أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجدد















المزيد.....



مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجدد


احسان طالب

الحوار المتمدن-العدد: 6226 - 2019 / 5 / 11 - 21:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يناقض العالم الإسلامي ذاته من خلال سيره الحثيث في مجريين مختلفين فمن جهة يلهث العرب و المسلمون في الجري وراء أسلوب الحياة الاستهلاكية المتبعة في الغرب ويقومون باقتناء وامتلاك كل ما تنتجه الحضارة الغربية من منتجات استهلاكية و تكنولوجية بدءا من الجينز و مرورا بالسيارات الحديثة و انتهاء بملاحقة أخر منتجات ثورة الاتصالات و شرائها و استعمالها، ومن جهة ثانية يزداد الصراع حدة و تصعّد المواجهة الفكرية و السياسية والثقافية بدءا من تأييد نسبة لا يستهان بها من العامة و النخب لإرهاب ابن لادن و قاعدته و مرورا بالردود العنيفة على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم ـ 1 ـ و انتهاء بتأييد الاقتتال المذهبي الدائر في أكثر من منطقة عربية ، تحت شعارات مختلفة و متنوعة ليس أقلها جواز قتل المسلمين الموالين للكفار من المحتلين و أعوانهم . و عد المخالف في الطائفة خارجة عن الملة ضالا لا تشمله الفرقة الناجية.
تشير الدراسات الاستراتيجية و الاقتصادية إلى أن كل من الهند و الصين دخلتا حلبة الصراع الدولي كقوتين عظيمتين قادرتين على منازعة القوى الإستراتيجية والاقتصادية التقليدية السائدة في عالم اليوم ( أمريكا ــ أوروبا ــ اليابان)
(ولم تتردد مجموعة كبيرة من التقارير الاستراتيجية، التي صدرت عن مؤسسات دولية، مثل «صندوق النقد الدولي» و «البنك الدولي» و «منظمة التعاون والتنمية» و «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية» وغيرها في الإشارة إلى الهند باعتبارها دولة صاعدة إلى مستوى القوة الكبرى. ) جريدة الحياة اللندنية الحياة
ويعتقد أنّه في مقدور الصين أن تنافس أهم الدول الصناعية المتطورة في العالم ، و تعتبر «شيآن» من أكثر مُدن الصين حداثة. وهي مهد برنامج الفضاء في الصين، إضافة إلى دورها في صناعة الطائرات، كما أنها جزء من تجمّع لمراكز الصين التكنولوجية، الذي يُسمى «سيليكون فالي» الصين. ويمتد على مساحة 35 كيلومتراً مربعاً ويضّم 7500 شركة، كما تدعمه أكثر من 100 جامعة تُخرّج 120000 طالب سنوياً، يُتابع نصفهم تخصصه في علوم الكومبيوتر.
وبالنظر إلى مجموع الدول العربية وما تقدمه للعالم من إسهام ثقافي واقتصادي ـ باستثناء الإنتاج الريعي المرتكز على تصدير المواد الخام المتمثل في النفط في الدرجة الأولى ـ نلحظ بدون عناء ، تذيل الدول العربية في مجموعها للقوائم والإحصاءات المعلنة والدالة بجلاء ووضوح على أن المستقبل القريب لا ينبئ سوى بمزيد من تدني المستويات التنموية والاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية.
لقد قدر الناتج الإجمالي المحلي للدول العربية مجتمعة ب 531.2 بليون دولار في عام 1999 وهذا أقل من دولة أوروبية واحدة كإسبانيا مثلا 595.5 بليون دولار، و الفارق أخذ في الاتساع حيث أن الاقتصاد العربي ككل يحتاج أن ينمو بمعدل 5 % سنويا على الأقل لاستيعاب العاطلين عن العمل حاليا والداخلين حديثا لسوق العمل فإن النمو الحالي هو بمعدل 3.3 % فقط ـ تقرير التنمية العربية.
إن كلاُ من الصين والهند دولتان علمانيتان تم الفصل فيهما بشكل نهائي بين السياسة والدين وبالرغم من تناقض أسس النظام السياسي القائم في كل منهما حيث تعتبر الهند موطن أحد أعرق الديمقراطيات في العالم ، فإن الصين مازالت مترددة في هذا المجال وما زال نظام الحزب الواحد هو السائد والمسيطر على نظامها السياسي، وما زالت فكرة الديمقراطية بعيدة بل وغريبة عن الأجواء الثقافية السائدة لديها.
بالرغم من ذلك كله إن كلاً من الدولتين اللا دينية حسب دستورها ، تعدان شعوبها بمستويات من التنمية والتقدم والتطور عالية تبشر بضمانات للأجيال القادمة تمنع ذوبانها واضمحلالها في خضم العولمة السائرة بلا هوادة في عالمنا المعاصر.
أمام هذا الاستعراض المبسط جداً وتلك المقارنة المباشرة نتلمس جملة من الحقائق المنطقية يغفل عنها الرأي العام في البلاد العربية ويسعى النظام السياسي العربي القائم إلى مغالطتها والقفز فوقها.
ليس هناك رابط حقيقي أو علمي بين أسلمة النظام السياسي والشرعنة الدينية للقوانين من جهة، وبين تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية من جهة أخرى.

