* يمسّ هواك شغاف دمي المستحيل
فأرتدّ في غصة الدمع
أقول
ليتني لم أغادر تلك الحقول
ولاعباءة أمي
وظلال لهفتها
لم تعد حربا ( سريعة ونظيفة ) كما نظّر لها الغزاة والقوادون من بائعي الضمائر ، بل هي حرب إبادة جماعية للعراق وللضحايا ( ضحايا الطاغية والحصار والقيم العولمية الزائفة ) ، لقد تورادت الأنباء عن الفجيعة التي سببها القصف ( الديمقراطي ) بصواريخه الكروز والتوما هوك و الففتي تو، لأسواق الأبرياء في حي الشعب والشعلة وأحياء البصرة والسليمانية وكربلاء والنجف وجمجمال والناصرية حيث نثار الأشلاء وشيبة الامهات الملفعات بعباءات سود بلون الشقاء ورحلة الضيم ، الشيبة التي اصطبغت بدم يكضم صراخ سنين من الحزن والجوع والمصادرة ، سنين فقد الأبناء في حروب سابقة مشبوهة.
حيث عيون الأطفال القتلى التي جمدت على عدسات الكاميرات ( التي تنقل صورة أجسادهم التي شوّهتها الشظايا إلى الكونكرس والقادة الأمريكيين ليفاخروا بالحرب ونتائجها المرسومة والتي تسير على مايرام) ، ربما كانت عيونهم البريئة تبصق في وجه العالم ونذالته .
لم تعد حربا نظيفة ﺁيها السماسرة ( الوطنيون ) ، لم تعد حرب تحرير يابائعي العرض والأرض وعفة الضمائر ، لم تعد حربا لجلب الديمقراطية ياسفلة التنظيرومروجي الردح وهزّ الوسط ، لم تعد حربا تجلب للوعي العراقي ثقافة و مدنيّة ياشعراء وأدباء النصوص المنخورة بالانحياز إلى الديمقراطية المنسوجة بدم الأطفال .
هل يمكن لنا وبعد كلّ هذا الدمارألا نسمي الأشياء بأسمائها ، هل يمكن لنا بعد كلّ هذه الأجساد المشوهة والأنين الذي يطلقه الجرحى ولطم الأمهات الثكلى ، ألا نسمي الأشياء بأسمائها وأن نجامل الخونة ونسميهم (بمؤيدي الحرب) ، لا بل هم خونة أفاقون ، سفلة وتجار وطن وضمائر ، وإلا ما الذي يجعل رهط ( ممن مضى بممارسة الخيانة إلى أقصى درجاتها من متطوّعو معسكر هنكاريا للمرتزقة ) إلى التخفي عن الكاميرات ، بل مارس الجميع نفس الوقفة أمام الكاميرات وهو إدارة ظهورهم وكأنهم يمارسون منطقا يتلاءم مع وضعهم كمسوخ بشرية لاتحمل وجوها أو ملامح وربما كانوا يختصرون كل كيانهم بمؤخراتهم المعروضة للبيع والمتاجرة ، ولذلك ليس مصادفة أن يكون الكثير من اللوطيين من مؤيدي الحرب ، هل هي مصادفة أم أنه واقع الحال أن تتخفى عيونهم بمربعات سوداء ترسمها الكاميرا أسوة بالمربعات التي ترسم على عيون العاهرات في التحقيقات الصحفية ، لا بل ربما العاهرات يواجهن الكاميرا ولايعطين ظهورهن كما فعل مرتزقة معسكرات هنكاريا ، ربما لأن فعل العاهرات أكثر شرفا من هؤلاء المرتزقة بفعلهم الأكثر عهرا . ألم يسأل هؤلاء الخونة أنفسهم ماالذي جعل أمريكا تجنّدهم وهي التي تمتلك العدة والعدد ، تمتلك التكنلوجيا ودقة المعلومات ، أليس إذعانا بإذلالهم وتبرير الجريمة بتواجد حفنة من المرتزقة لإعطاء صفة الشرعية على حربها بعدما لم تتمكن من الحصول على شرعية عالمية ، هاهي تستخدم كلاب الخيانة لتضفي شرعيتها بمشاركة من تسميهم ( عراقيون معنا في الحرب ) . ثم يبقى السؤال إن كان لهؤلاء الخونة أهل في العراق بعد ما فقدوالا نتماء ، أليس من الممكن أن يكون لهم بين ضحايا القصف الأمريكي البربري أب ، أو أم ، أو أخ ، أو ابن ، أوابنة ، لا أعتقد أن هؤلاء قد رضعوا من ثدي عراقي ليعرفوا معنى التضامن مع العراق وأهله .
