في هذه الأزمة الخطيرة، التي أوقعت الشعب والوطن فيها، تحاول الطغمة الدكتاتورية الحاكمة إظهار نظامها المجرم بأنه " مهتم" و" هاجسه" الرئيس الحالة الإنسانية للشعب العراقي، بينما هو المسؤول الأول والأساسي عن كافة الكوارث والمحن التي مر ويمر بها العراقيون والعراقيات.والأمين العام للأمم المتحدة والغزاة يتفرجون على المعاناة الإنسانية والكارثة الوشيكة ولا يحركون ساكناً..
الطغمة الحاكمة ترفض المساعدات الغذائية والطبية
أمس الأول اتهم وزير التجارة العراقي محمد صالح مهدي الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بالرضوخ للضغوط الأميركية، بإلغائه اتفاق" النفط مقابل الغذاء" وتعطيله وصول إمدادات الغذاء والأدوية إلى العراق. وطالبه بأن يسمح فورا، التزاما بقرار مجلس الأمن رقم 986 ، بدخول المواد الغذائية والطبية طبقا للعقود التي وقعتها بغداد، مشيرا إلى أن تلك المواد أعدت لتكفيه لمدة سنتين.بالمقابل أعلن الوزير، في مؤتمر صحفي عقده في بغداد، رفض حكومته قبول أي مساعدات إنسانية، بحجة "إن العراق بلد غني، ولا يحتاج لمساعدات".وقال: "إن لدى العراق عقودا لمواد غذائية وطبية معلقة لدى الأمم المتحدة تبلغ 21 مليار دولار، وتوجد في بواخر، والإمدادات الغذائية والطبية معدة لتكفي العراقيين للقتال مدة 6 أشهر"!!..
والإمدادات، التي يتحدث عنها الوزير" الهمام"، هي اليوم ليست تحت تصرف النظام، بينما الشعب بأمس الحاجة لها.وقد جاءت تصريحاته في وقت تستأنف فيه محادثات بين المندوبين داخل مجلس الأمن الدولي بشأن مقترحات كوفي أنان لتولي الأمم المتحدة مسؤولية العقود العراقية في برنامج " النفط مقابل الغذاء " وتكييفها مع الاحتياجات الراهنة فور استئناف وصول الإمدادات من جديد.
وتأكيداً على رفض النظام العراقي الحاكم للمساعدات الإنسانية، التي يحتاجها الشعب العراقي في هذه الأيان أكثر من أي وقت مضى، اكد وزير الخارجية السعودية سعود الفيصل بان المملكة قامت فى اطار مسؤوليتها فى خدمة الجهود الانسانية بتجهيز مساعدات انسانية شاملة لما يغطى عدد 24 الف نازح من معونات غذائية وطبية ومخيمات وذلك كمرحلة اولى تتبعها عدة مراحل تحسبا لاية احتياجات عاجلة، وتخفيفا للمعاناة الانسانية التى قد يتعرض لها المواطنون العراقيون نتيجة للعمليات العسكرية حيث يجرى تجميع هذه المساعدات الانسانية فى منطقة عرعر المتاخمة للحدود العراقية.وبين الفيصل انه تم ابلاغ المسؤولين العراقيين، خلال اجتماع وزراء خارجية دول الجامعة العربية، الذى عقد فى القاهرة قبل أيام، بالاجراءات التى اتخذتها المملكة لمساعدة النازحين، مشيرا الي ان الحكومة العراقية طلبت فى الاجتماع عدم توزيع المساعدات حتى تطلبها هى. .
نذر بكارثة إنسانية
رفض حكومة المجرم صدام حسين للمساعدات الإنسانية، التي يحتاجها المتضررون من أبناء وبنات شعبنا العراقي في العديد من المدن العراقية، يأتي في وقت يوشك فيه ما لدى السلطة من خزين على النفاذ. وقد حذرت المنظمات الدولية من حصول كارثة إنسانية في العراق، والحرب ما زالت في يومها السابع.
فقد حذرت عدد من الهيئات والمنظمات الدولية، والعديد من وسائل الإعلام التي تغطي الحرب الدائرة في العراق، من نذر كارثة إنسانية تبدو محققة لسكان مدينة البصرة، التي تشهد معارك ضارية بين القوات الأنجلو- أمريكية والقوات العراقية منذ 5 أيام. فأشار المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة " يونيسيف " في عمّان جافري كيلي إلى أن المياه مقطوعة عن البصرة لليوم الثالث على التوالي، ونخشى أن تنقطع نهائياً، لاسيما وأن محطة معالجة المياه، التي تعمل جزئياً الآن، لاتوفر سوى 40% من احتياجات البصرة.وقال كيلي إن عشرات الآلاف من الأشخاص يحاولون الحصول على المياه من النهر الملوث بمياه الصرف الصحي ومن مصادر أخرى. وحذر من أن الموت قد يكون مصير 100 ألف طفل دون الخامسة من العمر في المدينة نتيجة الجفاف والإسهال.
من جهتها أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن سكان البصرة البالغ عددهم مليونان ومائتين ألف نسمة مهددون بأزمة إنسانية بسبب توقف تزويدهم بالمياه اثر المعارك العنيفة الجارية في المدينة المحاصرة. وقال متحدث باسم اللجنة أن خطوط الكهرباء التي تزود إحدى محطات المياه الرئيسية قد دمرت جراء المعارك الجارية هناك، كما أن المحطة التي تزود سكان المدينة بالمياه تقع تحت سيطرة قوات التحالف. وأضاف المتحدث أن العاملين في الصليب الأحمر لم يتمكنوا من الوصول إلى محطة المياه الرئيسية، غير أنهم مصممون على الوصول إلى محطات التجهيز المعطلة لإصلاحها.
إلى ذلك عبرت منظمة العفو الدولية عن قلقها من وضع المدنيين العراقيين في مدينة البصرة الذين تنقصهم مياه الشرب منذ يوم الجمعة الماضي.
وكتب المحرر الدبلوماسي لصحيفة "الغارديان"، بعنوان: "أزمة وشيكة في البصرة بعد فشل القوات المتحالفة في فتح ممر لايصال المساعدات"،أشار فيه الى أن الأمم المتحدة حذرت من خطر هلاك 100 ألف طفل عراقي في المدينة إذا لم تتخذ إجراءات لايصال الماء والغذاء إليهم. وكانت صحيفة"الإنديبندنت" تناولت بالتحليل، في مقالة لمراسلها في عمان "الكارثة الانسانية الوشيكة في البصرة" بعد تحذير اللجنة الدولية للصليب الأحمر من انتشار الامراض بين سكان المدينة بسبب انقطاع الماء والكهرباء عنها".وقال مايكل جريجوري مراسل "رويترز" في جنوب العراق ان العراقيين يشربون مياها ملوثة من الابار وان اعدادا غفيرة تتردد على المستشفيات بحثا عن الادوية.
وفي السياق ذاته، يواجه السكان العراقيون مخاطر تردي الوضع الغذائي في المناطق العراقية المختلفة بسبب توقف الإمدادات الغذائية التابعة لبرنامج الأغذية العالمي بسبب الحرب الدائرة حالياً، إذ تشير معلومات برنامج الأغذية العالمي من نفاد الغذاء من أغلبية العراقيين خلال أقل من 6 أسابيع إذا لم يتم وضع خطط عاجلة وترتيبات دولية لتوفير كميات من الأغذية للسكان العراقيين.واكدت منظمة الاغاثة الكاثوليكية الفرنسية "سكور" في بيان لها أمس انها تلقت معلومات مقلقة من شريكتها منظمة " كاريتاس- العراق" بشأن الظروف التي يعيشها المدنيون في بغداد والموصل والبصرة. ففي بغداد افادت شهادة حصلت عليها من طاقم طبي يعمل في احد مستشفيات المدينة ان "عمليات القصف تسببت بالعديد من المآسي (وفيات وحالات اجهاض واطفال يولدون قبل اوانهم..) وان " مخزون الادوية ينفذ بسرعة في هذا المستشفى، حيث يعمل الموظفون فيه ليلا نهارا وهم مرهقون بالعمل منذ بدء القصف".وفي الموصل بشمال العراق اكدت فرق كاريتاس ان اكثر من 4 الاف شخص غادروا المدينة باتجاه قره قوش، مشيرة الى ان مساعدة من المواد الغذائية والادوية تقدمها كاريتاس انطلقت صباح الثلاثاء من بغداد باتجاه المنطقة. واكدت المنظمة الخيرية ان الوضع صعب ايضا في البصرة بجنوب العراق حيث انقطع توزيع المياه الصالحة للشرب منذ ثلاثة ايام و"السكان يستخدمون مياه النهر معرضين انفسهم لخطر الاصابة بامراض مختلفة مرتبطة بالتلوث".
