) أحزاب إسلامية كمجتمع السلم (حماس) أمينه العام (عبد الرزاق مقري) جبهة العدالة والتنمية طرد أمينها العام (عبد الله جاب الله) لاشتراكه في السلطة وفسادها وحزب طلائع الحريات (علي بن فليس) حزب العمال (لويزة حنون) سحب نوابه من البرلمان (اعتقلت بتهمة العلاقة بالجنرال توفيق) حركة عزم أنشئت (16) ا آذار(2019) التنسيقية الوطنية (إسلاميين وكريم طابو ومصطفى بوشاشي) جبهة القوى الاشتراكية أقدم الأحزاب (سحب نوابه أيضا) والنقابات المهنية الضعيفة (بدأت تتشكل نقابات مستقلة) حزب التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية، وقد رفض بعض المحتجين وجود الأحزاب (ليسهل زيحه). كان الصاعق المفجر للتظاهرات ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، قوبلت بعاصفة من الرفض، واجتاحت الجزائر المظاهرات (و الهتاف الأول إكرام الميت دفنه) التي لم تتوقف، حتى تتحقق أهداف المتظاهرين بإسقاط رموز العصابة (حكم بوتفليقة) ومحاكمتهم، وأعطاهم دفعة كبيرة موقف الجيش على الحياد، ومن ثم إيعازه للقضاء باعتقال كبار الحيتان من رجال الأعمال المقربين من سعيد بوتفليق (كأنه يستجيب لمطالب المحتجين) وإن كان يرجح الاستنسابية في التوقيفات، وأكمل قائد الجيش (الذي يمثل المؤسسة العسكرية) الاستثمار في حركة الاحتجاجات، فاعتقل رئيسي جهاز الاستخبارات القديم والحالي بتهمة التآمر (رتبوا لتسليم اليمين زروال السلطة مع سعيد وبحضور استخبارات فرنسية) وإقالة قائد الجيش، فاعتقلهما مع سعيد بو تفليقة، وبنفس الوقت أصبح رئيس الأركان الحاكم الفعلي، هو من يخاطب المحتجين! ومن يصدر الأوامر! في محاولة للتكيف مع المستجدات، وان يكون راعيا لعملية الانتقال السياسي بحيث لا تخرج السلطة من أيدي الجيش (بعد أن ضرب جناح بو تفليقة والاستخبارات) ولذا اختار الجيش ما يسمى بالشرعية الدستورية، وأبقى على الباءات (رئيس الدولة والوزراء) والذي يطالب المحتجون بإقالتهم، والمطالبة باستكمال الشرعية الثورية، ويبقى السؤال هل يستطيع أن يوقف الاحتجاجات بهذه الإجراءات دون أن تستكمل الشرعية الثورية أهدافها؟ وهذا يتعلق بالأطراف الفاعلة الداخلية سواء في السلطة أو حركة الشارع، أو أحزاب المعارضة الضعيفة (تفتقد إلى البرنامج السياسي والقدرة على التحشيد) وبطبيعة الحال العامل الخارجي الذي يراقب تطورات الأحداث (حتى الآن) وتقاطعاته مع الداخل سواء النظام السياسي أو الحراك الشعبي. ولذا نهايات الاحتجاجات في الجزائر لا تزال مفتوحة، وإن كان احتمال احتواء الجيش للحراك كبيراً نتيجة الأسباب التي ذكرناها من غياب البرامج والرؤى الاستراتيجية وأدوات التغيير، وعجز الحراك عن تأطير نفسه، إلا إذا تدخل الخارج بقوة الصعق بإدخال السلاح ثانية والدخول في حرب أهلية جديدة وهذا لا نتمناه للجزائر الأيقونة.
#حزب_العمل_الشيوعي_في_سوريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا لمبادرة لا تسقط الأستبداد
-
تصريح
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|