سِفْر التكوين/ لماذا سقوط النظام الإيران يُعد ضرورة حتمية، وأيُ شرق اوسط بعد ايران؟

طلال الحريري
سياسي عراقي
(Tallal Alhariri)

الحوار المتمدن-العدد: 6234 - 2019 / 5 / 19 - 22:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

#سِفْر_التّكوين
( لماذا إسقاط النظام الإيراني يُعَد ضرورة حتمية؟ وأي شرق أوسط بعد إيران؟)
الأبعاد الجيوسياسية والجيوستراتيجية ورؤية مابعد الصراع والحرب.

الخوض في تفاصيل سقوط النظام الإيراني وما سيعقب سقوطه يتطلب الإجابة عن مسألة في غاية الأهمية ستجعل المتلقي والمهتم بالشأن الإيراني يبتعد عن نظرية المؤامرة بعد ان يدرك مخرجات هذه المسألة الحيوية ومعطياتها . وهذه المسألة بديهية للوهلة الأولى لكن تفكيك رموزها ليس بالأمر السهل كما يعتقد الكثير من المختصين والمهتمين بذلك.
ما مدى جدية اسقاط النظام الإيراني،وهل مسألة سقوطه حتمية،وأي شرق اوسط بعد إيران؟ هذه هي المسألة المركبة والحيوية والحاسمة في تحديد اتجاهات اللعبة،وتحديد فواعلها، وماهيتُها، واهدافها، من خلال تفكيك شفرتها وتوضيح مخرجاتها لان ملامح الشرق الأوسط الجديد ورؤية القيادة الإمريكية احدى اهم مخرجاتها الجيوستراتيجية والجيوسياسية.

في العلاقات الدولية قاعدة مهمة جدا في تحليل اي لعبة او ازمة خاصةً في مسألة الصراع والحرب وعلاقتهما في صنع القرار والرؤية السياسية لتحريك الفاعل وتحقيق الانتصار.
في قواعد اللعبة هذه وضبابية الصراع وزخم المواقف السياسية وتذبذبها هناك حقيقة واضحة جدا في طبيعة هذا الصراع وهي ان واشنطن ترى بأن هذه اللعبة صفرية لا مجال فيها ولا حيز لأي خيارات او تنازلات اخرى(اي ان واشنطن هدفها هو اسقاط النظام الايراني مهما كلفها ذلك)والقول بأن اميركا ترغب بإنهاء الصراع وعدم السماح بتطوره الى صراع مفتوح هذا يعني ان الصراع ينبغي ان ينتهي، وفي العلاقات الدولية لن ينتهي اي صراع الا بزوال احد الطرفين. بينما النظام الايراني لا يستطيع ان يلعب صفريا مع اميركا. بل وحتى لا يرتقي الى مستوى لعبة صفرية محدودة تخص مصالح اميركا في الخليج،وليس له القدرة على المواجهة والمناورة في هذا الصراع المتصاعد مع دولة ومحور يحكم العالم، ويتحكم بالاقتصاد العالمي، وأكبر فاعل مؤثر في السياسة الدولية.

لهذا السبب بدأ انهيار النظام الإيراني مبكرا اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا بمجرد فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ومحاصرته والبدأ بإحتواءه.

