|
الشيوعي الجيد
عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري
الحوار المتمدن-العدد: 6242 - 2019 / 5 / 27 - 13:23
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كي يكون الإنسان شيوعياً جيداً يجب أن يكون له قلب شيوعي لا مجرد فكر شيوعي. هذا ما صرَّح به المفكر العراقي هادي العلوي البغدادي في مقدمة كتابه" مدارات صوفية- تراث الثورة المشاعيَّة في الشرق" وتراني أتفق معه وأكتب هذه الخلاصة التي أُسجل فيها فكرتي الأساسية عن الشيوعيَّة في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وهي مما عرفت وخبرت عن فئة من الشيوعيين تجنح نحو تحقيق سيرورة إنهاض تحتاجها طبقة عاملة كادحة في الحقل والمصنع وتضم على هامشها فئات واسعة من المعدمين والمهمشين والمساكين وأصحاب السبيل الذين أعيتهم لقمة العيش. هؤلاء وغيرهم في حاجة إلى باب الرفق والرحمة والحنان البشري مع حق الدفاع عن النفس في وجه جبروت الثروة وطاغوت القوة بعدما عانوا مما يزيد عن الكفاية من القهر والذُّل. هؤلاء وغيرهم يحتاجون إلى شيوعيين من نسيجهم يملكون قلوباً حارَّة شجاعة تستطيع-بلا مِنَّة من أحد- الوقوف معهم في الشدائد والمحن. هل نستنطق الأمل في أن هذه الفئة من الخلق ستُعيد اكتشاف نفسها ليس فقط من خلال معاناتها، بل وأيضاً من خلال هاجس إخراجها من ورطات الذُّل والفقر وتمليكها ما تستغي به عن التعب والكد، مما لا يتم دون إعادة توزيع الثروة الاجتماعية؟ هل تكمن مشكلة توزيع الثروة الاجتماعية والتي عانت منها البشرية عبر تاريخها المكتوب خلف تفاصيل انتاج هذه الثروة والتي عمل كارل ماركس على استيضاح كنها في كتابه الشهير رأس المال؟ وهل تكمن مشكلة الطبقة العاملة العالمية في استغلال قوة عملها اليومية والتي شرحها فريدريك أنجلز بقوله: "لقد أوضحنا أن الاستحواذ على العمل غير مدفوع الأجر هو أساس نظام الإنتاج الرأسمالي، وأساس استغلال العامل، وأنه حتى لو اشترى الرأسمالي "قوةَ العمل" اليومية من العامل بقيمتها الكاملة باعتبارها سلعةٌ في السوق، فإنه سيظل يحصل على قيمة أكبر ممَّا دفع مُقابلها، وأنه في التحليل النهائي يُشكِّل فائضُ القيمة-القيمة الزائدة- هذا مجموعاتِ القيمة التي منها تتراكم باستمرار الكتلُ الرأسمالية المتزايدة في أيدي الطبقة المالكة". معتنق الأيدولوجية الشيوعيَّة والعامل في أحد أحزابها ما زال يعتقد صواب هذا التحليل المنمق وقد ناقشت العديد منهم ووجدت ضعفاً شديداً في حجتهم، لأن ماركس-أنجلز كان يُحلل، يُشرِّح، رأسمالية بنت القرن التاسع عشر. فقد توفى أنجلز في الخامس من أغسطس/آب 1895 وأنتَ لو عُدت إلى المقدمات السبع لطبعات "البيان الشيوعي" التي كتبها ماركس-أنجلز ومن ثمَّ فريدريك أنجلز وحده بعد وفات كارل ماركس في 14مارس/آذار1883 ونظرت فيها بعين الباحث المُدقق لأدركت قيمة عمل الشيوعي الجيد-وقد كان فريدريك أنجلز شيوعياً جيداً- هذه المقدمات أقرت بما لا يدع مجالاً للشك أن برامج عمل الأحزاب الشيوعيَّة تتغير بتغير الأحوال والأزمان اعتماداً على مقولة واضحة لا لبس فيها: ما دامت الصناعة-الزراعة