|
أُنظر من بعيد لكي تري نفسك بوضوح
محمد أبو قمر
الحوار المتمدن-العدد: 6231 - 2019 / 5 / 16 - 20:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أنظر من بعيد لكي تري نفسك جيدا : =================== لكي نري حجم ومقدار وأسباب تخلفنا الحضاري بوضوح علينا أن نعود إلي الوراء قليلا ، حين أصدر الشيخ علي عبد الرازق كتابه ( الاسلام وأصول الحكم ) عام 1925 وتدور فكرة الكتاب حول أن الاسلام دين لا دولة ، وأنه ليس من المعقول أو المنصف أن يجعل الله صلاح أمور المسلمين أو فسادها مرهون بأحكام الاسلام ، فماذا يكون وضع الدين إذا فسدت الأمور في ظل أحكام الشريعة. وانتقد الشيخ في كتابه فكر رجال الدين القائل بوجوب الخلافة أو الإمامة وجوبا دينيا ، وقال إن المؤيديين للخلافة الاسلامية قد ( رفعوا الخليفة فوق صف البشر ووضعوه غير بعيد من مقام العزة الإلهية.. وهو يستمد سلطانه من سلطان الله تعالى وقوته من قوته ). وفي متن الكتاب شرح الشيخ علي عبد الرازق كيف تم تنصيب يزيد ابن معاوية خليفة علي المسلمين بقوة السيف ، وروي لنا كيف استباح يزيد دم الحسين حفيد النبى؛ ليستقر فى الخلافة، وكيف سُمى أول الخلفاء العباسيين «بالسفاح» لكثرة ما كان يسفك من دماء المسلمين. أكد الرجل في كتابه أن الاسلام رسالة روحية لا علاقة لها بالحكومة والسياسة الدنيوية وعمارة الكون وتنظيم المجتمعات.. وأن النبى لم يؤسس دولة ولم يرأس حكومة ولم يسس مجتمعًا، ولم يدعُ إلى شىء من ذلك بل كان رسولا فقط ما عليه إلا البلاغ. فور صدور الكتاب قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمصادرة الكتاب ومحاكمة الشيخ علي عبد الرازق ووجهت إليه التهم الآتية : 1- جعل الدين لا يمنع من أن جهاد النبي كان في سبيل الملك لا في سبيل الدين ولا لإبلاغ الدعوة للعالمين. 2- اعتبار نظام الحكم في عهد النبي موضوع غموض أو إبهام أو اضطراب أو نقص وموجبًا للحيرة. 3- اعتبار مهمة النبي كانت بلاغًا للشريعة مجردة عن الحكم والتنفيذ. 4- إنكار إجماع الصحابة على وجوب نصب الإمام وأنه لابد للأمة ممن يقوم بأمورها في الدين والدنيا. 5- إنكار أن القضاء وظيفة شرعية. 6- اعتبار حكومة أبي بكر والخلفاء الراشدين من بعده كانت لادينية.
بناء علي هذه التهم أدانت هيئة كبار العلماء الشيخ وأصدرت في حقه فى 17 سبتمبر سنة 1925حكما تأديبيا بفصله وتجريدة من شهادة العالمية الأزهرية وإخراجه من زمرة العلماء .
صحيح أن الرجل قد استرد اعتباره بعد ذلك حين تولي شقيقه مشيخة الأزهر ، لكن الكتاب كان قد تم تشويهه وإخراج محتواه من النسق الثقافي المصري نتيجة تطوع عدد كبير من المشايخ وغيرهم لانتقاد الكتاب وتلويث سمعة مؤلفه وتسفيه وتسخيف محتواه . إن أول نتيجة لما حدث لهذا الكتاب هي تجمد الفكر السياسي المصري وترديه وتهافته ، ومهما كثرت وارتفعت وتنوعت الأصوات المنادية بالحرية والديمقراطية والعدالة وغيرها من الشعارات فإنها ستظل مجرد أصوات لا ترتكز علي أسس معرفية لأنها ليست وليدة تطور فكري طبيعي ، هي مجرد أصوات معلقة في الهواء تفتقد إلي أساس متين صالح للبناء عليه مثل كتاب الاسلام وأصول الحكم أو كتاب طبائع الاستبداد للكواكبي ، أو غيرهما من المحاولات الفردية التي كان موضوعها الأساسي هو إنتاج معرفة مختلفة ووعي قابل للتطور. حين يتجمد الفكر السياسي أو يتشوه أو تتم إدانته والحكم بمخالفته للاسلام كما فعلت هيئة كبار العلماء الأزهرية مع هذا الكتاب يتجمد معه كل أنواع الفكر ، بل وتتوقف مسيرة الحياة الحضارية عن التطور ويصيبها العطب ، وتصبح كافة الظواهر الاقتصادية والاجتماعية ( المشاريع الاقتصداية المختلفة صناعية وتجارية وغيرها فضلا عن الفعاليات الاجتماعية أو السياسية المختلفة ) مجرد مظاهر شكلية هشة سرعان ما تتآكل وتختفي لأنها تفتقد إلي حماية نظام سياسي متطور قوي – بغض النظر عما إذا كان جمهوريا أو ملكيا أو دستوريا أو حتي استبداديا – مؤسس علي قاعدةعلمية بحثية ونقدية وفلسفية مستوعبة لظروف ومتغيرات المجتمع المختلفة.