من جهتها اعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها حيال "انعكاسات النقص في الوصول الى مياه شرب نظيفة على الوضع الصحي الذي قد يتدهور بسرعة ". وقالت المتحدثة باسم المنظمة في العاصمة الاردنية فضيلة شعيب: ان الاسباب الثلاثة الرئيسية لوفيات الاطفال في العراق هي الالتهابات الرئوية والاسهال والجفاف فضلا عن الحصبة.
وقال بريندان بادي- المتحدث باسم عمليات " انقذوا الاطفال في العراق": اذا امتد هذا الصراع سنشهد كارثة انسانية بسبب حساسية وضع الناس في العراق سواء في الشمال او الجنوب.وأكدت ذلك هانيا مفتي- مسؤولة قسم الشرق الاوسط في منظمة "هيومن رايتس واتش" لحقوق الانسان والموجودة حالياً في مهمة في شمال العراق، وقالت لوكالة "فرانس برس": ان اوضاع مجموعات من النازحين ممن يقيمون منذ ايام في منطقة سوران شمال اربيل سيئة للغاية وان السلطات الكردية تحاول مساعدتهم الا ان الامر غير كاف.
وانتقدت هانيا الامم المتحدة "بسبب قيامها بسحب موظفيها من الوكالات التي تعمل في المنطقة". وقالت ان عددا من العائلات الكردية تعيش "داخل خيم وفي ابنية المدارس في مدينة سوران القريبة من الحدود مع ايران بعد ان تركت منازلها في اربيل وكركوك ومناطق اخرى في كردستان وكذلك المناطق الخاضعة حاليا للسلطات العراقية".واضافت ان "هؤلاء النازحين لا يجدون وسائل الطبخ والتدفئة". واكدت ان "اي تدفق جديد للعائلات الى تلك المنطقة قد يؤدي الى حدوث كارثة انسانية" مشيرة الى الحاجة الى مساعدات خارجية.
المنظمات الانسانية تستعد لمواجهة حاجات كبيرة
تركز المنظمات الانسانية اهتمامها على الوضع في جنوب البلاد وخصوصا في منطقة البصرة حيث شروط الحياة تزداد صعوبة يوما بعد يوم ما يعرض للخطر حياة الألاف من المواطنين وبخاصة الأطفال.فقال متحدث باسم برنامج الغذاء العالمي في عمان مارتن روزيت:" بالطبع سوف نتدخل عندما تتوقف المعارك"، مضيفا "سوف ندخل عندما يتطلب الامر". وقال انه "يتوقع السيناريو الاسوأ"، مشيرا الى انه "من الصعب التعرف على الحاجات طالما المعارك مستمرة".واضاف: "عندما بدأت المعارك نعتقد ان العراقيين كانوا مزودين بمخزون يكفيهم 4 الى 6 اسابيع". وكان برنامج "النفط مقابل الغذاء" يؤمن المساعدة لاهالي العراق البالغ عددهم حوالى 27 مليون نسمة، 60 في المئة منهم يعتمدون بشكل كامل على البرنامج- بحسب روزيت الذي اشار الى ان العراق كان يتلقى 430 الف طن من المواد الغذائية في اطار هذا البرنامج.
وتعتبر وكالات الامم المتحدة ان المشكلة الاكبر تتمثل في هذه المرحلة بتأمين مياه الشرب في منطقة البصرة. وأعلن جيفري كيلي المتحدث باسم صندوق الامم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف": " نحاول الان نقل المياه الى البصرة"، مضيفا ان اليونيسف نقل امس-الأربعاء- الى الكويت 55 حاوية كبيرة من المياه، ويعمل على التفاوض من اجل ادخالها الى العراق. وقال "نحاول ادخال 35 ناقلة مياه الى البصرة والمنطقة المحيطة بها، ولكننا نواجه صعوبات بسبب استمرار المعارك في الجنوب".
