|
د. هشام: ماذا لديك تقدمه للمراكبي المجاور لمكتبك؟!
محمد القصبي
الحوار المتمدن-العدد: 6225 - 2019 / 5 / 10 - 20:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أخي العزيز د.هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة -رئيس الهيئة العامة لدار الكتب. أظنك ..بل يقينا تلقيت آلاف التهاني خلال الأيام الماضية ..بعضها كهذا الذي تلقيناه جميعاً : نهنئكم بحلول شهر رمضان . وبعض ثان اتسم بالخصوصية : ألف مبروك على المنصب الجديد.. والمعني بالمنصب الجديد انتدابكم أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة. على أية حال كلا التهنئتين – برمضان والمنصب- في الحقيقة يرتبطان جينيا بجوهر المعضلة الثقافية التي نعاني منها! فأما التهنئة الثانية الخاصة بمنصبك الجديد ..فهي نضح ثقافة مدمرة استشرت عبر العقود الأخيرة ، زنزنة الهم والاهتمام والطموح في الذات لاشيء خارج عن هم واهتمام وطموحات الذات..لاشيء عن هموم البلد ..عن طموحات الوطن .. كثير ممن هنأوك ..تهنئتهم طفح السائد والمكرس ..حيث المنصب لمسة ديكور تضاف للمكانة الاجتماعية لصاحبه .. د. هشام عزمي أصبح أمينا للمجلس الأعلى للثقافة..فلنهنئه..هو "رجل طيب" ويستحق كل خير ..فالتهنئة لاتنضح من اعتقاد بأن د. هشام عزمي يملك من القدرات الثقافية والإدارية ويقظة الضمير ما يجعله أهلا لقيادة تلك المؤسسة بالغة الأهمية – أو هكذا ينبغي أن تكون- بما ينعكس إيجابا على المشهد الثقافي.. على الوطن.. ..لو كانت تلك الثقافة هي السائدة.. أن اختيار د. هشام قائدا لهذا المكان لإصلاح أحواله ..في هذه الحالة لاتكون أنت المستهدف بالتهنئة ، بل البلد ..الوطن ..نهنيء مصر باختيار مثلك لتقود مكانا بالغ الأهمية إلى ما ينعكس إيجابيا على حياة المصريين! لاشيء من هذا ..فقط د. هشام شخصية محبوبة ويستحق كل خير .. ..وربما التهنئة خطوة أولى من قبل مرسليها نحو مساعٍ أخرى .."لنقترب ولنطرق باب الرجل ..فربما نلنا من " الحب جانب"! وهذا أصبح حالنا ..بعض يوظف " سلندراته الأربعة" ليصارع .. ليصل ..ليحقق طموحاته الخاصة جداً ..في مال ..في منصب ..في مكانة ..حتى لو تقاطعت مع طموحات الوطن..لاينتبه إلى ذلك ..وربما لايعنيه ! متطلعون يخوضون صراعا شرساً في كل وزارة ..كل مؤسسة..فقط من أجل مايمكن أن يضفي على الذات لمسة ديكورية ترفع من شأنها الاجتماعي..هم لايرون سوى الذات ! وليست المؤسسة الثقافية بمنأى عن هذا الوباء..فكما ترى – د.هشام- ..النخبويين ..النخبويين جدا ..يتقاتلون من أجل منصب.. جائزة..رئاسة لجنة ..مؤتمر ..سفرية..بل ربما مالاً بغير وجه حق !! أحدهم ..رمز من رموز الثقافة المصرية " ولم أفاجأ بعضويته .. لاهو ولاغيره في الأمانة الجديدة للمجلس الأعلى للثقافة " أشاع أنه يعاني من مرض خطير ، قد يودي بحياته ، وبالتالي يفترض أن يحصل على أم جوائز الدولة قبل أن يرحل..!" فمنحوه الجائزة ،أطال الله عمره. ومن غرائب جوائز الدولة-سيدي- وما أكثرها ..أن أحد الكتاب ترشح للتفوق عدة سنوات، وأخفق في الحصول عليها، هذا يعني أن إبداعه الأدبي دون الجائزة ،لكن –ومن مفارقات المشهد الثقافي -تم ترشيحه من قبل منتدى أدبي للتقديرية ،ليفوز بها.. من أول مرة!!! . لقد راودني خاطر أن أتقدم لإحدى جوائز الدولة ..سألت صديقاً حاصل على أعلاها : كيف ؟ ..فإذا به يمدني بكشف مكتظ بأسماء وأرقام تليفونات ..وقال : اتصل بهؤلاء ..لو استطعت ان تكسب ودهم ..فسوف تحصل على الجائزة!!! .عرفت منه أنها حرب ..عليِّ أن أخوضها لعدة شهور..محورها الاتصالات..ربما تستنزف من المرء مايفوق مابذله في كتاباته. أصابني الذهول ..كيف أتصل بشخص لاأعرفه ولايعرفني لأتودد له كي يمنحني صوته !!.. لم أتصل ..لكنني تقدمت بأعمالي الروائية لجائزة التفوق .. النتيجة ،بالطبع، لاشيء! .. وقد دفعني هذا إلى التفكير في نشر مقال بعنوان "جوائز الحكومة ، وجوائز الشعب " أقترح فيه إطلاق جائزة باسم الشعب ..بدلا من جوائز الحكومة التي يطلق عليها جوراً جوائز الدولة ، جوائز الشعب هذه ، يمكن أن تكون قيمتها المادية مبلغاً ضئيلاً يجمع من خلال التبرعات ..ليس تبرعات رجال أعمال أو مؤسسات ، بل قروش البسطاء ، وقد تفوق بعد سنوات في أهميتها جوائز "الحكومة " ، لأن ببساطة قيمتها في عدالتها !! تماما كجائزة جونكور الفرانكفونية ..قيمتها فقط وجبة غداء في مطعم " دوران " بباريس..لكن صيتها عبر العالم يضعها في مصاف أهم الجوائز العالمية هل أسرفت –سيدي– في الحديث عن جوائز الدولة؟ .. إذاً فها أنا أقع فيما يقع فيه غيري من خطأ كبير ..الظن بأن المجلس الأعلى للثقافة ولجانه ال28..جاء بديلا لمجلس الآداب والفنون الذي ألغي عام 1980