والسؤال الذي يفرض ذاته الآن هو : هل الاجراء الذي اتخذته هيئة كبار العلماء ضد الكتاب وضد مؤلفه إجراء ديني أم إجراء سياسي؟؟!!. أعتقد أن لا صلة للاسلام كدين بقرارات هيئة كبار العلماء ولا حاجة لي هنا لاثبات ذلك ، فقرار الهيئة يتعلق بخطابها الديني ، برؤية رجال الدين للدين ، بوجهة نظرهم البشرية في الدين ، باختصار هو قرار سياسي ، فالخطاب الديني ليس هو الدين ، وإنما هو الرؤية البشرية المتعلقة المتعلقة بالمكانة الاجتماعية والسياسية لأصحاب هذه الرؤية أو هذا الخطاب ، هذا الخطاب الذي يتضمن الأساليب والوسائل التي من شأنها أن تضمن لرجال الدين السيطرة بوصفهم الواسطة بين الله وعباده ، من شأنها أن تحافظ علي هيمنتهم علي عقل ووجدان الأمة ، وكتاب مثل الاسلام وأصول الحكم كان من شأنه إعادة صياغة الفكر الاسلامي ، وكان من شأنه أن يطور وعي الأمة في اتجاهات قد تؤدي إلي إفلات العقل الجمعي للأمة من قبضتهم ، ومن ثم تتطور الأفكار ، وينمو الوعي ويتنوع وتنمو معه الأفكار المتعلقة بمسئولية الناس عن أنفسهم واستغنائهم عن الوسيط الذي يضمن لهم حياة أكثر رخاء في الآخرة وهكذا يصبح الدين كما هو في الأصل علاقة فردية خاصة بين العبد وربه ، وتتلاشي الحاجة إلي الخرافة التي تؤكد أن الانسان يظل مذنبا تجاه نفسه وتجاه مجتمعه وتجاه الله إلي أن ينقذه رجل الدين بنصائحه وفتاويه التي تضمن تخلصه من الذنوب وتضمن له مكانا لائقا في الجنة. أظن الآن حين ابتعدنا في الزمن إلي عام 1935 ونظرنا من هناك إلي ما نحن فيه الآن يمكننا القول أن الخطاب الديني الذي هو ليس الدين هو الذي يقف حائلا بين هذه الأمة وبين تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي بمصادرته للفكر وبهيمنته علي أقل الأمة وبإتلاف كل محاولات الاجتهاد التي من شأنها أن تقيل هذه الأمة المسكينة من عثراتها الحضارية القاتلة.
#محمد_أبو_قمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعض الغبار الذي يهب من الجنوب
-
بدون عنوان
-
الوهم المقدس
-
آل كابوني والاخوان
-
ورقة عثرت عليها بين علب الدواء
-
أوهام
-
أنا أحب النساء
-
بين دخول الاسلام إلي مصر ودخول العرب إليها
-
الصحيح والعقلاني
-
أيها الكهنة هذه ليست لغتنا
-
المرجعية واحدة
-
كتاب الشعب وكتاب الدولة
-
الحصار من كل الجهات
-
المال والرأسمال
-
التطوير بين التلفيق والترقيع
-
المرأة ، والحب والزواج وكثير من الأكاذيب والجرائم
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|