|
الغش المدرسي: الشجرة التي تخفي الغابة. وماذا بعد ال «VAR»؟
عبد العزيز بنعيش
الحوار المتمدن-العدد: 6253 - 2019 / 6 / 7 - 05:04
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
هكذا:الغش المدرسي: الشجرة التي تخفي الغابة وماذا بعد ال «VAR»؟
رغم أني لست من المهووسين بكرة القدم كرياضة جميلة أنتجتها الثقافة البشرية، ومع أنه لدي انطباعا غير جيد حول توظيفها، كإيديولوجيا، لأداء أدوار إشغالية تتفيهية صارفة للمدمنين عليها عن الاهتمام بقضاياهم الأساسية والمصيرية بوعي أو دون وعي، كما تُوَسَّلُ الأديان والفنون لأداء ذات الدور، وتسخر لذلك مختلف القنوات. رغم ذلك فقد تابعتُ المباراة الأخيرة بين فريق الوداد البيضاوي المغربي وفريق الترجي التونسي في إطار نهائي كأس عصبة الأبطال الإفريقية، والتي كانت تجري بملعب رادس بتونس ليلة الجمعة الواحد والثلاثين من شهر ماي 2019، وتوقفت بسبب احتجاج فريق الوداد البيضاوي على حرمانه من هدف مشروع، ومطالبته بالرجوع إلى الفيديو «VAR» لاستعادة حقه بعد التأكد من مشروعية الهدف، وذلك ما لم يحصل بسبب عدم تشغيل التقنية لسبب من الأسباب، وهو الأمر الذي اعتبره الفريق المتضرر وعدد كبير من المتتبعين والمحللين التقنيين غاية في الاستهتار والعبث، خاصة وأن هناك شبه إجماع سابق للمحللين التقنيين حول الظلم لذي تعرض له فريق الوداد في مباراة الذهاب أيضا، بسبب حرمانه من هدف مشروع، والذي ساوقه رفض الحكم العودة إلى الفار رغم كونه يشتغل، وتم تشغيله لصالح الفريق الخصم. الخلاصة أن مباراة الإياب المهزلة توجت بإعلان فريق الترجي بطلا للدورة في أجواء يعمهما استياء الجميع تقريبا، بما في ذلك جل الجمهور الذي انسحب من الملعب، لتتعقد الأمور بعد ذلك، وتسير نحو قرار الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF) إعادة المباراة في بلد محايد، كما تم الإعلان على ذلك يوم 05 يونيو 2019، وتشتعل داحس والغبراء بين القبائل على موارد الوهم والزعم. في سياق الأجواء المشحونة للمباراة، واللغط المصحوب بالاستغراب الدائر حولها، راودتني عدة أسئلة وأنا أتابع الذي يجري؛ أليست سياستنا هكذا؟ أليس اقتصادنا هكذا؟ أليست ثقافتنا هكذا؟ أليست علاقاتنا الاجتماعية هكذا؟ أليست ثقافتنا هكذا؟ أليس تديننا هكذا؟ أليست مشاريعنا الكبرى متوقفة مثل هذه المباراة رغم أنه لا وجود لمبرر معقول يدعو إلى التوقف؟ نعم تقع أخطاء، الأخطاء واضحة، فلتصحح، ولتستمر المباريات والتحديات في كل مناحي الحياة. وأمام العجز المطلق للحكم عن إصدار أي قرار رغم أن الأمور واضحة يمكن حسمها بمجرد العودة إلى هاتف محمول تساءلت: هل هناك من يدير السيرك عن بعد وهذه مجرد كراكز متحركة في الملعب؟ ولماذا يصر التحكم على ألا تكون اللعبة نظيفة، والمنافسة شريفة، فتفضي إلى انتصار الجميع، وفرح الجميع؟ أي وضع مُقرِفٍ هذا؟ وبعد؛ أليس هذا وجهنا الحقيقي في المرآة؟ وها نحن عراة تماما، وعورتنا مكشوفة أمام العالم أجمع؟ لعله من المثير جدا للانتباه ليلة الجمعة، 31 ماي 2019، وبعد الذي جرى، أنه لا حديث في الشارع المغربي إلا عن المباراة، وظلم الحكام، والغش الرياضي، والمؤامرة ضد المغرب، والسمسرة الرياضية، وإطلاق العنتريات التي ما قتلت يوما ذبابة، بروح وطنية عالية مدعاة يسقط جل مظهريها من المستلبن في أسهل امتحان حقيقي. كما هيمن ذات الموضوع على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك Facebook، وحظي بنصيب وافر من الاهتمام في الجرائد الورقية والمواقع الإلكترونية. وهو الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: وهل الذي حدث إلا غيض من فيض الغش بمجمعاتنا؟ بحياتنا؟ فلِمَ هذا المنسوب العالي من اللغط عندما تعلق الأمر بمجرد مباراة في كرة القدم لا تسمن ولا تغني من جوع بالقياس إلى حجم إخفاقاتنا في مجالات أكثر حيوية وحساسية؟ الأكثر أهمية بالنسبة لي من كل ما حدث هو أنه أعاد إلي، بقوة التداعي، السؤال الذي طالما طرحته حول ظاهرة الغش المدرسي واللغط الكثير حولها بمناسبة الامتحانات؟ وأي سؤال عويص هو الغش المدرسي؟ لعل المتابع المهتم ينتبه، بلا جهد كبير، إلى أنه كلما صارت الامتحانات الدراسية على الأبواب مع اقتراب انتهاء الموسم الدراسي كلما كثر الحديث عن ظاهرة الغش المدرسي، وغطى موضوعها على غيرها من الموضوعات ذات الصلة بالغش في جميع مناحي الحياة. وهو ما يجعل كل حديث منفصل عن السياق العام للظاهرة غير ذي معنى معقول. وإنه لمن الدال جدا أنه قُبَيل كتابة هذه السطور المتواضعة حول ظاهرة الغش، وخلال إطلالة على ما كتب حول الغش من مقالات تقاربها على شبكة الأنترنيت، أن تكون حصيلة البحث مدهشة، وذلك بالنظر إلى كون كل العناوين والموضوعات التي مكنتني منها الشبكة، على الأقل الأكثر من عشرين عنوانا ورابطا، ارتبطت أساسا بالغش المدرسي، وبالضبط الغش في الامتحانات، وذلك ما بين مقالات مكتوبة وفيديوهات، فتساءلت: أليس التركيز على الغش المدرسي بهذا الكم وهذا الكيف فيه الكثير من التسطيح العائد إلى الاهتمام بالمظهر وإغفال الجوهر؟ أليس من السخافة والتفاهة الاقتصار على جلد الغابة التي تخفي شجرة الفساد؟ لأن الغش، بشكل عام، يدور حول معاني التزوير والتزييف والاحتيال والخيانة والغدر والكذب والتقصير، وهي كلها معاني سلبية لاأخلاقية، ولأن الغش المدرسي سلوك منحرف يتراوح بين التقصير والتزوير وحفظ الأمانة والتفريط بالواجب بالنسبة للمدرسين والمسؤولين من جهة، والاستهتار في الدراسة والالتجاء إلى أساليب غير مشروعة في التقويمات والامتحانات من أجل الحصول على نتائج جيدة بالاعتماد على التزوير والخداع والاحتيال بالنسبة للتلاميذ والطلبة من جهة ثانية، وذلك بحسب تحديدنا الخاص، لا كما يُصْرَف للدلالة على غش التلاميذ والطلبة فقط. وبالنظر إلى جسامة الأخطار المترتبة على هذه الورم السرطاني الذي استشرى في المدارس والجامعات والمعاهد وغيرها، فلا أحد من العقلاء يستطيع، على مستوى الحكم، تبرير الغش أخلاقيا، خاصة وأن الغش المدرسي قد يفرز مجتمعا مريضا على جميع الأصعدة، سواء في الحاضر أو المستقبل، إلا أن هذا الورم الخبيث يجد له تفسيرات وتبريرات واقعية براغماتية على مستوى التحليل العلمي الذي يرد الأسباب إلى مسبباتها. ومن ذلك أن للغش جذور متأصلة في تربة الانحطاط، أو حتى الإفلاس، القيمي للمجتمع في جميع أبعاده؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية وغيرها، فأي قطاع من القطاعات المجتمعية لا ينخره الغش؟ فحين يعشش الغش في السياسة، ويصبح الفعل السياسي مجالا للعبث والكذب والنفاق والارتزاق واللامسوؤلية والزبونية واللاكفاءة والسباق نحو المكاسب والمناصب والبيع والشراء في الذمم، وتهيمن على الممارسة السياسية المقاربة الفرجوية (السيرك). وحين يصبح الاقتصاد مغشوشا قائما على الفساد والرشوة والريع والاحتكار والتحايل والإقصاء والتهريب والتهرب الضريبي والاستئثار بنصيب الأسد من الخيرات والمقدرات برا وبحرا، وتحت الأرض وفوقها. حين تصبح القيم الرائجة على المستوى الاجتماعي هي قيم الفردانية والاستغلال والحقد والكراهية والنفاق والتملق والخيانة والسخرية والمباهاة والرياء، وتتحول الأسر إلى مشتل لاستنبات الغشاشين، وتتسابق لدعمهم للاستفادة من الفرص بالتدخلات والرشوة وتوفير لوازم الغش. حين تهيمن على الثقافة مظاهر التفاهة، وتعم مظاهر الدجل والشعوذة والتكفير والتطرف، والتدين الطقوسي المغشوش المرائي، الخالي من المعنى، الفاقد للمردودية الأخلاقية، الحارس للظلم والفقر وتبريرها باسم الله والرسول، الراعي الرسمي للجهل المقدس، وحين تدور كثير من الأمثال الشعبية في فلك تبرير مظاهر الغش والفساد من قبيل: "شف واسكت"، و"ادهن السير يسر"، و"تمسكن حتى تتمكن"، و"اللي ما عندو سيدو عندو للاه"، و"سعدات اللي عندو خالتو فدار العرس"، و"سلك حسن لك"، و"لا عين شافت لا قلب وجع"، وحين يكون الحمد والرضا على كل شيء مهما كان سيئا باعتباره تدبيرا إلهيا حكيما، وعندما يسكت المثقف متقاعسا، أو يتحول إلى مجرد كائن انتهازي وصولي مرتزق متملق يستغل جهل وضعف الناس من أجل توهيمهم وتضليلهم والاحتيال عليهم لخدمة مصالحه الضيقة وتبرير الفساد وخدمة المفسدين الغشاشين الكبار المحترمين. حين تصبح الرياضة مصدر الاغتناء غير المشروع للنافذين والمتحكمين وسماسرة الدوريات والمنافسات والمباريات. حين تصبح صحة المواطنين للبيع والشراء والاستهتار، سواء في القطاع العام الذي ينخره الغش من أعلى الرأس إلى أسفل القدمين، أو القطاع الخاص الذي لا شيء يعلو فيه على منطق الربح المادي، حيث لا معنى ولا قيمة ولا كرامة للإنسان. حين تهيمن التفاهة على الإعلام بمختلف أنواعه، وتتصدره الألسن والأقلام المأجورة، ويصبح وسيلة للتضليل والتتفيه والتسطيح وتزييف الوعي الفردي والجمعي. حين يصبح المعيار في مباريات التوظيف هو القبيلة والزبونية والحزبية والرشوة والولاء، وينعدم تكافؤ الفرص. حين تسند مسؤولية العمل في التربية والتعليم، كقطاع حساس جدا، إلى من لا تتوفر فيه أدنى مقتضيات الكفاءة المعرفية والمنهجية والاستعداد النفسي