محمد عبد الشفيع عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 6231 - 2019 / 5 / 16 - 03:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
نبادر إلى القول إن مقصودنا من الاستثمار المباشر ينصرف إلى المشاركة برأس المال في المشروعات الإنناجية المختلفة، بحدّ ادنى معين من النصيب النسبي لحصة المشاركة (غالبا10%). وبذلك يختلف الاستثمار المباشر أختلافا نوعيا عن استثمار الحوافظ المالية-أو الاستثمارات غير المباشرة – من خلال صفقات شراء و بيع الأسهم والسندات المطروحة في أسواق المال والبورصات من قِبل الشركات المدرجة فيها.
و يعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر مثار أخذ ورد في الأدبيات الاقتصادية منذ فترة طويلة وخاصة منذ الستينات من القرن المنصرم. فلطالما أشارت الكتابات الاقتصادية ذات المنحى الاشتراكي و "العالم-ثالثي" إلى الآثار السلبية لهذا النوع من الاستثمار وللشركات الدولية القائمة به، باعتبارها بمثابة "منصات أمامية" لتعميق التبعية الاقتصادية للبلاد النامية إزاء الدول الرأسمالية المتقدمة- سواء منها التبعية المالية أم التجارية و التكنولوجية. ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مطلع التسعينات و التصدع النسبي في بنيان حركات التحرر الوطني، انفردت دول المركز الرأسمالي بقلبه الغربي-الأمريكي بتصدّر مواقع النفوذ في الاقتصاد العالمي. وبذلك أصبحت الكيانات الاقتصادية العملاقة المنتمية للدول الرأسمالية، وهي الشركات عابرة الجنسيات، القوة المحتكرة لمحركات التنمية في العالم، كنواقل للتكنولوجيا المتقدمة، ومن خلال التحكم في حركات رؤوس الأموال الدولية، وخاصة من خلال الاستثمار المباشر على المستوى العالمي، والمتدفق من دولة إلى أخرى فيما يعرف بالاستثمار "الأجنبي". ومن هنا تجيء الأهمية القصوى لدراسة هذا الموضوع دراسة "إمبيريقية" وفق إطار فكري ملتزم وطنيا واجتماعيا.
وفي محاولة أولية لاستجلاء اتجاهات تدفق الاستثمارات المباشرة في العالم، كافتتاحية لمثل هذه الدراسة، نقدم في هذا النص الموجز لوحة مبدئية للتوزيع الجغرافي لهذه الاستثمارات على مستوى الدول والأقاليم الرئيسية.
وفقاً للجدول رقم ( 1 ) الملحق بالنص، والخاص ب "التدفقات الاستثمارية إلى الخارج" outflows ، يتم رصد أكبر عشرين "دولة –مصدر" للاستثمار الأجنبى المباشر عن عام 2017 ، حيث يمكن أن نقوم بتقسيمها إلى ثلاث مجموعات فرعية : المجموعة الأولى ذات المساهمة الأكثر ارتفاعاً. فمن مجموع التدفقات الاستثمارية العالمية الموجهة من مختلف الدول إلى خارجها والبالغة قيمتها ( 1333 ) بليون دولار ، فإن هناك سبع دول تستأثر بما قيمته ( 969 ) بليون دولار وهو ما يمثل 72,7 % من إجمالى التدفقات . هذه المجموعة تتصدرها الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة (342 بليون دولار) بما يمل 25,6% من المجموع العالمى ، تليها اليابان بقيمة (160 بليوناً) بمساهمة نسبية 12 % من المجموع ، تأتى الصين فى المركز الثالث بقيمة (125 بليوناً) ( 9,3% من المجموع) ، وتحل المملكة المتحدة فى المركز الرابع بقيمة (100 بليوناً) ( 7,5 % من المجموع) ثم هونج كونج – المقاطعة الصينية –خامسا، بما قيمته (83 بليوناً) ( 6,2 % من المجموع) ثم تحل ألمانيا في المركزالسادس بقيمة (82 بليوناً) وبمساهمة نسبية 6,1% ، ثم تحتل كندا المركز السابع بقيمة (77 بليوناً) بنسبة 5,7 % من المجموع) .
والمجموعة الفرعية الثانية تضم خمس دول تقدم فى جملتها ( 208 بليون دولار) بما يمثل ( 15,6% من مجموع الاستثمار العالمى) ، وهذه الدول – مبينٌ مقدار استثماراتها الخارجية قرين كل منها (بالبليون دولار) – مرتبة تنازلياً على النحو التالى : فرنسا (58) ، لوكسمبورج (41) ، أسبانيا (41) ، روسيا (36) وكوريا الجنوبية (32) .