إن تحقيق الدول العلمانية للتطور والتقدم والتحضر يؤكد على أن الأسس الأصولية الدينية ليست ضرورية لقيام ذلك كله بل قد تكون معوقة ما لم تدرس بشكل موضوعي و علمي، فالهند التي يتعايش فيها مئات القوميات والديانات ويقارب عدد سكانها من المليار نسمة، لا يعد دين الدولة فيها ذا أهمية ولا ركيزة للتعاون والتعاضد بل الالتفاف حول مبادئ المساواة والديمقراطية والمواطنة هو الرابط والضابط المحدد لطبيعة الانتماء للوطن.
أما في الصين التي تزحف نحو المليار ونصف نسمة من السكان، فإن الغالبية من الصينيين إما بوذيون أو لا دينيون ويشكل المسيحيون والمسلمون نسباً طفيفة من التركيبة الديمغرافية الصينية. ومع ذلك لا تتكئ ولا تستند السياسة الصينية والنظم الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيها على مبادئ دينية بل على العكس من ذلك تقوم على أسس لا دينية وعلمانية. ولم يتسبب ذلك في انهيار حضارتها ولا في ضياع هويتها القومية أو اندثار تراثها الثقافي والفكري والحضاري .
إن الخوف غير المبرر من عزل الدين عن السياسة والنظم والقوانين السائد والراسخ في العقلية العربية واللاوعي الجمعي العام لدى شعوب الدول العربية، يتسبب في خلق عقبات ومعوقات صلبة تقف في وجه مواكبة التقدم والتطور والتنمية.
بل على العكس من ذلك فإن ارتباط النظم الاجتماعية بقيود وضوابط انطلقت حضاريا من الفكر الديني الأصولي ساهمت بشكل كبير في اختلال التركيبة الاجتماعية للعديد من الشعوب العربية.
ففي مصر مثلاً التي غدا التدين فيها ظاهرة تكاد تكون شاملة ومسيطرة، وتتحكم الأفكار الأصولية بوجدان وتحركات وأفعال الناس فيها، نجد أن تلك المبادئ الدينية أخلاقية كانت أم فكرية أم معرفية لم تتمكن من حل الأزمات المستعصية والمشاكل المتنامية على الصعيد الاجتماعي. ففي موضوع علاقة الرجل بالمرآة نلحظ نسباً عالية للعنف الأسري ونلحظ نسباً مرتفعة للطلاق كما وتذهلنا أرقام العنوسة المنتشرة بين الشباب والفتيات وتصدمنا حالات إنكار النسب في المحاكم المصرية.
فإن هناك 9 ملايين شاب وفتاة فوق الـ35 عاماً لم يتزوجوا، منهم 5.5 مليون شاب لم يتزوجوا و3.5 مليون فتاة فوق سن الـ35 لم يتزوجن، أي أن ثمة مليوني شاب زيادة عن عدد الفتيات.و هناك 13 مليون فقير و4 ملايين تحت خط الفقر، مما أدى لتراجع معدلات الزواج وارتفاع معدلات الطلاق. موقع العربية نت 25 يونيو 2006م نقلا عن جريدة الشرق الأوسط اللندنية.
أمام هذا الاستعراض السريع يمكن القول ببساطة بأن الفكر الديني الأصولي المسيطر لم يتمكن من إيجاد الحلول المناسبة بل ولم يستطيع الحد من تفاقم الأزمات والمشاكل السائدة. لذلك لا بد من النقد و المراجعة وإفساح المجال لتجاوز الكلية و الشمولية في مفهوم الأسلمة و التدين.
إن الخشية الحقيقية ينبغي أن تنبع من تلك العودة والهجمة الشعبية والنخبوية إلى تحكيم التراث والأصولية بشكل صارم وتفصيلي في كل مفاصل الفكر والنظريات والنظم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وما يرافق ذلك من تواكل وإغراق في الاعتماد على الغيبيات مع إقصاء العقل وحصر وظيفته ومهمته بالبحث في مناقب التراث و استخراج الأحكام الضابطة للنظم و القوانين استنادا على الأحكام التي قررها السلف وارتضوها لأنفسهم في الماضي .
فالأصولية إذن ليست هي الحل بل هي المعوق للتنمية و التطور بدأ من محاصرتها للمرأة التي تشكل نصف القوة البشرية التنموية و عبر تنقيبها و اختصار مهمتها في الحياة بإرضاء الزوج و إشباع رغباته و مرورا بحجرها على الفكر و الحرية ووصولا إلى تشجيعها لثقافة الموت وقتل الآخر و الانتحار بدعوى الاستشهاد .
و تعتبر ازدواجية النصوص في الفكر الديني الأصولي مشكلة مستعصية على الحل لم يتمكن من الخروج منها وتجاوزها كبار الكتاب والمفكرين الإسلاميين حتى وقتنا الحالي، وتعود العقدة في أساسها إلى التضارب في العديد من مفردات المنقول القابعة فوق العقل.
حاول الأستاذ محمد الغزالي في كتابه فقه السيرة رد بعض الأحاديث والروايات الصحيحة المنقولة عن النبي (ص) استنادا للقواعد الجامعة والأصول العامة، لكن تلك المحاولة لم تلقى الصدى وما زالت النصوص التي ردها قائمة يعمل بها كحديث (لا يقتل مؤمن بكافر) صحيح البخاري كتاب الديات.
وفي حين كان القرضاوي في كتب سابقة ـ الفكر الإسلامي المعاصرـ يتحدث عن حقوق المواطنين غير المسلمين نجده ـ ولوقت قريب ـ يبيح وأحيانا يدعو لقتل اليهود والنصارى و الأمريكان من المدنيين وغيرهم في الأماكن التي يعتبرها دار حرب. وقد يغيّر سماحة الشيخ فتواه حسب الظروف السياسية المتقلبة.