تسير في خط صاعد تقوده "المكننة" فلا بد من مواكبة هذه "المكننة" في برامج عمل و "مكننة" هذه الأحزاب- الفلاح في الكثير من بلدان العالم صار عاملاً زراعياً يُنتج بالآلة- ولكن هذه الأحزاب ومن يعمل معها بقيت برامجها قوالب طوب "حطب في قطرميز" لا حياة فيها وهذا يخلف أبسط مفهومات الفلسفة الماركسية وأعني الجدل مع الواقع أو الديالكتيك. فهي-أي الأحزاب الشيوعية على اختلاف تسمياتها-تحتاج إلى ثورة في طُرق عملها، وتحتاج إلى أحياء ما يشبه "نقد برنامج غوتا" وهو وثيقة-كما تعلم- تستند إلى رسالة كتبها كارل ماركس في أوائل مايو 1875 إلى حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي الألماني. آلاف الكتب أُلفت في هذا الشأن وعشرات الآلاف من الأبحاث والدراسات كُتبت في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي. ماذا كانت النتيجة؟ تبلبلت الأفكار واضطربت وتشوشت، تبلبلت الألسن واختلطت اللهجات التي تتحدث عن الفلسفة الماركسية وعن الشيوعيَّة وعن الاشتراكية وعن اليسار الذي يفقد مواقعه في ساحات النضال العالمية وتشرذم إلى أحزاب وأحزاب تكافح كفاحاً مريراً من أجل البقاء. ما علَّة ذلك؟ أين الخطأ؟ ومن المسؤول؟ بكل تأكيد، نحن أصحاب الفكر الشيوعي نتحمل جلَّ ما جرى ويجري وسيجرى لهذا الحلم الجميل لأننا وعدنا الخلق " أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ" فأعطيناهم حياة "طفح كيلها" بالذّل والحاجة في دول اشتراكية فشل قادتها في تشغيل مفاصل اقتصادها وحبس الخلق في نمط من عبودية اجتماعية مقيتة، فسقطت التجربة الاشتراكية سقوطاً مُدوياً وانفض الجمع. يمكننا القول بثقة كبيرة أن الشيوعي الجيد يعمل مع رفاق دربه-وهو أدرى بشعابه- دون انحياز أو مستبقات عقائدية مع الاستعداد دوماً لتقبل التفكير في الأضداد والنقائض في أي مسألة. لأن العقيدة هي شر ما يملكه أهل الشيوعيَّة، وهي الرقيب الداخلي الذي لا يقل سوءاً عن الرقيب الرسمي. والعقيدة هي المسؤولة عن تكوين الوجدان القمعي للأفراد ومصادرة حرية الضمير. وهي وإن كانت مفيدة لتحريك الجمهور في منعطف تاريخي معين، يجب أن تبقى في منأى عن النضال اليومي للشيوعي الجيد لئلا تكون كما يقول الإمام أبو حامد الغزالي حجاباً يمنع من النظر إلى حقائق الأشياء.
#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل تخلع كوبا معطف فيدل كاسترو؟
-
المزارعون الأوائل قبل عشرة آلاف سنة
-
هل القلب يصدأ كالحديد؟
-
كتاب الثورات
-
صاحب صحيح البخاري
-
شيوعيون في الفيسبوك
-
ستالين
-
المُسْتَطْرَف الصَّغير
-
رسائل بركات لطيف الحزينة إلى الأول من أيار
-
الفأرة الحكيمة
-
قصة انقلاب عسكري
-
غسان كنفاني في تراجيديا أرض البرتقال الحزين
-
وَحْيُ الشيوعيَّة
-
بيان الشيوعيَّة
-
حبوبتي كنداكة
-
مُذنَّب كرولز يومض في سماء السودان من جديد
-
كيف تعلَّم أبي القراءة والكتابة؟
-
الهوية والعنف ... ماذا حدث, وما أسباب حدوثه, و إلى أين نحن م
...
-
الحُكَّام في أغاني الشيخ إمام
-
ماركس بالصيني
المزيد.....
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|