فقط لتنظيم جوائز الدولة ..ولامانع من تخصيص بضعة ملايين من الجنيهات لتنظيم عدة مؤتمرات سنويا ..مركز الاهتمام فيها يزنزن في جلسات الافتتاح ، المئات تتكدس بهم القاعات، وكلمة الوزير وكلمة الأمين وعشرات الفضائيات تلاحق الرموز .. أما أعمال المؤتمر..جلساته البحثية .تبدو القاعات شبه خاوية ، اللهم من بضعة معنيين ، وأطقم قناة أو قناتين فضائيتين وبعض موظفي المجلس .. أما الأبحاث ، رغم أهمية الكثير منها فتلقى في أدراج النسيان! وهل يمكن أن يكون للمجلس الأعلى للثقافة دور آخر غائب عنا..عن كل من تولوا أمر رئاسته ..أمانته ..لجانه التي أصيب بعضها بالتكلس نتيجة ديمومة أعضائها لعقد أو أكثر في مقاعدهم ..دون أن يدروا ماهو دور تلك اللجان ..؟ماهي وظيفتهم ؟! أظن أن الإجابة على هذا السؤال سيدي الأمين العام ليست بمنأى عن آلاف التهاني التي تلقيتِها ..تلقيناها جميعا ..وتبادلناها مع الآخرين ..أصدقاء وغير أصدقاء ..بهلول رمضان ..شهر الصيام .. هل قلت شهر الصيام؟ بالطبع ..هوكذلك ..تفرد رمضان عن كافة الشهور بكونه شهر الصيام .. فإن كنا نتناول ثلاث وجبات في أي يوم عادي ،فالوجبات الثلاث تختزل في اليوم الرمضاني إلى وجبتين ، وربما أقل، ،حيث يتحول المسلم إلى كائن روحي ..أثيري ..تهفو شهيته إلى تراتيل الإيمان، لكن هذا التحول الطبيعي والمنشود- سيدي – لايحدث ..الذي يحدث تحول آخر.. توحش شراهة البطون .. وهذا ماتؤكده تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ومركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ..ينفق المصريون حوالي 45 مليار جنيه على طعامهم في رمضان " شهر الصوم" ..بينما لاتتجاوز نفقاتهم خلال أي شهر آخر ، 19مليارا !! ببساطة نحن في "شهر الصوم"، نأكل مايوازي 250% مما نأكل في الشهور العادية، وربع ما تئن من ثقله الموائد ..من الطعام والمشروبات ، مصيره صناديق القمامة ! - لذا من الطبيعي ، وهذا حالنا- أن تتولى وزارة التموين وليس اﻷزهر أو اﻷوقاف ملف شهر الصيام!! حيث تنهال من شهر رجب وربما قبله ، تصريحات الوزير والوكيل والخفير عن استعدادات الوزارة لتوفير السلع الغذائية بهدف طمأنة المؤمنين الصائمين! وكما نلحظ ..منذ ثلاث سنوات تتواكب امتحانات الثانوية العامة مع شهر " التقوى والورع"..فماذا نفعل في شهر "التقوى والورع "؟ نصوم ونفطر على تمرة ..التزاما بسنة النبي عليه الصلاة والسلام..ونصلي العشاء جماعة..والتراويح جماعة ..أحياناً عشرين ركعة ،كما أوصى الشيخ الألباني في أحد كتبه ونمضي الليل في القيام والتهجد وتلاوة القرآن الكريم ، وذكره سبحانه وتعالى ،ثم نصلي الفجر جماعة .. ونصلي على النبي ألف مرة ،وربما ثلاثة آلاف كما أوصى بعض المتصوفة ،ثم... نتوجه إلى لجان اﻻمتحانات..الطالب وولي اﻷمر والمدرس.. فنحيلها إلى معجنة غش!! -ولقد حرصت خلال رمضان السنوات الثلاث الماضية على تغيير المساجد التي أؤدي بها صلاة الجمعة ..وفي كل مسجد أتوجه إليه أجلس مترقباً أن يتناول الخطيب كارثة الغش في الامتحانات..لكن لاشيء! - الخطباء كالعادة كانوا مشغولين بالحديث عن البنت اللي نار جهنم منتظراها لأن خصلة من شعرها بانت ..وعن اهمية ان نصلي على النبي 3الاف مرة..وأن نبسمل قبل أي عمل نقدم عليه .. ومش مهم إن يكون هذا العمل حلالاً أم حراماً ..المهم أن نبسمل، الأمر الذي يدفع أي لص أن يبسمل قبل كسر الخزنة !!وزيادة في الإيمان قد يؤدي ركعتي شكر لله سبحانه وتعالى حتى قبل أن يغادر المكان إن وجد بها مالا!!! وماهو النشاط الرئيسي لجهاز المحمول الخاص بك سيدي خلال تلك الأيام ؟ استقبال آلاف التهاني والأدعية على مدار الساعة بمناسبة رمضان..ويا ويله من ﻻيردد هذه الأدعية..وبالطبع يا ويله –أكثر- من ﻻيرسلها ﻵخر..ﻷلف آخر!! في صلاة الجمعة الماضية، 3مايو ،ركز الخطيب على أهمية شهر رمضان..