وصفي أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 6233 - 2019 / 5 / 18 - 01:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في البداية لابد من القول أن العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية توترت منذ وصول نظام الملالي إلى سدة الحكم في إيران , وقد أخذ هذا التوتر بالتصاعد إلى الحد الذي قامت فيه الولايات المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية على النظام الإيراني , لا بل وصل الحد إلى معاقبة الشركات التي تتعامل مع النظام الإيراني مما أثر سلباً على الحياة المعيشية للغالبية العظمى من الشعوب الإيرانية .
شهدت هذه العلاقات بعض الانفراج المشوب بالحذر في عهد الرئيس أوباما على خلفية الاتفاق على برنامج إيران النووي . لكن هذا الاتفاق سرعان ما انهار بعد وصول الرئيس الجديد دونالد ترامب .
يأتي تراجع الرئيس الأمريكي ترامب عن الاتفاق النووي على خلفية رفض إيران لتعديل الاتفاق النووي الذي جاء على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الذي قال : (( إن إيران لن تقبل بأي تعديل لهذا الاتفاق لا اليوم ولا في المستقبل , ولن نسمح بربط الاتفاق النووي بقضايا أخرى )) .
في حين أعلن ترامب التزامه بالاتفاق النووي مع إيران لمرة واحدة , لمرة واحدة فقط , مع الإشارة إلى وجوب تغييره أو التخلي عنه , ومنح الحلفاء الأوربيون 120 يوماً فقط للموافقة على تعديل بنوده .
وترغب إدارة ترامب في أن تفرض الأطراف الأوربية الموقعة على الاتفاق النووي قيوداً دائمة على تخصيب إيران لليورانيوم وبموجب الاتفاق الحالي , من المقرر أن ترفع القيود على تخصيب القيود على التخصيب في عام 2025 .
وتبقي الولايات المتحدة على عقوبات مفروضة على إيران في موضوعات أخرى مثل الإرهاب وحقوق الإنسان وتطوير الصواريخ البالستية 1 .
يأتي موقف إدارة الرئيس الأمريكي ترامب المتشدد من إيران على خلفية إعلان إيران إجراء تجربة (( ناجحة )) لصاروخ بعيد المدى أطلقت عليه اسم (( خرم شهر )) .
وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أن مدى الصاروخ الجديد يبلغ 2000 كم ويمكن تزويده برؤوس نووية , وفق (( فرانس برس )) 2.
وتقول إيران أن الصواريخ التي تختبرها غير قادرة على حمل رؤوس نووية , وتصر على أن أغراض برنامجها النووي سلمية .
والآن ومع تصاعد حمى التهديدات بين الطرفين المتصارعين , الإدارة الأمريكية و النظام الإيراني يطرح سؤال : هل ستحدث المواجهة بين الطرفين ؟ أم ستنتهي الزوبعة بجلوس الطرفان على طاوله المفاوضات ويتم الاتفاق على شروط جديدة ؟
هنا تباينت الآراء بشأن مستقبل الأزمة بين الطرفين , فتحت عنوان (( لا حرب في الخليج )) يقول عادل عبد الله المطيري في جريدة ( العرب ) القطرية (( لا أعتقد أن من مصلحة الولايات المتحدة أن يختفي أحد أقطاب الحرب الباردة الطائفية في المنطقة , والذي يوفر معه الشرعية له ولغيره )) .
ويشير إلى أن (( القلق السياسي في المنطقة أحد الأمور المريحة للولايات المتحدة , والتي تجتذب مليارات الخليج نحوها )) 3 .
ويقول عبد الباري عطوان , رئيس تحرير (( رأي اليوم )) الإلكترونية اللندنية أن الرئيس الأمريكي (( يستجدي المسئولين الإيرانيين ويدعوهم للجلوس على مائدة الحوار في أقل من يومين , حيث كشفت شبكة (( سي أن أن )) أن البيت الأبيض مرر الرقم الخاص به إلى سويسرا باعتبارها تمثل المصالح الإيرانية في أمريكا , في حال رغبتهم بالاتصال به , ولكن السلطات السويسرية لم تقم بهذه المهمة لأن الإيرانيين لم يطلبوا منها ذلك )) .
في حين أدلى هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا الأسبق بتصريحات مدوية وخطيرة في حوار أجرته معه جريدة (( ديلي سكيب )) الأمريكية (( إن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب , التي سيكون على إسرائيل خلالها أن تقتل أكبر عدد من العرب , وتحتل نصف الشرق الأوسط )) .
وأضاف : (( لقد أبلغنا الجيش الأمريكي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظراً لأهميتها الاستراتيجية , لنا خصوصاً أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة , وهي ضرب إيران )) حسب التقرير الذي أرسله الأخ نجم على الخاص .
