|
الأهلية والإرادة في بناء الديمقراطية
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 6227 - 2019 / 5 / 12 - 19:30
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
في جميع القوانين الوضعية أو الشرعية في العالم يُشترط في قبول أي رأي أو شهادة أن تصدر عن شخص مؤهل . وقد ترتب على ذلك أن يكون صاحب الأهلية قد بلغ سن الرشد شرعاً أو قانوناً . وقد ذهبت قوانين بعض الدول لتحديد سن معيّن لذلك ، وأغلبها تكون في حدود الثامنة عشرة من العمر وأكثر . وفي قضايا أي تعاقد ، إشترطت أيضاً جميع القوانين الوضعية والشرعية توفر الإرادة الحرة عند صاحب الأهلية ، وتوجه إرادته لإحداث الأثر القانوني للتعاقد . كما في أي تعاقد ، فإن إشتراك أي فرد في الإنتخابات يعتبر إبراماً لعقد قانوني ، بإعتبار أن الناخب عندما يدلي بصوته لصالح أحد المرشحين ، فإنه يبرم عقداً مع المرشح يتوكل عنه في البت في القضايا العامة ، ومن هنا تأتي ضرورة توفّر شرطي الأهلية القانونية والإرادة الحرة في الشخص الذي يشترك في الإنتخابات ويُسمح له أن يُدلي بصوته . نفهم من أعلاه أن أي شخص قاصر أو ناقص الأهلية وأي شخص تشوب إرادته أية شائبة لا يكون صالحاً للإشتراك في الإنتخابات ، وإلاّ تكون مساهمته باطلة قانوناً . درجت جميع الدول لوضع الأسس القانونية للإعتراف بمواطنيها وسعة حقوقهم وأهليتهم للتمتع بكامل حقوق المواطنة ، أن تجري إحصاءات سكانية لتجمع المعطيات الواقعية عن السكان مما يساعد الحكومة على معرفة مدى إنطباق حالة كل فرد مع شروط تمتعه بحقوق المواطنة الكاملة ، حسب قوانينها الوضعية ، فمثلاً لا تمنح إجازة سوق المركبات إلى الشخص دون الثامنة عشرة من عمره . أو لا يُسمح للفرد أن يترشح لإنتخابات مجلس النواب ما لم يكن بعمر الخامسة والعشرين فما فوق . في بلدنا: لم تُجرَ أية عملية إحصاء للسكان ولذلك يشترك في الإنتخابات كل مَن يحمل " البطاقة التموينية " التي تمنحها وزارة التجارة إلى العوائل ، يتحدد بموجبها عدد أفراد العائلة التي على ضوئها يتحدد حجم الحصة التموينية ( فمثلاً في رمضان تستحق العائلة المتكونة من أربعة أفراد كيلوغراماً واحداً من العدس : لكل فرد ربع كيلوغرام ) و لا تحدد البطاقة التموينية أعمار أفراد العائلة وأهليتهم للإشتراك في الإنتخابات من عدمه. تختلف المقاييس في بلدان العالم جميعاً ، في مدى تمتع الفرد بالإرادة الحرة المجرّدة عن ضغوطات تؤثر فيه ، في إتخاذ قراره في إنتخاب مَن يشاء ، ففي البلدان الأكثر تحضّراً ، والتي تمت فيها ممارسة الإنتخابات لحقبات طويلة ، يكون الفرد قد كسب ضمانات عديدة تتمثل في إنتمائه إلى نقابات أو جمعيات تدافع عنه في حال تعرضه للضغوط ، وكذا وجود جمعيات مجتمع مدني تدافع عن حقوق الفرد ، ووجود قضاء وهيئات إدعاء عام تردع مَن يستخدم الضغوط على الفرد بصورة مفرطة . ولكن تبقى عملية الإنتخابات عملية صراع بين قوى متنافسة للفوز ، وتبقى الضغوط على الفرد لإستمالته لإنتخاب جهة دون أخرى ، وتلك الضغوط تظهر إعتيادياً في ممارسات الدعاية الإنتخابية التي تخرج ، أحياناً ، حتى في البلدان الأكثر تحضراً ، عن مجراها القانوني المقبول . في بلدنا : لا توجد نقابات لها السطوة للحفاظ على حقوق العامل ، لا توجد جمعيات فلاحية تدافع عن الفلاح ، هناك ميليشيات مسلحة منفلتة خارج نطاق الحكومة تجوب