ونحن نغادر -كالعادة -استقبلنا أمام المسجد شباب وفتيان يقومون بتوزيع إعلانات عن أغذية وغيرها على المصلين..كلٌ يتناول الورقة..يتصفحها..ثم يلقي بها أينما كان .. هذا مايحدث أمام المساجد عقب صلاة الجمعة ، و في لحظات تتحول الشوارع إلى مقلب قمامة!! ومصر كلها سيدي تحولت إلى مقلب قمامة..أكبر مقلب قمامة على امتداد القارات الست..حيث من الطبيعي أن تشاهد أحدهم يفتح نافذة سيارته الفارهة ليلقي في عرض الطريق بزجاجة عصير بعد أن أفرغ محتواها في جوفه..لكن لأنه ينتمي إلى هذا الشعب المتدين يقينا بسمل قبل أن يشربها ، وحمد الله وشكره على نعمه بعد أن انتهى ..وربما بعد ذلك تناول هاتفه وانشغل في إرسال أحد الأدعية إلى أصدقائه !! نعم- سيدي- إن مجتمعنا يطفح بأعراض حالة من الازدواجية الدينية الفريدة ، والتي تنم عن اختلالات جوهرية في الدماغ الجمعي للمصريين. الآن وأنا أكتب رسالتي هذه تداهمني واقعة صارخة عن تلك الازدواجية المذهلة ..أظنك تتذكر وقائع الرشوة التي أدينت بسببها سعاد الخولي نائبة محافظ الأسكندرية السابقة وصدرت ضدها أحكاماً بالسجن لمدة 12 عاماً ..هل تعلم ماذا كان بين وقائع الرشوة تلك؟ ، مطالبتها لأحد المقاولين أن يتحمل نفقات رحلتها إلى الحجاز لأداء فريضة الحج " 205 آلاف جنيه " !!!!! وما أكثر مظاهر الخلل في الدماغ المصري .. تطرف فكري ينم عن جهل مريع بالدين ،وانفجار سكاني لن تنفع معه كل المشروعات الضخمة التي تشيد الآن على تراب مصر..وحين سألت اللواء أبو بكر الجندي عندما كان رئيسا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء خلال ندوة في قاعة مصطفى أمين بدار أخبار اليوم شرفت بإدارتها عن معدل الزيادة السكانية المثالي مقارنة بمعدلات النمو الاقتصادي ..قال : 1إلى 3 ، ليس لتزدهر أحوالنا بل لنبقى على ما نحن عليه!! وما يقوله اللواء الجندي يبدو تحقيقه صعبا في ظل معدلات النمو السكاني الحالية والتي تصل إلى 2,56% بينما معدل النمو الاقتصادي نحو 4,5% . "في ندوة أخرى بدار أخبار اليوم كانت حول مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي ، كنت أتحدث عن خطورة الانفجار السكاني ،و أنه مهما جلب المؤتمر من استثمارات أجنبية لمصر ، فالزيادة السكانية سوف تبتلع كل شيء ، وأرجعت الأمر إلى خلل ثقافي نعاني منه ، فإذا بصحفي يسأل في استغراب : وماعلاقة الزيادة السكانية بالثقافة ؟! .."وهذا هو الشائع في بلدنا – سيدي -أن الثقافة مجرد قصة تكتب وقصيدة تلقى وتنظيرات عن شكسبير وبرتراند راسل تطرح في القاعات الفخمة المغلقة على بضعة أفراد ،وليست فكراً مستنيراً ،يغمر كل الجغرافية المصرية بسلوكيات جمعية إيجابية تؤدي إلى ازدهار المجتمع " ولايغيب عن ذهن سيادتكم إلى أي مدى يسيطر الفكر الخرافي على حياتنا ، إحدى الدراسات انتهت إلى أن 63% من المصريين زبائن لدى مشايخ الدجل والشعوذة..ويهدرون سنوياً على مباخر الدجالين حوالي مليار ونصف المليار من الدولارات.. ووصل الأمر برئيس نادي شهير- يفترض أن يكون قدوة لعشرات الملايين من الشباب- أن عزا هزائم فريق كرة القدم بالنادي إلى " تعاويذ بتعملها الفرق المنافسة عند شيخ في شبراخيت" !! . وقد أظهرت دراسة للباحثة الدكتورة آية ماهر، أستاذة الموارد البشرية بالجامعة الأمريكية، أن الموظف المصرى يعمل نصف ساعة من إجمالى 7 ساعات، رغم حصول 95% من الموظفين على امتياز فى تقاريرهم السرية !! " أظن أن باقي ساعات العمل يمضيها الموظف في إرسال الأدعية والأذكار على الواتس لأصحابه ..ويستحلف كل منهم بالله أن يعيد إرسالها لأصدقائه ..!!" وأظنك تتابع –سيدي- تقارير منظمة الشفافية العالمية في برلين حول حالة الفساد في العالم ..ترتيبنا سيدي خلال العام 2018 كان 105 من 180 ،لكن الحمد لله ثمة تحسن ، فقد كان في العام السابق 117.. الايعني انتشار كل هذه المظاهر المدمرة أن الدماغ المصري يعاني من خلل خطير؟ وأين مكمن الخلل سيدي ؟ حسب ما أرى.. جزء محوري منه يقع على عاتق وزارة "التلقين " .. أعني وزارة التعليم .. منظومتنا التعليمية مسئولة تماما عن غياب متلقي الثقافة الجادة والمستنيرة ..حين يكون المستهدف من التلميذ على مدار ستة أو سبعة عشرة عاما فقط ذاكرته ..