|
الاوضاع الاخيرة في فلسطين!!
فارس محمود
الحوار المتمدن-العدد: 23 - 2001 / 12 / 31 - 01:59
المحور:
القضية الفلسطينية
تمثل قضية فلسطين احد القضايا والمعضلات الاساسية على الصعيد العالمي والتي لم تجد لها حلاً طيلة عقود. ان هذه القضية اتخذت ابعاداً مساراً اخراً مع احداث 11 ايلول. ان احد افرازات الاوضاع العالمية لما بعد 11 ايلول هو ظهور مسعى قوي من اجل حل هذه المعضلة التاريخية والقديمة. ان خطاب كولن باول وتاكيد الحكومة الامريكية على ضرورة حل مسالة فلسطين واقامة دولة فلسطين المستقلة والتسليم بهذه الحقيقة وقبلها التحركات المكوكية لتوني بلير بهذا الصدد واقرار امريكا، بعد اتخاذ ادارة بوش لموقف اللامكترث من هذه المسالة منذ استلامها زمام الامور في البيت الابيض، بعدم امكانية لزوم الصمت اكثر تجاه هذه المسالة. ان هذا المسعى مديون لادراك البشرية ان لاحل لمسالة ارهاب الاسلام السياسي بدون حل قضية فلسطين التي تعد احد الركائز التي تستند لها تيارات الاسلام السياسي في تطورها وبقاء خطرها جاثم على افئدة مئات الملايين من البشر. من السهولة بمكان رؤية اثر ضغط جبهة انسانية عريضة على امريكا مجبرة الاخير على ضرورة عدم الوقوف مكتوف الايدي تجاه هذه المسالة والتي تعني عملياً اطلاق يد اسرائيل في تقويض ماتبقى من مساعي السلام التي قطعت اشواطاً بعيدة بعد اوسلو 1993. ان رؤية اثر احداث ايلول على القوى المتصارعة يعطينا تصوراً اكثر ملموسية لمواقف هذه الاطراف ومساعيها واهدافها في ظل الوضعية الجديدة من جهة ورد فعلها على احتواء هذه الوضعية في حالة اليمين الاسرائيلي وحكومة شارون بالذات وجماعات الاسلام السياسي او الاستفادة منها للخروج من مأزقها السياسي كما هو الحال مع الادارة الفلسطينية ومايسمى بتيار عرفات. فيما يخص التيارات الاسلامية كجهاد وحماس التي ترى ساعة قبرها مع قبر هذه المعضلة، وفي وقت ترى ان تيارات الاسلام السياسي الارهابية على صعيد عالمي تحت ضغط عالمي كبير وفي تراجع جدي، ليس من مصلحتها ان تصل هذه القضية خاتمتها لانه ببساطة يسحب البساط من تحت اقدامها. ان قضية فلسطين والظلم القومي الواقع عليها من قبل طرف اخر"اسرائيلي"- "يهودي" هو المنبع الذي يمدها بماء الحياة. انها ماء وهواء عمرها. لهذا، بالنسبة لها، لابد من المناورة والتحرك السريعين! لابد من اعمال كبيرة! لابد من الاعمال الانتحارية الشرسة التي راح ضحيتها العشرات من الاسرائيليين الابرياء والعزل! ان محور تحركها هذا ليس له ادنى ربط ب"مقاومة العدو"، "الثأر لدم بو هنود" او "الانتقام للاطفال الشهداء" ان هذه مجرد ادعاءات ومبررات لايربطها في واقع الحال. ان مايؤرقها واقع شبح حل معضلة فلسطين وانزواء وتهميش والدفع بهذه الحركات مرة اخرى نحو جحرها. فيما يخص اسرائيل، حكومة شارون اليمينية، حكومة جزار صبرا وشاتيلا، فان هذه الحكومة التي هي وقفت من البدء ضد عملية السلام وحل هذه القضية والتي وصف فيها شارون عملية السلام في اوسلو بانها اسوأ حدث في تاريخ اسرائيل المعاصر، هي ايضاً مدركة ان بقاءها مرهون ببقاء العداوات والتشنجات والصراعات القومية والدينية لاسرائيل والعرب. ان نفس مجيئها للسلطة مديون للعمل الاستفزازي الذي قام به شارون بزيارة الاقصى وبالتالي تفاقم الصراع واشتداده