|
مشروع إرهابية
محمد أبو قمر
الحوار المتمدن-العدد: 6244 - 2019 / 5 / 29 - 20:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مشروع إرهابية : ========= بالأمس الثلاثاء الثامن والعشرون من مايو 2019 دخلت تلميذة لجنة امتحان مادة الفيزياء للصف الأول الثانوي ، كانت ترتدي سالوبيت جينز ، تحت السالوبيت شميز واسترتش أسود حتي لا يظهر شيء من جسدها حيث كان السالوبيت من النوع المقطع من فوق الركبة ، التلميذة كانت محجبة ، ولا شيء في ملبسها ملفت سوي الخروم التي عالجتها بارتداء الاسترتش الذي يمنع ظهور أي جزء من لحمها. بمجرد ظهور البنت عند باب اللجنة أوقفتها المراقبة ومن ضمن عبارات التعنيف التي أطلقتها في وجه التلميذة قالت لها : إزاي دخلوكي من باب المدرسة ، إزاي سمحوا ليكي تيجي لغاية اللجنة ، ثم أقسمت أنها لو هي المسئولة الرئيسية لحرمتها نهائيا من الامتحان . عصبية المراقبة وصراخها في وجه التلميذة أربك باقي التلميذات في اللجنة ووترهن خصوصا أنهن لم يشاهدن في ملبس زميلتهن ما يدعو لكل هذا الحنق وكل هذا الصراخ ، قالت لي إحداهن : السالوبيت دا موضة وزميلتنا لابسه تحته كل إللي يمنع أي حد إنه ينتقضها. لا بأس ، هذا أمر عادي يحدث كثيرا في مدارسنا وفي مختلف الادارات الحكومية ، وفي المواصلات كذلك لأن ما هو سائد الآن هو أن كل فرد في المجتمع قد صار فجأة مندوبا عن الله مهمته منع كل ما يراه مخالفا لارادته ومشيئته ، والعمل علي حماية الاسلام من الحرب المسلطة عليه بواسطة البدع التي تأتينا من الغرب ، أليس من صميم الخطاب الاسلامي المسيطر أنه إذا راي أحدكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه؟؟!! ، وألا يردد الأئمة علينا في المساجد مع كل درس قبل صلاة العشاء أن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؟؟!! فالمراقبة هي واحدة من المصريين الخاضعين لخطاب يُبث يوميا عبر كثير من قنواتنا الاعلامية ، وعبر الميكرفونات التي يمكن تقدير أعدادها بمائة ميكرفون تقريبا لكل حي في كل مدينة مصرية ، ناهيك عن أعدادها في القري والنجوع المنتشرة في ربوع الوطن ، المراقبة التي هي بالطبع معلمة تخضع مثلك ومثلي لخطاب ربما لم يؤكد في مضامينه لغرض ما قول المولي عز وجل (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) ، أو قوله سبحانه وتعالي في سورة الغاشية ( لست عليهم بمسيطر). انتقائية الخطاب السائد التي أخفت بإصرار وبنيّة مبيتة كل الجوانب العقلانية في التراث الاسلامي وتجاهلت عن عمد كل الأوامر الإلهية المتعلقة بحرية الفرد ومسئوليته عن أعماله تحولت إلي عقيدة جعلت كل مسلم رقيبا علي المسلمين كافة من حقه أن ينهرك ويعنفك حين يري فيك أية سلبية يري هو أنها تسيء للاسلام ، بل إن أحد رجال الدين المشهور جدا وله في قلوب المصريين مكانة عظيمة رحمة الله عليه قال في مقابلة تلفزيونية يعرفها الجميع إن تارك الصلاة كسلا يُستتاب ثلاثة أيام ثم يُقتل. لا أحد يقتل أحدا رغم ما قيل ، لكن مثل هذه الفتاوي المستمدة من الجانب شديد الظلامية في التراث قد كونت مع مرور الأيام نسقا ثقافيا وعقائديا فصلنا نهائيا عن الحقائق القرآنية التي تتوهج فيها الحرية الكاملة الممنوحة للبشر كافة من الله مسلمين وغير مسلمين في تعليماته لرسوله الكريم حين يقول جل شأنه (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بوكيل) . لم يفصلنا هذا الخطاب بما يتضمنه من فتاوي ظلامية عن الحقائق القرآنية فقط بل حين تحول إلي ثقافة مغلقة غير قابلة للتفاعل مع الثقافات الأخري فصلنا عن العالم الذي صارت شعوبه بالنسبة لنا شعوبا متفسخة تمارس كل أنواع الرزايا والكبائر وتعيش في مستنقع الجاهلية والضلال والكفر ، وإمعانا في تجهيلنا وشل كل بادرة لنا في سبيل الخلاص من أسر هذا التشوه الانتقائي فإننا حين نسأل لماذا هذا العالم المتفسخ الضال