|
الثورة السودانية وخياراتها الصعبة
جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي
(Jassim Al-saffar)
الحوار المتمدن-العدد: 6242 - 2019 / 5 / 27 - 01:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الثورة السودانية وخياراتها الصعبة منذ بداية ارهاصات التغيير في السودان، كتبت مقالة على صفحتي في الفيسبوك نشرت فيها هواجسي عن توقيت الاحداث والتي اخذت صيغة تظاهرات شعبية ضد نظام عمر البشير. فكون النظام المستبد القائم في السودان، والذي جاء نتيجة انقلاب عسكري قاده عسكريون ينتمون لجماعة الاخوان المسلمين منذ ما يقارب الثلاثين عاما، هو نظام عقيم تعشعش فيه بؤر الفساد ويتميز بعجزه عن حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المستفحلة في البلاد، كأي نظام لا يستند الا لتعاليم شرعية دينية ترسخ التخلف وتشيع الظلام في عقول ونفوس السودانيين وتفرق بين ابناء شعبه من الديانات والاثنيات الاخرى لتمزق بالتالي البلاد الى اقاليم وامصار وتفضي الى تقسيم السودان، هو الحقيقة الوحيدة التي افرزتها ثلاثون عاما عجاف من حكم الاخوان المسلمين في السودان. وهذا كما عندنا في العراق، يجعلني اكثر حذرا في التقييم والتفائل بما يسمى بالنهضة الشعبية التي من شأنها ترسيخ مبادئ استقلال القرار السوداني وسد الطريق على محاولات تغيير تجر السودان الى تبادل للادوار في حدود الصراعات الاقليمية بين المحورين السعودي السلفي والقطري الاخواني. ولنسترجع تاريخ الاحداث، فلم تحصل الاضطرابات الشعبية في السودان الا بعد تغير في الموقف السياسي للقيادة السودانية، ولو بسيط، لصالح قوى الممانعة في المنطقة دفعت الامين العام لحزب الله حسن نصر الله الى الحديث عن السودان بلغة المعاتب وليس المتهجم على موقف السودان من الاحداث في اليمن، خاصة وان راعية الاخوان في المنطقة (قطر) تعاني من حصار سعودي خليجي تجعلها مضطرة لاقامة علاقات طبيعية مع ايران. ثم تبعها زيارة للرئيس السوداني عمر البشير الى سوريا ولقائه بالرئيس السوري بشار الاسد، تصورها البعض في البداية بايعاز من السعودية لولا ظهور عدد من المقالات المنتقدة للسودان بعد تلك الزيارة في وسائل الاعلام السعودية. ولا ننسى ان ثعلب السياسة السودانية الصادق المهدي المقرب من الاوساط السعودية، عاد الى السودان مع بداية الاضطرابات الشعبية، واللافت انه لم يعلن في البداية عن تأييده للتظاهرات قبل ان يضمن دورا متميزا في مستقبل السودان بعد التغيير، والذي ضمنه له على ما يبدو مشغلين من السعودية ودول الخليج، فتحمس لركوب الموجة. هناك من اعترض على هذا التحليل على اساس ان هنالك دور للحزب الشيوعي السوداني في التظاهرات الى ان اصدر الحزب الشيوعي السوداني بيانا اوضح فيه محاولة استبعاده من اي دور في الحوار مع المجلس العسكري اضافة الى تحجيم متعمد لدوره في تنظيم التظاهرات الشعبية. وحتى بعد ان جرى اشراك الحزب الشيوعي السوداني في الوفد المفاوض فان ذلك لا يعني توفر صمام امان كاف لضمان مستقبل تطور للاحداث يضع السودان في طريق التطور واستقلال القرار السياسي. فالحزب الشيوعي السوداني ليس سوى طرف في تحالف عريض تختلف اطرافه في رؤياها لمستقبل السودان. كتبت وقتها عن جدلية الثورة وجدلية النظام وذكرت باننا امام متغيرات يجب ان لا نستعجل الحكم عليها، وان هنالك عوامل داخلية وخارجية سيكون لها الاثر البالغ في تحديد مسار الاحداث. ثم جاءت الثلاثة مليارات دولار التي قررت السعودية والامارات ايداعها في البنك المركزي السوداني لدعم العملة السودانية في الظاهر ولضمان التحكم في مسار التغيير في الباطن، لتفرز بصورة واضحة موقفين في المعارضة السودانية اولها المجلس العسكري المسنود سياسيا من حزب الامة للصادق المهدي، وهو محور سعودي اماراتي يسعى للهيمنة على الوضع خدمتا لحلفاءه السعوديين والاماراتيين، والمحور الاخر هو المعارضة المدنية المتمثلة بتحالف إعلان قوى الحرية والتغيير في السودان والتي انتقدت زيارة الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس المجلس العسكري للرياض ولقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهي الزيارة التي اعتبرتها قوى التغيير مؤشرا على أن المجلس بات يتمدد في صلاحياته وسلطاته، وأنها "تفتح أبوابا للتدخل الخارجي في الثورة السودانية". ولم يكتفي المجلس العسكري بذلك حتى قام رئيسه عبد الفتاح البرهان، يوم الامس، بزيارة للقاهرة اكد فيها ان السودان سوف لن يقيم علاقات مع دول تتعارض سياستها مع سياسة السعودية ودول الخليج (وهو يقصد بالتأكيد ايران وقطر) واكد بان دور بلاده في التحالف العربي المعتدي على شعب اليمن سيستمر. ثم تبعها اليوم الاحد بزيارة إلى الإمارات، لاطمئنان حلفائه هناك الى ان السلطة في السودان بأيادي "أمينة". هناك مثل روسي يقول انه يجب "فصل الذباب عن المرق" فاكل الذباب مع المرق قد لا تكون تبعاته طيبة. لذا يجب ان لا نكون مهللين لثورة لم تكتمل معالمها الى ان تنتصر فيها قوى تهتم فعلا بمشاكل السودان وتحقق استقلال قراره السياسي والا فانها ثورة "مغدورة" حسب توصيف ليون تروتسكي السياسي الروسي في النصف الاول من القرن الماضي.
#جاسم_ألصفار (هاشتاغ)
Jassim_Al-saffar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قلف المراكب لا يثنيها عن الابحار
-
حوارات فكرية من اجل اشتراكية بضفاف واقعية
-
المدنيون وسياسة التحالفات
-
مفارقات العدوان الثلاثي على سوريا
-
العلاقات الصينية السورية
-
الحدث الايراني بين الافتعال والواقع
-
ترامب ولعبة خلط الاوراق
-
انقلاب القصر
-
كردستان بين الطموح والواقع
-
الموقف الامريكي من الاتفاق النووي مع ايران
-
مغزى زيارة الملك سلمان لموسكو
-
منعطفات جديدة في السياسة الامريكية
-
الملك عاريا
-
تأملات تسبق الانتصار
-
الانفصاليون وخدعة الاستقواء بالفكر الاشتراكي
-
خاطرتان قصيرتان في موضوع وحدة اليسار العراقي
-
تركيا، الى اين؟
-
كوريا الشمالية أمام خيارات التصعيد ام التهدئة؟
-
الرؤيا العدمية والرؤيا الواقعية في الحدث السوري
-
لمسار التغيير روافد
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|