|
مسودة قانون منظمات المجتمع المدني
نعمان منى
الحوار المتمدن-العدد: 1539 - 2006 / 5 / 3 - 06:46
المحور:
المجتمع المدني
انطلاقاً من تعميق روح النقاش الموضوعي وتبادل وجهات النظر، وصولاً إلى افضل الحلول وأقربها إلى الواقع العملي، أود طرح بعض الملاحظات حول ماجاء في حواركم مع السيد علاء حبيب الصافي، وزير الدولة لشؤون المجتمع المدني (المنظمات العراقية 7500 والاجنبية 102 منظمة غير مسجلة وتعمل بشكل غير قانوني)ومع الاسف تأتي ملاحظاتي بعد أكثر من اسبوع من نشر المقابلة مع السيد الوزير، ولكن لأهمية الموضوع، ولأن مشروع القانون الجديد لم يأخذ الصفة الشرعية، فاني اعتقد بأن مناقشة ماجاء في ردود السيد الوزير ومسودة القانون أمر ضروري، بل يجب أن تشجع جميع منظمات المجتمع المدني وذوي الاختصاص بالتمعن في مستقبل المجتمع المدني نفسه، من خلال ماسيتاح له من مساحة للعمل، أو ما ستثقله الشروط والتضيقات في قانون "المنظمات اللاحكومية السادة في جريدة الصباح الغراء قبل الدخول في صلب مسودة القانون، يجب التوقف عند بعض الطروحات التي جاءت في ردود السيد الوزير علاء حبيب الصافي. أولا: ان الذين شاركوا في التحضير واعداد المسودة هم عبد مطلك الجبوري ووزيران بتوصية من اللجنة الوزارية المدنية، ونوقش من قبل الجمعية الوطنية ومجلس شورى الدولة لصياغته بشكل قانوني، أي ان الخبراء المدنيين والمنظمات غير الحكومية، الجهات التي يعنيها القانون، ليس لها دور في هذه العملية، ولا يوجد أي دور لعملية المشاورة والنقاش الذي يسبق طرح مسودات القوانين على الجهات التشريعية كما هو متعارف عليه في بلدان الديمقراطية. ثانيا: ليس لدي الاطلاع الكافي على القوانين وتركيبة الوزارات في فرنسا واليابان، وادعو الأخوات والأخوان في هذه البلدان وغيرها من الدول لعكس التجارب العالمية وتوسيع رقعة المعرفة وتعميق التجربة العراقية من خلال هذه التجارب، ولكن في ما يتعلق في بريطانيا فلا توجد وزارة متخصصة بقضايا المجتمع المدني ومنظماته، وان ماهو موجود هو هيئة عليا مستقلة للمنظمات الخيرية Charities Commission على غرار الهيئة المستقلة للانتخابات في العراق (ذكرت في المقالة " هيئة المنظمات الاهلية"، وشتان بين المنظمات الاهلية والمنظمات الخيرية)، وتدار هذه الهيئة من قبل مجلس امناء بقيادة جارلدين بيكوك Geraldine Peacock ، التي سبق ان قادت عددا من المنظمات الخيرية البريطانية. تحت هذه الهيئة توجد هيئة ادارية اخرى برئاسة اندرو هند Andrew Hind الذي سبق ان كان المدير الاداري لاذاعة البي بي سي للبث العالمي، فلا يوجد فيها أي وزير، ولا يحق لأي سلطة تنفيذية التدخل في شؤون الهيئة، والأهم من ذلك، ان القوانين البريطانية تتيح لأي شخص، أو مجموعة من الأشخاص، تأسيس أي منظمة أو حزب أو ناد أو فرقة يبتغونها، من دون أن تستوجب التسجيل عند أي هيئة أو وزارة أو سلطة مهما كانت صفتها، اذ أن حق الفكر والتنظيم والاعلام حق مطلق، والمسألة التي تثير الارتباك والتشوش هي أن هنالك قوانين عامة يجب أن يلتزم بها الاشخاص كما المنظمات، مثلا الدعاية للعنف، وإذا وجدت السلطات، أو أي شخص كان، بأن أيا من هذه المنظمات قد أخلت بهذه القوانين فيمكنها اللجوء إلى القضاء، أما أنظمتها الداخلية فهي من اختصاصها وليس من اختصاص السلطات. حتى تسجيل المنظمات الخيرية ليس ضرورياً وليس شرطاً قانونيا،. وإذا رفضت المفوضية طلب التسجيل فإن هذا