وأخيراً المجموعة الثالثة ذات المساهمة النسبية الأقل بين أكثر عشرين دولة تصديراً للاستثمار المباشر، تضم ثمانى دول تقدم فى جملتها ( 156 بليوناً) ما يمثل ( 11,7 %) من مجموع الاستثمار العالمى ، وهى : سنغافورة (25) ، السويد (24) ، هولندا (23) ، بلجيكا (21)، تايلند (19)، أيرلندا (19)، الإمارات العربية المتحدة (14) و تايوان (11) .
ويلاحظ على البيان الإجمالي السابق ما يلى :
1- من بين الدول السبعة الأكثر استثماراً فى الخارج ، توجد خمس دول تنتمى إلى مجموعة الدول الصناعية السبعة وهى : الولايات المتحدة ، اليابان ، المملكة المتحدة ، ألمانيا وكندا. يضاف إلى ذلك الدولة النامية الكبيرة : الصين ، و معها المقاطعة الصينية هونج كونج – ذات العلاقة الخاصة مع الدول الصناعية الكبرى؛ و لو تم جمع قيمة الاستثمار فيهما لأصبحت ذات المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة ، لتحل اليابان ثالثاً . هذا يعنى أن الدول الثلاثة ذات الترتيب الأعلى من حيث حجم الناتج المحلى الإجمالى العالمى تحتل نفس الترتيب فى التدفقات الاستثمارية الخارجة، وهى الولايات المتحدة ، الصين واليابان .
2- دول المجموعة الثانية ذات الموقع الوسيط تضم ثلاثة أعضاء فى "الاتحاد الأوروبى" وهى فرنسا ولوكسمبورج وأسبانيا ، ثم روسيا – القطب الثنائى السابق فى النظام الدولى حتى أول التسعينات من القرن العشرين، و هي بمثابة "دولة نامية كبيرة" حالياً – وكوريا الجنوبية ، كأحد أبرز "اقتصادات المصنّعة حديثاً" فى الدول النامية.
3-فى المجموعة الثالثة الأقل إسهاماً، تنضم أربعة دول نامية هى ، بالترتيب التنازلى : البلد – الميناء : سنغافورة (25) ، تايلند (19) ، الإمارات المتحدة (14) وتايوان (11) – بالإضافة إلى أربعة دول صناعية من خارج "مجموعة السبعة" وذات حجم اقتصادى وسكانى صغير نسبياً وهى السويد (24) ، هولندا (23) ، بلجيكا (21) وأيرلندا (19) .
هذا كله يعنى أن الدول الصناعية سواء من مجموعة السبعة أو خارجها ، بالإضافة إلى الدول النامية "الديناميكية" سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، تحتكر إلى حد كبير التدفق الاستثمارى المباشر الخارجي فى العالم .
أما من حيث التصنيف القارّى فإن قارة آسيا عموماً ، ومنطقة شرق آسيا خصوصاً ، ممثلة بقوة فى المجموعة الأولى (اليابان والصين) ، و في الثانية (كوريا الجنوبية) ، والثالثة (تايوان) . ويمثل جنوب شرق آسيا فى المجموعة الثالثة فقط (سنغافورة وتايلند). وتبقى من الدول العشرين دولتان لهما موقع جغرافى "مركب" إلى حد ما، وهما روسيا ( دولة "أوراسية") ودولة الإمارات ( غرب آسيا).
ويلفت النظر أنه من بين القارات الثلاثة للدول النامية ، تنفرد آسيا بالتمثيل ـ بينما لا تمثل قارتا أمريكا اللاتينية وإفريقيا بأية دولة . أما أوروبا ، الاتحاد الأوروبى تحديداً ، فتمثل فى المجموعة الأولى بكل من المملكة المتحدة (حتى يتم تنفيذ "الخروج" من الاتحاد الأوروبى – "بريكست") وألمانيا؛ بينما تمثل بشكل أكبر نسبياً فى المجموعة الثانية بثلاثة دول (فرنسا ، لوكسمبورج و أسبانيا)، وفى المجموعة الثالثة بأربعة دول هى (السويد، هولندا، بلجيكا وإيرلندا).
وتبقى قارة أمريكا الشمالية ممثلة تمثيلاً كاملاً بدولتيْها : الولايات المتحدة (على رأس المجموعة الأولى)، وكندا (ذات الترتيب الأخير – السابع – فى المجموعة الأولى) .