وفي الوقت الذي يعتبر سيد قطب في كتابه الظلال أن حرية الاعتقاد هي أول حقوق الإنسان التي يثبت له بها وصف إنسان . ـ الظلال جـ 1 ص 425 ـ من حيث المبدأ و ليس من قبيل التطبيق ، في المقابل نجد أن محمد قطب في كتابه جاهلية القرن العشرين يعتبر كل المجتمعات العربية الإسلامية أكثر جاهلية من العرب البدو وربما أكثر كفرا.
وفي تقديري فإن هذه الازدواجية إنما جاءت بداية من النصوص المتعددة والمختلفة في المسألة الواحدة مما تسبب في إرباك في الفهم، وعجز عن الوقوف إلى جهة محددة أو حكم واحد.
ففي مسألة قتال الكفار نجد ما يلي : هناك نصوص عديدة لا لبس فيها تدعو لقتال المشركين في كل وقت وفي أي مكان ولا يكف عن القتل والقتال إلا بإسلام المشركين، أو خضوعهم من هذه النصوص :
( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) سورة البقرة الآية 193
قال الشوكاني في تفسير هذه الآية : فيه الأمر بمقاتلة المشركين إلى غاية الدخول في الإسلام والخروج من سائر الأديان. فتح القدير مجلد 1 ص 191 ، ويرى المفسرون أن هذه الآية جاءت حاكمة على ما جاء قبلها من أوامر الصفح والكف والعفو وعدم المبادرة بالقتال.
( ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ) سورة الفتح آية 16.
و الآية 29 من سورة التوبة فيها الأمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ." قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ)
( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) سورة التوبة آية 5 .
وفي المقابل نجد آيات عامة وذات دلالات متعددة اختلف المفسرون في أحكامها من ذلك ، تتضمن إفشاء السلم ورفض الإكراه أو الجبر بالاعتقاد
( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ) سورة البقرة الآية 208 ــ
( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) سورة البقرة ــ الآية 256
وباستقراءٍ لآراء المفسرين في الآية الآمرة بالدخول في السلم لا نجد أي منهم اعتبر كلمة السلم مقابل الحرب بل أجمعوا على تفسير السلم بالإسلام وبرروا النداء للمؤمنين واعتبروا المقصود بالنداء هم المسلمون والمنافقون وأهل الكتاب. وليس بالضرورة أن يكون ذلك الفهم أو القصد نهائي وملزماً.
أما آية لا إكراه في الدين ولتي تعد من أكثر الآيات وضوحاً في مجال حرية الاعتقاد لم تكن كافية للتخفيف من قوة وضراوة الآيات الأخرى الآمرة بالقتال. وبالرغم من أن العبرة عند المفسرين في عموم اللفظ لا في خصوص الحادث الذي تسبب في نزول الآية. إلا أننا لم نرى أحداً من المفسرين اعتبر آية الإكراه ناسخة لغيرها أو مقيدة لأحكام أخرى.

(كانت الجماعة السلفية للدعوة والقتال (قائدها أبو مصعب عبد الودود) تدخل القرى الجزائرية النائية فتقتل الرجال والنساء والأطفال وتترك البلدة خراباً ودمار) حسب الرواية الرسمية
وذلك تحت ذريعة قتال المرتدين، وعندما يسألون عن قتل النساء والأطفال يحتجون بـالآية (ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً)سورة نوح الآيتان 26-27
وللعلم فقط فهذه الجماعة مؤيدة لأعمال الانتحاريين في العراق وأفغانستان. و تحولت أخيرا بتوصية من ابن لادن إلى قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي.

