|
تأخرت وتجاهلت جرح الاقتصاد النازف الخطة الخمسية العاشرة والفساد ضد الكسر
أيهم أسد
الحوار المتمدن-العدد: 1540 - 2006 / 5 / 4 - 10:10
المحور:
الادارة و الاقتصاد
إن الخطة الخمسية العاشرة هي وثيقة اقتصادية مؤلفة من 1000 صفحة، واستخدم في انجازها نموذج رياضي بسيط جداً مؤلف من 800 معادلة، وعمل فيها على مدار سنتين حوالي 2000 شخص من كل أنحاء سورية، ويتابع نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبدلله الدردري واصفاً الخطة بأنها خطة تأشيرية، اعتمدت النهج التشاركي، وليست خطة للقطاع العام فقط، وتضمنت خارطة للفقر، وهي ديناميكية قابلة للتعديل، و....العديد من المواصفات الفنية الأخرى التي تجعل هذه الخطة متميزة جداً عن سابقاتها من وجهة نظر الدردري. ورغم آلاف الأرقام التي احتوتها صفحات الخطة، ورغم منطقية حساباتها من الناحية الرياضية، ورغم طموحاتها العالية جداً، إلا أنها ما زالت تنوس بين مؤيد معارض ومشكك بنتائجها وخاصة في ظل تأخر موعد إعلانها الرسمي. ونحن في هذه الصفحات لن تحدث عن الخطة بشكل عام وشامل وعن كل محتوياتها، وإنما سنناقش الركيزة الأساسية التي تستند إليها الخطة في طرحها، وهي معدل النمو الاقتصادي الذي تراهن على تحقيقه وفق معطياتها.
نحتاج النوع وليس الكم وأنت تسمع ما يتلوه عليك الدردري من فصول الخطة تقول أن سورية تولد من جديد بعد سنوات خمس فقط، بالأرقام والكميات يكون هذا الكلام صحيحاً تماماً، فالمعادلات والنماذج الرياضية قادرة على تحويل الموزامبيق إلى فرنسا بعد خمس أو عشر سنوات، أما من حيث النوع والكيفية قد تعجز الخطة عن تحريك سورية من مكانها سنتيمترا واحداً، والسبب بسيط جداً ونوعي جداً، وهو أن العلاقات الاجتماعية والطبقية في سوريا قد تشوهت تماما خلال العقود الماضية، ووصل الهيكل الاجتماعي إلى درجة عالية من التفكك بفعل الضغط الاقتصادي والسياسي المزمن عليه، ووصل الانقسام الطبقي إلى مراحل متقدمة جداً، فهل تستطيع الخطة خلال خمس أو عشر سنوات إعادة صياغة علاقات اجتماعية أو طبقية جديدة؟ نظرياً قد تستطيع سورية بطريقة أو بأخرى ضخ 1800 مليار ليرة سوريا على مدى السنوات الخمسة القادمة في اقتصادها من أجل الوصول إلى معدل نمو اقتصادي قدره 7% في نهاية الخطة الخمسية العاشرة كما ترغب هي بذلك، ولكن عملياً يكمن السؤال في أي القطاعات الاقتصادية سوف يتم ضخ هذه الكمية الهائلة من الاستثمارات؟ وبالتالي من هي الطبقات الاجتماعية الأكثر استفادة منها؟ أو بطريقة أخرى هل ستساهم تلك الاستثمارات في ترميم جزء من التناقضات والتشوهات الاجتماعية والاقتصادية المكرسة تاريخياً في سورية أم أنها سوف تعمقها أكثر؟ وهل ستسمح بتقليل تلك الفوارق الطبقية؟ وإذا كانت موارد الدولة الحالية تسمح لنا بتأمين نصف هذه الكمية من الاستثمارات وأن الدولة تعرف أين ستضخها، فإن الرهان يقع على النصف الآخر منها وإلى أين سيذهب؟ وهنا نقول أن الاقتصاد قد يصل فعلا إلى معدل نمو قدره 7% في نهاية الخطة، لكن ربما يصل إليه عن طريق الاستثمارات الخدمية في الفنادق والاتصالات والمصارف وشركات النقل السياحي، حيث لا تساهم هذه الاستثمارات في تغيير وجه الاقتصاد نحو الأفضل، بل تساهم في وضع لمسة مكياج حضاري عليه، وبالتالي يخشى أن لا تكون مسببات ذلك النمو استثمارات نوعية جديدة يحتاجها الاقتصاد حقاً، كالاستثمارات في المجالات الصناعية المتطورة، أو الاستثمارات في إنتاج التقانة والمعلومات، أو أي استثمارات أخرى قادرة على إعطاء سوريا بعداً جديداً ونوعاً جديداً.
