|
الشعوب هي القاعدة المُؤسِّسة لِهرمِ الطُّغيان.
زيدان الدين محمد
الحوار المتمدن-العدد: 6255 - 2019 / 6 / 9 - 17:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"على الحُلم أن يكون هدفه أن تبلغ الحُرّية، فلا تغدو مُستعبدًا، أن تكون بداخلك حاجة مُتمرّدة تفوق واقعك المُشمئز، هو الرغبة للذهاب، للفعل، والصُراخ بأي ثمن، على الحلم أن يكون هو أسطورة احترامك لذاتك". -ندئ عادل.
أيُ رذيلةٍ هذهِ التي سولّت لنا أن نعيش بإرادتنا تحت أعصية الإستبداد وصوائل الإستعباد؟، وأي شيء هو هذا الذي تأبى اللغة تسميته جعلَ من عدّة عجائز يحكمون العالم بملايين أفراده ؟. لا أعتقد أنها حكمةً وفضيلة في هؤلاء الذين حكمونا جعلتْ منّا هكذا نطيعهم بإرادتنا ونخضع لهم، ولا أعتقد أيضًا أنهُ مُجرد جُبن استحلّنا عن مواجهتهم ، بل ماجعل الطغيان يتشيّد بنيانه المتين في عالمنا وماجعلنا هكذا نذعن له هو ما أوضحه "إتيان دو لا بويَسي" في مقالته "العبودية المُختارة" بأن موافقة المُستَرقّين لا قوّة الطاغية هي التي تُؤسس الطغيان، وأن قبول الشعوب باسترقاقها، المُتأتي من رغبتها ومن أنانيتها، ومن طمعها ، هو الذي يُتيح لواحد، تعضده شبكة رفيعة لكنها ذات تسلسل هرمي ومتضامنة ، أن يوطّد سلطانه برضا الجميع. والتسلسل الهرمي للطغيان الذي يقصده لا بويَسي هُنا هو هذا الهرم الطاغي الذي يقوم على إخضاع الطاغية خمسًا من أتباعه ، فيُخضع هؤلاء الخمسة مئة غيرهم، والمئة هذه تُخضع ألفًا.. و بهكذا يُخلق لدينا هرم منيع لا يمسّه الهدم والتزعزع إلّا حين يكف الأتباع عن التملّق ونذر أنفسهم وبذلها في تغذية هذه السُلطة التي اكتسبتْ قوتها من إذعانهم ومما منحوه إياها مِن طاعة واستجابة.
يُدرك الجميع أن أوّل الشجرة النواة، و لو لَم تكن نواة الإنسان العربي السير برضاه لطاعة من هو أرفع مكانة ليس لشيء سوى أن هذا المُطاع يتبوّأ منصبًا مرموقًا، لَما كانت شجرة الطغيان ظلّلتْ أرجاء العباد والبلاد . فالحاكم العربي الطاغي لا يملك لا نقيرًا ولا فتيلًا من القوّة والحكم شيئًا إلّا ماأعطيناه و وهبناه نحن وباركناه له، وعلى حدِّ تعبير لا بويَسي في ملكية الطُغاة يقول: "فإن لم يُعطهم الناس شيئًا، ويكفّوا عن طاعتهم، فمن دون قتال وضرب يصبحون عُراة ومهزومين، ولا يعودون شيئًا مذكورًا إلّا كغصنٍ بات من دون ماء يُغذّي جذعه فجفّ ومات.". ولا يخفى على المُتطلّع لواقع الشعوب العربية، أنها قد ألِفت العطاء لحكّامها وتمجيدهم، بل أنّ شعوبنا تَرى فِي الحاكم حَامي ديار حُرية ومَصالح الأُمة، فَوهبوه كُل ماملكوا وسخّروا أرواحهم لحمايته وحماية ثرواته وسوط تَاجه. فالشعوب العربية بقدر ماألفت أن التَّصاغر خيرُ الآداب حتى أن الأدب مع الكبير واجب وإن كان الكبير يدوس كل لحظة على رقابهم، ترعرعت على أن استرضاء الظلم أحسنُ الطاعاتِ. ولاشكّ أن عدم طلبهم للحُرية -وهي حقهم الطبيعي الذي تخلّوا عنه- يَرجِع إلى أنهم قد وُلدوا وهم على العبوديةِ؛ لذا لا يروا في كونهم عبيدًا أي ضير وذلك أنهم لم يسبق لهم قط أن استظلّوا يومًا تحت شجرة الحُرية. فلا عجب أن تراهم بعد مانشأوا على العبودية، لا يمكنهم الأسف على الحُرية التي لم يمتلكوها يومًا. فالشعب الذي وُلد مغلول الأعناق وتغذى وترعرع في العبودية وعليها، يقنع العيش فيها ولا يستطيع أن يرى أي شأن له في حُرّيته.
