سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1537 - 2006 / 5 / 1 - 12:14
المحور:
ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية
في أولِ أيّارَ دخلتُ السجنَ الرسميّ ، وسجّــلَني الضبّـاطُ الملكيونَ شيوعياً .
حوكمتُ – كما يَلزَمُ في تلك الأيامِ – وكان قميصي أسودَ ، ذا ربطةِ عنقٍ صفراءَ
خرجتُ من القاعة تتبعُني صفعاتُ الحرّاسِ ، وسُخْــرِيةُ الحاكمِ . لي امرأةٌ أعشقُها
وكتابٌ من ورقِ النخلِ قرأتُ به الأسماءَ الأولى . شاهدتُ مراكزَ توقيفٍ يملؤها القملُ
وأخرى يملؤها الرملُ ، وأخرى فارغةً إلاّ من وجهي .
*
يومَ انتهَينا إلى السجنِ الذي ما انتهى
وصَّيتُ نفسي وقلتُ المشتهى ما انتهى
يا واصلَ الأهلِ خَـبِّرْهُمْ وقُلْ ما انتهى
الليلَ بتنا هنا ، والصبح في بغداد
*
أحتفلُ الليلةَ بالقمرِ الزائرِ من خلفِ القضبانِ ، لقد رقد الشرطيُّ ، وأنفاسُ السيبـةِ
مثقلةٌ برطوبة شطّ العربِ ، التفتَ القمرُ الزائرُ ناحيتي . كنتُ أدندنُ في ركنِ الموقفِ.
ماذا تحملُ لي في عينيكَ ؟ هواءً ألـمُسُـهُ ، وسلاماً منها ؟ كان القمر الزائرُ يدخلُ
من بين القضبانِ ويجلسُ في ركنِ الموقفِ مفترشاً بطّـانيتيَ السوداءَ ، تناولَ كفِّـي :
محظوظٌ أنتَ . وغادرَني . أبصرتُ بكفِّـي مفتاحاً من فضّـةْ .
*
كلُ الأغاني انتهتْ إلاّ أغاني الناسْ
والصوتُ لو يُشترى ما تشتريه الناسْ
عمداً نسيتُ الذي بيني وبين الناسْ
منهم أنا ، مثلُهم ، والصوتُ منهم عادْ
*
في الثالث من أيار ، رأيتُ الجدرانَ الستةَ تنشقُّ ، ويخرج منها رجلٌ أعرفُـهُ ، يلبسُ
سروالاً عمّـالياً ، وقلنسوةً من جِلْـدٍ أسودَ ، قلتُ له : كنتُ أظنُّكَ سافرتَ …
أما كان اسمُكَ بين الأسماءِ الأولى ؟ أوَ لم تتطوّعْ في مدريدَ ؟ أما قاتلتَ وراءَ متاريسِ
الثورةِ في بتروغرادَ ، ألم تُقتَلْ في إضرابِ النفطِ ؟ أما شاهدتُكَ بين البُرديّ تُعَـبِّيءُ
رشّـاشاً ؟ أوَ لم ترفعْ للكومونةِ رايتَها الحمراءَ ؟ أما كنتَ منظِّمَ جيشِ الشعبِ بسومطرةَ ؟
خُذْ بيدي . فالجدرانُ الستةُ قد تطْبِقُ بين اللحظةِ والأخرى ، خُذْ بيَدي .
*
يا جارُ ، آمنتُ بالنجمِ الغريبِ الدارْ
يا جارُ ، نادتْ ليالي العُمرِ : أنت الدارْ
يا ما ارتحلْنا وظلَّ القلبُ صوبَ الدارْ
يا جارُ لا تبتعدْ … دربي على بغداد .
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