وحسب رأيي المتواضع , أنا أعتقد أن هذا الكلام ( وأقصد فيه كلام كيسنجر ) مجرد خطاب اعلامي يراد منه إخافة دول المنطقة كي تنفذ ما تريده منها الإدارة الأمريكية , خصوصاً في الجانب المالي , إذ أن إدارة ترامب راغبة في السطو على كل سنت من أموال دولنا ـ وتحديداً دول الخليج العربي ـ على حد قول السيد عبد الباري عطوان .
وبين هذا الموقف وذاك يمكن لنا أن نتوقع سيناريو ثالث هو إسقاط نظام الملالي واستبداله بنظام آخر موالي لها ولكنه هذه المرة يرتدي زي العلمانية مستغلة التذمر الجماهيري الواسع من تصرفات النظام في تضييقه على الحريات , وبسبب تردي أوضاعها المعيشية .
فحسب جريدة الفايننشال تايمز التي نشرت تقريراً لاثنين من مراسليها من طهران تحت عنوان (( الإيرانيون على الحافة مع اشتداد المواجهة مع الولايات المتحدة )) ترصد فيه ردود الفعل في الشارع الإيراني ـ بعد تطبيق العقوبات الأمريكية على بلدهم ـ وفي أعقاب إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني أن بلاده ستعلق التزاماتها ببعض بنود الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وتصعيد واشنطن لمواجهتها مع النظام في طهران .
ويشير التقرير إلى أن معاناة الإيرانيين تزايدت مع وصول نسبة التضخم إلى نحو 40 في المئة وانخفاض قيمة الريال الإيراني بنحو 60 في المئة هذا العام .
وقد يكون هناك مخطط رابع يتمثل في إضعاف إيران لإجبارها على التخلي عن التدخل السلبي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة وما سيتبعه من تراجع قوة أجنحتها في عموم المنطقة ومنها العراق .
وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة , غير أن ما يهمنا في هذا الموضوع تأثير هذا الصراع على عموم المنطقة , وعلى العراق خصوصاً , كونه خرج لتوه من قتال عنيف مع أعتى تنظيم ارهابي ( داعش ) أدى إلى تشريد ملايين النازحين وتدمير مدن كاملة تحتاج إلى مليارات عدة لإعادة اعمارها , ولا يفوتنا أن نذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية قد يستغل هذه الحالة من خلال إعادة تنشيط خلاياه النائمة , خصوصاً وأن هذا التنظيم مخترق من قبل العديد من مخابرات دول عديدة .
هذا الواقع يدعونا , كعراقيين , إلى القلق من التصعيد الإيراني الأمريكي , فهذه المجموعة من الصقور التي أحاط نفسه بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتأكيد ستدفع التيار المتشدد في إيران إلى التشدد أكثر في مواقفه .
وهنا لابد من القول أن (( ساحات الصدام لن تكون بالضرورة في خنادق المواجهة المباشرة وخطوط التماس القريبة بل في ساحات تقاطع النفوذ والعراق ساحة كبرى من هذه الساحات . سيترك هذا الصدام أثره في تشكيل الحكومة وسيترك أثرة أيضاً في أجندة هذه الحكومة بعد تشكيلها )) . إن أي حكومة ستأتي ستجد نفسها أمام واقع أحلاه مر , فـ (( الإيرانيون باتوا يدافعون عن وجودهم وقيمهم وشعاراتهم أمام رغبة أمريكية بإسقاط النظام السياسي . وليسوا في وارد التراجع وأمامهم تجارب صدام والقذافي . وكذلك فإن الأمريكان لا يريدون خسارة العراق لخصمهم إيران )) خصوصاً وهم (( يحلمون بشرق أوسط يسيرونه ويسيطرون عليه ....
نحن في خضم ازمة خطيرة ستكون شبيهه بأزمة الصواريخ السوفيتية في كوبا عام 1962 )) 5 . إن هذا الواقع يضع على عاتق حكومة عادل عبد المهدي مسئولية كبرى للعب دورها في ابعاد العراق عن نتائج هذه الحرب التي ستكون مدمرة إن وقعت لا سامح الله , وعلى الكتل السياسية أن تكون على قدر المسئولية بأن تضع مصالح الشعب نصب أعينها بأن تبتعد عن صراعاتها من أجل مصالحها الضيقة .
1 ـ لهذه الأسباب تراجع ترامب عن الاتفاق النووي , عربي 21 .
2 ـ التراجع عن الاتفاق النووي مع إيران من سيكون الخاسر الأكبر .
3 ـ التوتر الأمريكي الإيراني بين عصا وجزرة ووجبة سمك ومليارات الخليج , بي بي سي , 12 مايو / أيار 2012
4 ـ جريدة الفايننشال تايمز ترصد معاناة الشارع الإيراني مع اشتداد المواجهة مع الولايات المتحدة . Arabic , www . bbc . com .
5 ـ انعكاسات الصراع الأمريكي الإيراني في العراق , بقلم إبراهيم العبادي , مركز بغداد للدراسات .
#وصفي_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