لاشيء يخاطبه النظام التعليمي لدى التلميذ سوى الذاكرة .. يجري حشوها عاما وراء عام بكم هائل من المعلومات . مما يصيب قدراته الأخرى الأهم –الدماغ الذي يفكر والوجدان الذي يتذوق – بالكسل..بالشلل ..لذا ينبغي أن تكون محطة الانطلاق نسف النظام التعليمي الحالي واستبداله بمنظومة تتحول فيها قاعات الدراسة إلى معامل للتفكير والتحليل والاستنباط والتذوق ....ليكن الهدف الأول للنظام التعليمي تحفيز التلميذ على التنقيب عن المعلومة وربطها بغيرها من معلومات ..وكيفية التعامل معها مما يؤجج لديه شهوة المعرفة فيمضي سنوات عمره قارئاً..متسائلاً..مفكرا ً..محللا ً. فإن حدث هذا سيدي ،وتحولت وزارة التلقين إلى وزارة للمعرفة ،ويواكب ذلك زلزلة المؤسسة الدينية لتقدم الدين الصحيح وهو دين- يقينا- ينطوي متنه على قيم استنارية عظيمة ،مع تخليق منظومة إعلامية تحتفي بكل فكر تنويري ..وتحفيز وزارة مثل الشباب والرياضة لتوجه جزءا من ميزانيتها للاهتمام بعقول الشباب مثلما تهتم بأرجلهم !! إن حدث هذا سيدي ..يسترد الدماغ الجمعي عافيته ،، مما ينعكس إيجابا على أحوال الوطن. وما شأن المجلس الأعلى للثقافة بكل هذا ؟ حين صدر القرار الجمهوري رقم 355 لسنة 2017 بإنشاء المجلس القومي لمكافحة الإرهاب حدد دوره في ثماني مهام ، كان في صدارتها : إقرار استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخلياً وخارجياً، وإقرار سياسات وخطط وبرامج جميع أجهزة الدولة المعنية بما يحدد دورها وإلزامها بإجراءات الواجب اتخاذها لتكامل التنسيق معها وفق جداول زمنية محددة ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية. وهذا أيضاً هو المطلوب سيدي من المجلس الأعلى للثقافة ، إقرار استراتيجية وطنية شاملة لإعادة هيكلة الدماغ المصري على أسس من الاستنارة والعقلانية ، والقيم الإيجابية التي تترجم إلى سلوكيات يومية إيجابية في البيت والشارع والعمل ،سلوكيات تشيع بانتماء حقيقي لجموع المصريين للوطن ،وتؤدي في النهاية إلى نهضته وازدهاره. .. لقد اتخذ المجلس شكله الحالي عبر القانون رقم 138 لسنة 2017،وقبله القانون رقم 150 لسنة 1980 ،كعقل مخطط للسياسة الثقافية فى مصر عبر لجانه الثماني والعشرين ، وهذا يعني أن يمارس المجلس دوره كقاطرة لكافة الجهات المعنية بإعادة هيكلة الدماغ المصري ،من خلال إشرافه الفعلي والحاسم على وزارات التربية والتعليم ، التعليم العالي ، الأوقاف، الإعلام ،الرياضة والشباب ، الأزهر الشريف ، مع دعم هذا المجلس بترسانة من التشريعات التي تمنحه الصلاحيات لوضع السياسات الخاصة بالشأن الثقافي ،مع تحديد دور كل وزارة ومؤسسة في تنفيذ الجانب الخاص بها من هذه السياسات عبر ترجمتها إلى خطط وبرامج ، تجري متابعة تنفيذها تفصليلياً من قبل المجلس ، بما يتيح الفرصة للتدخل السريع والحاسم لمواجهة أي أخطاء في مبتدئها . بمشروع مثل هذا سيدي نبدأ الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الشاقة لبناء الإنسان المعرفي والقيمي الذي يتسق تشكيله الثقافي مع سلوكياته في البيت والشارع والعمل ، والتي تستهدف جميعها صالح الوطن .. وفي هذه الحالة يتحول المجلس إلى جهة سيادية ..يمتد تأثيره الإيجابي إلى كافة مدن وقرى ونجوع مصر ..إلى مئة مليون مصري .. وفي هذه الحالة سيعرف كل مصري، وفي أي مكان المجلس الأعلى للثقافة ..مثلما يعرف وزارة التموين! فما يحزنني أن من يعلمون بأمر المجلس بشكله الراهن لايزيد عن بضعة آلاف من 104 ملايين نسمة . حتى المراكبي الذي لايفصله عن مكتب سيادكتم سوى خمسين متراً ..ينشطر عن عالمكم بجبال من الجهل بما يجري في قاعاتكم من تنظيرات.. رغم أن هذا المراكبي هو المستهدف برسالتكم ..فإن لم تصل إليه تلك الرسالة..فكل جنيه تنفقونه هو إهدار لأموال الدولة .. سيدي ..قبل أن أسطر رسالتي هذه ..قرأت الكثير عن مسيرتكم العلمية ..كما كنت متابعاً باهتمام لجهودكم الكبيرة في الارتقاء بالهيئة العامة لدار الكتب لتكون بالفعل الذاكرة الأدق للأمة.. لذا أشعر بالتفاؤل في قدرتكم على تثوير دور ونشاط المجلس الأعلى للثقافة..ليكون مجلس وزراء مصغراً يمارس مهمته باقتدار في إعادة هيكلة الدماغ المصري على أسس تنويرية.. يقينا ..ستنجح .. هذا إن تركوك تعمل !.
