الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب
(Elfarfar Elayachi)
الحوار المتمدن-العدد: 6241 - 2019 / 5 / 26 - 21:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التدين الشعبي هو مجموع الممارسات الاجتماعية للمعتقدات الدينية الموروثة و المحروسة بصرامة داخا فضاء اجتماعي يمتاز بالبساطة و التشابه و محكوم بالتضامن الالي , مظاهر هذا التدين تتمظهر في بساطة مظاهر التدين لا تعود إلى نمط معياري مؤسس على نصوص مرجعية من الكتاب و السنة و لكن مستمدة من التراكم تاريخي الطويل , و المستمد من مجموع الممارسات داخل القرية و المنقولة عبر الأجيال .
التدين الشعبي الموسوم بالبساطة و الأريحية هو نمط تقاقي و سلوك اجتماعي مترسخ في العقل الجمعي باعتباره ظاهرة اجتماعية قهرية بتعبير اميل دوركايم , لا يملك الأفراد ألا الخضوع لها و الاستسلام لقسريتها . و التي تتجسد في مختلف الممارسات الحياتية و اليومية المستمدة عبر تاريخ القبيلة .
هذا النمط من التدين البسيط يساهم بشكل اساسي في بناء هوية دينية محافظة تجعل من وجودها الضامن الاساسي لحماية المعتقد و الدفاع عنه .
Abstract
Public religiosity is the sum of the social practices of religious beliefs inherited and strictly guarded within a social space characterized by simplicity and similarity and governed by mechanical solidarity. The manifestations of this religiosity are manifested in the simplicity of the manifestations of religiosity not to a normative pattern based on reference texts of the book and the year, Long history, derived from the total practices within the village and transmitted across generations.
Popular religiosity, characterized by simplicity and voluntarism, is a pattern of social unrest and socialism rooted in the collective mind as a compelling social phenomenon, by Emile Durkheim. Individuals can not succumb to it and surrender to its coercion.
This type of simple religiosity contributes mainly to building a conservative religious identity that makes its existence the primary guarantor of the protection and defense of belief.
ثانيا : مفاهيم الدراسة : التدين الشعبي – الهوية الدينية .
الإسلام الشعبي , واقع اجتماعي متواجد من القدم و يمكن اعتباره إرثا اجتماعيا و تقافيا يتم تناقله من جيل الى جيل . الاهتمام بالموضوع و بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة نتيجة ما اصطلح عليه بالإسلام العنيف المرتبط بالحركات الجهادية , وانتعاش التيارات التكفيرية التي تجعل من الدم و القتل أداة لنشر الإسلام , و طريقة مثلى للتدين لذا يمكن اعتبار ان الإسلام الشعبي هو تدين العامة , و الذي يستمد خصوصيته و طبيعته و أهدافه من الموروث الثقافي للمجتمع .
يمكن اعتباره – التدين - هو الإطار الاجتماعي لممارسة الدين كنصوص مرجعية مؤطرة مقدسة , لذا فهو تجربة تاريخية و اجتماعية له سياقها الخاص و الذي تستمد منه هويته , وهو ما يجعله سلوكا اجتماعيا أكثر منه سلوكا عقديا , لأنه يمثل نمط وجود منفتح على خصوصية مجاله , وهو ما يجعله مرتبط بالكثير من مظاهر الثقافية و التي لا تدخل في مرجعيات و اصول الدين الّأساسي مثل الشعودة و الزوايا و التداوي بالرقية , فهو سلوك مرتبط بالظروف العامة و الخاصة التي يعيشها المتدين بمحيطه .
و حيت ان التدين هو سلوك ثقافي وهو ما يجعل منه سلوكا متعددا , يتعدد بتعدد الرجعيات الثقافية و القيم الاجتماعية التي تؤطره , وهو ما يفتح الباب للحديث عن تجارب بصيغة الجمع ليس عن تجربة خاصة و ممارسة واحدة للمارسة الشعائر الدينية .
الامر يقود الى تبني فكرة وجود مماررسات متعددة للسلوك الديني ووجود صوركثيرة لانماط التدين و التي تعتبر الدين الإسلامي هو المرجع لها , لكنها تختلف في قراءة و تفسير و تطبييق نصوصه وفق السياقات الاجتماعية المختلفة .
فالجميع متفق على متفقة على الأصول والمبادئ العامة للنص الديني لاسيما القران و السنة ، لكنها تختلف التطبييق و الممارسات باختلاف الوضعيات و السياقات و السن و العوامل الاقتصادية و القيم العادات الاجتماعية .
لذا , نسجل وجود عدة تجارب للتدين منها : تدين الشباب و تدين الشيوخ و تدين المراة و تدين الطبقة الوسطى و تدين الفئات المهمة و تدين العالم القروي و تدين العالم الحضري .
فكل نمط هو افراز لتجارب تاريخية و سياقات اجتماعية خاصة .
هده التعددية في انماط الممارسة الدينية و اشكال التدين كسلوك اجتماعي ينتج عنه و في أحيان الكثير من التناقضات عكس الدين كنص واحد. فالتدين الشعبي يمتاز بالتعدد و التنوع ألطقوسي و في التفاصيل و العادات و القيم .
التدين هو الكيفيَّة التي يعيش بها الأفراد والجماعات تجربتهم الدينيَّة، وذلك بالتفاعل مع أشكال الفهم والاستيعاب والتطبيق والتمثل للمكونات الأساسية في الدين. وقد سبق لجورج زيمل أن ميز بين الدين والتدين ُّ ، حيث يمثل الدين الدافع الحيوي، والتدين الشكل الاجتماعي الذي يسعى إلى الاستحواذ والسيطرة على الأول . و وتوظيفه اجتماعيا و سياسيا .