نماذج أخرى من العهر :-
• في لقاء نظمته حكومة أوربية بين رئيس وزرائها وجمع من ممثلي جمعيات عراقية ، حاول فيها رئيس الوزراء مواساة هذا الجمع وتوضيح موقف بلاده من الحرب الأمريكية على العراق ، مبينا ماقامت به حكومته لدرء الحرب ومحاولة حل الأزمة سلميا ، وما لايمكن توقعه حتى من قبل رئيس الحكومة أن ينبري من يمثل أحد الجمعيات ليطالب رئيس الحكومة أن يتخذ نفس موقف( الكهنة الطيبين) بوش وبليرمن العراق ( ويعني به الحرب على العراق )، و طالما أن الحكومة قد أعلنت أنها لن تقدم أي دعم عسكري في الحرب على نظام صدام ( متناسيا أن الحرب على العراق وشعبه ) عليها أن تقدم مساعدات للشعب العراقي على الأقل ، وربما أعتبرر هذا البعض ( أنه أحق من يمثل الشعب العراقي و الأكثرحرصا على استلام هذه المساعدات ) تبا لكم من متاجرين باسم العراق .
• مسؤول سابق في دائرة الرقابة والنشر في ظل نظام صدام القمعي ، ويدعي المعارضة حاليا بل يتمسح بالماركسيين والحزب الشيوعي العراقي ( رغم تفنيد الشيوعيين لهذا التمسح) ، ولكونه مصابا بإسهال كتابي حيث ومنذ سنوات لايمرّ يوم دون أن تجد له أربع أوخمس مقالات ( هرطقة فارغة ) يوميا في شبكات أنترنيت مختلفة لذلك كثيرا مايكتب بتشوش واضح فهو يوما يطالب بحرية المرأة ويوما يصف المرأة العراقية بأنها سليلة الرقص الشرقي وساذجة ، وبما انه يعتبر نفسه الان قائدا معارضا ، هاهو يصدر نداءاته للشعب العراقي بالانتفاضة :-
يا أهالي مدينة البصرة الكرام ..لا جدوى من الانتظار .. لا جدوى من الكلام .. انتفضوا حالاً .. خذوا قضيتكم بأيديكم .. طهروا المدينة من رجس الدكتاتورية .. ناقوس النصر يدق أمامكم .. أكسروا عصا السلطة الفاشية واستلموا حقكم في السلطة العادلة قبل أن تدخل القوات الأنكليزية الى مدينة النفط والنخيل والأعناب
لا أعرف كيف يطالب هذا ال... مدينة البصرة المشغولة بصدّ الغزاة منذ ثمانية أيام ، هذه المدينة التي استعصت على الغزاة وببسالة ابنائها ودماء شهدائها ، المدينة التي خصّها الغزاة بقصف حاقد على أحيائها وذبح المدنين بأبشع صور الجريمة ، أن يستمع ابناؤها لإنتهازي يعيش في كنف الغرب ( لهؤلاء الأبطال من أهالي البصرة وحدهم حق منازلة الغزاة ومقاضاة الطاغية من بعد ) .
• أسعدني الشاعر سعدي يوسف في تسمية الأشياء بأسمائها في مقالته (مثقفو ال C.l.A العراقيون) وأعتقد أن هذا هو الموقف الذي يجب أن يتحلّى به العراقيون في تعرية أي سلوك عهري وفي هذا الوقت بالذات ، ولكن لم يتوان البعض من مسوخ الذات من كيل الأتهامات للشاعر سعدي يوسف ولكل من يقف ضد الحرب ويعري رداحيها واعتبار الموقف الأخلاقي والوطني ضد الحرب سبة لكونها تنطلق من موقف ايديولوجي ( خاص باليسار ) وهذه مغالطة كبيرة .