بتاريخ 20.4.2005 وجدت الشرطة العراقية على بعد 50 كيلومتر غرب بغداد، ثمان وخمسين جثةـ قتلوا وذبحوا حديثاً. وبين المذبوحين أطفال صغار وبنات.
وهنا لا بد من الإقرار بوجود نصوص خاصة يجد فيها المتطرفون السند والدعم والحجة لارتكاب جرائم القتل والذبح وتقطيع الأطراف (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتـّلوا أو يصلـّبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف) سورة المائدة الآية 33
((من بدل دينه فاقتلوه) حديث نبوي رواه البخاري
بتاريخ 25.4.2005 أوردت جريدة الجزيرة السعودية الخبر التالي : مائتين وخمسة عشر رجلاً وامرأة يدخلون الإسلام في محافظة الدوادمي منذ إنشاء مكتب الدعوة والإرشاد حتى الآن.
هؤلاء الرجال و النساء بدلو دينهم الأصلي ودخلوا في الإسلام، وذلك محل ترحيب وتشجيع لكن السؤال الخطر ما لو حصلت ذات الحادثة بين مسلمين ؟
تعد مسألة قتل المرتد من الأحكام الشائكة في الفكر والفقه ذلك لما فيها من تناقض مع حرية الاعتقاد وحدّة في التعامل مع الرأي الآخر، ففي الوقت الذي يرحب فيه المسلمون بمن ينضم إليهم من أديان أخرى تاركاً دينه القديم، نرى عامة المسلمين ونـُخب المتدينين يثورون عندما يرون أحداً من أبناء دينهم قد بدل دينه، وتصدر الفتاوى بتحليل دمه، كما حصل مع الكثيرين من المفكرين والكتاب. عندما نشر سلمان رشدي كتابه آيات شيطانية في أواخر الثمانينيات، أصدر الخميني حكماً بإهدار دم الكاتب والناشرين وقطعت إيران علاقاتها يومئذ مع بريطانيا.

كذلك أصدر قاضٍ مصري فتوى بتكفير (نصر حامد أبو زيد) وتطليق زوجته، ـ 2 ـ وهدر دمه. وطعن أحد الشبان الكاتب نجيب محفوظ في عنقه رداً على ما كتبه حامل جائزة نوبل من روايات.

والأمثلة كثيرة في تاريخنا القديم والحديث ( وكم من عالم مسلم دفع حياته ثمناً لإبدائه رأياً، فهذا المولى ظهير الدين الأردبيلي اتهم بالتشيع فقبض عليه وحكم عليه بالإعدام فقطعوا رأسه وعلقوه على باب زويلة بالقاهرة ) حسن صفار، التعددية ص203
وقد يذهب بعض المشايخ إلى حد بعيد في أحكام الردة ويعتبرون أعمالا أو إشارات معينة تكفر صاحبها وتهدر دمه إذا رفض العودة عن كلامه أو فعله فتنفذ عليه أحكام المرتد. وأذكر بعضاً مما جاء في كتاب الكبائر للإمام الذهبي والتي تعتبر ردّة (لو تشبه بأهل الكتاب، لو قال المسلمون في عيني كاليهود، لو تمنى أن لا يحرم الله الزنا) وربما يفسر ذلك من بين عوامل أخرى ، ما نراه اليوم من أعمال إرهابية يقوم بها بعض المندفعين والمتأثرين بنصوص ونـُـقـولٍ لا تترك مجالاً للرأي الآخر. وتعتبر مجرد الاعتقاد بل وحتى مجرد القول ردة يجب التعامل معها بحد السيف.
و على النقيض من التطرف و التشدد و التكفير و إهدار الدم و قتل من غير دينه تدعو العلمانية بنظرياتها إلى إقرار عام بالحريات العامة والخاصة ، و تشكل حرية المعتقد وحدة أساسية من تلك الحريات التي تشمل أيضا حرية الرأي والتعبير و النشر و التجمع العفوي والمنظم ، وهنا نلحظ عدم صلاحية أو قدرة الحرية الدينية في فرض مستلزماتها التشريعية على الحقوق العامة القائمة وفقا لأسس علمانية.
أما الأصولية فهي تحكيّم وتحكّم في أمور الحياة و السياسة و الاقتصاد و الثقافة و المجتمع وفقا لضوابط وقواعد شرعية صارمة منصوص عليها أو مستنبطة و مستخرجة من القرآن و الحديث و اجتهادات العلماء و الأئمة و الفقهاء و تنبذ من يخالفهم و تحارب من يعارضهم.
ولا يفيد أهل التشدد و الأصولية الجديدة الدعوة في كل مناسبة أنهم أهل التسامح والرحمة والعدل استنادا لنصوص و حوادث تاريخية، ولا بد من الاعتراف والإقرار بأن ما يدفع الأجيال نحو الإرهاب ليس فقط تصرفات أعدائنا، بل وثقافة تجذرت في أعماق وعينا وأنبتت تصلباً وتعصباً بلغ حد القتل والذبح، بمجرد الاشتباه بقول أو فعل بسيط (إنه يجب قتل المرتد وهو إجماع وإنما وقع الخلاف هل تجب استتابته قبل قتله أولاً) سبل السلام للصنعاني مجلد 2 ص 264

(إن أعمىً كانت له أم ولد تشتم النبي (ص) وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة أخذ المعول فجعله في بطنها واتكأ عليه فقتلها، فبلغ ذلك النبي (ص) فقال : ألا اشهدوا فإن دمها هدر) رواه أبو داوود ورواته ثقات، المصدر السابق ص266.

