ابن النفيس واكتشاف الدورة الدموية الصغرى

زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 6246 - 2019 / 5 / 31 - 04:27
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

"كثرة الأكل والنوم يفسدان النفس ويجلبان المضرة"

خاض علي ابن النفيس المولود في دمشق عام 1213 والمتوفي في القاهرة عام 1288 في جميع العلوم وطرق باب معظم المساءل وتجول بين الفقه والحديث والسيرة وعلم الكلام والمنطق واللغة والأدب والحساب والعلوم الإلهية والطبيعية والفلك والطب، وعاصر مؤرخ الطب ابن أبي أصيبعة ودرس معه الطب على يد ابن الدخوار، ولذلك اعتبر عالما موسوعيا وطبيبا مسلما وأعظم فزيولوجي في القرون الوسطى وذلك بعد سفره إلى مصر وتعيينه رئيس الأطباء واكتشافه الدورة الدموية الصغرى ببلورته نظرية الدورة الدموية مهدت الطريق أمام وليام هارفي لكي يكتشف الدورة الدموية الكبرى عام 1628. لقد اهتم ابن النفيس بالتفسير العقلاني للحديث والوحي وحاول اعتماد العقل وليس النقل كما كان يجري مع المفسرين في عصره في تأويل القرآن والحديث وبذل جهودا كبيرة للتخلص من تفشي الأساطير والأخطاء ولكنه ما لبث أن انتقل إلى دراسة الطبيعة والحياة والجسم وممارسة الطب بالمستشفى الناصري بالقاهرة.لقد ألف ابن النفيس في جل المعارف التي اشتغل عليها وترك لنا في اللغة كتاب "طريق الفصاحة" وفي الفقه كتاب "شرح كتاب التنبيه" للشيرازي وفي السيرة النبوية "كتاب الكاملية" وفي علم الحديث كتاب "مختصر في علم أصول الحديث" وفي علم الكلام كتاب صغير عارض فيه قصة حي ابن يقظان بعنوان "فاضل بن ناطق" وفي المنطق شرح كتاب الإشارات وشرح كتاب الهداية وشرح كتاب الشفاء لابن سينا. أما معظم أبحاثه الطبية فقد احتواها كتابه الأبرز "الشامل في الصناعات الطبية" وهي أضخم موسوعة طبية ضمت ثمانية مجلدات وأردفها بشروح ورسائل وردود أبرزها "شرح تشريح القانون" لابن سينا و"شرح فصول أبقراط" و"الرماد وشرح كتاب الأوبئة لأبقراط" و"موجز القانون أو موجز الطب" وهو تلخيص للقانون في الطب لابن سينا و"شرح تشريح جالينوس" و"المهذب في الكحل المجرب" وكتاب "شرح الأدوية المركبة" و"المختار في الأغذية" و"شرح الهداية في الطب" و"شرح مساءل حنين ابن إسحاق" و"شرح مفردات القانون" و"بغية الفطن من علم البدن" و"بغية الطالبين ومطلب المتطببين". لقد بدأ ابن النفيس حياته المهنية في البيمارستان النوري في دمشق واتبع في عمله في التشريح والعلاج طريقة الحارث بن كلدة الثقفي وانتقل للعمل في المستشفى الناصري بالقاهرة في مصر أين ذاع صيته. لقد تأثر بأعمال ابن سينا الطبية ولكنه لم يكتف بتقليده وإنما اعتمد على المنهج التجريبي في الطب وتمكن من اضافة العديد من الأدوية التي بقيت مجهولة عند الشيخ الرئيس ومن تطوير علم وظائف الأعضاء والتشريح وتجديد فن المداواة بالتمحيص والنقد والتركيب وتنظيم الغذاء عند المرضى واعتماد العقاقير. لقد ضاعت مؤلفات ابن النفيس بعد سقوط بغداد في يد المغول سنة1258 وتم استرجاع قسما منها بعد ذلك كشفت ريادته في علم الأمراض وعلم التشريح وعلم وظائف الأعضاء أو الفيزيولوجيا والصناعة الطبية. بيد أن أهم انجاز طبي قام به ابن النفيس هو اكتشافه الدورة الدموية الصغرى والشريان التاجي وتفنيده الرأي السائد الذي ظن بأن الدم يتولد في كبد وينتقل إلى البطين الأيمن للقلب ثم يسري في سائر الجسم من خلال العروق وبَيَّنَ على خلاف ذلك أن الدم يخرج من البطين الأيمن من القلب إلى الرئتين حيث يمتزج بالهواء ثم ينتقل إلى البطين الأيسر وينقى في الرئتين لكي تستمر الحياة ويكتسب الجسم القدرة على العمل. هذا الكشف المبين ظل طي النسيان الى أن عثر محي الدين التطاوي سنة 1924 على مخطوط بمكتبة برلين تحت رقم 62243 بعنوان شرح تشريح القانون وقام بإعداد رسالة دكتورا حول موضوع تاريخ الطب العربي في جامعة فرايبورغ الألمانية بعنوان "الدورة الدموية عند القرشي" ووجد هذا العمل الجاد الأكاديمي نجاحا وأيده المستشرق مايرهوف ووضعه جورج سارتون في كتابه مقدمة إلى تاريخ العلوم. لقد صحح ابن النفيس الكثير من الأخطاء التي كانت متداولة في عصره مثل تصحيح أخطاء تشريح القلب عند جالينوس وكشفه عن تغذية العضلة القلبية من الشرايين التاجية وتوصل الى أن الجدار الفاصل بين بطني القلب الأيمن والأيسر جدارا صلبا لا مسامات فيه ولا يسمح بمرور الدم مباشرة من الأيمن إلى الأيسر أو العكس بل الدم يمر إليه عن طريق الرئتين، وعمل على دراسة التشريح المقارن، وقام بالتمييز بين تشريح الشرايين والحنجرة والجهاز النفسي ووضع شروطا لاستعمال الأدوية منها الأوقات والمقادير وتحدث عن ضرورة الاعتدال في تناول الملح وتأثير ذلك على ضغط الدم وفرق بين التخيل والإبصار وأسس فيزيولوجيا الرؤية واعتبر العينين آلة البصر ودرس أجهزة الجسم ووظائف أعضائه وغدده. أليس هو القائل: "لو لم أعلم أن تصانيفي تبقى بعدي عشرة آلاف سنة ما وضعتها"؟

كاتب فلسفي

#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات