|
كلمة في وداع الدكتور – الطيب التيزيني -
الشيخ إياد الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6236 - 2019 / 5 / 21 - 01:57
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في يوم الجمعة 17 من شهر آيار ودعنا الأخ والصديق العزيز الدكتور - الطيب التيزيني - في رحلة العروج نحو العالم الأبدي ، وإليه ندعوا الله مخلصين أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جنته . هذا الصديق العزيز تربطني به علاقة ممتدة عبر الزمن جسدتها حوارات ولقاءات متنوعة جمعت بيني وبينه عن أشياء وأشياء ، وشاء السميع العليم أن تثمر هذه اللقاءات عن مواقف شبه موحدة أو قل متقف عليها في قضايا تخص العرب والمسلمين فكرية كانت وسياسية وإجتماعية وإقتصادية وغير ذلك ، نعم كان بيننا إتفاقا كبيرا وإختلافا يسيرا وهذه من طبيعة الأشياء ، وكنا معاً شديدي الحرص على الوحدة في شكلها المحمدي ذلك النموذج الخالد ، الذي وهب لنا الإرادة والفكر والشجاعة والثقة وحُسن الإنتماء ، وكانت لنا معاً وسوياً أراء ومواقف عبرت عن روح الحرية التي يشتاق إليها العربي والمسلم ، ولهذا كانت بعض مواقفنا يحسبها البعيد غريبة في وقتها أو هي كذلك لأنها لا تنسجم مع المألوف من لغة الناس في الزمان والمكان ، ولم نكن نعني والله يدري فئة من الناس بعينهم أو فكرا في الحاضر أو الماضي معين ، بل كنا ننشد العدل والحرية والسلام ، ولهذا كان لنا موقفا من بعض رجال دين ممن أشتروا الضلالة بالهدى . هؤلاء التعساء عبر التاريخ كانوا ملعونين أينما ثقفوا ولهذا كانوا هم الريح الصفراء أو الأفيون الذي يحطم العقول والأبدان ، وبما إن الأمر فيه أخذ ورد وقيل وقال ، فأخذ عليه البعض مآخذ من غير تفحص أو بحث وتحقيق فيما يرغب و يريد الطيب ، والحق أقول لكم لم أجد في الطيب ذلك الماركسي أو البلشفي ، وهو يدافع عن الماركسية بل كان مأخوذا بما تريده الماركسية من عدل إجتماعي وتكافل ، بحيث لا يطغى أحد على أحد ولا تكون هناك سطوة للأغنياء على الفقراء والمعدمين ، كان يشجع الماركسية في ثوبها الإجتماعي الصافي من غير فلسفات أو إضافات من هنا وهناك ، كان همه كما عرفته سعادة الناس وعيشهم الكريم وأمنهم الدائم ، ولهذا أبتعد عن السجالات في المألات التي أنتهت إليها الثورة البلشفية ، ولم يعر كثير إهتماما للسجالات الرومانطقية عن الإستالينية وعن دورها والحقب التي أتبعتها ، كان يعجبني فيه الميل نحو الواقعية السياسية والإقتصادية وإيمانه بالوطنية في ثوبها العربي من غير تكلف أو إنتماءات حزبية ، ولذلك لم يذهب في ذلك مذاهب شتى كما هو حال المعاصرين والسابقين له ، بل كان شديد الحرص و الإقتراب من هموم الناس البسطاء ومعاناتهم ، ولهذا كنت أُكبر فيه هذه الهمة وهذا التوجه . وأذكر ذات مرة زارني في بيتي المتواضع هناك في الشام القديمة ، وقد جرت العادة ان يكون بيننا مادة للبحث نسترسل فيها وكان الكلام عن الثورة العربية وعن الدولة العربية ، ولم يذهب كغيره للتفريق حسب دلالات اللفظ والمعنى ، ولكنه تبنى الثورة في ظل سيادة الدكتاتورية وشياع الظلم وإنعدام الحريات والعدالة ، لكنه في ذلك لم يكن متطرفاً إنما يُملي فكرة يجدها أكثر صوابية في ذلك الوقت ، وعن موقفه من الدولة والحكم كان شديد الحرص أن لا يحسب على فئة ما ولا يود أن يكون في عداد المهرجين وجوقة الأجناد مع رفضه المستميت للركون أو الإستسلام . ولأنه كان واقعيا لذلك كان ينظر للمصلحة قبل الخوض في الكلام عن اللازم والملزوم ، وكان تفسيره للوحدة العربية لا بنمظور تاريخي حتمي ولا من باب اللازم أو الحالم ، إنما كانت رؤيته في ذلك تتعلق بطبيعة العمل والمصالح وتبادل الخبرات ، وتلك كتاباته تتحدث عن ذلك بشيء من التفصيل ، ولم تمنع الطيب كثرة الطعنات والنكبات والخيبات التي اصابت الجسد والعقل العربي ، من أن يكون ظهيراً للحق العربي ولإنصاف العرب في قضيتهم المركزية - قضية فلسطين - ، عبر عن هذا بجلاء صوته في المحافل والدوائر التي شاء الله والقدر أن يكون متواجدا فيها ، ولقد اعجبني فيه روح التسامح في ظل الإختلاف حتى في هذه أعني قضية فلسطين ، فقد كان ميالا للأخذ بوجهة نظر القيادة الفلسطينية حين أتجهت للسلام مع مؤتمر مدريد وما تلاه في أوسلو ، معلناً إيمانه الراسخ بأن للحق وجه واحد وعلى الجميع البحث عنه ، من غير تزييف للتاريخ أو القفز على المسلمات العقلائية أو التضييع المتعمد للوقت وإستهلاك الزمن ، وفي هذا كان الطيب أكثر واقعية من كثير ممن رفعوا الشعارات وتنادوا بالعنتريات في الفضاءات المغلقة ، وقد عبر عن موقفه هذا من إتفاقية أوسلو التي أعتبرها جزءا من مشروع الحل العام لكنه ليس الحل النهائي ولكنه خطوة في الطريق ، يتيح للعالم التعرف و الإعتراف بالحق الفلسطيني في أن يعيش ضمن كيان ذاتي مستقل ، تحت المظلة الدولية مما يجعل له إنصار ومريدين في العالم أجمع ، ويكون صوته الأقرب إلى صوت المجتمعات المنادية بالسلام والنابذة للحرب ، ولم يتخذ طريق المطبلين وأهل الشعارات بل أتخذ موقفاً وسطا يحقق لأهل الحق ما يصبون إليه في الممكن . وهذه هي السياسة التي أعتمدها النبي محمد مع قريش في صلح الحديبية ، وهي نفسها التي مارسها الإمام علي من بعده وكذا الإمام الحسن والحسين مع معاوية ، وهي الطريقة الأكثر قابلية للحياة في ظل التدافع والتناحر ، ولم يعد ممكناً القبول بفكرة شطب المجتمعات أوالشعوب أو محاولة الرمي بهم في عباب البحر ، فتلك سياسة عنصرية أثبتت فشلها وعقمها ، سياسة طبل لها وسار على وفقها أنصاف متعلمين وجهلة وبعض من العسكريين من ذوي الرتب المتدنية . السلام في حد ذاته هدف وقيمة هي أعظم وأكبر من كل القيم في ظل بناء المجتمعات والدول ، فبالسلام يتحقق الأمن وتتحقق العدالة ، وإن كان هناك مجالاً للديمقراطية فلا تتفيء ظلالها إلاَّ بالسلام ، ولعل الله سبحانه هو من دعا إلى السلام ودار السلام ، ليس من موقع الضعف والهوان كما قد يتوهم متوهم ، بل من موقع القدرة والإقتدار ، وهو سبحانه من نهى عن الإلقاء في التهلكة حين تفتقد المواجهة شرط النجاح والنصر ، فحفظ النفوس والأموال والممتلكات من الهدر أعظم درجة عند الله ، من المناكفة والتبجح بالشعارات والكلام الكبير الذي ليس له أو فيه منفعة وفائدة ، ومعلوم بالضرورة إن الشيطان ميال لخلق الفتنة وتأزيم الأوضاع لأنه لا يعيش إلاَّ على أحزان الناس ونكباتهم ، والعاقل من يُضيع على الشيطان الفرص ويسد أمامه الأبواب كي لا ينفذ ويكون له عليكم سلطان . وفي هذا المقام وفي هذه المناسبة أجد من واجبي الفكري والأخلاقي والشرعي ، دعوة القيادة الإيرانية متمثلة بالأخ السيد علي الخامنئي دام إحترامه ، إلى تفويت الفرصة على من يريد بالشعب الإيراني الهلاك والمظلمة ، فشعب إيران هذا الشعب العظيم لا يستحق أن يعيش التشتت والألم والضيم ، والأمر كله يحتاج لمعالجة في الدفاتر العتيقة ، والإيمان بأن الحق له طرق ووسائل يمكن من خلالها الحصول عليه ، و يشهد الله إني في ذلك ناصح أمين وأقول لكم : - أن أجتنبوا المكابرة أوالمزاودة على الغير - ، فرب دعوة صالحة تدعون إليها ليس لها أذن وأعية تؤمن بها وترغب في تحقيقها ، والأمر كله مرهون بشعب فلسطين هو صاحب القرار وهو صاحب الإرادة ، ونظرة في السجلات والرقم وفي المعاهدات والمواثيق الدولية ما يغنينا عن كثير من الكلام ، ولندع اللاهثين والناعقين والنافثين جانباً متوخين الدقة والحذر وعدم تضييع الوقت . وكلنا شهود على الطامة الكبرى التي أصابت بلاد العرب في ربيعهم الأسود الذي دمر القيم والأخلاق والمعتقدات وضيع الحق ، ولم يتعد صوت العربي مهما كبر حيطان بيته ومخدع نومه ، فأستسلم الجميع ولم يبق في المخيم غير أمنيات وتلاشت أجيال وأندثرت ممن كانت تعرف الحدود والجغرافيا والتاريخ ، ولم يعد هاجس الجميع غير العيش بسلام مع توفير لقمة العيش مع شيء من الحياة الكريمة ، بعدما تشتت الخلق في أرجاء الدنيا الواسعة ، فضاع التلاق والحرص والأمانة والإيمان . إن على إيران القيادة والشعب الإبتعاد عن اللعب في الأوراق المحترقة ، فليس فيها سوى الرماد الذي تذره الرياح في كل مكان ، ولا تظنون من ناصر أومعين فقد تكشفت كل العورات ، وإني مؤمن بالحكمة الغالبة في طبائع الشعب الإيراني والتي ستهديه للحل عبر التفاوض ، وترك ما لقيصر لقيصر ولنا ولهم عبرة بالنبي وأهل بيته ، و الحق أحق أن يتبع .. رحم الله الصديق والرفيق الدكتور الطيب التيزيني ، رحم الله تلك العيون وتلك الروح الطيبة ، ودعاء من القلب ان يتقبله ربه بقبول حسن ، ويسكنه واسع رحمته .. آية الله الشيخ إياد الركابي 19 – 05 - 2019
#الشيخ_إياد_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأينا في العدل ( الجزء الثاني )
-
رأينا في العدل ( الجزء الأول )
-
بيان بمناسبة يوم الجمعة الدامي
-
الوصية .. والميراث
-
الإمامة ثانياً
-
الإمامة أولاً
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 3 -
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات ) 2
-
موقف الكتاب المجيد من قضية : ( تعدد الزوجات )
-
إلى الشيخ على جمعة مع التحية والسلام
-
النبوة (3)
-
النبوة الحلقة الثانية
-
المفهوم الإفتراضي لمعنى قوله تعالى : [ فلا أقسمُ بالخنس ، ال
...
-
تداعيات النص 40 من سورة التوبة
-
المعجزة والتاريخ
-
السُنة التاريخية و السُنة الطبيعية
-
هل التاريخ يُعيد نفسه ؟
-
ما الفرق بين بكة ومكة
-
قول : ( في نسبية مفهومي الجنة والنار )
-
خرافة عالم البرزخ
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|