محمد أبو قمر
الحوار المتمدن-العدد: 6249 - 2019 / 6 / 3 - 21:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا أحد منّا بريء ، جميعنا شركاء في الجريمة :
=========================
هل لدي أحد أدني شك في أن المفكرين الاسلاميين والفقهاء و(العلماء) القدامي قد استخدموا أدوات ووسائل فقهية وقواعد علمية كانت تناسب عصورهم وظروفهم السياسية والاجتماعية والمعرفية؟؟.
مأزق الفكر الاسلامي المعاصر هو أنه لم يستجب لأية متغيرات زمنية ، ولم يراع اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية والمعرفية ، بل لم يعترف حتي الآن بأن مسيرة الحضارة الانسانية قد تجاوزته وتركته يتخبط ، فمرة ينتقد الحضارة الغربية واصفا إياها بأنها حضارة مادية تفتقد الجانب الروحي ، ومرة يصف التقدم العلمي الهائل بأنه تقدم غير أخلاقي ، ومرة يقول أحد أقطاب الفكر الاسلامي بأن هذا التقدم حدث بعد أن أعطت أوروبا ظهرها للمسيحية موحيا بسذاجة بأن الغرب امتثل القيم الاسلامية لكي يحرز هذا التقدم ، وكأنه يريد أن يقول لنا إن تخلفنا وانحطاطنا وتردينا البائس يعود إلي بعدنا عن الاسلام وعن إهمالنا لقيمه ، وليس بسبب استحضارنا للماضي وفرض مثله وقيمه ومعارفه ووعيه علي حاضرنا مما أدي إلي زوال كل قدرة لنا علي إنتاج معرفة عصرية تتيح لنا إمكانية التفاعل مع الحضارات الأخري والاستفادة من تجاربها.
استخدم الفكر الاسلامي المعاصر كل المبررات التي تعفيه من تطوير ذاته ، وتخفي عجزه عن إنتاج أي نوع من المعرفة التي تمكنه من الخروج من عجزه وفشله التام في التجاوب مع متغيرات العصر ، وارتكن إلي هذه المبررات الساذجة واكتفي بالفرجة علي العالم من حوله وهو ينطلق بسرعة البرق ، بينما هو ثابت جامد متحجر عند نقطة زمنية محددة يجتر أحداثها وأفكارها ومعارفها محاولا باستماتة إثبات أن تلك الأحداث والأفكار والمعارف القديمة هي الكفيلة وحدها بإنقاذ العالم من المظالم والصراعات وهي الوحيدة التي بإمكانها استعادة الأخلاق المنهارة ، وهي الوحيدة الكفيلة بتحقيق العدل المفقود والتقدم الحضاري المنشود.
هذه الاستماتة في التمسك بمبررات العجز تحولت مع مرور الايام إلي ثقافة عامة ، وصارت هي المكون الأساسي لمعارفنا ، وصرنا ننظر من خلالها بتعالي إلي الآخرين بصفتنا خير أمة أخرجت للناس ونحن واثقين أن مآلهم إلي الجحيم
هذه الثقافة الهشة المبنية علي مبررات ساذجة اكتسبت قوة السيطرة علي الذهن العام من قناعة الناس بها كحل مقنع لذلك التفاوت الرهيب في جميع مجالات الحياة بيننا وبين الآخرين ، نحن ذاهبون إلي الجنة ، بينما سيصطلي هؤلاء الكفار بنار الجحيم ، وهكذا في ذلك الغياب البائس صرنا نفتش في تراثنا عن كل ما سيمهد الطريق لنا إلي الجنة، فاستعدنا ببراعة فكرية أن نعيد إنتاج شرعية ضرب الزوجة ، وراح مفكرونا وفقهاؤنا يذكروننا بضرورة قتل تارك الصلاة ، وانتشرت فتاوا التكفير ، ونكاح الصغيرة ، وفي غمار هذا التراجع البائس صار الاعلام المرئي في مصر وسيلة جبارة وهائلة لانتاج الخرافات والحكايا التي تؤصل لتلك الثقافة ، وتضع عوام المسلمين في قفص الاتهام بوصفهم مذنبين ارتكبوا حماقة البعد عن الاسلام مما أدي إلي تخلفهم وترديهم وانحطاطهم ، وهكذا يصبح من الطبيعي أن تقرأ إعلانا انتخابيا لأحد مرشحي تيار الاسلام السياسي يقول فيه ( عودوا إلي ربكم تعود إليكم عزتكم )
وكأنه هو وحده والتيار الذي يمثله هم المسلمون الحقيقيون بينما بقية المسلمين يعيشون حياة الجاهلية والكفر .