واكد الصليب الاحمر الدولي والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين، في اتصال هاتفي مع صحيفة " الزمان"، امس الأول، ان جميع المدن العراقية التي تعرضت للقصف وهي البصرة والناصرية وكربلاء والنجف وسوق الشيوخ تعاني من مشاكل انسانية. لكن ممثلي المنظمتين قالا ان البصرة اصبحت حالة استثنائية حيث يهدد شح المياه داخل المدينة بحصول كارثة للمدنيين المحاصرين داخل المدينة. في غضون ذلك تحولت حاجة المدنيين العراقيين الي مساعدات انسانية عاجلة الي معركة سياسية يسعي الطرفان المتحاربان الي كسبها في وقت اكد السكرتير العام للامم المتحدة كوفي عنان امس الأول انه يتعين اتخاذ اجراءات انسانية عاجلة لمساعدة السكان في مدينة البصرة، حيث يحتدم القتال بين القوات الامريكية والقوات العراقية.
وقال مسؤول في المكتب الاقليمي للصليب الاحمر في العاصمة الاردنية عمان " نعطي الاولوية في عملنا لمدينة البصرة، الواقعة تحت حصار بريطاني منذ ايام عدة" وأضاف:" ان البصرة تعاني من انقطاع مياه الشرب عن الجزء الاكبر للمدينة بسبب تعرض خطوط الضغط العالي للقصف". واكد:" ان 40 في المائة من سكان البصرة، البالغ عددهم 2 مليون و 200 ألف نسمة، يحصلون علي مياه ذات نوعية رديئة بعد تمكن مهندسي المنظمة من اصلاح المحطة الرئيسة لمياه الشرب الخاصة بالمدينة.وتحتاج الى كمية كبيرة من الادوية الكيميائية لتكريرها".
وتعمل المنظمات غير الحكومية ايضا على تامين المساعدة للاهالي داخل العراق.فقد ارسلت منظمة "اطباء بلا حدود " أمس الأول من عمان- كما أفادت وكالة" أ.ف.ب" شاحنتين محملتين بالمعدات الجراحية الى بغداد، حيث يعمل فريق من 6 أطباء من دون انقطاع- بحسب ممثل المنظمة جان كريستوف ديل.
دور الأمم المتحدة.. تذكير المعنيين فقط !!
صرح المتحدث باسم الامين العام للامم المتحدة أمس ان كوفي انان ذكر مستشارة الرئاسة الاميركية لشؤون الامن القومي كوندوليزا رايس، خلال اجتماع معها، بان الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الرئيسية عن تنظيم المساعدات الانسانية في العراق.وقال المتحدث فريد ايكهارد في بيان تلاه:" ان الامين العام كرر الدعوة التي وجهها الى كافة الاطراف المعنية في النزاع لكي تحترم واجباتها الانسانية تجاه المدنيين". وتابع:" ان انان شدد خلال هذا اللقاء على استعداد الامم المتحدة للقيام بكل ما بوسعها من اجل تقديم المساعدة الانسانية الضرورية للشعب العراقي"، موضحا " ان قدرات الامم المتحدة في هذا المجال محدودة طالما لا تسمح الظروف الامنية بعودة موظفي الامم المتحدة ميدانيا". واضاف البيان: "حتى الان ينبغي على الولايات المتحدة وشركائها في التحالف ان تقدم المساعدة الانسانية في المناطق التي تسيطر عليها كما يفرض عليها القانون الدولي"..
وأمس صرح الأمين العام للأمم المتحدة بأن مجلس الأمن لابد أن يناقش مسألة إعادة تفعيل برنامج " النفط مقابل الغذاء"، وأعرب عن" ثقته من ان الأعضاء سيجدون حلا للأزمة، لقلقهم على المدنيين العراقيين وسيفعلون كل ما في وسعهم لمساعدتهم". وقال عنان إنه يعمل مع مجلس الأمن الدولي حاليا لضمان وصول المساعدات الانسانية للشعب العراقي من خلال استئناف برنامج " النفط مقابل الغذاء" بأسرع وقت ممكن"..
وفيما يقتصر دورالأمين العام للأمم المتحدة على تذكير الإدارة الأمريكية وحلفائها بمسؤولياتهم الإنسانية تجاه المدنيين،وإطلاق الوعود،مثلما وعد الرئيس الأمريكي قبل 6 أيام بوصول المساعدات خلال 36 ساعة، ولم يصل منها شيء للمتضررين، حتى ساعة إعداد هذه المتابعة، فإن الحالة الإنسانية في العراق تنذر بكارثة وشيكة، الأمر الذي يستوجب من كل الناس الخيرين في العالم التحرك على المعنيين فوراً لدرء الكارثة..!
* نشرت في موقع " الطريق" في 27 / 3 / 2003