أخي العزيز د.هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة -رئيس الهيئة العامة لدار الكتب. أظنك ..بل يقينا تلقيت آلاف التهاني خلال الأيام الماضية ..بعضها كهذا الذي تلقيناه جميعاً : نهنئكم بحلول شهر رمضان . وبعض ثان اتسم بالخصوصية : ألف مبروك على المنصب الجديد.. والمعني بالمنصب الجديد انتدابكم أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة. على أية حال كلا التهنئتين – برمضان والمنصب- في الحقيقة يرتبطان جينيا بجوهر المعضلة الثقافية التي نعاني منها! فأما التهنئة الثانية الخاصة بمنصبك الجديد ..فهي نضح ثقافة مدمرة استشرت عبر العقود الأخيرة ، زنزنة الهم والاهتمام والطموح في الذات لاشيء خارج عن هم واهتمام وطموحات الذات..لاشيء عن هموم البلد ..عن طموحات الوطن .. كثير ممن هنأوك ..تهنئتهم طفح السائد والمكرس ..حيث المنصب لمسة ديكور تضاف للمكانة الاجتماعية لصاحبه .. د. هشام عزمي أصبح أمينا للمجلس الأعلى للثقافة..فلنهنئه..هو "رجل طيب" ويستحق كل خير ..فالتهنئة لاتنضح من اعتقاد بأن د. هشام عزمي يملك من القدرات الثقافية والإدارية ويقظة الضمير ما يجعله أهلا لقيادة تلك المؤسسة بالغة الأهمية – أو هكذا ينبغي أن تكون- بما ينعكس إيجابا على المشهد الثقافي.. على الوطن.. ..لو كانت تلك الثقافة هي السائدة.. أن اختيار د. هشام قائدا لهذا المكان لإصلاح أحواله ..في هذه الحالة لاتكون أنت المستهدف بالتهنئة ، بل البلد ..الوطن ..نهنيء مصر باختيار مثلك لتقود مكانا بالغ الأهمية إلى ما ينعكس إيجابيا على حياة المصريين! لاشيء من هذا ..فقط د. هشام شخصية محبوبة ويستحق كل خير .. ..وربما التهنئة خطوة أولى من قبل مرسليها نحو مساعٍ أخرى .."لنقترب ولنطرق باب الرجل ..فربما نلنا من " الحب جانب"! وهذا أصبح حالنا ..بعض يوظف " سلندراته الأربعة" ليصارع .. ليصل ..ليحقق طموحاته الخاصة جداً ..في مال ..في منصب ..في مكانة ..حتى لو تقاطعت مع طموحات الوطن..لاينتبه إلى ذلك ..وربما لايعنيه ! متطلعون يخوضون صراعا شرساً في كل وزارة ..كل مؤسسة..فقط من أجل مايمكن أن يضفي على الذات لمسة ديكورية ترفع من شأنها الاجتماعي..هم لايرون سوى الذات ! وليست المؤسسة الثقافية بمنأى عن هذا الوباء..فكما ترى – د.هشام- ..النخبويين ..النخبويين جدا ..يتقاتلون من أجل منصب.. جائزة..رئاسة لجنة ..مؤتمر ..سفرية..بل ربما مالاً بغير وجه حق !! أحدهم ..رمز من رموز الثقافة المصرية " ولم أفاجأ بعضويته .. لاهو ولاغيره في الأمانة الجديدة للمجلس الأعلى للثقافة " أشاع أنه يعاني من مرض خطير ، قد يودي بحياته ، وبالتالي يفترض أن يحصل على أم جوائز الدولة قبل أن يرحل..!" فمنحوه الجائزة ،أطال الله عمره. ومن غرائب جوائز الدولة-سيدي- وما أكثرها ..أن أحد الكتاب ترشح للتفوق عدة سنوات، وأخفق في الحصول عليها، هذا يعني أن إبداعه الأدبي دون الجائزة ،لكن –ومن مفارقات المشهد الثقافي -تم ترشيحه من قبل منتدى أدبي للتقديرية ،ليفوز بها.. من أول مرة!!! . لقد راودني خاطر أن أتقدم لإحدى جوائز الدولة ..سألت صديقاً حاصل على أعلاها : كيف ؟ ..فإذا به يمدني بكشف مكتظ بأسماء وأرقام تليفونات ..وقال : اتصل بهؤلاء ..لو استطعت ان تكسب ودهم ..فسوف تحصل على الجائزة!!! .عرفت منه أنها حرب ..عليِّ أن أخوضها لعدة شهور..محورها الاتصالات..ربما تستنزف من المرء مايفوق مابذله في كتاباته. أصابني الذهول ..كيف أتصل بشخص لاأعرفه ولايعرفني لأتودد له كي يمنحني صوته !!.. لم أتصل ..لكنني تقدمت بأعمالي الروائية لجائزة التفوق .. النتيجة ،بالطبع، لاشيء! .. وقد دفعني هذا إلى التفكير في نشر مقال بعنوان "جوائز الحكومة ، وجوائز الشعب " أقترح فيه إطلاق جائزة باسم الشعب ..بدلا من جوائز الحكومة التي يطلق عليها جوراً جوائز الدولة ، جوائز الشعب هذه ، يمكن أن تكون قيمتها المادية مبلغاً ضئيلاً يجمع من خلال التبرعات ..ليس تبرعات رجال أعمال أو مؤسسات ، بل قروش البسطاء ، وقد تفوق بعد سنوات في أهميتها جوائز "الحكومة " ، لأن ببساطة قيمتها في عدالتها !! تماما كجائزة جونكور الفرانكفونية ..قيمتها فقط وجبة غداء في مطعم " دوران " بباريس..لكن صيتها عبر العالم يضعها في مصاف أهم الجوائز العالمية هل أسرفت –سيدي– في الحديث عن جوائز الدولة؟ .. إذاً فها أنا أقع فيما يقع فيه غيري من خطأ كبير ..الظن بأن المجلس الأعلى للثقافة ولجانه ال28..جاء بديلا لمجلس الآداب والفنون الذي ألغي عام 1980