ثمة ملاحظة مهمة تستوقف الباحث بإقليم قلعة السراغنة وهي منطقة في وسط المغرب قريبة من مدينة مراكش لا تبعد عنها سوى ب 80 كلم يغلب عليها الطابع القروي حيت 65 في المئة من ساكنته تعيش بالعالم القروي .
مدينة قلعة السراغنة هي مدينة قروية لان اغلب ساكنتها تسكن بالمجال القروي و هو المجال الذي يطغى عليه مظاهر التدين الشعبي و الاجتماعي الموروث و الذي لم تمسه مظاهر الحداثة او التحديث و التأثير من قيم العولمة .
ثمة ملاحظات تستوقف أي باحث لمظاهر التدين بالمدينة هو هيمنة التدين البسيط لاسيما بالعالم القروي و يمكن تحديد ملامح هطا النمط من السلوك التديني في الاستنتاجات الاتية :
اولا : مركزية المسجد .
يعتبر المسجد مؤسسة اجتماعية و دينية وهو ما يفرض الوقوف عند دراسته من اجل كشف طبيعته ووظائفه لانه يسجل الاهتمام الكبير بالزوايا و اغفال دراسات المساجد.
المسجد يحتل أهمية مؤسسة مركزية في الثقافة الإسلامية وفي التاريخ الإسلامي فقد كان هو المؤسسة التي تجمع بين المجالين الدينوي و الدنيوي بين العبادة و السياسة , بين السلم و الحرب , انه مؤسسة لتاطير السلوك العام حيت يتقاطع الديني و الثقافي و السياسي والاجتماعي بالاقتصادي و الروحي و التربوي .
ما يميز السلوك الديني بالعالم القروي بالإقليم هو مركزية المسجد و اعتباره المكان الوحيد لاتخاذ القرارات التي تهم حياة الناس و مشاغله و يعتبر مكان مقدسا لدى المتدين القروي , و يطلق على المساجد بيوت الله , حيت تحظى بالوقار و الاحترام و الحرص على نظافتها و جمالها , و بعتبر المسجد البناية الأجمل و الأنظف و الأكبر معماريا . يعتبر المسجد فضاء مقدّسا ومعياريا بالنسبة إلى المسلمين، لما نظرا لاهميته الحيوية و مايرتبط به من وظائف .
فاختيار مكان المسجد يكون وسط الدوار بهدف خلق عدالة مجالية حتى يكون الولوج اليه على نفس المسافة من الجميع , وهي اشارة دقيقة تحمل ابعادا رمزية في حيادية المسجد و انه مؤسسة الجميع ..
و يشكل فرصة للحوار و التلاقي بيم المصلين , حيت يشكل الاطار الاجتماعي الذي يتواصل فيه سكتن الدوار و يتناقشون وربما يقضون فيه اغلب اوقاتهم لاسيما الشيوخ ا و فهو مؤسسة اجتماعية للحوار و النقاش و تبادل الافكار و مناقشة القضايا العامة و الخاصة . كما يشكل برلمان محليا لانه فيه تتم التدوال حول القضايا المشتركة .
فهو فضاء عمومي لمناقشة القضايا الحساسة و المهمة التي تهم حياة الساكنة و القرويين , حيت يتم عقد لقاء موسع بحضور كافة المصلين / الهيئة المؤمنة لاسيما بين صلاة المغرب و العشاء من اجل تدارس المشكل و اتخاذ القرارات المناسبة , و اختيار الوقت ما بعد صلاة العصر لان عدد المصليين يكون كبيرا عكس باقي الصلوات نتيجة ارتباط القرويين بمهامهم الوظيفية و الزراعية .
و تدبير شؤون المسجد ورعايته و اداء اجرة الفقيه تتم بشكل تضامني او ما يسمى بالشرط كما يعرف بناء المسجد و تدبيره و اداه اجرة الفقيه بطريقة خاصة و ذاتية و بشكل مستقل عن الجهة الرسمية المشرفة , فسكان الدوار عن طريق سلوك تضامني يقومون بتوزيع المهام من اجل بناء مسجد على نفقتهم و في أحيان كثير ة يتم البحث عن مصادر تمويل خارجية عن طريق الاعيان في علاقاتهم الخارجية و معرفهم خارج الإقليم او داخله .
يلاحظ أن اغلب دواوير الإقليم تتوفر على مساجد كبيرة طاقتها الاستيعابية تتجاوز عدد المصلين , و قد سجلت ملاحظة مهمة في السنوات الاخيرة هو الحس التنافسي بين الدواوير؟ فكل دوار له مسجد خاص به رغم تجاور الدواوير مما يسمح بمسجد واحد لدوارين او اكثر .
فالمسجد يتم بنائه و تزينه و تاثيته بامكانيات ذاتية لسكان الدوار , كما يلاحظ انه اثناء عملية البناء فان الاموال المحصل عليها يتم تخصيصها لشراء السلع الخاصة بمواد البناء مثل الاسمنت و الحديد , في حين يتكفل شباب الدوار بالعمل طواعية و بالمجان .
و نظرا لقيمة و المكانة الرمزية التي يحملها المسجد فان هناك تراتبية اجتماعية حوله اذ ان المنازل القريبة منه تكون غالبا في ملكية واعيان الدوار و اغنيائه , فالقرب او البعد من المسجد هو مؤشر اجتماعي على الهرم الاجتماعي .