لا يمنعها من العمل ضمن أهدافها التي لا تتعارض مع القوانين العامة، ولكن التسجيل يعطيها مصداقية وجدية من المستوى التنظيمي والمالي الذي سيؤدي حتما إلى طمأنة المتبرعين (اشخاصاً أو منظمات) والمستفيدين من هذه المنظمات، مثلا المنتدى العراقي في بريطانيا مسجل كمنظمة خيرية، ولكن هنالك العشرات من المنظمات العراقية المهنية أو الثقافية، أو التي تعنى بشؤون الجالية غير مسجلة، ومع هذا فهي تعمل بحرية وعلنية ولها أنظمتها ومؤتمراتها. ثالثا: وبالرغم من ان مفهوم المجتمع المدني قديم قدم الحضارات، إلا أنه أخذ أهمية بالغة في النصف الثاني من القرن الماضي، بسبب انتشار الوعي الجماهيري والتطلع إلى المساواة في الحقوق والحرية والتطور الاجتماعي/الاقتصادي، وصار لدراسة المجتمع المدني اقسام متخصصة في الكثير من الجامعات العالمية، واهتمت به خصوصا الأمم المتحدة، أما مسألة تعريف منظمات المجتمع المدني فما زالت مطروحة للنقاش والحجج، ولكن الغالبية من المفكرين يميلون إلى ان المجتمع المدني هو العلاقات الطوعية خارج إطار النظام الرسمي، أي السلطة، وللمجتمع المدني منظماته التي تقوم بهذا العمل الطوعي، الذي يشمل تقديم المساعدات، أو العمل من أجل تطوير المجتمع، في كل أوجه الاحتياجات الحياتية والفكرية، وهي الرقيب على الدولة والمحرض والمؤثر في المجتمع. اذن حرية منظمات المجتمع المدني هي صلب الديمقراطية، بل ويذهب البعض الى أن يقول بأنها الديمقراطية نفسها. ولهذا يذهب أكثر المفكرين إلى ان منظمات المجتمع المدني تشمل المنظمات الخيرية والإنسانية والمؤسسة الدينية (وليس رجال الدين) والاتحادات والنقابات والمنظمات المهنية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات التأثير، الخ. العشائر ليست جزءا من المجتمع المدني لأن الانتماء إلى العشيرة ليس عملاً طوعيا، اما الأحزاب السياسية فهي منظمات طامحة بالسلطة وتتأثر علاقتها بالسلطة بموقفها هذا، ولذلك لايمكن شمولها بمنظمات المجتمع المدني بالرغم من طوعية عضويتها، لابد أن يكون للكثير من منظمات المجتمع المدني تأثير مباشرعلى القرار السياسي، ولكنها بعيدة عن الارتباط السياسي الحزبي. نحن على مايظهر متأثرون بتاريخ العراق الحديث الذي همش المجتمع المدني، بل ان النظام الصدامي حطمه إلى الحد الكبير إن لم يكن بالكامل، فمثلا العضوية في النقابات شرط للعمل في مجال اختصاصها (نقابة المهندسين مثلا)، مما ألغى الجانب الطوعي لعضويتها وجعلها منظمة شبه رسمية سهل ابتلاعها من قبل السلطة، عدا هذا هي جزء حيوي من منظمات المجتمع المدني. إذا انتقلنا إلى مسودة القانون، فإن المقترح المطروح يعتبر تراجعا عن حرية العمل والتنظيم خارج إطار السلطة، الذي اكتسبته منظمات المجتمع المدني بعد سقوط النظام، لا أود الدخول بكل تفاصيل مسودة الدستور، فهذه تحتاج إلى مساحة أكبر مما سيتاح لي في هذه الملاحظات. ولكن هنالك جوانب لابد من إثارتها ومناقشتها، عدا فيما تطرقت له أعلاه، من أجل تجاوز السلبيات، وإيجاد الحلول الأفضل لتعزيز دور المجتمع المدني ومنظماته.