وفى ضوء ذلك نقول إن أوروبا (الغرب والشمال) + أمريكا الشمالية + اليابان (و يشار إليها إجمالا فى بعض الكتابات –فى مجال "الاقتصاد السياسى الدولى"- بدول "المركز الثلاثى") تحتل المراكز المتقدمة وبأعلى مساهمة نسبية فى التدفقات الاستثمارية إلى الخارج ، بينما تترك مساهمة أصغر نسبياً ، ولكن مهمة ، لعدد قليل من الدول النامية : دولتين فى الشرق الأقصى : (الصين وكوريا الجنوبية) ودولتين فى جنوب شرق القارة (سنغافورة وتايلند) ودولة عربية بترولية تقع حسب التصنيف القارى فى غرب آسيا وهى "الإمارات" ، ومنها إمارة دبىّ (التى تنتمى إليها : شركة موانىء دبىّ العالمية) .
...
أما عن التدفقات الاستثمارية إلى الداخل inflows – حسب الجدول رقم (2) الملحق بنص هذه الورقة- فإن أكبر عشرين دولة مضيفة يمكن تقسيمها أيضا إلى ثلاث مجموعات : المجموعة الأعلى استقبالاً للاستثمارات الأجنبية وهى سبع دول ، تأخذ فيما بينها ( 748 بليون دولار) بنسبة ( 67,2%) من مجموع الاستثمار العالمى الداخل وهو ( 1113بليوناً) عن عام 2017 دائما. هذه الدول السبعة تتصدرها الولايات المتحدة – المتصدرة للتدفق نحو الخارج أيضا كما سبقت الإشارة – بمساهمة مقدارها (275 بليوناً) بنسبة ( 24,7 %) من المجموع العالمى، تليها الصين (136 بليوناً بنسبة 12,2%) ، وهونج كونج الصينية (104 بليوناً بنسبة 9,3%) ولوجمعت مساهمة البلدين الأخيرين لتمثيل "الصين الأم" لتقلص الفارق إلى حد كبير بينها كدولة ثانية من حيث الترتيب وبين الولايات المتحدة ذات المركز الأول. تأتى المملكة المتحدة فى المرتبة الرابعة (63 بليونا بنسبة 5,6%) ثم البرازيل فى المرتبة الخامسة (62 بنسبة 5,5%)، و سنغافورة سادسا ( 58 بليونا بنسبة 5,2%) ، وهولندا السابعة ( 50 بليونا بنسبة 4,4%). هنا تظهر البرازيل كممثلة لقارة أمريكا اللاتينية – وهى أكبر دول القارة من حيث المساحة والسكان و الناتج المحلى الإجمالى – لتستقبل (62 بليون دولار) تليها سنغافورة التى أخذت (58 بليوناً) (مقابل 25 بليوناً كاستثمار موجه إلى الخارج) برصيد صاف مقداره (37 بليون دولار) ، وهولندا (50 بليوناً) مقابل (23 بليوناً) كاستثمار فى الخارج برصيد صاف مقداره (35 بليوناً).
فى المجموعة الأولى هذه، تمثل مجموعة الدول الصناعية السبعة بدولتين هما الولايات المتحدة و المملكة المتحدة (بفارق شاسع) –وتظهر هولندا كإحدى الدول المتقدمة اقتصاديا- بينما لا تظهر اليابان كدولة مضيفة رئيسية للاستثمار الأجنبى المباشر. أما عن الدول النامية فتتصدرها الصين (و هونج كونج) ، البرازيل وسنغافورة : دولتان كبيرتان هما الصين الأم و البرازيل، وبلدان صغيران هما : مقاطعة هونج كونج الصينية وسنغافورة .
ومن حيث التصنيف القارّى تظهر الولايات المتحدة، من أمريكا الشمالية فى المركز الأول؛ و من القارة الأوروبية فى الشمال : هولندا بالمركز السابع ، بينما فى قارة آسيا لا نجد سوى "الصين – الأم" وسنغافورة، ضمن هذه المجموعة الأولى. ومن أمريكا اللاتينية نجد البرازيل فقط، فيما يمثل نوعاً من الغياب النسبى لأمريكا الجنوبية، بينما تختفى كلياً عن القائمة أمريكا الوسطى والكاريبى، أما القارة الإفريقية فهى غير ممثلة.