لمن الدهشة، أن كلمة الحُرّيّة أصبحتْ كأساطير الأولين، يتغنَّى بها الكثير وتشتد حمأتهم حين يتحدثون عنها، بل أن كلمة الحرية أصبحت كالإسهال المقيت الذي يجتاح بعض أوساطنا، لكن كما قلتُ فهي كأساطير الأولين ليس لنا منها سوى التغني بها وذكرها تسبيحًا كل آن ، أما عن رؤيتنا لها ولمسنا لها فهي أبعد مما يُمكننا لمس الآلهة زيوس.. فلا حرية إذا لم يتحقق النظام العادل، و في ظل هذه الجوقة من الإستبداد فلا نكاد نعد أن الحرية من قائمة المفقودات، وأن النظام العادل يسكن في أرضٍ نائية، و هُنا أتساءل مالذي يجب علينا فعله لإيقاظ هذهِ الشعوب التي لا تعرف الحُرية؟ يتناقلون قيام الثورات باسم الحُرية، لكن لم ينجحوا في أي ثورة، بل كُل ماتم إنجازه هو استبدال ديكتاتورية مُسنّة بديكتاتورية شابة، واستبدال المرض القديم بالمرضِ المُزمن. لو عرفوا ماذا تعني الحُرية وأسسوا لها، فلن نرى الخُبز يُسرق ثُم يُباع، ولَن نجد رؤساء يسكنون أعالي قصور شيّدها الشعب وأغلب الشعب لا يجد فرشةً مُستحقة تقيه برده وترمّ عظمه، لن نرى ارتفاعات الدولارِ الساحقة وسقوط الشعب في بُؤرة الفقر، لَن نرى مَن يُطالبنا بخلع ثيابنا ثُم يجلدنا لأننا عُراة، لَن نرى مَن ينهب اللقمة من أفواهنا ثُم يشتري بها مايكروفونًا ليلقي خطابًا عن تحسين الإقتصاد ومُخططات باهرة للقضاء على الجوع، لَن نرى خطابات الديموقراطية والحُرية والعدالة بينما السجون تكتظ بعذابات مُعتقلين عبّروا عن حُرياتهم فنالتهم السوءة والجلدَ حتى تَمزّقَ كيانهم، لو عرفنا معنى الحُرية معنى ذلك أننا نعي النظام، فكيف السبيل للنظام وأبرز إنجازاتنا نشاطٌ فمّي؟ كيف السبيل لتدمير الطُّغيان ونحنُ نُشيّده ونقوّي أصله؟ وماحال الحُرية التي اقتصرناها على القصص المروية في المجالس، أقولُ أنّ الإكتفاء بالتمنّي والرغبة بامتلاك الحُرية بحكم مُجريات الطبيعة، هي ماجعلت الشعوب تهرف بها دون المطالبة الحقيقية بها مِن خلال النظام، فتحقيق النظام يضمن الحُرية، ولكن أي أنظمة تُقام وخليتها إستبداد؟.
مَن الذي كان سببًا في بناء هرم الطُغيان؟حسبي أنّ الحاكم لديه يدين فقط، فمن أين له كل هذه الأيدي لتشييد برجه العالي مِن الطُّغيان؟ ولديه عينان اثنتان ، فمن أين له كُل هذهِ الأعين التي تراقبنا؟ أوَليس ذلكَ من جزيل فضلكم وعطاءكم له؟ فكيف يجرؤ على مهاجمتكم لولا تواطؤكم معه كما يقول دو لا بويسي؟ بل وكما ينوّه دو لا بويسي في ذات الجسر "ماذا بوسعه أن يفعل لو لم تكونوا أنتم مَن يأوي اللص الذي يسرقكم وشُركاء السجّان الذي يقتلكم وخونة أنفسكم؟ تغرسون زرعكم لكي يقتلعه؛ تؤثثون منازلكم وتملأونها لتكون أسلاباً له؛ تربّون بناتكم ليشبع شهوته؛ تغذّون أطفالكم ليكون أفضل ما يصنعه بهم أن يسوقهم إلى حروبه ويقودهم إلى المجزرة، وليجعل منهم منهم وزراء مطامعه ومنفّذي غاياته الإنتقامية؛ أنتم تشقون ليرتع هو في مسرّاته ويستغرق في ملذاته الدنيئه."، لم يعد هُنالك سبيل لإنكار أن الشعب كان المؤسس لقاعدة هرم الطُّغيان، وكان اليد اليُمنى للطاغية التي يضربنا بعصاه، وعلى مرور العديد من الثورات وبقاء بنية الإستبداد نفسها ، فالشعوب زاخرة بالعطاء للطاغية ولا تكف عن عطاءها الزاخر، وقد كان موموس "إله الضحك" جادًا في سُخريته وتهكّمه عندما رأى الإنسان الذي صنعه فولكان "إله النار"، يطلب فولكان أن يجعل له نافذة على القلب كيما تُرى أفكاره من خلالها.
لن نتساءل اليوم بِحُرقة عن كنه الطغاة كما فعل الطيّب صالح "مِن أين جاء هؤلاء الناس؟ بل مَن هؤلاء الناس؟" ، حسبنا أننا سنكتفي بالإشارة الحقيقية أن من رقّاه الشعب حاكمًا، اجتهد ليرقّيه ويرفعه لمقام الطاغية.
#زيدان_الدين_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قمّة مكّة ومسرحية لهو الحكومات العربية.
-
الله لَيس عَربيًا .
-
الإرهاب القمعي والمُعتقلات، وجهٌ صريح للأنظمة العربية.
-
رمضان المُسلمين فانوسٌ بلا نور.
-
اخجلوا مِن أنفسكم واعطونا الطّفولة.
-
مُثقّف الفُقاعة.
-
-الوطن- الكذبة التي تَليقُ ب إبريل .
-
ضِفَّة الطُغاة و قمّة الرِّمم العربية.
-
إلى مَتى سَنبقى نُحارب طواحين الهواء؟.
-
لماذا لا تصدر كِتابًا؟.
-
حادث نيوزلندا و تواطئ منهجية التَّطرف مع سلوك الإرهاب.
-
حتَّى طرزان مُسلمًا حنيفًا.
-
مِن التصديق الصبياني إلى الإعتقاد النَّاضج.
-
التَّهادر الزوجي و سلبيته على الأبناء.
-
ضَحايا تجارب إلهية.
-
كاسيت رواية ١٩٨٤ من إنتاج الجماعة ال
...
-
بُنٌ بِرائحة امرأة.
-
القدِّيس الزِّنديق.
-
بَين ثُنائية التُّراث و المُعاصرة..فجوة التهمت ثقافتنا.
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|