إذا كان لابد من إصدار قانون لتنظيم عمل المنظمات غير الحكومية، فأؤكد ماذكرته سابقا من المسودة، مهما كان مصدرها يجب أن تطرح للنقاش بشكلٍ واسع، ولابد أن نضمن حيادية الجهة التي ستطبق القانون، لكننا نجد أن المسودة اعدت من قبل الوزارة (وهي جهة رسمية)، وبعد اقرار الدستور سينفذ من قبل نفس الجهة الرسمية، وهي الجهة التي ستجيز أو ترفض إجازة أية طلب يقدم لها، والقانون أيضا يعطي صلاحيات واسعة للسيد الوزير الذي هو أيضا جزء من السلطة الرسمية، والأكثر من هذا يمكن للمحافظ أن يعترض على فتح فرع للمنظمة التي سبق ان حصلت على الاجازة بالعمل من قبل الوزارة، فهل سنرى وضعاً مشوهاً حيث يعترض السيد المحافظ لأن المنظمة المعنية "تخالف الآداب" المتبعة في المحافظة، حتى وان كانت مقبولة في بغداد؟ والاعتراض على قرار المحافظ محصور بالسيد الوزير الذي يكون قراره باتاً. قد يرى البعض ان ظروف العراق الحالية تستوجب تضييق الحق المطلق بالتنظيم المدني، وإذا كان لابد من ذلك فعلى الأقل يجب أن تكون الهيئة المشرفة على القانون مستقلة ولا ترتبط بتقلبات السلطة، هنالك مادتان في مسودة القانون تذكرنا أكثر من أي شيء اخر بقوانين وأنظمة صدام في تعاملها مع المنظمات غير الحكومية، المادة الأولى تتعلق بالانتساب أو الاشتراك أو الانضمام إلى "منظمة أو هيئة أو ناد أو مؤسسة يكون مقرها خارج العراق الا بإذن من الوزير"، والمادة الثانية تتعلق بتحريم استلام أو الحصول على أموال من داخل العراق أو خارجه "الا بإذن من الوزير". هذا ليس جديداً، ففي السبعينات صدرت القوانين التي حرمت استلام الأموال من أية جهة من خارج العراق إلا بموافقة السلطة. وبعد احتلال الكويت والمأساة التي تلته قدم العديد من العراقيين في الخارج مايتمكنون عليه من أدوية وبطانيات ومعونات أخرى، إلا أنها سرعان ما توقفت بعد ان بدأت السلطة بالاستفسار عن نفس المواد الواردة في المسودة الجديدة: من أين؟ من الذي تتعامل معه؟ ما هي الجهات الداعمة؟ الخ، وفي كل الحالات كان الهدف تفتيت أي تنظيم لاتستوعبه السلطة. اصبح العالم صغيراً بفعل الثورة الاعلامية، وبرزت إلى الوجود حملات مشتركة لمصالح مشتركة بين شعوب العالم كالبيئة وحقوق الانسان وحقوق المرأة ومكافحة العنف وغيرها، وهذا يحتاج إلى تكوين شبكات عامة ومتخصصة وهو ما يحدث محليا وعالمياً، ان التضامن بكل أشكاله السياسي والمعنوي والعيني هو خارج إرادة السلطة ولا يمكن أن يخضع إلى إرادتها، أرجو أن تستقطب هذه الملاحظات وغيرها مما جاء في مسودة القانون اهتمام منظمات المجتمع المدني والكتاب والأكاديميين والمساهمة في نقاش نقدي بناء
عنوان الرابط لهذا المقال هو: http://www.alsabaah.com/modules.php?name=News&file=article&sid=21922
#نعمان_منى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيان من منظمات الجالية العراقية في بريطانيا حول مركز مفوضية
...
-
قراءات في مسودة الدستور العراقي
المزيد.....
-
ألمانيا.. دعوات لترحيل جماعي للمهاجرين على خلفية مأساة ماغدي
...
-
السعودية تنفذ الإعدام بمواطنين بتهمة خيانة وطنهما وحرّضا آخر
...
-
هجوم ماغديبورغ: مذكرة اعتقال وتهم بالقتل موجهة للمشتبه به
-
مقاومو -طولكرم وجنين- يتصدون لاقتحامات و اعتقالات الإحتلال
-
اللاجئون السودانيون.. مأساة لم ينهها عبور الحدود واللجوء
-
الأمم المتحدة تحذر: شبح المجاعة يهدد 40 مليون شخصًا في غرب أ
...
-
تظاهرات في تل أبيب مطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى
-
الشروق داخل معسكرات النازحين فى السودان.. حكايات الفرار من ا
...
-
استشهد زوجتي وإصابتي أفقدتني عيني
-
مصدر فلسطيني: عودة النازحين قضية رئيسية في المفاوضات وتوجد ع
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|