مثل هذه النصوص والنقول لم يدسها المستشرقون في كتبنا، ولم ينقلها أحد عن كتب حكماء صهيون، بل هي آثار ثابتة وموجودة وهناك ما هو أشد منها ولا يعقل أننا في كل مرة ندفن رأسنا في التراب ونلقي تبعة البلاء على الآخرين.
تؤلف كتب عديدة نمتدح فيها رجالاً ونساء تركوا دينهم الأصلي ودخلوا في ديننا ثم نعتبر المرتد ـ وهو حكم قد يكون سببه جملة أو بضع كلمات ـ خائناً للأمة والوطن مهما كان تاريخه أو توجهه، فنهدر دمه وندعو لقتله.
لقد دعم الفكر الأصولي متلازمة العنف و الدين و أتاح بوفرة الحجج الدينية لتبرير القتل و التدمير والتغير الجبري للغير، قارنا قيم الجهاد و الدعوة بمفاهيم الانتحار و الموت مع تضمين لغايات الخلاص و الفوز قتل الآخر و نبذ المختلف ، و بذلك أضحى من الصعوبة التفريق بين الأصول الإنسانية في الفكر الديني و بين ثقافة الموت و الجمود و الانغلاق ، و بات من العسير إقامة الحجة و جلب الدليل على الفصل بين الممارسات العنيفة للجهاديين و بين الأدلة الشرعية التي يتقنون أصولها ويعرفون بدقة مراجعها ، مالم يتصدى لذلك علماء وبحاثة أكفاء .
الراديكاليون الجدد:
طبقة من الدعاة متشددون يتحلون ببعض المظاهر الحداثية في اللباس وأسلوب خطابي يساير لغة العصر، من جهة استخدام مصطلحات لغوية مشتقة من العلوم الإنسانية والفلسفية، يسخّرون ما أمكن من وسائل التكنولوجيا الرقمية، وليس في ذلك مشكلة لكن الإشكالية هي في جوهر الخطاب الدعوي المتسق ومنهج احتكار العلوم والمعارف والحضارات ضمن الرؤية الدينية الأيديولوجية المغلقة ، في ذات الوقت حشر العلوم الطبيعية والإنسانية بمنطق المفاهيم الدينية البحتة.
ثقافة التشدد و الراديكاليون الجدد يدعون إلى تنفيذ حرفي لكل ما صح في التراث المنقول بدون مناقشة أو مراجعة ، بل والبعد عن البحث في تفسيرات و تأويلات تخالف بعضا من النصوص باعتبارها متعارضة مع القيم العليا للديانة السماوية أو باعتبارات تاريخية ظرفية والمشكلة هنا أنهم يملكون المرجعية و السند و لا يعجزهم البحث عن آيات و أحاديث و أحكام و فتاوى مبثوثة على صفحات الموروث السلفي .
أمام هذا الواقع العملي المحصن بالنظرية غدا من الصعب الرد على مقولات لباحثين غربيين لا يجدون إمكانية لتبرير الفصل بين العنف و الدين :
( يمكن التأكيد أن القرآن والسنة يدعمان بوضوح استخدام القوة ضد أصحاب المذاهب الأخرى، وخصوصاً عندما تخدم مصالح " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " (السورة آل عمران الآية ( 110.
لا يبدو في ظاهر الآية دليل على استخدام العنف ضد أهل الكتاب من قبل المسلمين إلا أن السياق يدل على إبعاد الخيرية عن أهل الكتاب بحجة الإيمان ، فالثقافة القانونية الإسلامية تتشبث بثبات بهذا المبدأ الأساسي، سأكتفي بمثال واحد،
(إذا ارتد مسلمٌ ، وكان مستوفياً لشروط الردة – بحيث كان عاقلاً بالغاً مختاراً - أُهدر دمه ، ويقتله الإمام – حاكم المسلمين – أو نائبه – كالقاضي – ولا يُغسَّل ولا يُصلى عليه ولا يُدفن مع المسلمين .
ودليل قتل المرتد هو قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " رواه البخاري (2794) . والمقصود بدينه أي الإسلام .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " رواه البخاري 6878 ومسلم 1676
وبهذا يتبين لك أيها السائل أن قتل المرتد حاصلٌ بأمر الله سبحانه حيث أمرنا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم) موقع الإسلام سؤال وجواب الشيخ محمد صالح المنجد
(يحتوي القرآن الكريم على نصوص معيارية على متشابهة. فمنع القتل الذي يستشهد به غالباً موجود في السورة المائدة، الآية 32(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) لا ينطبق إلا على أعضاء المجتمع الإسلامي الموحد. يحق للمؤمنين وحدهم أن يقتلوا رفيقاً مؤمناً ضمن إطار الثأر (قارن. اسورة البقرة الآية 178 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) وكذلك الآية 45 من سورة المائدة : كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ(