فقط لتنظيم جوائز الدولة ..ولامانع من تخصيص بضعة ملايين من الجنيهات لتنظيم عدة مؤتمرات سنويا ..مركز الاهتمام فيها يزنزن في جلسات الافتتاح ، المئات تتكدس بهم القاعات، وكلمة الوزير وكلمة الأمين وعشرات الفضائيات تلاحق الرموز .. أما أعمال المؤتمر..جلساته البحثية .تبدو القاعات شبه خاوية ، اللهم من بضعة معنيين ، وأطقم قناة أو قناتين فضائيتين وبعض موظفي المجلس .. أما الأبحاث ، رغم أهمية الكثير منها فتلقى في أدراج النسيان! وهل يمكن أن يكون للمجلس الأعلى للثقافة دور آخر غائب عنا..عن كل من تولوا أمر رئاسته ..أمانته ..لجانه التي أصيب بعضها بالتكلس نتيجة ديمومة أعضائها لعقد أو أكثر في مقاعدهم ..دون أن يدروا ماهو دور تلك اللجان ..؟ماهي وظيفتهم ؟! أظن أن الإجابة على هذا السؤال سيدي الأمين العام ليست بمنأى عن آلاف التهاني التي تلقيتِها ..تلقيناها جميعا ..وتبادلناها مع الآخرين ..أصدقاء وغير أصدقاء ..بهلول رمضان ..شهر الصيام .. هل قلت شهر الصيام؟ بالطبع ..هوكذلك ..تفرد رمضان عن كافة الشهور بكونه شهر الصيام .. فإن كنا نتناول ثلاث وجبات في أي يوم عادي ،فالوجبات الثلاث تختزل في اليوم الرمضاني إلى وجبتين ، وربما أقل، ،حيث يتحول المسلم إلى كائن روحي ..أثيري ..تهفو شهيته إلى تراتيل الإيمان، لكن هذا التحول الطبيعي والمنشود- سيدي – لايحدث ..الذي يحدث تحول آخر.. توحش شراهة البطون .. وهذا ماتؤكده تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ومركز دعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ..ينفق المصريون حوالي 45 مليار جنيه على طعامهم في رمضان " شهر الصوم" ..بينما لاتتجاوز نفقاتهم خلال أي شهر آخر ، 19مليارا !! ببساطة نحن في "شهر الصوم"، نأكل مايوازي 250% مما نأكل في الشهور العادية، وربع ما تئن من ثقله الموائد ..من الطعام والمشروبات ، مصيره صناديق القمامة ! - لذا من الطبيعي ، وهذا حالنا- أن تتولى وزارة التموين وليس اﻷزهر أو اﻷوقاف ملف شهر الصيام!! حيث تنهال من شهر رجب وربما قبله ، تصريحات الوزير والوكيل والخفير عن استعدادات الوزارة لتوفير السلع الغذائية بهدف طمأنة المؤمنين الصائمين! وكما نلحظ ..منذ ثلاث سنوات تتواكب امتحانات الثانوية العامة مع شهر " التقوى والورع"..فماذا نفعل في شهر "التقوى والورع "؟ نصوم ونفطر على تمرة ..التزاما بسنة النبي عليه الصلاة والسلام..ونصلي العشاء جماعة..والتراويح جماعة ..أحياناً عشرين ركعة ،كما أوصى الشيخ الألباني في أحد كتبه ونمضي الليل في القيام والتهجد وتلاوة القرآن الكريم ، وذكره سبحانه وتعالى ،ثم نصلي الفجر جماعة .. ونصلي على النبي ألف مرة ،وربما ثلاثة آلاف كما أوصى بعض المتصوفة ،ثم... نتوجه إلى لجان اﻻمتحانات..الطالب وولي اﻷمر والمدرس.. فنحيلها إلى معجنة غش!! -ولقد حرصت خلال رمضان السنوات الثلاث الماضية على تغيير المساجد التي أؤدي بها صلاة الجمعة ..وفي كل مسجد أتوجه إليه أجلس مترقباً أن يتناول الخطيب كارثة الغش في الامتحانات..لكن لاشيء! - الخطباء كالعادة كانوا مشغولين بالحديث عن البنت اللي نار جهنم منتظراها لأن خصلة من شعرها بانت ..وعن اهمية ان نصلي على النبي 3الاف مرة..وأن نبسمل قبل أي عمل نقدم عليه .. ومش مهم إن يكون هذا العمل حلالاً أم حراماً ..المهم أن نبسمل، الأمر الذي يدفع أي لص أن يبسمل قبل كسر الخزنة !!وزيادة في الإيمان قد يؤدي ركعتي شكر لله سبحانه وتعالى حتى قبل أن يغادر المكان إن وجد بها مالا!!! وماهو النشاط الرئيسي لجهاز المحمول الخاص بك سيدي خلال تلك الأيام ؟ استقبال آلاف التهاني والأدعية على مدار الساعة بمناسبة رمضان..ويا ويله من ﻻيردد هذه الأدعية..وبالطبع يا ويله –أكثر- من ﻻيرسلها ﻵخر..ﻷلف آخر!! في صلاة الجمعة الماضية، 3مايو ،ركز الخطيب على أهمية شهر رمضان..ونحن نغادر -كالعادة -استقبلنا أمام المسجد شباب وفتيان يقومون بتوزيع إعلانات عن أغذية وغيرها على المصلين..كلٌ يتناول الورقة..يتصفحها..ثم يلقي بها أينما كان .. هذا مايحدث أمام المساجد عقب صلاة الجمعة ، و في لحظات تتحول الشوارع إلى مقلب قمامة!! ومصر كلها سيدي تحولت إلى مقلب قمامة..أكبر مقلب قمامة على امتداد القارات الست..حيث من الطبيعي أن تشاهد أحدهم يفتح نافذة سيارته الفارهة ليلقي في عرض الطريق بزجاجة عصير بعد أن أفرغ محتواها في جوفه..لكن لأنه ينتمي إلى هذا الشعب المتدين يقينا بسمل قبل أن يشربها ، وحمد الله وشكره على نعمه بعد أن انتهى ..