|
الديمقراطية بين الخيال و الواقع
قصي حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1538 - 2006 / 5 / 2 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد وضع حمو رابي حسب المعطيات الأثرية و الوثائق التاريخية أول قانون مكتوب ينظم العلاقات بين البشر و لأن كانت هذه القوانين بدائية تعبر عن بداية تطلع البشرية للعيش المشترك و لفهم البشر لضرورة هذه القوانين فإن هذه القوانين كانت أول بادرة إنسانية (أول مسمار يدق في نعش الحرية الشخصية) ويقوض كل المبادرات الإنسانية اللاحقة في البحث عن الحرية و الديمقراطية (إذا ما فهمنا الديمقراطية كحرية مطلقة في التعبير و العمل و التصرفات الشخصية) حيث أن الإنسان لا يستطيع أن يكون حرا حرية مطلقة و هو يعيش ضمن الجماعة سواء أكانت مجموعة صغيرة أو حزب أو قبيلة أو دولة و بالتالي عليه الخضوع و كبت حريته و ديمقراطيته مقابل حرية و ديمقراطية الجماعة التي ينتمي إليها فكلنا قرأ أو سمع عن مثل السفينة المشهور و بالتالي فمن الواضح أن الإنسان ليس حرا على الإطلاق بل هو مقيد بعشرات القوانين و العادات و التقاليد و الأعراف التي إن تجاوزها غرقت السفينة أو غرق هو. إذا لماذا كل هذه الأحاديث و المقالات و غيرها عن الديمقراطية و الحرية لطالما أنها لا يمكن أن تتحقق على المستوى الإنساني؟ إن كل كلام سياسي أو غير سياسي عن الديمقراطية أو غيرها إنما هو مرتبط بهذا الشكل أو ذاك بمصالح المتكلم الخاصة (و أؤكد على الخاصة)سواء كان هذا المتكلم يعبر عن نفسه أو عن قبيلته أو عن حزبه ...الخ فإذا ما قررنا أن نبحث عن خلفية القوانين الإنسانية الموضوعة من قبل الأفراد أو الجماعات فعلينا أن ندقق في سيرة هؤلاء الأفراد و الجماعات و نبحث عن حياتهم و تاريخهم و مصالحهم فعندما يقول الإقطاعي للمزارعين أنا ديمقراطي و يتعامل معهم على هذا الأساس فعلينا أن نبحث عن مصلحة هذا الإقطاعي في هذا التعامل و ليس عن المبادىء التي يحملها فالمباديء إنما هي كذبة تاريخية وضعتها أفراد وجماعات لكي تبرر نهجها في الحياة و لكي تبرر مصالحها أمام الآخرين فمثلا أين تكمن الديمقراطية الفرنسية في قانون منع الحجاب في المدارس؟ و أين تكمن الديمقراطية الأمريكية في الحرب التي شنها بوش على العراق و أين؟..وأين؟ .. و ليس من قبيل الصدفة التاريخية أن توضع قوانين حمو رابي بل من قبيل الصدفة أن يكون حمو رابي هو من وضع هذه القوانين فالقوانين ليست مرتبطة بالأسماء بل بالمصلحة و بالتالي فالقوانين و تقييد الحريات هي القاعدة و الحرية و الديمقراطية هي استثناء و إلا لماذا يسنون القوانين لمنع التدخين في الأماكن العامة ؟ ولماذا قوانين السير؟ و لماذا قانون الانتخابات وغيرها من القوانين التي تحد من حرية الإنسان ؟ إذا ما الفرق بين هذه القوانين أو تلك ؟ طالما أنها كلها وضعت للحد من حرية الإنسان؟ مما لا شك فيه أن القوانين الموضوعة من قبل البشر إنما وضعت للحد من حرية الإنسان و انفلاته في كل شيء فالقانون متقدم على الحرية و ليس العكس و بالتالي القيد متقدم على الانفلات و الحرية أي أن القيود هي خطوة تقدمية من حيث المنظور التاريخي .و بالتالي فالصراع بين البشر لا يتم على الحرية و الديمقراطية بل يتم على نوعية القيود و القوانين التي تحد من حرية الناس بهذا الشكل أو ذاك و تكون الغلبة للأقوى على كل الصعد فعندما تدعي (الطبقة العاملة) أو ممثليها المفترضين أنها هي مع الحرية و الديمقراطية إنما بذلك تكون تسن قوانين تحد من حرية أصحاب المال و أيضا العكس هو صحيح فالبرجوازية بقوانينها إنما تحد من حرية و ديمقراطية الطبقات الأخرى و بالتالي لا يدور الصراع هنا على الحرية التي هي مفهوم نسبي بالمطلق بل على نوعية القيود التي تحقق مصلحة ما لهذه الطبقة أو تلك لهذه النخبة أو تلك و لأنه في الوطن العربي لم يتضح الفرز الطبقي كما حدث في أوربا فقد أخذت زمام الحكم فئات ونخب مختلفة من الشعب بدأ من الجيش و انتهاء بالقبيلة و العائلة و بالتالي فالقوانين الموضوعة كانت و ما تزال أكثر إجحافا من القوانين الموضوعة في أوربا التي بسبب التطور التكنولوجي أخذت تتلمس مدى أهمية أن تكونا قوانينها أكثر عدلا و أقل جورا و مع ذلك فالقوانين الأوربية ليست أكثر حرية بل العكس فان الحرية هي بالفعل في دول العالم الثالث وهذا ليس ميزة من وجهة نظر التاريخ بل هو تخلف لنأخذ قانون الصيد ففي الدول المتخلفة لا يوجد قانون يحد من عملية الصيد و إن وجد إنما هو وجود شكلي لا قيمة له لأن الإنسان في هذه الدول هو حر لدرجة عدم التزامه بالقوانين الموضوعة له...يتبع
#قصي_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تطور الطبقة العاملة نموذجا-الإمارات العربية المتحدة
-
اليمقراطية
-
أزمة النظام في سورية
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|