( ومع ذلك فان جوهر المشكلة لا يكشف بمجرد اقتباسات من كلمات موثقة. بل يكشف حقاً عندما يتمعن المرء تماماً بالعلاقة بين الكلمة المقدسة والعالم الحقيقي. ) ـ 3 ـ
جوهر الإشكالية في علاقة النص بالمجتمع ليست محصورة بالمنقولات التراثية النصية فقط بل في كيفية تلقيها والتعامل معها وطريقة فهمها والظرف السياسي المحرض ،وتصنيفها وأدوات وآليات الاستنباط منها وحدود إلزاميتها.
وفي مقابل وجهة النظر تلك يطرح ليبراليون إسلاميون و جهة نظر مغايرة ترى إمكانية إعادة قراءة النص و تفهمه بصورة متعارضة مع الفهم السلفي :
(النصوص هي التراث الحي وفي النظر إلى النصوص الدينية وفي التعامل معها، فإن الحركة الليبرالية الإسلامية لها ميزة خاصة، تجعلها مختلفة من غيرها. فهم ينظرون إلى النصوص الدينية بأنها تراث وراثي حي دينامي ومصادر للرجوع إليها. وهذه النظرة يمثلها أناس أمثال محمد أركون وحسن حنفي وفضل الرحمن ونور خالص مجيد وغيرهم. وفي نظرهم إن النص مصدر للإلهام، ومصدر لعملية التكيف والضبط والتعديل. ولذلك، ففي قضية النصوص التي تعتبر قطعيا من الناحية الشرعية، لابد من إعادة تفسيرها وخاصة لأن عددها قليل ومحدودة.) ـ4 ـ
و هكذا يُوقع أصحاب الالتزام بالنص كامل النص مقترنا بالشروح و التأويلات السلفية عامة المسلمين في مأزق خطر يصعب الخروج منه . فالحفاظ على مفاعيل التدين الإيجابية و المتمثلة في الدعوة إلى فعل الخير المجرد و التسامح و الصدق و الأمانة والاتقان و المحافظة على حقوق الغير أمر لا ينبغي أن يتعارض مع ثقافة الحياة و التعمير و البناء الحضاري .
الأصولية ليست هي الحل و عزل السياسة عن الدين يصب في المقام الأول في مصلحة المكوّن الاجتماعي الديني الذي تدك أركانه الأصولية الجديدة و ثقافة الموت و التزمت و الانتحار؛ تلك الثقافة التي لا تستطيع التلاؤم و التعايش مع المختلف حتى ولو كان منطويا تحت المفهوم العام للإسلام . المفهوم الصلب للأصولية السياسية الإسلامية يفرض إقصاء الآخر و خضوعه للقواعد و الضوابط النصية والظرفية الطارئة والمتغيرة، في حين يفترض المجتمع العلماني أن لا يطالب بإلغاء الشريعة و فصل الدين عن المجتمع ، بل يتيح للجميع فرصة التآخي مع الحرية و المساواة .
(ما هي الوسيلة التي توصل المسلمين إلى روح النص ولا يقفون إلى حد الوعاء؟ من الواضح أنه أمر غير ميسور ، فالخبرة في التطبيق الفعلي للدين ونشره تلعب دورا مهما ورئيسيا، وإلى أبعد حد نرى أن غالبيتنا لدينا خبرة التدين عن طريق تدريسه لنا أو إملائه علينا وليس قائما عن طريق الوعي والخبرة في الحياة، والتدين عندنا يميل عن طريق الإكراه وليس عن طريق الإعلام والمناقشة والإحساس ، وفي الحقيقة لابد أن يفهم الدين على أنه شجرة نابتة من بستان القلب، حتى يصبح الدين جزءا من نفسنا ، نحن الذين سنبني الدين، وليس كما هو الآن، حيث يصبح الدين شيئا تم إلباسه من الخارج ، وهو عبارة عن مجموعة من الأحكام المزينة ب أزيان جميلة جاهزة لارتدائها ، وفي الوقت نفسه تكره صاحبها لتطبيقها في حياته اليومية.) ـ 5 ـ
المصالحة بين النص و القيم الإنسانية السائدة في عالم اليوم مسألة ضرورية لتحقيق الموائمة بين الواقع العملي و منظومة السلوك الشامل المسَور بالنص و حواشيه ، و محاولة التخلص من العامل الديني و مفاعيله العملية أمر غير واقعي و يحمل في طياته أصولية بوجه مختلف محجوب لا يعبر عن ذاته بجلا ء لكنه يخفي قناعته بامتلاكه كل الحقيقة و الصواب. لقد أثبتت السيرورة التاريخية لفرض الأفكار التحررية والتنويرية فشلها منذ القرن الثاني الهجري عندما حاول الخليفة المأمون 170 هـ 786م وتوفي في 19 رجب عام 218 هـ 10 أغسطس سنة 833 م ـ إجبار العلماء و العامة على تبني أفكار المعتزلة مما تسبب في رفض حاد و تمسك أشد بالأصولية النصية على يد الإمام أحمد بن حنبل ، و ثبت المذهب الظاهري الذي شيد أركانه بعد قرون ابن حزم الأندلسي و مارس القوة في تطبيقه محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية. وفي التاريخ الحديث فشلت المنظومة السياسية و الفكرية الشيوعية فرض مكوناتها على الشعوب التي حكمتها طيلة سبعين عاما حيث عادت تلك الشعوب إلى انتماءاتها الإثنية وآبت إلى ممارسة تقاليدها الاجتماعية و الدينية القديمة ، ذلك بعضا مما أفرزته تجربة قيام الإتحاد السوفيتي و انهياره .
فرض العلمانية و إقحام ثقافة معاداة الدين و الاستهزاء بالتدين بالفعل السياسي و الجبر السلطوي تجربة مارستها الأنظمة الشمولية شبه العلمانية في العديد الدول العربية ـ مصر و سوريا و العراق إبان فترة الحكم الناصري و البعثي ـ لم تفلح و ساهمت بردة فعل شديدة و في بعض الأحيان عنيفة تمثلت في الملاذ بالتشدد و التزمت و تبني أفكار الجهادية المتطرفة.
و تجدر الإشارة هنا إلى محاولة جديدة يقوم بها العديد من الباحثين و الدارسين في محاولة إحيائية جديدة و مختلفة عن الطريقة الإحيائية الأصولية ، حيث يحاول علماء إنبات قراءات و تأويلات للقرآن و القيم العليا للرسالة السماوية تنسجم مع مثل الحرية و المساواة و الحداثة و حقوق الإنسان .ـ 6 ـ
ليست الدعوات للفصل بين الديني و السياسي أمر معاصرا فقط في الفكر التجديدي الديني بل المسألة تعود إلى عقلانية ابن رشد و منهجه في الوصول إلى الحقيقة بالدليل البرهاني ( إن النظر البرهاني لا يؤدي إلى مخالفة ما ورد في الشرع ، فإن الحق لا يضاده الحق بل يوافقه و يشهد له وإذا ما كان ظاهر الشرع مخالفا لما أدى إليه البرهان طلب هنالك التأويل ) ـ 7 ـ
وحرية التفكير الفلسفي خارج المعطى الديني ـ أي حواشي النص ـ هو مذهب ابن رشد في الوصول إلى الحقيقة و الدليل البرهاني، وتعد لديه طريقه العقل و الحقيقة واحدة تتعدد إ ليها الطرق لكن حجة العقل في المنهج الرشدي توجب التأويل لظاهر النص المعارض ، و بذلك تذهب الأصولية السلفية في اتجاه مغاير و طريق مختلف .
يقول عبد الرحمن الكواكبي (دعونا ندير حياتنا الدنيا ونجعل الأديان تحكم في الأخرى) 8ـ
و على رأس أمر الدنيا السياسةُ و الحكمُ و التشريعات القانونية الناظمة للمجتمع و الدولة .
و دعوة ابن خلدون أصرح و أوضح في هذا المجال:
(قصارى أمر الإمامة أنّها مصلحة اجتماعيّة لا تلحق بالعقائد) ـ 9ـ
و الإمامة حسب تفصيل ابن خلدون هي الولاية على الدولة و بذلك ندخل في صلب المفهوم السياسي ممارسة و فكرا، وعدم إلحاقها بالعقائد نص في غاية الدقة والعمق فالعقائد هي الثوابت الأكثر صلابة في البنيان الديني و الأقل قدرة على التغير و التبديل ، في حين أن أمر السياسة و الحكم يخضع للتغير و التبديل و عدم إلحاقها بالعقائد يحررها من الجمود و الثبات . و تلك النظرة تنم عن استقراء دقيق للنص القرآني الكريم حيث يبلغ عدد آيات القرآن الكريم (6236) آية على الراجح. ندر فيها التناول المباشر لأمر الحكم و نظامه و علاقة الشعب بالدولة (أما فيما يتعلّق بالتشريع الدّستوري - صلة الرعية بالدولة ونظام الحكم فآيات هذه الأحكام نحو 10 آيات) ـ 10ـ
(اقتصر القرآن الكريم على أمّهات المسائل والمبادئ العامّة، فآيات التشريع محدودة لا تزيد عن مائتي آية) ـ 11ـ
فالحجة الشمولية و التمام و الكمال لا تصمد أمام تلك الأرقام و الوقائع، و لا تقدم السند الموضوعي لمبدأ تحكيم النص بالتشريع السياسي و القانوني بمفهومه الواسع، المشتمل على التفاسير والمفهومات والقراءات الموروثة وبالتحديد حالة قرن النص التأسيسي ـ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ـ بحواشيه النظرية والعملية.