وربما بعد ذلك تناول هاتفه وانشغل في إرسال أحد الأدعية إلى أصدقائه !! نعم- سيدي- إن مجتمعنا يطفح بأعراض حالة من الازدواجية الدينية الفريدة ، والتي تنم عن اختلالات جوهرية في الدماغ الجمعي للمصريين. الآن وأنا أكتب رسالتي هذه تداهمني واقعة صارخة عن تلك الازدواجية المذهلة ..أظنك تتذكر وقائع الرشوة التي أدينت بسببها سعاد الخولي نائبة محافظ الأسكندرية السابقة وصدرت ضدها أحكاماً بالسجن لمدة 12 عاماً ..هل تعلم ماذا كان بين وقائع الرشوة تلك؟ ، مطالبتها لأحد المقاولين أن يتحمل نفقات رحلتها إلى الحجاز لأداء فريضة الحج " 205 آلاف جنيه " !!!!! وما أكثر مظاهر الخلل في الدماغ المصري .. تطرف فكري ينم عن جهل مريع بالدين ،وانفجار سكاني لن تنفع معه كل المشروعات الضخمة التي تشيد الآن على تراب مصر..وحين سألت اللواء أبو بكر الجندي عندما كان رئيسا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء خلال ندوة في قاعة مصطفى أمين بدار أخبار اليوم شرفت بإدارتها عن معدل الزيادة السكانية المثالي مقارنة بمعدلات النمو الاقتصادي ..قال : 1إلى 3 ، ليس لتزدهر أحوالنا بل لنبقى على ما نحن عليه!! وما يقوله اللواء الجندي يبدو تحقيقه صعبا في ظل معدلات النمو السكاني الحالية والتي تصل إلى 2,56% بينما معدل النمو الاقتصادي نحو 4,5% . "في ندوة أخرى بدار أخبار اليوم كانت حول مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي ، كنت أتحدث عن خطورة الانفجار السكاني ،و أنه مهما جلب المؤتمر من استثمارات أجنبية لمصر ، فالزيادة السكانية سوف تبتلع كل شيء ، وأرجعت الأمر إلى خلل ثقافي نعاني منه ، فإذا بصحفي يسأل في استغراب : وماعلاقة الزيادة السكانية بالثقافة ؟! .."وهذا هو الشائع في بلدنا – سيدي -أن الثقافة مجرد قصة تكتب وقصيدة تلقى وتنظيرات عن شكسبير وبرتراند راسل تطرح في القاعات الفخمة المغلقة على بضعة أفراد ،وليست فكراً مستنيراً ،يغمر كل الجغرافية المصرية بسلوكيات جمعية إيجابية تؤدي إلى ازدهار المجتمع " ولايغيب عن ذهن سيادتكم إلى أي مدى يسيطر الفكر الخرافي على حياتنا ، إحدى الدراسات انتهت إلى أن 63% من المصريين زبائن لدى مشايخ الدجل والشعوذة..ويهدرون سنوياً على مباخر الدجالين حوالي مليار ونصف المليار من الدولارات.. ووصل الأمر برئيس نادي شهير- يفترض أن يكون قدوة لعشرات الملايين من الشباب- أن عزا هزائم فريق كرة القدم بالنادي إلى " تعاويذ بتعملها الفرق المنافسة عند شيخ في شبراخيت" !! . وقد أظهرت دراسة للباحثة الدكتورة آية ماهر، أستاذة الموارد البشرية بالجامعة الأمريكية، أن الموظف المصرى يعمل نصف ساعة من إجمالى 7 ساعات، رغم حصول 95% من الموظفين على امتياز فى تقاريرهم السرية !! " أظن أن باقي ساعات العمل يمضيها الموظف في إرسال الأدعية والأذكار على الواتس لأصحابه ..ويستحلف كل منهم بالله أن يعيد إرسالها لأصدقائه ..!!" وأظنك تتابع –سيدي- تقارير منظمة الشفافية العالمية في برلين حول حالة الفساد في العالم ..ترتيبنا سيدي خلال العام 2018 كان 105 من 180 ،لكن الحمد لله ثمة تحسن ، فقد كان في العام السابق 117.. الايعني انتشار كل هذه المظاهر المدمرة أن الدماغ المصري يعاني من خلل خطير؟ وأين مكمن الخلل سيدي ؟ حسب ما أرى.. جزء محوري منه يقع على عاتق وزارة "التلقين " .. أعني وزارة التعليم .. منظومتنا التعليمية مسئولة تماما عن غياب متلقي الثقافة الجادة والمستنيرة ..حين يكون المستهدف من التلميذ على مدار ستة أو سبعة عشرة عاما فقط ذاكرته ..لاشيء يخاطبه النظام التعليمي لدى التلميذ سوى الذاكرة .. يجري حشوها عاما وراء عام بكم هائل من المعلومات . مما يصيب قدراته الأخرى الأهم –الدماغ الذي يفكر والوجدان الذي يتذوق – بالكسل..بالشلل ..لذا ينبغي أن تكون محطة الانطلاق نسف النظام التعليمي الحالي واستبداله بمنظومة تتحول فيها قاعات الدراسة إلى معامل للتفكير والتحليل والاستنباط والتذوق ....ليكن الهدف الأول للنظام التعليمي تحفيز التلميذ على التنقيب عن المعلومة وربطها بغيرها من معلومات ..وكيفية التعامل معها مما يؤجج لديه شهوة المعرفة فيمضي سنوات عمره قارئاً..متسائلاً..مفكرا ً..محللا ً. فإن حدث هذا سيدي ،وتحولت وزارة التلقين إلى وزارة للمعرفة ،ويواكب ذلك زلزلة المؤسسة الدينية لتقدم الدين الصحيح وهو دين- يقينا- ينطوي متنه على قيم استنارية عظيمة ،مع تخليق منظومة إعلامية تحتفي بكل فكر تنويري ..وتحفيز وزارة مثل الشباب والرياضة لتوجه جزءا من ميزانيتها للاهتمام بعقول الشباب مثلما تهتم بأرجلهم !! إن حدث هذا سيدي ..