لا أحد بريء مما وصلنا إليه من تدهور ، إذ حتي دعاة الوسطية والاعتدال الذين يوهموننا بأنهم يتبعون منهج التوفيق بين العقل والنقل بحيث ( كما يشيعون ) يمكن بناء نسق ثقافي يمزج بين ما في الماضي من توهج فكري يمكن الاستفادة منه وبين رؤي الحاضر ومعارفه ، أي بناء نسق فكري يأخذ بالعقل بحيث لا يهمل النقل ، وفي الحقيقة فإن عملية التوفيق هذه ما هي إلا عملية تلفيق تشوه الماضي والحاضر معا وتنتج مسخا ثقافيا وفكريا كذلك الذي نعايشه الآن والذي وضعنا في موقف التائه الذي لا يعرف من أين جاء وإلي أين سيذهب ، ولا أعتقد أن حالة كهذه سوف تمكننا يوما إذا استمرت من الدخول إلي تاريخ الحضارة الانسانية مرة أخري.
نحن ننزلق أكثر فأكثر كل لحظة إلي حالة من الضياع المركب ، وكلما مر الوقت كلما اتسع المجال لهؤلاء الذين يسمون خرافاتهم وفظائعهم وفتاويهم المغرقة في الجهالة يسمونها الصحوة التي ستمكنهم من إعادة التوازن إلي العالم الذي انتشرت فيه الأفكار المادية الكريهة وضاعت فيه الأخلاق وتفسخت القيم الانسانية وانتشرت فيه المظالم ، وقد سمعت أحد أقطاب هذه الصحوة في محاضرة مذاعة علي الهواء في إحدب القنوات التي تبث سمومها باسم الاسلام وهو يقول إن السبب في أوضاعنا الاقتصادية التي أسلمتنا إلي ما نحن فيه من تخلف وتردي وعجر وانحطاط هو توقفنا عن الغزو ، وبناء علي ذلك أفتي هذا القطب الكبير بضرورة قيام المسلمين بغزو البلاد الأخري والاستيلاء علي ما فيها من خيرات وأموال وممتلكات ، ولا يكتفي بذلك بل يمنح الحق للجيوش الاسلامية الغازية بالاستيلاء علي رجال وأطفال ونساء الشعوب المغلوبة وتوزيعهم بالتساوي علي أفراد الجيش الاسلامي الغازي ، كل جندي له رجلين مثلا وامرأة وطفل ، أو ثلاثة نساء وطفلين ورجل ، المهم أن يكون توزيع هؤلاء الكفرة المغلوبين علي أفراد الجيش الاسلامي الذي قام بالغزو بالتساوي ، ثم لكي ينتعش الاقتصاد الاسلامي رأي هذا القطب الاسلامي الكبير ضرورة إنشاء سوق للنخاسة لكي يبيع المسلم ما يريد أن يستغني عنه من السبايا ، أو يشتري المسلم ما يريد اقتنائه إن كان ظفلا أو امرأة أو رجلا.......
إلي هذا الحد وصل حجم الانحطاط الفكري والعجز العقلي والتردي الأخلاقي ، والغريب أن لا أحد من الذين كانوا جالسين أمام هذا القطب وهو يهذي بهذا الفجور الدموي الذي يناقض قيم كل الأديان مجتمعة لا أحد اعترض عليه ولا أحد سأله بأي سلاح ستغزو هذه الأمم التي تلبس جلبابا من منتجاتها وتزين معصمك بساعة جميلة من صناعتهم وتتنقل لإلقاء محاضراتك العجيبة هذه في طائراتهم وسياراتهم وقطاراتهم وحين تمرض تهرع إلي ممستشفياتهم لكي يطببوك ويعتنوا بك؟؟.
ليس من سبيل بالطبع للخروج من هذا التدهور أو من هذه الغيبوبة سوي استعادة العقل ، أما كيفية حدوث ذلك فهي بالتأكيد ليست مهمة رجال الدين ، فمن ناحية هم ليسوا مؤهلين علميا لذلك ، وليس لديهم الاستعداد للتنازل عن وضع منحهم إلي جانب المراكز الاجتماعية والاقتصادية منحهم قدسية مكنتهم من السيطرة علي عقول الشعب وضمائر أفراده ، ومن ناحية أخري ليس ممكنا لمنتج الغيبوبة أن يتحول فجأة إلي منتج لليقظة ، ليست مهمتهم ، وإنما هي مهمة المجتمع بأكمله الذي ينبغي عليه الاصرار علي التحول من حالة الركود واللجوء للوسطاء لحل كل ألغاز حياته ومشكلاتها إلي حالة الفعل والتفاعل وإنتاج المعرفة وتطوير الوعي بطرق وأساليب وأدوات غير تلك التي صدأت ولم تعد صالحة حتي لحل مشكلة الطلاق الشفهي .
#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