|
شافت الصليب قالت: والمصحف مانا واخدة تمنه!
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 6229 - 2019 / 5 / 14 - 05:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"رحت اشتري فانوس رمضان، لقيت نوع بـ 75 جنيه، ونوع بـ 15 جنيه. قررت أجيب أبو 15. جيت أدفع؛ الست البائعة شافت الصليب في ايدي. راحت قالت لي: محدش يقدر يفرق بيننا أبدًا، والمصحف مانا واخدة تمنه! كل سنة وأنت طيب. أخدت الفانوس ومشيت وأنا زعلان إني مأخدتش أبو 75 جنيه!” هذا البوست كتبه متصفِّحٌ اسمه "مايكل سامي" على صفحته، ناعتًا نفسه بـ"أول مسيحي يشتري فانوس رمضان”. وفي الكلمات القليلة تلك، وصفٌ تفصيليّ لحال وطن فريد وعجيب ولا شبيه له اسمه مصر: (المحبة عند الأقباط - تقدير المسلمين لتلك المحبة - خفة دم المصريين). رغم أن أقباطَ مصر، قد أثبتوا عبر المواقف الصعبة والمِحن، على مدى القرون والعقود والسنوات، كمْ هم وطنيون ومتحضّرون، طيبون وغافرون، إلا أن شهر رمضان الكريم بالتحديد، هو الحقلُ الأخصبُ الذي تتجلّى فيه سماتُ أقباط مصر الفريدة، ونقاء معدنهم. حين كنّا أطفالا، لا ندري عن الأديان شيئًا، في مثل الأيام التي تسبقُ رمضان، كانت ثمّة أمهاتٌ طيبات يقُلن لأطفالهن: “انزلوا علقوا زينة رمضان في الشارع مع أصحابكم وجيرانكم.” نحن الأطفال، لم نكن ندري أن نصف عددنا من صُنّاع الفانوس الكبير الذي نعلّقه بالحبال في منتصف الشارع، كانوا جيراننا المسيحيين. لكنّ الأمهاتِ يعرفن؛ لهذا هُنّ طيبات. نجمع قروشَنا النحيلة من "الحصّالات"، ونشتري أفرخَ الأوراق الملوّنة وقناني الصمغَ والفرشات وبكرات الخيوط وعصوات الخشب والمقصات وعُلب الألوان الفلوماستر، ثم نبدأ في إعداد غرفة العمليات، وتوزيع المهام على خلايا العمل. كنّا مؤمنين أن ما نقوم به في تلك الغرف المغلقة هو مهمة وطنية وقومية "خطيرة". فشهر رمضان المعظّم، (لن يزورَ شارعَنا) إن لم تعجبه الزيناتُ المعلقة فيه. ولن يدخل من نوافذنا حاملا بهجاته إن لم يَرُق له فانوس شارعنا الكبير. إن أخفقت عملياتنا فسوف يحيد عن عيوننا ويدخل الشوارع الأخرى ويزور الأطفال الآخرين. لهذا كانت الشوارع تتبارى والأطفال يتنافسون لكي تكون زينتُهم الأجملَ وفانوسُهم الأكبرَ. في الليل، يتجول شهرُ رمضان مُتنكّرًا بين الشوارع يتفقّد الزينات، ثم يدخل الشارعَ الأجملَ والأصدح باللون والنور لكي يملأه بالفرح. هكذا كًنّا نفكر. فكّنا وأشقاؤنا المسيحيون نتعاون على صناعة الجمال واستقبال الشهر الطيب الذي يعرفُ كيف يُجمّعنا على الحب. وكبرنا والعهدُ هو العهدُ. أجملُ الفوانيس أهداها لنا أصدقاء مسيحيون. أشهى فطور رمضانيّ، تناولناه على موائدَ مسيحية من الأصدقاء والجيران وزملاء العمل. أطيب التمرات تذوقناها كانت من أيادي شباب وصبايا مسيحيين يقفون على نواصي الطرقات يوزعّون علينا من طيبات قلوبهم ما نكسرُ به صيامنا إذا فاجأنا المغربُ في الطريق. والتمر، حكايةٌٌ كبيرة، وسِرٌّ خطير، ورمزٌ هائل. هل تدرون سرَّ التمرة؟ التمرةُ ابنةُ النخلة. والنخلُ نباتٌ رصين “تقيل”. لا يجود بخيره وشهده بسهولة. بل يتمهّل ويتروّى. ذلك الفصيلُ الرشيقُ الأنيق من الشجر، إن بذرتَ بذرتَه اليومَ، فلن تحصُدَ ثمارَه "التمرَ" إلا بعد سنوات طوال، قد تزيد عن العشرين. النخلُ هو "المعلم الأول" لبني الإنسان في درس: (الصبر). ذاك هو الدرسُ الأول. قد يزرعُ النخلةَ زارعٌ، ويموت عنها قبل أن يرى ثمرَها أو يتذوَّقَ شهدَها أو يستنشقَ رحيقَها. هو يدرك ذلك جيدًا، وراض بذلك جدًّا. يتعب في زراعتها: حرثًا وغرسًا ورِيًّا ورعاية وانتظارًا وصبرًا وتشذيبًا وتنقيةً، وتسلّقًا وقطفًا، من أجل أن يتذوّقَ شهدَها غيرُه. وهذا هو الدرس الثاني من المعلّمة الرصين “النخلة": (الإيثار). وفي المأثور القديم قرأنا عن الفلاح العجوز الذي شارفَ أبوابَ الفناء والموت، حين شاهده المارّةُ والسابلة وهو ينحني على ركبتيه لكي يغرس في الطمي فسيلةَ نخيل. توقّفوا واندهشوا وتعجّبوا ثم سألوه: ( أيها الهالكُ العجوز الذي تزحف نحو القبر، هل تأمل أن تشهدَ ثمرةَ بذرتك هذه؟) فأجابهم العجوزُ مبتسمًا: (زرع غيرُنا فأكلنا. ونزرعُ لكي يأكلَ غيرُنا.) لهذا فالتمرةُ هي: "الرهانُ على الآخر". هي إنكارُ الذات ومحبة الغير، وقتل الأثرة انتصارًا للإيثار. وهي "الصبر" على المكاره. كما نصبرُ ويصبرُ أشقاؤنا المسيحيون على ما نلاقي جميعًا من يد الإرهاب السوداء، والتطرف المريض. وهم لا يصبرون وحسب، بل يغفرون. ثم يُباركون الخُطاةَ الآثمين، ويدعون لهم بالمغفرة والصلاح! يصومون معنا رمضاننا، فلا يجاهرون بالإفطار أمام مسلم. ويحتفلون معنا بأعيادنا: "فرحًا مع الفرحين". لأنهم يؤمنون أن المحبة لا تسقط أبدًا، ولا تخيب ولا تخسر. لهذا فشهر رمضان هو شهرُ الأقباط، بامتياز. والأقباطُ هم المصريون كافّة. الأقباط الذين اِشتُقَّ من عِرقنا الأصيل اسمُ مصرَ الشريف Egypt. هاكابتاح (منزل روح الإله بِتاح)- قَبَط- كَبَط- إيخبتوس- إيجبتوس، إيجبت. وكل عام ونحن أطيب. و"الدينُ لله والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن.”
***
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطريدة
-
كونوا طيبين … حتى تطيرَ بالوناتكم!
-
دموعي … بين يدي الأبنودي
-
القيامة … البابا … رمضان … النقشبندي
-
مصرُ التي … على صفحة العائم
-
حوار مع متطرّف: نعم … أنا متطرّفة!
-
مَن يقرعُ الأجراسَ في باريس؟
-
الملك لير … سرُّ عظمة مصرَ
-
روچر … البودي جارد الذي خاصمني!
-
مصطفى الفقي … سَلطنة التشريح الفكر
-
في قانون التحضُّر: البقاءُ للأضعف!
-
الإسكندراني والسيسي وزيدان …. يا حفيظ!!!
-
أم كلثوم ... فيروز … شيرين
-
دائرةُ الحُب الأبديةُ في بيت لليان تراشر
-
العسراءُ الجميلة التي اغتالتها يدُ صهيون
-
ما هديتُكَ في عيد الأم؟
-
البابا شنودة و... برينتون تارانت
-
الأدبُ … حين يحمينا من المزورين | عن الصفحات الكاذبة
-
هنا أسيوط … والذي مصرُ تعيشُ فيه
-
على هامش ((تصويب)) الخطاب الديني
المزيد.....
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|