كما يسجل ان عملية البناء تصاحبها عمليات اعداد وجبات الاكل لاسيما وجبتي الفطور و الغذاء بشكل تناوبي بين سكان الدوار في اطار ما يسمى بالنوبة من اجال اطعام عمال المسجد .
اصرار سكان القرى باقليم قلعة السراغنة على بناء مساجدهم بانفسهم يكشف جليا الرغبة الخفية في الحفاظ على الهوية الخاصة للقبيلة و لوحدة الدوار, و هو ما يفسر خوف القروييين من تدخل الجهات الوصية و تشتيت هوية الجماعة المؤمنة , و المنسجمة مع نمط تدينها البسيط و العفوي والمحدد في أركان الاسلام الخمس دون زيادة او نقصان .
مركزية المسجد تتجلى انه هو المكان الاساسي لتدبير النزاعات الناشئة بين افراد الدوار فيما بينهم او بينهم و بين افرا د قبيلة او دوار اخر في اطار من الوحدة , لذا يطلق على المسجد عبارة ** الجامع ** في اشارة الى التجميع و الانسجام و الحفاظ على وحدة الدوار و استقراره .
كما يلاحظ ان المساجد تحمل هوية اسلامية من خلال النقوش التي تزين جدرانه و تكون غالبا عن ايات من القران الكريم مكتوبة على شكل نقش بالجبس و في اطار جمالي بديع . اما الصومعة فتكون عالية وهي دلالة على علة الاسلام و قوته كما تعتبر مؤشرا على قيمة الدوار , حيت يتم التنافس من يبني الصومعة الاكبر , لان ذلك تتحكم في الامكانيات و كبر الدوار .
ثانيا : تدين بسيط .
تتحدد ملامح التدين بالعالم القروي في الالتزام بالموروث الديني , في ذات السياق اجريت بحثا مع مجموعة من السكان و سالتهم لماذا يصلون بالسدل , كانت إجابتهم : **احنا كنديرو داكشي لي كيديروا جدودنا **.
يتضح ان السلوك التديني موسوم بمرجعية الماضي و مؤطر بالإرث الذي تركه الاجداد , فهو تدين محافظ . يمكن تسجيل مجموعة من أشكال التشدد فيما يخص الجانب العقدي مثلا يرفض المرضى الافطار, رغم وجود سبب طبي او نصيحة طبيب بضرورة الافطار . فالقروي يفضل الموت على ان يفطر في رمضان حسب تصريح احد سكان دوار لعرج و هي منطقة قريبة من مدينة قلعة السراغنة .
مظاهر البساطة تتجلى كذلك في الاكتفاء بالصلوات المفروضة و صلاة التراويح برمضان , و كما تتجلى في مظاهر لباسهم البسيطة و العادية عكس لباس بعض التيارات الدينية السلفية و التي تتميز بالقصر او ما اصطلح عليه باللباس الأفغاني .
يسجل ان بساطة مظاهر التدين لا تعود إلى نمط معياري مؤسس على نصوص مرجعية من الكتاب و السنة و لكن مستمدة من التراكم تاريخي الطويل , و المستمد من مجموع الممارسات داخل القرية و المنقولة عبر الأجيال .
التدين الشعبي الموسوم بالبساطة و الأريحية هو نمط تقاقي و سلوك اجتماعي مترسخ في العقل الجمعي باعتباره ظاهرة اجتماعية قهرية بتعبير اميل دوركايم , لا يملك الأفراد ألا الخضوع لها و الاستسلام لقسريتها . و التي تتجسد في مختلف الممارسات الحياتية و اليومية المستمدة عبر تاريخ القبيلة او الدوار .
وقد سبق لجورج زيمل أن ميزبين الدين والتدين ، حيث يمثل الدين الدافع الحيوي، والتدين الشكل الاجتماعي الذي يسعى من خلاله المتدين الى الاستحواذ الدين , فالتدين هو ممارسة تطبييقية للدين , لكن يبدو ان الوقائع و الاستنتاجات تكشف ان التدين ليس سلوكا فرديا بقدر ماهو سلوك اجتماعي خاضع لقيم و عادات الفضاء الاجتماعي الذي ينتمي اليه , فالتدين لشعبي بالعللم القروي مثلا هو تدين يسبط محكوم ببساطة الواقع الاجتماعي الذي نشا فيه .
ما يميز التدين الشعبي هو بساطته و انفتاحه على الحياة الخاصة و العامة,من خلال تبسيط الفقهاء للممارسات و الطقوس و التي تحصر في الاصول الخمسة للاسلام والمحددة في الشهادتين و الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج , اما على مستوى خطب الجمعة فانها تكون بسيطة و عادية تتحدث عن الامور العقدية و عن العالم الاخر بنعيمه و حجيمه , كما يسجل غياب التشدد في الجانب السلوكي و التديني لهذا النمط . و هو ما يجعل منه سلوكا اجتماعيا ينسجم من الواقع الاجتماعي للمتدين . عكس التدين المتشدد و الضي يجعل من الدين المبرر الاساسي للعنف و تغيير الواقع بالقوة و الدم .
كما تتجلى بساطة التدين الشعبي في الجانب الطقوسي من خلال الاحتفاء بالمنسبات الدينية مثل عيد المولد النبوي و المواسم الخاصة بالاولياء الصالحين , وهي ظاهرة تعكس الاحتفاء الكبير و الرعاية الكبيرة التي يوليها المتدين البسيط للاولياء باعتبارهم اصحاب مقامات وكرامات و هم اهل الله في ارضه . و يتزامن تنظيم المواسم بنهاية السنة الفلاحية من اجل شكر الله على وفرة المحصول , او يكون الموسم في بداية السنة تقربا الى الله عبر واسطة الاولياء الصالحين من اجل سنة مطيرة ينزل فيها الغيث حتى يكون الموسم الفلاحي جيدا .