والتكوين البيداغوجي اللازم. حين يَصطَحِبُ الأساتذة في امتحانات الترقي حقائب منتفخة الأوداج، لم يحملوها طيلة مشوراهم المهني، من أجل الغش. حين يكون التعليم الأولي مجرد افتراض في كثير من المناطق ويبنى عليه ما بعده دون واقعيته. حين يتم اعتماد الخريطة المدرسية في انتقال التلاميذ من مستوى إلى مستوى دون اعتماد نتائج التقويم أو باعتماد عتبات متدنية جدا عن المعدل. حين ينصرف بعض الأساتذة في القطاع إلى إعطاء الدروس الخصوصية والسمسرة في التلاميذ والنقط بدون ضمير. حين يتعاطى بعضهم للتدريس وبذل المجهود بالقطاع الخاص على حساب القطاع العام. حين تَزْكُمُ الأنوف فضائح الجامعات، وتُفصَّل مباريات التوظيف بها على المقاس، بلجنة علمية من خمس أساتذة يتعاونون على تنفيذ الجريمة ويحتفلون بها. حين تمنح النقط والمعدلات بطريقة مزاجية لاعتبارات غير علمية. حين يعي الطالب الجامعي أن منصب زميله في الدراسة محجوز مسبقا. حين تباع الشهادات والدرجات والبحوث بثمن بخس يقبض ثمنه المفترض أنهم نخبة المجتمع وصفوته والمؤتمنون عليه. حين يهيمن غياب العدل، ويكثر الظلم وانتهاك الحريات والحقوق، وتنعدم الثقة في القضاء. حين يصبح الغش أحد الركائز الأساسية للترقي في عدد من القطاعات، وحين يتم ضرب مبادئ التكوين الجيد والنزاهة والشفافية والاستحقاق وتكافؤ الفرص وربط المسؤولية بالمحاسبة، وحين تتخلى المدرسة والأسرة والإعلام، وباقي قنوات التنشئة، عن التربية على قيم العمل والواجب والنزاهة، وحين يثبت الواقع أنه لا معنى ولا مردودية لهذه القيم في مجتمع فاسد ومتخلف على جل المستويات، كما تؤكد ذلك الدراسات والإحصائيات والأرقام والترتيبات، سواء الداخلية أو الخارجية، كما تؤكد ذلك الخطب الرسمية أيضا. حين يغيب عن الفرد الشعور بالمسؤولية اتجاه نفسه واتجاه الآخرين، اتجاه الوطن واتجاه الإنسانية، ويستسلم للتفاهة وثقافة الاستهلاك والاستعراض والتباهي والتمشهدية بتعبير السوسيولوجي المغربي عبد الرحيم العطري. حين يستسلم للعبودية الطوعية بتعبير المفكر الفرنسي إي تيتيان دي لابوا سيي. حين يصبح أضل من الأنعام أو كالحمار يحمل أسفارا بالتعبير القرآني. حين يهيمن الغش على كل شيء، وينجح الغشاشون في حياتهم الشخصية والمادية، وتصبح لهم قيمة اعتبارية، ويتحولون إلى قدوة، ماذا تنتظر من أفراد المجتمع غير الإيمان بالغش منهجا للنجاح في الحياة، وشرطا له، ف "من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه" كما في المحفوظ التلاميذي. حين يصبح الغش تطبيقا "Application" اجتماعيا وقيميا متأصلا في البنية الذهنية للتلميذ مواطن المستقبل (ولا نبالغ إذا قلنا إنه قد وصل عند البعض إلى درجة التأليه باعتباره المنقذ والمعول عليه الذي لا مفر منه إلا إليه). حين تصبح أساليب الغش حقوقا مقدسة يعتبر من يقف في طريقها شاذا ومتخلفا اجتماعيا، ومنتهكا للفرص والأرزاق المشروعة، وعنصريا، أو منافقا يسكت على غش الأقوياء الكبار ويحارب غش الضعفاء الصغار، في غياب تام لتكافؤ الفرص. حين يخيم كل هذا على مشاهد الحياة، وعلى الفضاء العام، ماذا تنتظر من أفراد المجتمع جميهم؟ وماذا تنتظر من تلاميذ جلهم ضعاف محبطين لا رادع لهم؟ ماذا تنتظر من مراقب لا يحس بالضمانات الأمنية الكافية والقناعات الثابتة الموجبة لأداء الواجب؟ ماذا تنتظر من مسؤولين أحرص ما يحرصون عليه هو أن تمر الأمور شكليا بدون مشاكل، معتبرين ذلك نجاحا في حد ذاته، فضلا عن حرص البعض على التعويضات السمان في غياب المساواة بينهم وبين المشاركين في نفس المهمة. وبعد؛ إذا كان الغش يرخي بظلاله على السياق العام للحياة والمجتمع، فهل ينتظر إلا أن ينعكس ذلك على المدرسة والجامعة؟ وإذا كان نظام التربية والتعليم والتكوين، باعتباره القلب النابض للمجتمع بجميع أبعاده، قائما على الغش، فهل يُنتظر إلا الإفلاس المجتمعي؟ ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإنه يحضرني عدد من الوقائع والنوادر الدالة، أكتفي منها بما يلي: - روى أستاذ أنه بينما كان يحرس في قاعة للامتحان جاءه أستاذ آخر، يحرس قبالته في قسم آخر، سلم عليه بحرارة، وأخبره بأن بالقسم ابنه، وفي ذلك كلام ضمني بالتماس التجاوز عنه والسماح له بالنقل. خلال الامتحان بدأ ذلك التلميذ باستخراج الأوراق والحروز، ووضعها على الطاولة، فحاول المراقب تنبيهه إلى ضرورة الحرص على النزاهة طالبا منه إزالة الأوراق، وعدم إثارة الفوضى في القسم. سحب التلميذ الحروز لبعض الوقت ثم أعادها مرة أخرى بدون استحياء، توجه إليه المراقب وسحب منه الأوراق. بعد ذلك سحب منه الهاتف الأول، ثم الهاتف الثاني. ولما علم أبوه المراقب في قسم آخر بذلك بطريقته الخاصة، لربما من خلال إشارة بينه وبين ابنه، جاء إلى الأستاذ، واستعطفه من أجل إعادة الهاتف الثاني إلى ابنه، فاعتذر له الأستاذ بدعوى أن ابنه أثار فوضى في القسم، ولا يعرف حتى كيف يغش، وأنه سحب عددا من الهواتف ولا داعي لإحراجه، فاقترح عليه أن يأتيه بالهاتف في غفلة من التلاميذ، ويشير إلى ابنه بالخروج إلى المرحاض، ويسلمه له في الأدراج. نظر إليه الأستاذ المراقب بشفقة وحسرة، وتركه واقفا، وعاد إلى مواصلة الجحيم. (بالمناسبة فإن هذا الأستاذ الأب يدرس التربية الإسلامية). - روى أستاذ آخر أنه في حصة للمراقبة ضبط تلميذا بحوزته رزمة من الحروز محزومة بحرز أيضا، مكتوب عليه من جهة الظهر بالخط الغليظ: "اللهم إني أسألك التوفيق، إنك على كل شيء قدير". - روى آخر أنه قبل اجتياز الفرض الأخير في السنة الدراسية لقسم في مستوى الثانية باك، ونظرا لأن التلاميذ ضعاف جدا، جازف بمساعدتهم على مستوى التنقيط، وفي نفس الوقت تربيتهم على النزاهة والتعويل على النفس وتجنب الغش، فأخبرهم بأن كل من حاول الإجابة بشكل منتظم، وبخط واضح، وبذل مجهودا ذاتيا، سيحصل على الأقل على المعدل. ومن حاول الغش سيحصل على الصفر مرفقا بتقرير. خلال إنجاز الامتحان ضبط تلميذة تمرر لزميلتها ورقة لمساعدتها رفقة المبيض الذريعة، وهما معا بمستوى ضعيف جدـ والمصيبة أن الجواب الممرر خطأ. يقول الأستاذ: لقد اكتشفت من خلال هذا السلوك أن المهم في البنية الذهنية للتلميذ لم يعد هو الحصول على المعدل وإنما هو النجاح في عملية الغش. - روى آخر أنه فوجئ بسؤال محرج وهو يقوم بالمراقبة؛ بادره أحد التلاميذ بقوله: وصلْنا إلى الثانية باك بمستوى ضعيف جدا أستاذ، فكيف يُطلب منا الآن ما لا نستطيع؟ وزايدون كلشي كايغش، واش غي حنا؟ (الجميع يغشون، وليس نحن فقط؟)؟ فرد عليه المراقب بأن ما يقوله غير صحيح، ولا يدخل ضمن دائرة مسؤوليته، ونهره، وظل طيلة الحصة متوترا يفكر في السؤال، وانتهى بعد ذلك إلى أن الإجابة عن سؤال التلميذ هو أحد المداخل الأساسية لتجاوز الغش. - وروى آخر أنه كثيرا ما يتم استبدال المراقبين المتشددين في الحراسة بآخرين طيعين لتجاوز الاصطدامات والمشاكل والمضاعفات. - وروى آخر أن فلانا ابن فلان يتم انتقاء المراقبين له على المقاس، وابن فلان تصله الأجوبة كاملة، وآخرين عقدت لأجلهم لجن الإجابة بالمقاهي والمنازل. - روى آخر أنه أثناء خلال مراقبته للامتحان جاءه أستاذ يعمل بنفس المؤسسة، والتمس منه الخروج للحديث معه، وخلال الحديث وضع بجيب قميصه ورقة بالإجابة عن الامتحان، واستعطفه لإيصالها إلى ابن مدير المؤسسة. سحب المراقب الورقة، أعادها إلى صاحبها، نظر إليه شزرا، تركه واقفا واجما، وعاد إلى القاعة. - ومن قصص الغش الجامعي أنه بعد اجتياز أستاذ لمباراة توظيف أستاذ بالجامعة، وبعد الوقوف على فساد واضح بمباراتين، قام بعملية الطعن في نتيجة المباراة، موجها الطعن إلى كل الجهات؛ رئاسة الجامعة/الوزارة/المفتشية العامة للوزارة/مؤسسة الوسيط، ليكتشف بعد جولات ماراطونية أن زجر الغش بدوره تحكمه موازين القوى، وذلك باعتراف بعض المسؤولين أنفسهم.
على كل حال فإن الوقائع والمهازل لا تنتهي. وإمكانيات التخفيف من الغش المدرسي بالضرب على أيدي أصحاب المكتبات التي تتحول إلى أوكار للتصغير أمام الجميع، ومنع استصحاب الهواتف النقالة وتعطيلها، متوفرة مثلا، ولكن؟
وأخيرا رحم الله سبط بن التعاويذي إذ يقول: إذا كان ربُّ البيتِ بالدّفِّ ضارباً *** فشيمةُ أهلِ البيت كلُّهمُ الرقصُ كذلك هو حال التعليم، بتلاميذه وطلبته وموارده البشرية في كل أسلاكه، مرآة للمجتمع، يتفاعل معه جدليا، يتأثر به ويؤثر فيه ويعيد إنتاجه بتعبير بيير بورديو. وسيبقى كذلك ما لم يكن هناك إصلاح سياسي قيمي اجتماعي اقتصادي ثقافي عام، والجميع متهم حتى تثبت براءته. وقبل ختم هذه الصرخة لا بد من التأكيد على أنه ليس من الحكمة التعميم المطلق، فلكل قاعدة استثناءات، والشرفاء لا يعدمهم زمان أو مكان أو مقام. وهم شعلة الأمل والنور المتسلل إلينا من وراء الجدار. ولكن، إذا أثبت ال «VAR» أن الغش موجود بقوة، وتم الإصرار على الخطأ، فما العمل؟ هذا هو السؤال.
*باحث في اللسانيات والتواصل والتربية
#عبد_العزيز_بنعيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أي أثر للتعصب في اغتيال التواصل الإنساني الرشيد؟
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|