المراجع والهوامش:
أوردت بعض المصادر والمراجع بعد ورودها في السياق مباشرة تسهيلا على القارئ.
1 ـ في 30 سبتمبر 2005 قامت صحيفة يولاندس بوستن الدانماركية بنشر 12 صورة كاريكاتيرية للرسول محمد بن عبد الله وبعد أقل من أسبوعين وفي 10 يناير 2006 قامت الصحيفة النرويجية Magazinet والصحيفة الألمانية دي فيلت والصحيفة الفرنسية France Soir وصحف أخرى في أوروبا بإعادة نشر الصور الكاريكاتيرية. نشر هذه الصور جرح مشاعر الغالبية العظمى من المسلمين وقوبل نشر هذه الصور الكاريكاتيرية بموجة عارمة على الصعيدين الشعبي والسياسي في العالم الإسلامي وتم على إثر هذه الاحتجاجات إقالة كبير محرري جريدة France Soir الفرنسية من قبل رئيس التحرير ومالك الجريدة رامي لكح الفرنسي من أصل مصري كاثوليكي
المؤلف : أنا شخصيا أعارض نشر هكذا رسوم ولا أعتبرها ضمن مجال حرية الفكر أو الحرية الشخصية .
2 ـ في يوم الاثنين الموافق 20من ربيع أول سنة 1417 هـــ الموافق 5 من أغسطس 1996 م رفضت المحكمة الطعون الثلاثة وألزمت الطاعنين في الطعنين رقمي 475، 481 لسنة 65 ق أحوال شخصية المصرفات ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة مع مصادرة الكفالة
أمين السر نائب رئيس المحكمة قرار. محكمة النقض في قضية تكفير نصر حامد أبو زيد والتفريق بينه وبين زوجته بدعوى كفره .
ـ 3 ـ دينامية الراديكالية في الإسلام : تلمان ناجل أستاذ الدراسات العربية والإسلامية في جامعة غوتنجن ومؤلف كتب عديدة في هذا الحقل. ـ نيسان 1 2005
ـ 4 ـ قمر الدين هدايت وأحمد غوث: نماذج للحركات الإسلامية المعاصرة في إندونيسيا
ـ 5 ـ المصدر السابق
ـ 6 صدر مؤخرا كتاب للمؤلف بعنوان المصالحة مع العقل مقدمة في علم الإصلاح والتجديد ، دار متري سوريا حمص ، الطبعة الأولى 2010
ـ 7 فصل المقال في مابين الشريعة و الحكمة من اتصال طبعة مركز دراسات الوحدة العربية ، ابن رشد .
ـ 8 ـ طبائع الاستبداد 163صفحة
ـ9 ابن خلدون, المقدّمة صفحة 465.
ـ 10 ـ عبد الرّحمن الصّابوني - مدخل لدراسة التشريع الإسلامي _43الصفحة .
ـ 11 ـ كمال الغالي، القانون الدّستوري والنظم السّياسيّة_511الصفحة .
12 ـ تفسير فتح القدير لمحمد بن علي الشوكاني ، وورد في السياق أماكن وصفحات الاستدلال والشواهد المنقولة .
13 ـ سبل السلام للصنعاني ، من كتب الفقه الهامة التي تستنبط الأحكام مباشرة من الحديث النبوي الشريف ، وتمت الإشارة إلى مواضع الاستدلال في السياق