كما يعرف التدين البسيط و الشعبي بهيمنة السلوك التصوفي من خلال تقدير أهمية الزوايا و الاولياء الصالحين و تمارس مجموعة من الطقوس حول التغني بصفات الرسول و بكرامات الاولياء و بصفات الله الحسنى , و تمجيد الاولياء باعتبارهم وسيط بين العابد ز بين الله حيت ترفع الحواجز التي تمنع المتعبد من تحقيق الراحة بترك الجسد ورغباته و تحقيق ما تصبو اليه الروح . ان السلوك التصوفي هو سلوك روحاني يهدف الى الابتعاد عن الدنيا و مشاغلها وهو ما جعل التصوف اداة فعالة لمواجهة تسييس الدين و الابقاء على الممارسة التدينة كممارسة حيادية ضد الصراعات التي يوظف فيها الدين في خصومات سياسية .
ثالثا : تدين تضامني .
يعتبر التدين الشعبي بالعالم القروي هو تدين تضامني , أي ان القروي مدعو بقوة الواجب الديني ان ينخرط بدون وعي في التضامن الجمعي و التواجد بالقرب من إصابته مصيبة او مكروه , لاسيما في حالات المرض او الموت .
فالتضامن وفق المنظور السوسيولوجي مؤسس على مبدأ التطوع اي تخصيص بعض من وقت الإنسان الخاص من أجل عمل عام يفيد الاخرين عبر التزام اخلاقي و ليس التزام وظيفي و هو ما يجعل التدين هو فعل مجاني وبدون مقابل لفائدة الاخرين لوجه الله وفقا لمنطوق الاية الكريمة , والذين يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما واسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لاشكورا
فالاية الكريمة تضع مقتضيات التطوع و تحدده بشكل دقيق اي هو العمل من اجل الاخرين و بدون انتظار اي جزاء . لذا نسجل ان دوافع العمل التطوعي متعددة وأهمها الدافع الديني ينبع من إحساس الإنسان بالواجب تجاه مجتمعه وتجاه البيئة التي تحيط مصداقا لقول لقول الله تعالى (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم)سورة البقرة.
فالتطوع باعتباره تضحية من اجل الاخرين هو قيمة دينية اولا،وان التعبد هو القدرة على التضحية بالذات و مصالحها من اجل الدين و من اجل القيم الاسلامية و من اجل الاخرين ( )،
فالعمل الجمعوي لم يعد مؤسسا على العمل التطوعي باعتباره فعلا حرا وبدون مقابل موجه للاخرين و لصالحهم ( )،وباعتباره النشاط الذي لا يحقق ربحا.
وان كان مفهوم التطوع يطرح الكثير من الاشكالات السوسيولوجية والفلسفية ان اعتبرنا التطوع كواجب اخلاقي على الفرد اتجاه الاخرين في اطار ما سمي في الفكر الفلسفي بالغيرية الايجابية ( )،وهو ما يجعل بناء علاقات ايجابية مع الاخرين و للاخرين هو واجب سياسي و اخلاقي .
اعتبر جيرارد ميسنيل Gerad Mesnil لا يمكن تخيل عمل جمعوي بدون تطوع بحكم ان التطوع هو الذي يمنح الفعل التديني هويته و اصالته,فغياب التطوع يفقد العمل الجمعوي باعتباره فعلا خيريا لفائدة الاخرين هويته و اصالته في نظر مسنيل .
يسجل في مجال البحث , اي اشكال التدين بالعالم القروي ان التضامن مازال قائما و يعتبر مؤشرا اساسيا لقيالس درجة التدين و الغيرية وهو ما يكشف ان العالم القروي مازال يقاوم التغييرات القادمة عير موجة العولمة التي تنشر قيم قيم النفعية و مبادئ السوق و تمجد انتصار القيم الفردانية .
فالتطوع هو تصريف فائض الجهد الذاتي نحو الاخرين ولصالحهم ، و ايثارمصلحة الاخرين على مصلحة الذات ، مع استحضار ان الغيرية و التضحية من اجل الاخرين هو فعل ديني و يجد سنده في القيم الاسلامية من خلال مفهومي الصدقة و الايثار و الصبر و الرحمة و مساعدة المحتاجين و التكفل باليتم و رعاية عابري السبيل و غيرها من القيم الاخلاقية التي تدعو الى فعل ايجابي مع الاخر ،فالمتعبد المحبوب الى الله هو الاكثر خدمة و مساعدة لعباد الله . فرغم كثافة هذه التوجيهات الدينية فان نتائج البحث كشفت ضعف الوازع الديني و هيمنة البعد النفعي خلال الفعل الجمعوي .من مظاهر التطوع بالعالم القروي هو ما نلاحظه في حالة الوفاة .
فبمجرد ما يتم سماع الأذان عبر مكبر الصوت خارج أوقات الصلاة , حتى و ان لم يكن الوقت وقت الصلاة فالأمر قد يكون غريبا بالنسبة للغرباء , وقد يعتقدون ان المؤذن قد اخطأ , في حين الأمر ليس سهوا و إنما هي طريقة لإخبار سكان الدوار المنشغلين بمهامهم بوفاة شخص معين .
بمجرد وفاة شخص يتم إعلام الفقيه او الموذن و الذي يقوم بالاذان و بعدها سماع القران الكريم عبر مكبر الصوت حتى يتم نشر الخبر .