وهنا ينبغي على الرأي العالم العربي والكوردي إدراك حقيقة اخرى في غاية الأهمية وهي ان ايران ليست دولة عظمى وليست دولة قوية كما يروج لذلك إعلامها، وإيران دولة ليست نووية كما يعتقد جزء كبير من شعوب المنطقة.
والدليل على ذلك نستطيع تلخيصة في عدة نقاط :-
1- الظام السياسي الأيراني ثيوقراطي متخلف ينتمي للقرون الوسطى وهكذا أنظمة غير عقلانية ولا تؤمن بالتنظيم المؤسساتي وصنع القرار.
2- القوة العسكرية الايرانية ليست نظامية وانما عبارة عن مليشيات إرهابية وتنظيمات متناقضة في المهام والمسؤوليات.
3- 90% من الاسلحة الايرانية تجمع ما بين الخردة الروسية الصًّدِئة والصناعات المحلية البدائية .
4- عدم إمتلاك النظام (شرعية ومشروعية)في الداخل، والأغلبية من الشعب الايراني لم تعد تتقبلهُ وتُندد بهِ وتُعارضهُ، وهذه اكبر نقطة ضعف أصابة النظام في ظل تصاعد الصراع وأقتراب المواجهة.
5- إيران ليست دولة نووية رغم محاولاتها المستمرة. من يُصدق بأن إيران لم تصل الى مستوى العجينة الصفراء التي تمثل مادة أولية في صناعة القنبلة النووية البدائية ؟ نعم لم تستطيع انتاجها وليست قادرة على تخصيب اليورانيوم بمستوى الجيل الثاني والثالث في تكنولوجيا التخصيب . بل أن مفاعلاتها الموجودة في الوقت الحالي معظمها بناها الامريكان في عهد الشاة وهي مفاعلات للطاقة السليمة وبدائية ميكانيكياً وتكنولوجياً .
6-ايران ليست الاتحاد السوڤييتي وليست الصين او كوريا الشمالية. فهي لا تتعدى كونها احدى دول العالم الثالث المتخلف، يحكمها نظام استبدادي يحاول تهديد الامن والسلم الدوليين. وهذا النظام لايختلف عن الانظمة الاستبدادية العربية التي سقطت واصبحت من الماضي رغم خطورتها في حينها. بل ان النظام الإيراني لم يصل الى مستوى قوة نظام صدام الذي لم يستمر في حربهِ الاخيرة سوى اسابيع.
هُنا سؤال مهم يُسأل:
اذا كان النظام الإيراني بهذا المستوى من القوة المحدودة والهشاشة لماذا ينبغي ان يسقُط؟ وماهو الخطر الذي يترتب على بقاءهِ؟
*تكمن خطورة استمرار النظام الإيراني في عدة مواضع مهمة اهمها:
1.محاولاتهِ المستمرة في الحصول على القنبلة النووية والوصول الى انتاجها محلياً بالاستفادة من بعض الخبرات الأسيوية من اجل السيطرة على المنطقة وتهديد العالم. وان هكذا نظام غير عقلاني (راديكالي متمرد) اذا امتلك سلاح نووي ستترتب عليه عواقب وكوارث تهدد وجود قارة بأكملها.
2.ايران هي الراعي الاول للإرهاب في العالم، وجميع التنظيمات المتطرفة تُدعم وتمول من قبل ايران.
3.النظام الإيراني بطبيعته التوسعية يمزج مابين الطورانية الفارسية والاسلام الراديكالي الطائفي ويوظف ذلك سياسياً. وهو بهذه السياسات العدوانية اصبح اكبر خطر يهدد وجود دول المنطقة ومصالحها وامنها الداخلي.

4- تهديد المصالح الامريكية و اشاعة ثقافة الكراهية والتطرف والارهاب ضد اسرائيل وبقية الشعوب.
5- السيطرة على اربعة عواصم عربية وتحويل أربعة دول الى قواعد إيرانية لنشر الأرهاب وتهديد امن وسلامة الدول الأخرى.
7- تأسيس ودعم المليشيات الأرهابية الطائفية وجعلها نسخة أخرى من الحرس الثوري الأرهابي.
8- النظام الإيراني يُشكل عامل عدم إستقرار لسلامة وآمن المنطقة ويقف عائق امام رؤى وبرامج التنمية والسلام الذي تتطُلع لهُ دول المنطقة.
وبالمحصلة فأن جميع ماذُكر لا يُمثل إلا جزء من الرؤيةِ الحتميةِ لإسقاط النظام الإيراني .ولكي نَعود إلى تفكيك بقية رموز هذه ِ المسألةالحيوية من خلال المخرجات فأن من الأفضل تقسيمها الى قسمين :-
الأول المخرجات الجيوستراتيجية وتشمل :-
1- حسم رؤية السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط وتطبيق ما أكد عليى بريجينسكي في نظرية اتمام السيادة على اهم اقليم في العالم.
2- تحويل الشرق الأوسط الى منطقة نفوذ امريكي تضمن لواشنطن الاستمرارية في القيادة وردع القوى الجديدة.
3- جعل الشرق الأوسط إقليم جيوستراتيجي لصد وإحتواءالتوسع الصيني والطموحات الروسية، ورسم خارطة خلاقة لأحتواء هاتين القوتين.
4- من يسيطر على الشرق الاوسط بالكامل يسيطر على العالم بالكامل وهذه نقطه مهمة جدا.
5- تنظيم الطاقة ( النفط والغاز) والتحكم في السوق العالمي للطاقة بشكل مطلق.
6- تنظيم سياسة المشاركة بالأكلاف والعودة الا القطبية الاحادية الصلبة في تنظيم المنطقة.

الثاني-المخرجات الجيوسياسية:-
1- المباشرة بتطبيق خارطة الشرق الأوسط الجديد.
2- ولادة دول جديدة ومنها دولة كوردستان.
3- إتجاه دول المنطقة نحو الفيدرالية واللامركزية.
4- تطبيع عربي شامل مع دولة إسرائيل .
5-تحرير أربعة دول عربية وتغير آنظمتها الادارية والسياسية ودمجها برؤية التحول.
6- اعادة العراق كلاعب إقليمي برؤية جديدة ومختلفة تماماً عن العهود السابقة.
7- الإستفادة من أكلاف الحرب التي سيدفعها الحلفاء لأمريكا وأعادة انتشار وتنظيم التموضع للقوات الأمريكية في المنطقة.
8- انهاء وجود الاسلام السياسي والتخلص من دور الاخوان المسلمين في المنطقة وتحجيم الطموحات التركية.

