معقل زهور عدي
الحوار المتمدن-العدد: 1538 - 2006 / 5 / 2 - 11:50
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
بالمقارنة مع دمشق وحمص وربما حلب مازالت حماة أقل تلوثا ، لكن ذلك لايعني الشيء الكثير .
فنهر العاصي لم يعد كما كان في الستينات ، حين كنا نذهب صغارا لشاطىء النهر في ( البشريات ) فنشاهد الحصى في قاع النهر تحت المياه العذبة الرقيقة ، كانت المياه صافية كمرآة تتلألأ تحت أشعة الشمس ، أما الآن فالمياه داكنة بفعل التلوث الشديد والحياة في النهر تكاد تكون معدومة ، أما الضفاف فتمتلىء بالفضلات التي ترميها المقاهي والمطاعم بحرية ، وفي وسط المدينة ( ساحة العاصي ) قرب جسر المراكب تفوح من النهر روائح لاتطاق .
لقد تبدلت علاقة المدينة بالنهر ، كان النهر رئة المدينة وشريانها الدافق بالحياة ، فأصبح مكبا للنفايات ومجرورا مكشوفا . وحين تفتقد حماة العاصي تصبح النواعير شكلا بغير معنى ، رمزا يحاول عبثا استعادة صورة حية لنهر ميت .
لاتقتصر كارثة التلوث على تدمير علاقة حماة بالعاصي ، ولكن تمتد الى أبعاد صحية لاحدود لها ، فمعظم خضروات حماة تأتي من البساتين القريبة من النهر ، والتي تسقى من مياهه ، وحتى هذه اللحظة لايوجد دراسة منشورة حول انتقال التلوث العضوي والكيميائي من مياه النهر لتلك الخضروات ، والله وحده يعرف ماذا بداخلها من مواد وعناصر مؤذية للصحة وحاملة للأمراض
في احدى ضواحي حماة ينشر معمل الزيت دخانا يحمل معه غبارا من نواتج عصر البذور ، وفضلا عن الرائحة القوية يترك ذلك الغبار كل يوم طبقة فوق النوافذ والشرفات ، وهناك شبهات قوية حول علاقته بانتشار الأمراض التنفسية في المنطقة السكنية المجاورة .
ليس الحال بأفضل من ذلك بالنسبة لمعمل الاسمنت الذي تعاني من دخانه قرية كفربهم القريبة من حماة الأمرين ، أما المقالع ومعامل الرخام فتنتشر بين القرى والمزارع بصورة اعتيادية .
يزداد كل يوم عدد المركبات في شوارع حماة الضيقة ، وقد قفز عدد سيارات التكسي من بضعة مئات الى أكثر من سبعة آلاف خلال ثلاث أو أربع سنوات فاذا أضفنا لهذا الاسطول عددا غير محدد من الشاحنات والسيارات الخاصة فالنتيجة أن أي شرفة سكنية قريبة من أحد الطرقات ستتلون بالغبار الأسود في اليوم التالي لتنظيفها . فأي هواء نستنشق؟.
يجري الحديث في الصالونات بحماة همسا عن ظاهرة اتساع غير طبيعي للاصابة بالسرطانات ، لكن يتساءل المرء : من سيهتم بدراسة هذه الظاهرة ومن يبالي ؟
كل ذلك لايمثل سوى جانب من حجم كارثة التلوث التي نعيشها وقد أصبحت بالنسبة لنا أمرا اعتياديا .
على مقربة من مجرى النهر الميت يقام مهرجان الربيع ، لكن ذلك لايشبه سوى عرس يقام في مقبرة ، حيث لاأحد يلتفت الى الميت الذي يصرخ في القبر.
#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