بعد ذلك يترك القرويون مشاغلهم مهما كانت , و يلتحقون بالمسجد حيت يبدأ العمل عبر تقسيم المهام و بشكل منسجم و دون اي ضجر حيت :
فريق يقوم بالتخصص لحفر القبر و اعداد لوازم الدفن .
فريق يتكفل بتوفير الكفن و لوازم غسل الميت .
فريق يتكفل بتوفير وليمة الغذاء و العشاء للضيوف م, حيت كل دوار يتوفر على صندوق خاص بالموت وهو صندوق تضامني يتم تمويله من كراء اراضي تابعة للمسحد سنويا و تصل المبالغ المتوفرة في هذا الصندوق الى حوالي 30000.00 درهم .
فعائلة الميت لا تقوم باي شئ لان اهل الدوار يتكفلون بكل شئ بما في ذلك توفير الخيم و الكراسي و الماء و لانارة .
واهم خاصية تميز تدبير هذه حالات الوفاة هو عدم التمييز و هو سلوك ديموقراطي للقبيلة اي ان التعامل الذي تحضى به عائلة ميت من أسرة فقيرة هو نفي التعامل الذي تحضى بع عائلة من الأعيان .
في حالة الوفاة يظهر بوضوح التضامن في سلوك اهل القرية , و يتم التعامل مع هذه القيمة بالكثير من التشدد , في حالة عدم حضور شخص من سكان الدوار و عدم مشاركته في العزاء الدفن مواساة اهل الميت و اقتسام المهام و التكاليف , حيت يتم عزله ووطرده من الجماعة , وهو سلوك عقابي و يوصف مرتكب هذا الفعل ب ** مسخوط الجماعة ** و لا يتم التصالح معه الا بوساطات كبيرة و اعتذار بعد صلاة المغرب او العشاء حيت يدخل الى المسجد و يقوم بتقبيل رؤوس المصلين واحدا واحدا , بعدا يتم تنبه بعد تكرار الخطأ ويتم قبول اعتذاره , بعدها يدعو السكان الى وليمة بمنزله دلالة على اكتمال الصلح و العودة الى حضن الجماعة .
رابعا : مركزية الفقيه :
اهم ما يميز التدين الشعبي هو مركزية الفقيه , و الذي يعتبر المرجع الأول و السلطة الاولى في الدوار لان مهمته هي قيادة الناس الى الخير ، و انه صاحب الفتوى و انه الحكم بين الناس في خلافاتهم و نزاعاتهم الدنيوية .
فدور الفقيه لم يكن محصورا داخل الكتاب القرآني، بل امتد إلى بيوت تلاميذه، فقد كان سلطة حتى في غيابه حيت يقوم الآباء بإخافة أبناءهم في حالة ارتكاب فعل غير مقبول, بادعائهم أنهم سيخبرون الفقيه بما فعل الأبناء , فالفقيه - اظافة إلى مهمة تحفيظ الأطفال القران الكريم و تربيتهم و معاقبة كل من خالف القواعد والآداب العامة حتى ولو كان الأمر في المنزل .
كما يساهم في الحفاظ على دور الخياطة التقليدية و كان يعلم احد الأطفال الكبار طريقة الخياطة عن طريق مساعدته / البرشمان .
كما ان الفقيه كان له دور علاجي عبر فعل الرقية و قراءة القران على الأشخاص الممسوسين , كما انه وإذا دخلت امرأة حاملة في طور المخاض وعسُر مخاضها , يحضر زوجها عند فقيه المسيد ليأمر هذا الاطفال بالطواف بالأزقة والشوارع وهم يدعون الله للحاملة أن يسعدها بفرجه, ويعجل لها بوضع مولودها .
اختيار أطفال دون البلوغ لهذه المهمة هو اختيار قصدي , لان التمثل الاجتماعي للانسان القروي حول الاطفال يتمثل في اعتبارهم ملائكة وان الله لا يرد لهم طلبا , لذا نفهم سر جعلهم في مقدمة مسيرة صلاة الاستسقاء , وتضرعهم إلى الله أن يسقي عباده وبهيمته والأرض والحرث فهم في هذه السن موطن البركة يسمع الله دعواتهم ويرحم بهم من يشاء .
غير ان هناك تحولات كبيرة بدأت تعرفها مؤسسة الفقيه , و هو ما يعني ان سلطة تقليدية بدأت في الانهيار ،وحلت محلها قيم معولمة تتجسد في اللغة ونمط اللباس ونمط الاستهلاك و وسائل التعلم . من خلال هيمنة و اكتساح التعليم الأولي المسير من طرف الجمعيات حيت يتم تعليم الأطفال تعليما عصريا مبنيا على القيم الجديدة حيت تأخد الرياضيات و الفرنسية الصحة الأكبر و أصبح تدريس القران حصة ثانوية .
فالمسخ و الكراك واللوحة و الحصيرة و المحضرة و الاربعائية( ) و التخراج و الصلصال كلها مفاهيم اندثرت، و حلت محلها قيم جديدة ومعولمة.
انهيار سلطة الفقيه كسلطة تقليدية محافظة و غياب الكتاتيب القرآنية تعكس ان هناك تحولا اجتماعيا عميقا في بنية المجتمع القروي المحافظ ، و استبدال القيم التقليدية الشعبية المحافظة بقيم جديدة وهي القيم الليبرالية حيت الرغبة في تعلم اللغات الاجنية والحساب بدل تعلم القران ، كما ان هناك تحولا في هرمية السلطة الاجتماعية حيت انتقلت السلطة من "الجماعة " المجسدة في أعيان القبيلة و الفقيه إلى الجمعية كتنظيم حداثي عقلاني، يستمد مقوماته من حرية الأفراد و قناعاتهم و ليس من العادات و التقاليد الاجتماعية .