يتقدم باستمرار ويفرز كل يوم منجزات علمية ومعارف إنسانية بينما نحن نعيش هذه الحالة من التخلف المركب والمذل فإن الإجابة الساذجة التي نصدقها لأنها مغلفة بغلاف مقدس يستند إلي تخاريف تراثية هي أن الله قد سخر لنا نحن المؤمنين هؤلاء الكفرة لكي يقدموا لنا كل ما يمتعنا ويسهل حياتنا مكافأة لنا علي حسن إيماننا ، وهكذا فإننا نركب السيارات والقطارات والسفن ونقتني أجهزة التلفاز وأحدث أنواع الهواتف ونتباهي بنوعية الساعات التي نمتلكها ونصعد إلي الأدوار العليا بواسطة المصاعد التي تردد لنا الآية الكريمة : (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ، وبالرغم من أن هذه الآية نزلت لأغراض أخري ولتأكيد مفاهيم أخري إلا أن الخطاب الأيدولوجي الانتقائي ضمها عن عمد إلي مفرداته الثقافية لتأكيد مقولاته التي تطمئن المسلم وتؤكد له أن تفاصيل ومفردات هذا الخطاب وفتاويه مستمدة من آيات الله . لقد فصلنا هذا الخطاب الانتقائي الأيدولوجي عن المنجزات الفكرية والنقدية والعلمية للحضارة الاسلامية ذاتها حتي أننا لم نعد نعرف من هذه الحضارة سوي الغزوات ، والفتوحات ، ومآثر الخلفاء ، ومن تزوج بمن ، ومن قتل من ، فضلا عن كثير من الحكايات التي تشرح شدة أو ضعف إيمان فلان ، إننا نحن عامة المسلمين لا نعرف عن ابن خلدون سوي سوي أنه مفكر اسلامي ، لا نعرف عن ابن رشد شيئا سوي أنه صاحب كتاب تهافت التهافت ، أما محتويات الكتاب من فكر وعقلانية ونقد علمي يحترمه الغرب الكافر ويعتمد عليه في تطوير علومه النقدية والانسانية فإنها كما هو واضح جلي من الجوانب التراثية التي أزاحها الخطاب النقلي الانتقائي الأيدولوجي السائد لا لشيء إلا لأنها تعلي من قيمة العقل ، وتؤسس لواقع علمي نقدي قادر علي إنتاج وتطوير المعرفة ، قادر علي إنتاج وعي يمكنه من تحصين عقل المسلم ضد الخرافات والفتاوي التي تبقيه دائما في حالة خوف من مصيره في الآخرة ، الأمر الذي يبقيه في حاجة دائمة لوسيط يتوسط له عند الله للحصول علي المغفرة والرحمة والعتق من النار ، بل ويضمن له مكانا مرموقا في الجنة حيث يستمتع بالمضاجعة التي لا تنتهي لذتها . أعود إلي المعلمة التي عنفت التلميذة في لجنة الامتحان ، المعلمة التي يحتشد عقلها ووجدانها بأفكار عقيدة انتقائية أيدولوجية منحتها الحق كغيرها من المسلمين في الوصاية علي الآخرين ، هذه الوصاية في ظني هي التي ينطلق منها التطرف الديني والثقافي والمعرفي ثم يتطور هذا التطرف إلي التكفير ، ثم بلا أدني شك يقود هذا التكفير إلي الكراهية التي هي الجسر المؤدي بسهولة ويسر إلي الارهاب ، وهكذا يكون من الطبيعي جدا أن تقوم هذه المعلمة ذات يوم بدلا من المراقبة علي امتحانات تعرضها لرؤية ما يسيء للاسلام تقوم بلف حزام ناسف حول خصرها ثم تتوجه إلي أي مكان تري أن من فيه يخالفون الاسلام ويعادون الله ورسوله وتفجر نفسها هناك لتلقي الله شهيدة ضامنة لمكان في الجنة مع الصديقين والشهداء. بالطبع لا أقصد هذه المعلمة بالذات وإنما أنا فقط أوضح كيف يتكون الشخص فكريا ليصبح في النهاية إرهابيا بامتياز.
#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التنوير بخرافات حداثية
-
ملاحظات في شأن من شئون حبيبتي
-
البذرة التي تنمو فينا كل يوم
-
أُنظر من بعيد لكي تري نفسك بوضوح
-
بعض الغبار الذي يهب من الجنوب
-
بدون عنوان
-
الوهم المقدس
-
آل كابوني والاخوان
-
ورقة عثرت عليها بين علب الدواء
-
أوهام
-
أنا أحب النساء
-
بين دخول الاسلام إلي مصر ودخول العرب إليها
-
الصحيح والعقلاني
-
أيها الكهنة هذه ليست لغتنا
-
المرجعية واحدة
-
كتاب الشعب وكتاب الدولة
-
الحصار من كل الجهات
-
المال والرأسمال
-
التطوير بين التلفيق والترقيع
-
المرأة ، والحب والزواج وكثير من الأكاذيب والجرائم
المزيد.....
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|