الشوارع ، هناك هيئة الإدعاء العام وهيئة مسماة " النزاهة " لا تحركان ساكناً ، هناك نظام محاصصي يتم بموجبه تنسيب أعضاء الهيئة العليا للإنتخابات من قبل الكتل النيابية ، هناك مزايدات علنية لشراء وبيع المناصب ، هناك إتهامات متبادلة بين الكتل السياسية بخصوص التزوير الذي ينتاب كل مرة تجري فيها إنتخابات ، ففي هذه الظروف تأتي مشروعية الأسئلة : 1. هل يا تُرى يكون الشخص المتديّن حرّاً في إرادته عند إدلائه بصوته في الإنتخابات وقد سمع مرجعه الديني يوصيه بإنتخاب الجهة الفلانية ؟ 2. هل يكون إبن العشيرة حرّاً في إرادته عند إدلائه بصوته في الإنتخابات وشيخ العشيرة أوصاه بإنتخاب جهة معيّنة ؟ 3. هل يكون العضو في ميليشيا حراً في إنتخاب مَن يشاء ؟ 4. هل يتراجع الفرد البسيط ، الذي إستلم بطانية أو صوبة علاءالدين أو قطعة أرض مقابل أن يصوت إلى فلان ، عن وعده وينتخب شخصاً غير الذي كوفئ من أجل إنتخابه ؟ 5. هل تكون الآلاف المؤلفة من الفضائيين المدرجة أسماؤهم في قوائم الرواتب ، سواء في السلك المدني أو القوات المسلحة ، يقبضونها بدون أن يباشروا عملاً في دائرة رسمية ، بفضل مسؤول عيّنهم ، هم أحرار في إنتخاب شخص غير الذي يريده صاحب الفضل عليهم ؟ 6. هل ترى يكون الأفراد المتورطون بقضايا تهريب النفط ، أو غسيل العملة من الصرافين ، أو تجارة وتصريف المخدرات ، لديهم الإرادة الحرة في إنتخاب مَن يشاؤون غير الذي يريده مسؤولهم المتستر على نشاطهم ؟ 7. هل يكون آلاف العاطلين عن العمل وخريجو الجامعات الذين لم يتم تعيينهم ، لديهم الإرادة الحرة لإنتخاب غير الذي يوعدهم بالتعيين ؟ مسؤولونا يتفاخرون بالديمقراطية التي تحققت على أيديهم لأنهم " وفروا للشعب حرية الرأي " و " الإنتخابات الحرّة النزيهة " و " التبادل السلمي للسلطة " التي نرى فيها التطاحن في تشكيل الحكومة بعد الإنتخابات ، والتي لم تكتمل على الرغم من مرور عام كامل على إجراء الإنتخابات ! فأي ديمقراطية هذه التي جاءت عن طريق ناخبين مشكوك في أهليتهم القانونية ، وبطلان إرادتهم ؟
رحم الله شاعرنا العراقي الذي قال :
ملكٌ ودستورٌ ومجلسُ أمة كلٌّ عن المعنى الصحيح محرّفُ .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دورُ حزب البعث في الإرهاب الداعشي !
-
- تَوافقٌ - أم تَسويفٌ
-
مُقَوّمات الحزب السياسيّ
-
الدَّبّورُ لا يَصنَعُ عَسَلاً
-
تحذيرٌ للنوّابِ المنتقلين
-
الحَسمُ مطلوبٌ
-
مُعَوّقات الإتفاق بين الأطراف
-
ماذا بعد العدّ والفرز اليدَوي ؟
-
التظاهراتُ لم تعُد عَفَويّة
-
طَبخةُ الحربِ الأهليّةِ
-
دودة الشجرة
-
فيروس مرض الطفولة اليساريّ
-
حذاري من الإنعزالية
-
لا يُلدَغُ المرءُ من جحرٍ مرّتين
-
نحنُ عملنا شيئاً ، فتُرى ماذا عملتُم ؟
-
لِمَن يَعقلون
-
جبهة للإنتخابات
-
لِمَ
-
خطابٌ إلى - مثقّفينا -
-
خِطابٌ لأولئك
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
-
غضب صارخ عند النواب اليساريين بعد تصريحات بايرو عن -إغراق- ف
...
-
النهج الديمقراطي العمالي يحيي انتصار المقاومة أمام مشروع الإ
...
-
أدلة جديدة على قصد شرطة ميلان قتل المواطن المصري رامي الجمل
...
-
احتفالات بتونس بذكرى فك حصار لينينغراد
-
فرنسا: رئيس الوزراء يغازل اليمين المتطرف بعد تصريحات عن -إغر
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|