كما ان عملية اختيار الفقيه هي عملية معقدة و صعبة , تعتبر أصعب و اعقد من اختيار مرشح الدوار في الانتخابات الجماعية ذلك ان اختيار الإمام مرتبط بمدى قدرة المرشح للإمامة لإقناع كبار و شيوخ الدوار وهو في الغالب يكونوا من حفظة القران الكريم .
ونتيجة تدبير موضوع اختيار الفقيه بطريقة مغلقة , فقد بدأت تظهر مجموعة من الاحتجاجات على تغيب الشباب في عملية الاختيار و النتيجة التمرد على عملية الاختيار من خلال ترك الصلاة في المسجد و الصلاة في مسجد اخر كتعبير سخط و احتجاج .
خامسا : سلوك تديني مرتبط بالكرم .
أهم ملاحظة يمكن الانتباه إليها , و سهولة إثباتها أن التدين بالعالم القروي مرتبط بالكرم و الولائم . فالشخص الأكثر تدينا ليس هو الشخص الأكثر فقها , و معرفة بأصول الدين و بإحكامه و بفقه السنة و بالمذاهب الاربعة , لكن هو الشخص الأكثر كرما , إي من ينظم ولائم دورية لسكان الدوار حيت و بعد صلاة المغرب يذهب سكان الدوار إلى منزل الشخص صاحب الوليمة , و يتم إعداد الشاي في إطار مرح بين الجميع مع تقسيمهم الى قسمين , قسم يوجد به الفقيه و حفظة القران الكريم و الأعيان و الضيوف والقسم الثاني من شباب الدوار و باقي سكانه .
و بعد أذان صلاة العشاء تتم الصلاة دون الذهاب إلى المسجد و هي إشارة مهمة تكشف مدى تكريم اهل القرى للشخص الكريم و اعتباره منزله مسجدا . و بعد العشاء و أثناء شرب الشاي و الذي يتم إعداده من شخص متخصص من أبناء الدوار يقوم الفقيه بإلقاء خطبة مع الكثير من الدعاء لصاحب المنزل و لعائلته
و ما يؤكد هذه المعطيات هو ارتباط اغلب المناسبات الدينية و الاجتماعية بالطعام و الاكل و الشرب والدعاء .
عيد الأضحى مرتبط بتبادل الزيات و تبادل جزء من لحم الأضحية .
عيد المولد النبوي بعد الصلاة يتم إعداد فطور جماعي بالمسجد .
عاشوراء ترتبط بشراء الفواكه الجافة .
المناسبات الاجتماعية مثل : العقيقة او مناسبة رجوع شخص من الخارج – نحاج الابن – مباركة المحصول الجيد – بناء منزل جديد – سراء سيارة او آلة فلاحية هل هذه المناسبات الاجتماعية ترتبط بإقامة وليمة لسكان الدوار .
سابعا :خطاب ديني بسيط .
أهم ما يميز الخطب الدينية للجمعة أنها خطب تنحاز الى الخطاب الدرامتيكي حول أهوال يوم القيامة و عذابات القبر, و نعيم الجنة و كل الطرق الموصلة اليها عبر التمسك الحرفي بالدين و بالعقيدة الصحيحة , و هو ما يجعله خطابا محصنا من كافة الخطابات المرجعية و المعيارية المرتبطة بقراءات خاصة للنص الديني .
فالمتدين بالعالم القروي يبد ي نفورا من كل التيارات الدينية المؤدلجة , حكى إمام احد المساجد انه في سنة 2016 بمسجد دوار لعرج جماعة المربوح قيادة اهل الغابة , حضر أعضاء من فرقة تسمى الدعوة و التبليغ عبارة عن وفد يتكون من اربعة أشخاص ينتقلون من مسجد الى مسجد , لنشر الدعوة عبر سلسلة من الخطب بعد صلاة العصر و المغرب و يقيمون في المسجد و يبيثون فيه .
حضور هؤلاء يكون باردا حيت غالبا ما يصلي الناس , و يخرجون دون ادني اهتمام للدروس التي يلقونها و في المقابل يتم إطعام هؤلاء و توفير لهم كل شروط الإقامة .
فالتدين الشعبي هو الشكل الاجتماعي لممارسة الفعل الديني الموروث كفعل ثقافي و ليس كتطبيق لنصوص مرجعية , و هو ما يعني انه ممارسة اجتماعية مرتبطة بالواقع اليومي للمواطن داخل فضاءه السيو اقتصادي و السوسيو تقافي .
التدين الشعبي بالعالم القروي هو تدين اجتماعي لا يمكن فصله عن السياق العام , فان الحياة اليومية للفلاح هي حياة خشنة مليئة بالعذاب و المعاناة , و تحصيل الرزق في ظروف صعبة و معقدة لاسيما في فترات الجفاف و قلة المطر مما يجعل القروي المتدين يلجأ الى خيارين :
كثرة الدعاء بالصبر : حيت نجد الدعاء الأكثر ترددا و الأكثر استعمالا هو دعوة الله بالمزيد من الصبر حتي يستطيع القروي تحمل المزيد من العذاب بهذا يصبح التدين اداة وظيفية لرفع منسوب التحمل و القدرة على الصمود و البقاء في واقع صعب و صلب .