الحقيقة إننا لا نشك في نزاهة الأستاذ يوسف واخلاصه لبلده، ولكننا نرى أن موقفه هذا ناجم عن بعض الحيثيات المتمثلة بما يلي:
- انه أدمن الغربة والابتعاد عن الوطن وأدمن موقف المعارضة الذي تتلقفه وسائل الإعلام وما أكثرها ألان والتي تطبل وتزمر باسم القضية العراقية. ( هل الموقف ضد الحرب التي تشنّ على الوطن تطبيل يا أبناء قراد الخيل )
- إن موقف الأستاذ يوسف هو جزء من موقف عام ينتهجه اليسار العراقي والذي لازال وللأسف يتصرف بيوتوبيا بعيدة عن أرضية واقع المجتمع العراقي. ولازال تابعا للحركة الشيوعية العالمية والتي ما برحت تقف معارضة من أية خطوة أو إنجاز صادر عن الغرب من قبيل العولمة أو اتفاقية الغات أو غيرهما. ( هل موقف حزب الدعو الأسلامي الرافض للحرب هو موقف يساري )
نماذج عهرية لا تحتاج إلى تعليق:-
• للحظاتٍ شعرت بشيء من الفخر حين سمعت أخباراً عن المقاومة التي أبدتها مدينتي الناصرية. ثمّ سرعان ما ندمت على لحظات الفخر الوطني تلك. ما أشعر به الآن تجاه أم قصر وسوق الشيوخ والناصرية هو خيبة املٍ كبيرة. إنها خيبة عميقة بأنفسنا حين لا يشعرنا بالفخر إلا مواقف البطولة بمعناها القبلي الجاهلي .
• اللهم أنزل الحكمة على العراقيين ، نوّر قلوبهم بالأمل الذي يدفعهم إلى حبّ الحياة، لا اليأس الذي يدفعهم إلى الشهادة. أريد أن أرى أحبتي في العراق أحياء لا شهداء.
• إن الحرب ليست حرب الشعب العراقي، بل هي حرب أمريكا.
وهي ليست ضد الشعب العراقي بل ضد النظام العراقي.
• في الوقت الذي كنا نتمنى ألا يكون سقوط النظام عن طريق الحرب، رأينا أنفسنا مع هذا مستبشرين بسقوط هذا النظام الدموي عن طريق هذه الحرب.
سأختم مقالتي هذه بمقطع من مقال الكاتب عبد الوهاب بدر خان ردا على كلّ العهر أعلاه :-
(حتى لو انتصرت القوة العسكرية الاميركية في نهاية المطاف الا ان المقاومة الراهنة شوّهت هيبتها وداست غطرستها وقد تقودها الى مستنقع يعمق تورطها ويزيد خسائرها. هذه المقاومة يفترض ان تريح الانظمة العربية لا ان تقلقها، خصوصاً ان هذا العدو لا يخفي نياته الشريرة ضد العرب جميعاً. هذه المقاومة تلفت الى امر اكبر من النظام العراقي، واكبر من صدام حسين، انها تلفت الى ان الوطنية صنو الحرية، ومهما قست الظروف لا يمكن ان يكون الاخضاع والاحتلال بديلاً مقبولاً للوطنية) .
استلمت العديد من الرسائل تشيد بصراحة الجزء الأول من المقال ، وطالب البعض من الأصدقاء أن أكون أقل حدة ، ولكنني وبعد مشاهدتي لصور الضحايا وحجم الخراب هذا اليوم وسماعي خبرا عن تفجير أحد العراقيين الشرفاء نفسه في سيطرة للمحتلين وقتل خمسة جنود أمريكيين ، قررت أن أكون أكثر حدة مع الخونة .
* مقطع من قصيدة لي كتبت عام 1995