أين المشكلة إذا ليست المشكلة في رقم النمو بقدر ما هي في بنيته، فنحن على الدوام كنا نقول أن بنية الاستثمار هي التي تحدد نتائج توزيع فوائده وعوائده على المجتمع والاقتصاد، فمعدل نمو 5% يعتمد إحداثه على الصناعة مثلا" قد يكون أفضل من معدل نمو 8% يعتمد إحداثه على الخدمات والنشاطات الطفيلية الأخرى، والسبب في ذلك بسيط هو أن فوائد النمو في الحالة الأولى قد تستفيد منها شرائح اجتماعية وقطاعات اقتصادية أكثر بكثير من الحالة الثانية، وبالتالي فإن ما نبحث عنه تماما ليس الأثر المالي المباشر لمعدل النمو الاقتصادي بل الأثر الاجتماعي والسياسي له بحيث تتساقط ثمار النمو بطريقة عادلة على المجتمع. هذا مع عدم نسياننا أبداً أن ذلك النمو مشروط اقتصاديا بعدة شروط مباشرة منها حسم التوجه الاقتصادي للدولة، تعديل مناخ الاستثمارات، تطوير النظام الضريبي، تطوير السياسات النقدية، تحقيق مفهوم الشفافية الاقتصادية في الصفقات والتعاملات والعقود، تحديث التشريعات القائمة حاليا، صياغة تشريعات جديدة يفتقد إليها الاقتصاد، تطوير نظام البحث العلمي والتعليم، والعديد من الإجراءات التكتيكية والاستراتيجية التي تسمح بتحقيق معدل النمو ذلك فعلياً لا ورقياً.
لا تتجاهلوا الشرط السياسي يتعمد الوصول إلى معدل النمو الذي تراهن عليه الخطة الخمسية العاشرة على توافر شرط سياسي أساسي في الاقتصاد يتمثل ببساطة باجتثاث الفساد من جذوره، وتجفيف منابعه نهائياً، وكنسه من كل المستويات، الأمر الذي يحتاج إلى قرار سياسي حاسم وصريح وواضح جداً، بنفس النسبة التي يحتاج فيها إلى مقياس موحد لمحاسبة الفاسدين، وعدم تمرير أي واحد منهم خارج دائرة المحاسبة، فالفساد الذي أصبح في سوريا جزءاً من البينة التحتية،وثقافة سائدة، وعملة اجتماعية مقبول ومتداولة علناً، بدءا من مستخدم في وزارة انتهاء بأعلى المستويات السياسية والاقتصادية، قد يقف عائقاً في وجه مدخلات النمو الاقتصادي ويلتهم مخرجاته كاملة، وباستمرار سيطرة نموذج اقتصاد الفساد السائد حالياً في سوريا فإن النمو الاقتصادي المطلوب يكون أمراً مشكوكاً به، حيث لن تسمح شبكات الفساد وملحقاتها الطرفية للاستثمارات القادمة بالعمل في الاقتصاد إلا ضمن شروطها وظروفها الخاصة وبالربط معها حصرياً، وخاصة إذا كانت تلك الاستثمارات منافسة لها، أو أنها من الإغراء إلى درجة تعجز فيه شبكات الفساد المحلية عن إقامتها لكنها تطمح إليها، وبالتالي ستسعى شبكات الفساد إما لدمج تلك الاستثمارات ضمنها وتلويثها وخلط أوراقها معها، أو أنها ستمنعها من العمل بحرية بوضع العراقيل أمامها باستمرار، وهنا مأزق الدولة السورية المركب، فأغلب رموز نظام الفساد مندمجين بشدة في النظام السياسي والاقتصادي للدولة، ويسيطرون على مفاصل حيوية منه، ولهم عشرات الأنظمة الفرعية المرتبطة معهم، والنتيجة أن الدولة الراغبة في تجديد شبابها اقتصاديا تصطدم بشيوخ فسادها، وهؤلاء بنفس الوقت لا يتنازلون عن ملكوتهم وإنما يرغبون بتوسيعه أكثر، ومما يفاقم من هذا الوضع غياب معايير محاسبة صارمة، وتفتت منظمات المجتمع المدني، وضعف سيطرة القانون، واستمرار نظام علاقات النفوذ الشخصية لحل المشاكل أو لبنائها وتوجيهها، والتي تحتاج كلها في نهاية المطاف إلى قرار سياسي للبت بها. فمن أجل الوصول إلى معد النمو الاقتصادي الذي تروجه الخطة الخمسية العاشرة لا بد من إحداث اختراق صلب في منظومة الفساد وتفكيكها نهائيا كي لا يُحدث النمو الاقتصادي نموا موازياً في الفساد، وكل ما عدا ذلك يبقى مجرد طموحات جميلة وأحلام وردية. لا نعتقد أن أحداً ما يقف ضد تحقيق نمو اقتصادي، أو يقف ضد التطور مهما كان شكله، لكننا بنفس الوقت نعتقد أن لا أحد مع بيع وتسويق الكلام والوعودً، ولا أحد مع رمي الأرقام دون تعليلها اجتماعياً وسياسياً، ودون المرور على شرح آلية التعامل مع خاصرة سوريا اللينة، أي مع الفساد، فردم الهوة بين السياسي والاجتماعي والاقتصادي يتوقف إلى حد كبير على قمع الفساد، وهذا بالتحديد ما تجاهلته الخطة الخمسية العاشرة.
#أيهم_أسد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإصلاح الاقتصادي... أو 340 ألف جامعي على قارعة الطريق
-
التنمية بالتهميش الاجتماعي/ سوريا
المزيد.....
-
السعودية: إنتاج المملكة من المياه يعادل إنتاج العالم من البت
...
-
وول ستريت جورنال: قوة الدولار تزيد الضغوط على الصين واقتصادا
...
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|