وهنا رُبما يُسأل سؤال عن الأليىة التي ستتبعها واشنطن في إسقاط النظام الإيراني اذا ما شُنت الحرب ؟ وما طبيعة هذهِ الحرب من حيث الشمولية؟
إن القاعدة التي تمثل نظرية راسخة في العلاقات الدولية والتي مفادها ( من يسيطر على الجو قادر على السيطرة على الأرض وحسم المعركة لصالحه) تمثل المدخل الحيوي للإجابة عن هذا السؤال .

وفي القرن الواحد والعشرين وبهذا الوقت تحديداً اصبحت اميركا تسيطر على الجو والفضاء ووصلت الى اسمى تطورات التكنولوجيا العسكرية، بل اجتازت عصر حروب الجيل الثالث والحرب الميكانيكية ووصلت الى حرب الجيل الرابع والخامس التكنومعلوماتية وأدرارة المعارك عن بعد والتحكم في حسمها بالمطلق .

أن حتمية اسقاط النظام الايراني وحتمية انتهاء الصراع الى حرب لا يعني وفقاً للمعطيات التي ذكرناها بأن واشنطن ستشن حرباً برية لإسقاط النظام وان كان ذلك وارداً بنسبة كبيرة.
لذلك سنوضح الألية التي سيتم من خلالها اسقاطه والتي بدأت واشنطن بتطبيقها:-
1- رفع درجة الحصار والعقوبات الى الحد الإقصى تدريجيا وبسرعة مُقدرة بحسابات زمنية.
2- دعم المعارضة الإيرانية في الخارج والداخل وتحريك الشعب الإيراني بأتجاه الثورة على النظام.
3- تقطيع أذرع النظام في المنطقة سياسيا وعسكريا وخاصة في سوريا والعراق ولبنان .
4- دعم الإقليات والشعوب المضطهدة في ايران كالأكراد والعرب.
5_ زيادة مستوى الحرب النفسية والاستخباراتية وتوظيف الإعلام الاقليمي والدولي كأهم الأدوات الحاسمة لهذه الحرب.
6- توجيه ضربات إستباقية وخاطفة في العمق الأستراتيجي الأيراني وتدمير النظام عسكرياً وسياسياً عبر أستهداف منشأته الحيوية والتي سينتج عنها إنهيار النظام.

وقبل ختام سيناريو سقوط النظام الإيراني لابد من الأشارة الى الدور الإسرائيلي في هذهِ الحرب كونه الدور الأهم بعد اميركا حيث سيكون دوراً واسعا ومهماً وحاسماً. وسيكون لسلاح الجو الأسرائيلي من خلال أستراتيجية الضربة والاستباقية التي تتفوق بها أسرائيل منذ تأسيسها الذراع الأقوى في تدمير مراكز عمليات النظام ومنشأته الأستراتيجية في عمق الاراضي الأيرانيىة وخارجها. كما سيكون للسعودية دور كبير في هذه الحرب الحاسمة يتعدى دور التمويل والتحشيد نحو استخدام القوة العسكرية والمشاركة في الضربات الجوية.

ان السؤال الجوهري المكمل الذي يعقب سقوط النظام الإيراني ونهاية الإسلام السياسي في اطار دول ومنظمات يتمثل بماهية البديل الحيوي الذي سيحل محل عصر الإرهاب؟
من خلال الرؤية التي ذكرناها في اجندة الاهداف الجيوستراتيجية والجيوسياسية هناك هدف تتطلع له اميركا بالتعاون مع العرب والكورد وإسرائيل يتمثل في إعادة الاستقرار للمنطقةفي ظل نظام عالمي جديد يفرض رؤية جديدة لبناء أنظمة سياسية ذات ايدولوجية علمانية تستطيع احداث تنمية فكرية، وحضارية، واقتصادية، تتناغم مع تطلعات الشعوب وحق تقرير مصيرها، وتحقق معادلة الاندماج الحضاري، وتهيء المجتمعات لعملية سلام شاملة في ظل نظام متناسق تكون فيه اميركا القوة المسيطرة مع وجود هامش ضيق للدول الغربية للمشاركة في بعض الازمات الدولية لحماية مصالحها واستمرار مشاركتها كحليف استراتيجي لأميركا.

طلال الحَريري
2019/5/19
[email protected]

#طلال_الحريري (هاشتاغ)       Tallal_Alhariri#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات