|
سيرة إنسان : الأديب حسن العيساوي
محمد بقوح
الحوار المتمدن-العدد: 6241 - 2019 / 5 / 26 - 21:35
المحور:
سيرة ذاتية
حتى لا ننسى الذين يشكلون جزءا من ذاكرتنا الشخصية والجماعية. أستحضر الفنان والقاص والمثقف العضوي العصامي المرحوم الصديق السي حسن العيساوي (1966-2009)، ابن مدينة الدشيرة الجهادية، وأحد زملائي المشاكسين في الزمن المغربي الثمانيني، بثانوية حمان الفطواكي التأهيلية. أستحضره هنا كإنسان متفان، ومجد، ومجتهد، ومنفتح على الاختلاف، وطموح إلى أقصى حد لا يتصور. رجل من عملة نادرة. يكفي، أن أذكر أنه من أوقفني في مساء يوم من عام 1995، كنت مارا على رصيف الشارع العام الذي يخترق الدشيرة إلى نصفين، بالقرب من بيته، وبعد العناق والفرح الكبيرين، وتبادل التحية والحديث العذب لنوستالجيا حياتنا الدراسية والشخصية المشتركة بيننا، ألح علي الرجل بالدخول إلى البيت واستضافتي لوقت قصير..، غير أنني كنت غير مستعد، واعتذرت له، وأقنعته بضرورة تأجيل هذه الزيارة إلى حينها المناسب، لأنني آنذاك كنت منشغلا بأمور تفرض علي العودة مبكرا إلى منزلي ودواري. أعرف ويعرف هو أيضا أنني حين أزوره في بيته يمتد بنا الليل إلى الصباح الموالي. نناقش ونحلل ونقرأ شعر درويش والسياب وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور. كما يطلعني على آخر لوحاته الفنية ومنحوتاته الرائعة التي أنجزها في الزمن الدشيري الأخير.. المهم، كان اللقاء على الرصيف بحسن العيساوي، وكما يكون دوما، ممتعا وحميميا وغير ممل، ومفيدا للغاية كالعادة، رغم أن المدة التي لم نلتق فيها كانت بعيدة وجد طويلة. وقد حدثني كثيرا حينئذ عن مشاريعه الفنية و الثقافية والأدبية. وقال لي بالحرف، مازلت أذكر "سأبدأ أكتب سي محمد. لابد أن أكتب وأتفرغ للكتابة". قلت له "بالتوفيق لك صديقي. أدركت آنذاك أنه لم يشف بعد ما بجعبته وغليله في النحت والتشكيل اللذين كان يعشقهما حتى الثمالة. لهذا، سيتحول إلى الكتابة الأدبية التي ستكون بلا شك امتدادا فكريا وثقافيا لانشغالاته الثقافية والاجتماعية في الحياة، حيث لم تسعفه الريشة ولا الإزميل في التعبير عنها جميعها بالتفاصيل المرادة. الكتابة التي بدورها كان شغوفا بها منذ الدراسة إلى حد الجنون، هكذا عبر لي ذات يوم. وقبل أن نفترق، قال لي وابتسامته العريضة مرسومة على وجهه المتنور "انتظرني هنا، عندي لك مفاجأة". نظرت إليه بعيون الدهشة والسؤال. فهم وضعي النفسي. تدارك ثم أضاف "لا تحزن صديقي. هي مفاجأة سارة" . ثم ترجل، ودخل إلى بيته، واختفى للحظات كانت بالنسبة لي طويلة وقاسية جدا. فكرت في كل شيء إلا ما كانت تحمل يداه الكريمتان. جريدة أنوال، وبداخلها نصي الشعري الأول، بعنوان (القافلة). حسن العيساوي ليس مجرد شخص، وإنما إنسان ذكي يعرف كيف يدخل الفرح إلى قلوب الغير، ليجعل الإنسان الآخر أكثر محررا وسعيدا، وربما أكبر بكثير من سعادته هو، إذا كان بالفعل سعيدا.!! ولم نلتق ثانية، بعد ذلك، بسبب إكراه عملي في التدريس الذي أبعدني عن الدشيرة وأرض البلدة ككل، لمدة تزيد عن سبع سنوات، إلا بصدفة جديدة. وأذكر أنه، ولبداهة لسانه، قال والاحتضان ثالثنا، "رب صدفة خير من مليون ميعاد". وقهقه كعادته. كان ذلك في عمق مدينة العبور إنزكان، بالقرب من بنك bp. طال بنا الحديث هذه المرة في فضاء لاطيراس مقهى شهرزاد العريقة. أخبرني أنه بصدد طبع ونشر مجموعته القصصية الأولى (دود الملح). هي تضحية من أجل الأدب والثقافة. لأنه قرر طبع ونشر إصداره القصصي بالسلف البنكي ( الكريدي ). طمأنته أنه واقع الثقافة في هذا البلد. لابد من التضحية لمقاومة القبح وصناعة الجمال. هناك من الكتاب من يضطر لبيع ممتلكاته من أجل إصدار كتاب. المهم، سعدت كثيرا بخبر نشره لمجموعته القصصية الأولى التي قال أنها ستليها الثانية في العام المقبل بحول الله. وحفزته على المزيد بالابداع والكتابة. فعالم اليوم، بقبحه الملموس الذي أخذ في الاكتساح، لا يستقيم معناه الحقيقي إلا عندما نكتب عنه. ثم افترقنا مجددا. ولم أصادفه مرة أخرى إلا عندما رأيت "حسن العيساوي" مكتوب اسمه على رأس كتيب صغير، صادفته بعمله القصصي الذي وجدته معروضا ضمن بعض المنشورات في مكتبة تالبورجت بأكادير المدينة. لقد فرحت كثيرا بإصداره الذي حدثني عنه. اشتريته ثم غادرت المكان سعيدا. وأذكر أنني انزويت في ركن مقهى المحطة، بالقرب من سينما صحراء، ولم أنهض عائدا في الطاكسي إلى بلدتي إلا بعد إنهائي لمجموعة الصديق حسن العيساوي ( دود الملح ) .. وهي بالفعل تناقش وتعرض لوضعيات مجتمعية سائدة، تصورها الكاتب من خلال سارديه مادة الملح الذي أنتج كائن الدود الذي من المفترض أنه لا يجتمع بالملح. هي مفارقات المجتمع المحلي والمغربي اقتنصها الكاتب ارتباطا بتفاعله اليومي مع المشاهد البشرية في مدينته الدشيرة السوسية المغربية ..
#محمد_بقوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية الإنسان (7)
-
مأزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا - جدلية القوة والضعف -
...
-
مآزق الدين والسياسة من منظور سبينوزا
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : الوعي والجسد (6)
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : الدين والأخلاق (5)
-
من دفاتر نيتشه الفلسفية : نظرية المعرفة (4)
-
تأملات فلسفية - العدالة
-
جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم التراجيديا
-
جيل دولوز قارئا لنيتشه : مفهوم الجسد
-
جيل دولوز قارئا لنيتشه
-
نشاط إبداعي وفكري يسرق الأنفاس في مدينة أيت ملول السوسية بجن
...
-
نيتشه قارئا لسقراط
-
نص : التلفاز الأخضر
-
قصة : الديك البلدي
-
قصة : غيلم زفزاف
-
مملكة الذباب الموحش
-
التعليم كمحرر للشعوب
-
الوعي الديني والوعي الفلسفي
-
قصة : الحمّى
-
السياسيون الانتهازيون
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|