ليضع عراقيل جدية امام عملية السلام المتعثرة اساساً واستناداً الى هذا التعثر ايضاً ليميل الاوضاع والراي العام الاسرائيلي نحو اليمين باسابيع قلائل ليجني الاصوات الانتخابية للشارع الاسرائيلي المهتاج ويقلب الطاولة على باراك وياتي للسلطة في ظل غياب اي حل انساني ويساري وراديكالي ذا وزن. ان هذه الحكومة التي هلههلت لاحداث 11 ايلول لتسوق بضاعة هجمتها على جماهير فلسطين، قمعها واستبدادها الدموي، قتل عشرات الاطفال الابرياء وعمليات التفجير والتفخيخ وهدم المنازل على انها من ضمن "المسعى العالمي" لمكافحة الارهاب العالمي، استغلت هذه الاوضاع الجديدة، اغتنمت هذه الفرصة الذهبية لتعميق هجمتها وسياساتها التوسعية والحربية لتأخذ ابعاد مدمرة على صعيد المنطقة ككل لم تسلم منه اسرائيل ذاتها. ان هجمة اسرائيل الشرسة الاخيرة وسعيها الى تصعيد اجواء الحرب والقتل والتوتر مستخدمة الطائرات المروحية والدبابات قاصفة المدارس ومراكز ادارة وامن السلطة الفلسطينية والادهى من هذا حديثهاعن بديل لعرفات والتعامل مع عرفات لابوصفه رئيس السلطة الفلسطينية وغير ذلك لاتهدف الى "انهاء الارهاب" ولا الى "حماية سكان اسرائيل من الارهاب". على العكس من ذلك، ان ذلك يطلق يد الارهاب والجماعات الاسلامية في تعميم وتوسيع نطاق قتلها ومذابحها بحق الابرياء. ان ذلك يوفر فرصة ذهبية للتيارات الاسلامية التي هي اساساً تتعكز على هذه العداوات وهذه الصراعات وتنتعش في اجوائها. ولكن السؤال المطروح: لماذا تلجأ حكومة شارون الى هذه الاعمال التي من الواضح خطورتها على المواطن الاسرائيلي؟ ان اخر ما تفكر به حكومة شارون هو امن جماهير اسرائيل. لم يكن يوماً ما على قائمة اولوياتها السياسية. ان اليمين الاسرائيلي والتيارات الاسلامية متلازمان، عدّوان يحتاجان بعضهما البعض ويقفان على السواء بالضد من مصالح جماهير اسرائيل وفلسطين؛ كلاهما يعلم ان ابرياء الطرفين هم اول ضحايا هذه الاوضاع، يعلمان جيداً مقدار ثمن اعمالهما وممارساتهما السياسية ويريان ان هذا الثمن لاقيمة له امام مصالحهما واهدافهما السياسية والحزبية الضيقة فيما يخص المكانة والسلطة السياسية، ماعدا فرق واحد الا وهو ان التيارات الاسلامية هي صنيعة اسرائيل ومديونة لها من ناحيتين: الاولى، ان اسرائيل هي من دعمت وقوت من الناحية السياسية وحتى المادية هذه التيارات للوقوف بوجه التيارات القومية المناهضة لاسرائيل وبالاخص المقاتلة منها بهدف اضعافها في المجتمع مثلما دعمت امريكا بن لادن وطالبان وبقية التيارات الاسلامية. ثانياً، جراء ممارسات وظلم اسرائيل لجماهير فلسطين وتعميقها للاحاسيس والمشاعر العنصرية الدينية والقومية وابقاء هذا الجرح نازفاً دون حل. ان هذه الممارسات وفرت ارضية خصبة لتنامي هذه التيارات. اما امريكا التي كانت ولحد الامس، وعبر خطاب وزير خارجيتها، تتحدث عن ضرورة تشكيل دولة فلسطين وتمارس الضغوط على حكومة شارون للجلوس الى مائدة المفاوضات والكف عن مواقفها المتعنتة وممارساتها، انقلبت 180 درجة لتدعم مواقف اسرائيل وهجماتها مانحة اياها الدعم السياسي اللازم لاعمالها الوحشية. ان امريكا، ونظراً لاتخاذها الجانب الاسرائيلي دوما بصورة غير مشروطة، وبدلاً من ضرورة الايعاز لشارون ب"ضرورة ضبط النفس" بعدم الانجرار وراء اعمال وسياسات التيارات الاسلامية وتفويت الفرصة على هذه التيارات في افشال التحرك نحو المفاوضات والسلام، عادت لاعطاء الضوء الاخضر لشارون في حرب من طرف واحد على جماهير فلسطين. في وسط هذا الارهاب الحكومي وارهاب التيارات الاسلامية، كانت السلطة الفلسطينية التي تمثل عملية السلام كل اوراقها ضحية هذه الاوضاع. انها في مازق وانسداد افاق تامين وعميقين. فلاهي بقادرة على لجم تحركات التيارات الاسلامية المنفلتة واعمالها الارهابية في اسرائيل التي هي اقل "هدية" من الممكن ان تقدها لاسرائيل، ولاهي بقادرة على التوصل الى اتفاق مع حكومة شارون والدفع بعملية السلام للامام لانه ببساطة اولويات شارون هي شيء اخر تماماً (اجهاض عملية السلام والعودة بالاوضاع الى ماقبل اوسلو). ان الحكومة الفلسطينية، وبالاضافة الى احتراقها بنار جماهير فلسطين المطالبة بانهاء اوضاع الاحتلال والقمع والقتل وتشكيل دولة فلسطين المستقلة، تشتعل بنارين اخريين : نار شارون ونار حماس والجهاد. ان حملات الاعتقال وفرض الاقامات الجبرية على قادة حماس، بل وحتى التصادم الذي جرى بين قوات الامن الفلسطينية مع "الشارع الفلسطيني" الذي تؤلبه حماس والجهاد ضدها لايرضي شارون ولا القيادة الامريكية اللذان لايعدان ذلك امرا كافيا من جهة وليس بوسع عرفات تهدئة الاوضاع ولجم جماح المتظاهرين والظهور بمظهر صاحب سلطة، ولابمقدوره لجم الضغوطات الكبيرة لحماس والجهاد بمقاومة سياسات الاحتلال الاسرائيلية . ان هذا في غاية الصعوبة الان وذلك لان الاوضاع تعصف نحو اليمين، عملية السلام في مازق جدي. ان اوضاع اليوم تختلف عن قبل 5-6 سنوات خلت حيث استطاع بسهولة لجم هذه التيارات المنفلتة بحكم الاجواء "الايجابية" لعملية السلام. لقد قلبا الطاولة عليه. ان كلا الطرفين يدركان ان ليس بيد عرفات اي ورقة حتى يلعب بها للخروج من مازقه؛ يدركان مازقه جيداً ولهذا يضغطان اكثر من اجل فرض اكبر مايمكن من التنازلات عليه. بيد ان مازق عرفات الاصلي، برايي، لايكمن هنا، بل يكمن بصلب استراتيجيته السياسية ( حل من وراء ظهر الجماهير، تفاوضي صرف، امبريالي ). انه غير قادر ولايبغي ايضاً ان يلف جماهير فلسطين حوله واعلان تشكيل دولة فلسطين رغم كل الدعم الواسع والعالمي الذي تتمتع به قضية فلسطين. لايمتلك الشجاعة السياسية بحكم افقه. انه سر عجزه الراهن. من الممكن تناول هذه المسالة بتفصيل اكثر في مناسبة اخرى. ان الاوضاع الاخيرة في فلسطين تؤكد مرة اخرى على ضرورة انهاء هذه الجرح النازف، على ضرورة اعلان دولة فلسطين المستقلة فوراً. على جماهير اسرائيل الداعية للحرية والمساواة ان تقوم بدورها في تصفية الحساب الجدي مع التيارات اليمينية الاسرائيلية فوراً وعلى انهاء السمة القومية- الدينية لدولة اسرائيل بوصفهاعائق جدي امام اندمال هذا الجرح، امام تحقيق السلام في المنطقة. على جماهير فلسطين، ولتحقيق هذا الهدف، ان تعيد التيارات الاسلامية لجحورها القرووسطية. ان هذا من بنات ايدي قوى اليسار والتحرر، قوى العلمانية والراديكالية، قوى الاشتراكية في اركان العالم المختلفة.
#فارس_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاحزاب الشيوعية العربية والاصطفاف في خندق الاسلام السياسي
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|