القيام بصلاة الاستسقاء : حين يحس القروي بصعوبة الموسم الفلاحي بسبب انحباس المطر , يلجا الى الله من اجل الغيت و يكون ذلك في صلاة الاستسقاء , و هي فعل اجتماعي ديني ينطلق من المسجد في مسيرة على الاقدام نحو المصلى و يكون الاطفال في مقدمة المسيرة رافعين الواحهم الخشبية على رؤوسهم بينما الكبار يسيرون حفاة رافعين اكفهم الى السماء من اجل تلبية طلبهم .
الملاحظة الاساسية المستوحاة من القيام بصلاة الاستسقاء هو ان القروي ليس شخصا صداميا و لا احتجاجيا , و حتى في اقسى لحظات ازمته , لا يحتج على الدولة و على مؤسساتها و إنما يتوجه الى الله .
سادسا : التَّصوف بوصفه مظهرا من مظاهر التدين الشَّعبي
اهم ما يميز التدين الشعبي هو التمسُّك بتقاليد مشتركة في التصرفات و السلوك الإيماني , و من أهم عناصر هذا السلوك هو الوقار الكبير و الذي يصل الى درجة القداسة في الأولياء الصالحين باعتبارهم وسطاء بين المؤمن وبين الله .
فالتدين الشعبي مؤسس على تجارب روحية شخصية و ذاتية , و الارتباط بالموروث الديني و الإيمان بالبركة و الخوارق , و إعطاء الأسبقية للولي أكثر من النصوص المرجعية سواء بالقران او السنة , فالمتدين البسيط يقدس الاولياء و يجعلهم في رتبة الثانية بعد النبي , يفسر بول باسكون سبب ارتباط التدين الشعبي بوساطة الأولياء كون ان المتدين الشعبي , لا يستطيع استيعاب مفاهيم الله و الملائكة و كل المفاهيم المرتبطة بالجانب العقدي المجردة , و الغير القابلة للإدراك الحسي لذا يقوم بتعويضها بمفاهيم ملموسة وواقعية مثل الأولياء الصالحين و الأضرحة باعتبارهم وسطاء بينه و بين الله .
وبقدر ما تكون الثِّقة عميقة بالأولياء الصَّالحين بقدر ما يكون الابتعاد عن العلماء ورجال المؤسَّسات الدِّينية الذين يتمسَّكون حرفيًا بالنُّصوص الشَّرعية. و سبق ان أشار المفكر الانجليزي ديفيد هيوم الى ان انتشار التدين الشعبي مرتبط بالصراع القائم بين التوحيد و تعدد الإلهة , و سبب ذلك انه كلما كان كان مفهوم الله مجردا , وان المتدين الشعبي يجد صعوبة لتجلي الله في في الواقع و في اليومي فان المجتمعات تنتقل الى التعدد و البحث عن وسطاء بينهم وبين الله , وهذا هو السر في العدد الكبير من الاولياء و الصالحين بالمغرب القروي . أي عندما يُصبح مفهوم “اللَّه” شديد التَّجريد فيحتاج المؤمن إلى وسيطٍ حِسِّيٍ يصل بينه وبين اللَّه.
فولاء المتدين الشعبي يكون للأشخاص على حساب النصوص , وهو أمر مقبول في ظل محدودية المعرفة لدى هؤلاء المتديين كما يؤمنون بالمس و الجن و البركات كمعطيات تدخل في اطار العقيدة .
ولهذا يُعد “التَّصوف” من أبرز الفضاءات التي تتجلَّى فيها ممارسات التَّديُّن الشَّعبي بشكل واضح حيث ينتشر التَّديُّن الشَّعبي؛ خاصَّة في الريف والبادية وبين الفقراء والمحرومين والضُّعفاء،
وبحسب الكثير من الابحاث فان فضاء التدين الشعبي مقسم الى قسمين بناء على معيار الجنس
فضاء مغلق : فكلُّ ما هو مُغلق ينتمي إلى فضاء المرأة. حيت ان انساء يخصص لهن مكان خاص بهن في المسجد , و ان غالبية زوار الاضرحة من النساء او زيارتهم مرتبطة بالتوسط لايجاد حلول لمشاكل اسرهم الاجتماعية مثل : الزواج – ايجاد عمل – ايجاد سكن – مشكل الفشل الدراسي – السحر و غيرها من المشاكل الخاصة كما يشكل فرصة للنساء للتلاقي و الحديث و الترويح عن النفس لانه هو المكان الوحيد الذي يسمح فيه للمراة بالتواجد و لمدة ساعات طويلة دون أي اعتراض من طرف الرجل .
فضاء مفتوح : هو فضاء مخصص للرجال و يكون هدا الفضاء كبيرا و ساشعا و مفتوحا و هو ما يعكس الهيمنة الذكورية واحتكاره للفضاء العام و تخصيص مناطق مراقبة للمراة .
اجمالا يمكن حصر ّأبعاد التدين الشعبي في خمس ابعاد :
أولا : البعد الوراثي للتدين وفهو يمارس من خلال عقل جمعي مؤسس على مجموع القيم و العادات الموروثة
ثانيا : تدين فردي من خلال البحث عن الخلاص الفردي .
ثالثا : تدين مؤسسي حيت يصبح الدين عبارة عن مؤسسة اجتماعية وروحية لضمان حماية
رابعا : تدين طقوسي و شعائري : يتمثَّل في جُملة الممارسات والطُّقوس الاجتماعية و الروحية التعبدية .
ثامنا : التدين الشعبي و بناء الهوية الجماعية .
أول ملاحظة تستوقفك و أنت تلج الى عالم القروي جماعة المربوح نموذجا هو التشابه الكبير إلى درجة التطابق في مظاهر اللباس و التواصل و حتى الجزئيات في تفاصيل الحياة ,, الجانب التعبدي جزء من الحياة العامة و هو بلاشك فعل اجتماعي خاضع لقهرية هذا النظام وفق مقولات اميل دوركايهم .