يسترد الدماغ الجمعي عافيته ،، مما ينعكس إيجابا على أحوال الوطن. وما شأن المجلس الأعلى للثقافة بكل هذا ؟ حين صدر القرار الجمهوري رقم 355 لسنة 2017 بإنشاء المجلس القومي لمكافحة الإرهاب حدد دوره في ثماني مهام ، كان في صدارتها : إقرار استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخلياً وخارجياً، وإقرار سياسات وخطط وبرامج جميع أجهزة الدولة المعنية بما يحدد دورها وإلزامها بإجراءات الواجب اتخاذها لتكامل التنسيق معها وفق جداول زمنية محددة ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية. وهذا أيضاً هو المطلوب سيدي من المجلس الأعلى للثقافة ، إقرار استراتيجية وطنية شاملة لإعادة هيكلة الدماغ المصري على أسس من الاستنارة والعقلانية ، والقيم الإيجابية التي تترجم إلى سلوكيات يومية إيجابية في البيت والشارع والعمل ،سلوكيات تشيع بانتماء حقيقي لجموع المصريين للوطن ،وتؤدي في النهاية إلى نهضته وازدهاره. .. لقد اتخذ المجلس شكله الحالي عبر القانون رقم 138 لسنة 2017،وقبله القانون رقم 150 لسنة 1980 ،كعقل مخطط للسياسة الثقافية فى مصر عبر لجانه الثماني والعشرين ، وهذا يعني أن يمارس المجلس دوره كقاطرة لكافة الجهات المعنية بإعادة هيكلة الدماغ المصري ،من خلال إشرافه الفعلي والحاسم على وزارات التربية والتعليم ، التعليم العالي ، الأوقاف، الإعلام ،الرياضة والشباب ، الأزهر الشريف ، مع دعم هذا المجلس بترسانة من التشريعات التي تمنحه الصلاحيات لوضع السياسات الخاصة بالشأن الثقافي ،مع تحديد دور كل وزارة ومؤسسة في تنفيذ الجانب الخاص بها من هذه السياسات عبر ترجمتها إلى خطط وبرامج ، تجري متابعة تنفيذها تفصليلياً من قبل المجلس ، بما يتيح الفرصة للتدخل السريع والحاسم لمواجهة أي أخطاء في مبتدئها . بمشروع مثل هذا سيدي نبدأ الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل الشاقة لبناء الإنسان المعرفي والقيمي الذي يتسق تشكيله الثقافي مع سلوكياته في البيت والشارع والعمل ، والتي تستهدف جميعها صالح الوطن .. وفي هذه الحالة يتحول المجلس إلى جهة سيادية ..يمتد تأثيره الإيجابي إلى كافة مدن وقرى ونجوع مصر ..إلى مئة مليون مصري .. وفي هذه الحالة سيعرف كل مصري، وفي أي مكان المجلس الأعلى للثقافة ..مثلما يعرف وزارة التموين! فما يحزنني أن من يعلمون بأمر المجلس بشكله الراهن لايزيد عن بضعة آلاف من 104 ملايين نسمة . حتى المراكبي الذي لايفصله عن مكتب سيادكتم سوى خمسين متراً ..ينشطر عن عالمكم بجبال من الجهل بما يجري في قاعاتكم من تنظيرات.. رغم أن هذا المراكبي هو المستهدف برسالتكم ..فإن لم تصل إليه تلك الرسالة..فكل جنيه تنفقونه هو إهدار لأموال الدولة .. سيدي ..قبل أن أسطر رسالتي هذه ..قرأت الكثير عن مسيرتكم العلمية ..كما كنت متابعاً باهتمام لجهودكم الكبيرة في الارتقاء بالهيئة العامة لدار الكتب لتكون بالفعل الذاكرة الأدق للأمة.. لذا أشعر بالتفاؤل في قدرتكم على تثوير دور ونشاط المجلس الأعلى للثقافة..ليكون مجلس وزراء مصغراً يمارس مهمته باقتدار في إعادة هيكلة الدماغ المصري على أسس تنويرية.. يقينا ..ستنجح .. هذا إن تركوك تعمل !.
#محمد_القصبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شهر الورع أم شهر الفجع؟!!
-
أزمة الممثل الراحل أحمد راتب مع التعديلات الدستورية!
-
الفريق كامل الوزير قائداً للمؤسسات الصحفية!
-
كلاهما وطني ..من يقول : نعم ..من يقول: لا
-
سيدي الرئيس ..هل سأعاقب إن قلتُ للتعديلات الدستورية..لا؟!
-
-منكوس- أبوظبي ..شجن وبهجة وجوائز بالملايين
-
انحياز نقابة الصحفيين للدولة لايعني زواجاً كاثوليكيا بالحكوم
...
-
انحياز نقابة الصحفيين للدولة لايعني زواجاً كاثوليكياً بالحكو
...
-
في رواية -جابر- ..الكل فصيح ..الكل يؤرخ
-
تبرعوا لبناء نصب تذكاري للمواطن المجهول ..البطل الحقيقي لثور
...
-
بهية تنزف في حمامات نقابة الصحفيين
-
من يشتهيك سيدتي كأنه يشتهي إيزيس!
-
كنت وحسن الشعراوي والقزاز.. كما أراد جرامشي !
-
قبلة وقرصة ودن من صديقي لهيثم الحاج علي!
-
ياربي ..لايقين بداخلي سواها!
-
قراءة أخرى للظاهر بيبرس ..للعصر المملوكي
-
عن أي شيء يبحث صديقي وحزبه في هويتنا ؟!
-
أنا وصديقتي ووزيرة الاستثمار !
-
هنيئا فاطمة ناعوت.. وعذرًا رانيا يوسف !
-
المعقول واللا معقول على مسرح السلام ..الحاكم عادل والشعب فاس
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|