المجموعة الفرعية الثانية من الدول المضيفة تضم ست دول نصيبها المجمع يبلغ 221 بليون دولار (بنسبة 19,8% تقريبا من الإجمالي العالمي) و هي بالترتيب: أستراليا (46 بليوناً) ، سويسرا (41) ، الهند (40) ، ألمانيا (35) ، المكسيك (30) ، وأيرلندا (29).
فى هذه المجموعة تظهر "الأوقيانوسيا" لأول مرة من خلال أستراليا – كدولة ذات ترتيب متقدم فى مجموعة "الدول الغنية" أو "الصناعية"، بالإضافة إلى ثلاثة من الدول الصناعية و الغنية الأخرى هي : سويسرا وألمانيا وأيرلندا، ولا يظهر من الدول النامية سوى الهند (من آسيا) ، والمكسيك (من أمريكا الوسطى) . ولا تمثل إفريقيا فى قائمة المجموعة الوسطى محل الدراسة.
أما المجموعة الفرعية الأخيرة فتضم سبع دول يبلغ نصيبها المجمع من الإجمالي العالمي 144 بليون دولار بنسبة 12,9% ، و أولها روسيا (25 بليوناً) – عضو تجمع "البريكس" BRICS، و دولتان من أعضاء مجموعة الدول الصناعية السبعة : كندا (24) ، وإيطاليا (17) بالإضافة إلى عضو الاتحاد الأوروبى : أسبانيا (19 بليونا). أما الدول النامية فتمثل بدولتين هما إندونيسيا (23) وكوريا الجنوبية التي تأخذ (17 بليوناً) مقابل 32 بليوناً للاستثمارات الخارجة، برصيد صاف نسبى لها مقداره 15 بليوناً. ( وقد دخل إلى (إسرائيل) 19 بليون دولار خلال عام الدراسة- 2017 ).
ومن حيث التصنيف القارّي، تتقاسمها أمريكا الشمالية (كندا)، أوروبا (أسبانيا وإيطاليا) ، و (أوراسيا) من خلال روسيا، وآسيا (إندونيسيا وكوريا الجنوبية) ، بينما لا تظهر القارة الإفريقية، بما يعنى أن أية دولة إفريقية لم يكن لها وجود ضمن العشرين الدولة الأكثر استضافة للاستثمار الأجنبى فى العالم.
وتجدر الإشارة أيضا إلى أن المنطقة العربية لم تمثل فى التدفقات الاستثمارية الخارجة والداخلة العالمية (سوى بتمثيل "الإمارات" كاحدى الدول المصدرة للاستثمار، وفق ما سبقت الإشارة).
هذا يعنى أن ما يمكن تسميته بالإقليم العربى-الإفريقى كله غير ممثل تقريباً فى الاستثمار الأجنبى المباشر على المستوى العالمى، دخولاً وخروجاً . ومن باب أوْلى فإن جمهورية مصر العربية، كدولة محورية فى الإقليم، غير موجودة فى قائمىْ الخروج والدخول المذكورتين .
جدول رقم -1-
التدفقات الاستثمارية إلى الخارج
(أكبر عشرين اقتصاداً حسب "البلدان الأم" 2017)
(بالمليون دولار)
الدولة الدولة
الولايات المتحدة 342 سنغافورة 25
اليابان 160 السويد 24
الصين 125 هولندا 23
المملكة المتحدة 100 بلجيكا 21
هونج كونج الصين 83 تايلند 19
ألمانيا 82 أيرلندا 19
كندا 77 الإمارات العربية المتحدة 14
فرنسا 58 تايوان 11
لوكسمبورج 41
أسبانيا 41
روسيا 36
كوريا الجنوبية 32
UNCTAD, World Investment 2018, figure 1-6, P.23
جدول رقم -2-
التدفقات الاستثمارية إلى الداخل
(أكبر عشرين دولة مضيفة 2017)
(بالبليون دولار)
الدولة الدولة
الولايات المتحدة 275 هونج كونج الصين 29
الصين 136 روسيا 25
هونج كونج الصين 104 كندا 24
المملكة المتحدة 63 إندونيسيا 23
البرازيل 62 أسبانيا 19
سنغافورة 58 (إسرائيل) 19
هولندا 50 إيطاليا 17
فرنسا 46 كوريا الجنوبية 17
استراليا 41
سويسرا 40
الهند 35
المكسيك 30
المصدر:
UNCTAD, World Investment Report 2018, Figure 1-3, P.21.
#محمد_عبد_الشفيع_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