يبدو ان مفعول القهرية يبدو واضحا من خلال نمطية السلوك الديني و بساطته بالعالم القروي و هو مايعني ان القروييين لا يبدعون في تطوير دينهم و لا يجددون ممارساتهم الدينية و انا يرثونها و يحافظون عليها وبشكل صارم , رغم وجود بعض التمرد على النسق العام لاسيما من طرف فئة الشباب نتجة تاثيرات فعل العولمة .
بحسب دوركايم، البشر مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بهويتهم الجماعية و ان الفرد مجرد عنصر متلقي لهذه الهوية و ليس صانها و هو ما يكشف او يقود الى اعتبار ان الهوية الدينية هي هوية وراتية محافظة .
ان تكون هوية جماعية معناه انها هوية صلبة غير قابلة للاختراق او التاثير وهو ما يفسر صعوبة اختراقها من طرف أي تيارات دينية و او غير دينية ,
فالعالم القروي هو عالم محصن نتيجة ما اسماه اميل دوركيم بالتضامن الالي المؤسس على التشابه ,
فالاحتماء بالهوية الجماعية داخل العالم القروي هو نوع من السلوك الدفاعي لحماية الذات و قيمها و رصيدها و موروثها , لان مهمة الجماعة هو حماية الارث و المخزون الثقافي و الديني الموروث و الذي يشكل اطار وجوهر الهوية الجماعية .
دوركايم اعتبر ان الاحساس بوجود تهديد يمس الهوية الجماعية يقود الى حالة من القلق على المستوى الشخصي لافراد الهيئة المتدينة , و ينتج القلق لسببين :
اولا : انتقال الفرد من بيئة تقافة الى بيئة تقافية اخرى لها مرجعياتها و قيمها المختلفة عن مرجعيات هويته الاصلية
ثانيا : في حالى تغيير مفاجئ لقيم الجماعة الاصلية .
و في كلتي الحالتين يعيش الفرد حالة من القلق
و بالرجوع الى مجال البحث يتضح ان الهوية الجماعية بالعاالم القروي مازلت صلبة و متماسكة رفم وجود بعض عناصر التوثر و التمرد الناتجة في صفوقف الشباب نتيجة العوامل الاتية "
ارتفاع منسوب التعليم .
انحسار دور المسجد في بناء القناعات الدينية .
تطور وسائل التواصل .
الوضع الاجتماعي العب و الحالة الاقتصادية .
عامل الهجرة الخارجية و تاثيراته على تغيير العقليات .
هذه العوامل ساهمت في بروز حالة من التشقق الغير المصرح به , حيت يضطر الشباب الى اخفاء قناعاتهم الدينية الجديدة تجنبا لأي صدام مع الجماعة الحامية لأسس الهوية الجماعية . لكن هذا الصمت قد لا طول و هو ما يجعل العالم القروي والذي كان الحضن للهويات الجماعية مهددا بالتشتت و الانهيار بفعل عولمة الفضاءات و سيرعة التفاعل .
و يمكن اعتبار ان الهوية الجماعية بالعلم القروي و المؤسس على الموروث الديني و التقافي و الاجتماعي يشكل اطارا لتحويل الدين كإرث الى ممارسة جماعية مؤسسة على الاحساس العاطفي اكثر من التفكير العقلاني , فالمتدين القروي تجده مشدودا الى القيم الدينية و متعصب لها و يظهر هذا في مجموعة من السلوكات و التي تتهادن مع كل خروج عن النسق القيمي و العقدي مثلا استحالة التسامح مع مفطر رمضان .
فالهوية الجماعية بالعالم القروي مؤسسة على اساس الوحدة الدينية حيت لامجال للاجتهاد و التاويل , حيت تصبح الممارسة الدينية ممارسة سطحية للمعتقد الديني دون زيادة او نقصان وهو ما يجعل منها ممارسة اجتماعية . و يسجل ضعف الرصيد المعرفي لهذه الفئة و تتمظهر هذخه الهوية في الطقوس التعبدية و في مظاهر اللباس و العادات الاجتماعية والقيم و نوعية الخطب و العلاقات الاجتماعية .
بذلك تصبح الهوية الدنية البسيطة مؤسسة على الارث الاجتماعي و ترتبط بفكرة امتلااك وعي جمعية بوحدة الانتماء ووحدة المصير ووحدة المعتقد .
المراجع :
1/ رشيد جرموني، »مقترب منهجي لدراسة الظاهرة الدينيَّة: حالة الشباب المغربي نموذجا مجلة إضافات، العدد 35 السنة 2016 .
2/ عبد الباسط عبد المعطي، الوعي الديني والحياة اليوميَّة: دراسة ميدانيَّة على عيِّنة من شرائح طبقيَّة في قرى مصر. )بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، 2000.
3 نور الدين الزاهي، المقدّس اإلسالمي )الدار البيضاء، دار توبقال للنشر 2005 ،)ص 5
4 عبد الرحيم العطري، بركة الأولياء، بحث في المقدّس الضرائحي. الدار البيضاء: منشورات المدارس، 2014 ص 14
5 - bruno Etienne et Mohammed Tozy: «Le Glissement Des Obligations Islamiques vers Le Phénomène Associatif à Casa Blanca»: Annuaire de L’Afrique du Nord, Paris (CNRS), 1973, Vol 18, pp(235-257
5 - Dan ferrand-Berchmann 2000 le métier de benevole ed Economica collection anthropos p13
#الفرفار_العياشي (هاشتاغ)
Elfarfar_Elayachi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