14 ـ الموقع الرسمي للشيخ محمد المنجد ، حيث تم النقل من الموقع الرسمي مباشرة لبعض أراء وفتاوى الشيخ المعروف بتشدده في الفتوى والرأي .
15 ـ الجامع الصحيح للبخاري وقد ورد خلال النص أرقام الأحاديث المستدل بها
16 ـ أصول الفقه الإسلامي ، ابراهيم محمد سلقيني ، جامعة دمشق 1995
17 ـ تفسير في ظلال القرآن لسيد قطب ، كمصدر أساسي لمعرفة مستندات الفكر الأصولي ، وثبتنا في مكانه مواضع الاستدلال .



#احسان_طالب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقالات التنوير 8 مأزق العقل الأصولي بحث أركيولوجي
- مقالات التنوير7 مقايسة الأصولية ومستوياتها بالعلمانية وحدوده ...
- مقالات التنوير 6 الإسلام السياسي كمفهوم يرتكز على أسس وتحليل ...
- مقالات التنوير 5 تفكيك ظاهرة التطرف والتشدد الديني
- مقالات التنوير 4 نقد فقه مؤسسة الزواج
- مقالات التنوير 3 مراجعة للثقافة الدينية المهيمنة
- مقالات التنوير 2 التمويه والتطبيع الاجتماعي في الثقافة المؤس ...
- مقالات التنوير (1)علاقة ثقافة العنف وجرائم الشرف بمفاهيم الن ...
- أصنام متكاثرة تناحر سبطا حرا خيّرا
- عالم مجهول يتلقف خطيئة محكمة
- عقول مستنيرة تضيء عتمة عريقة
- إلهام غامض ثائر
- توق يتوالد وسط غوغاء
- أضواء مزيفة تجمّل أوهاما قبيحة
- نقد حدود العقل *
- أنفاس المعاني دخان يهدئ ضوضاء المقال
- قطيع حائر بين الوهم والحقيقة
- كل الأسماء أشياء تنتهي كما هي موجودة
- رقي صوب العلا يناجي الخلود
- إشكالية العقل والنص تفكيك التناقض .*


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احسان طالب - مقالات التنوير 9 الأصولية ليست حلا عقلانيا الراديكاليون الجدد