أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - القيامة … البابا … رمضان … النقشبندي














المزيد.....

القيامة … البابا … رمضان … النقشبندي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6217 - 2019 / 5 / 1 - 10:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




رائحةُ الشمعِ في فانوسي الملوّن/
تُشبِه صوتَ "النقشبندي" إذ يقولُ:
مولايْ ... إنّي ببابِكَ/
قد بَسَطتُ يدي/
مَنْ لي … ألوذُ بهِ/
إلّاكَ … يا سَنَدي؟!
***
وكان حصولي على "فانوس رمضان"، هديتي من جارنا: (أنكل وسيم)، معناه أن شهرًا استثنائيًّا قد جاء. صوتُ "النقشبندي" يُشبه قطراتٍ من مَنِّ السماء، يحمله طائرُ السلوى إلى حَزَانى الأرض، فيبتهجون. يذوبُ صوتُ النقشبندي مع ذوبان شمعة فانوسي، فترتبطُ رائحةُ الشمع المُذابِ مع صوت العظيم "سيد النقشبندي"، في ذهني إلى الأبد. ولكنْ، قبل الفانوس البهيج، كان أمامنا شهرٌ من العمل الجادّ الدؤوب مع "جيشنا" المغوار من أطفال الشارع.
أركضُ إلى حصّالتي، حيث أُخبئ كَنزي الثمين. أفتح بابها السريّ، ثم أفرغها على طرف سريري. أَثِبُ في الهواء، وأهبط مُتربّعةً، في جلسة جدي: "الكاتب المصري الفرعوني". ثم أبدأ في عد ثروتي. قرشٌ، اثنان، خمسة عشر، وهذه ورقة بعشرة قروش، وورقتان بجنيه كامل، وثمان بقيمة ربع الجنيه، فيكون المجموع أربعة جنيهات وربع. تبدأ المشكلة الآن. ما الحيلةُ التي سأخرج بها من البيت؟! طلبات الخروج، عدا إلى المدرسة، ترفضها أمي بحسم، دون أسباب، ودون استئناف ولا طعن. تطفر دموعي وأصرخ: (يا ماماااا! ده رمضاااان، وكل صحابي متجمعين عشان نزيّن الشارع، والفانوس الكبير هنعلّقه بين العمارات.) فتبتسم أمي وتوافق.
لا شك أن مغامرتي مع حصالتي وأمي، كانت تتشابه مع مغامرات كلِّ أطفال شارعنا القديم. نتبارى مع أبناء الشوارع الأخرى لنرى مَن فانوسُه أكبر، وزينته أكثر أناقة وأكثفَ لونًا. ولم ننتبه، إلا حين كبرنا، أن نصفَ أطفال شارعنا من صُنّاع زينة رمضان، كانوا مسيحيين. فشهرُ رمضان في مصر، لا يخصُّ المسلمين وحسب. إنه شهرُ الجميع، وبهجةُ الجميع، وصلاةُ الجميع: لإله واحد مالكِ هذا الكون الشاسع؛ نعبده جميعًا، كلٌّ عبرَ رؤيته. ونحبُّه جميعًا، كما أحبَّنا هو؛ فمنحنا الحياةَ وجعلنا شعوبًا وقبائلَ؛ لنتعارفَ ونتحابَّ ونتآخى.
يأتي رمضانُ؛ فلا يُشبه أيَّ شهرٍ آخرَ. ولا يشبهه أيُّ رمضانَ يجولُ في العالم. يتفق المسلمون، وغيرُ المسلمين، على أن لرمضانَ في مصرَ طعمًا ونكهةً لا مثيلَ لهما في أية دولة آخرى. ما السبب؟ إنه سرًّ المصريين الخاص، منذ آلاف السنين، قبل نزول الرسالات. تعويذةٌ تصبغُ الأشياءَ بلون مصر، وتسبغُ على الأيام طعمَ النيل. إنها عبقرية المصريين في صناعة الفرح. المناسباتُ الدينية عندنا هي مناسبةٌ للحياة. حيث تلتقي السماءُ والأرضُ في معزوفة موسيقية ساحرة، لا هي مقطوعاتٌ سماويةٌ خالصة، ولا هي معزوفاتٌ أرضيةٌ خالصة. مزيجٌ فريد. فقط في مصرَ، يأتيك من السماء، صوتُ النقشبندي عند الفجر يشدو: "قلْ اِدعُ اللهَ، أو اِدعُ الرحمنَ، أيًّا ما تدعوه فله الأسماءُ الحُسنى"، وعند الظهر تُقرعُ أجراسُ الكنائس فتنشرُ في الأرجاء الدفءَ والحياة والفرحَ، ثم يأتيك عند المغرب شجوُ "محمد رفعت" مؤذّنًا للصلاة؛ فلا تُخطئُ صوتَه بين ألف صوت. الشوارعُ غارقةٌ في اللون والضوء والصَّخب. الناسُ ساهرون لا يعرفون النومَ في ليالي رمضان. يتجاوزون الفجرَ، وينتظرون حتى ينسلَّ الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأسود. شهرٌ لا تميّز فيه المسلمَ من المسيحيّ. فالكلُّ يحتفل؛ كأنه شهرٌ مصريٌّ، وليس دينيًّا. المسيحيُّ يصوم مع المسلم؛ لأنه يؤمن أنه "لا يليق أن يشبع وأخوه جائع”. وإن باغتنا أذانُ المغرب في الطريق، سنجد الشبابَ والصبايا يستوقفوننا مبتسمين يلوّحون لنا بالخير. نفتح زجاج السيارة، ونتناول كأسَ العصير وحبّاتِ البلح لكي "نكسر صيامنا". ويحدثُ أن يقول قائدُ سيارة للشباب: “أنا مسيحي!”، فيُفاجأ بأجمل ردٍّ في الوجود: "إحنا كمان مسيحيين، كل سنة وأنت طيب!" يحدث فقط في مصر؛ أن يقفَ مسيحيّون ليسقوا مسلمين صائمين، زارهم المغربُ وهم خارج بيوتهم.
قبل أيام، كنتُ أصافحُ "قداسةَ البابا المعظَّم تواضروس الثاني" في الكاتدرائية لتهنئته بعيد القيامة المجيد. وكأنما كنتُ أصافحُ قطعةً عزيزةً من قلب مصرَ. هذا الرجلُ رفيعُ المقام، قدَّم لمصرَ تضحياتٍ هائلةً من أجل الحفاظ على ثباتِها واستقرارها في كلّ ما مرّت به من مِحَن طائفية يصنعُها أعداءُ مصرَ أعداءُ الحياة. عالجَ بوطنيته وصبره تداعياتِ كوارثَ إرهابية موجعة كان يمكنها أن تدمر مصر؛ لولا حكمتِه التي تجعله يضعُ مصرَ وصالحَها قبل أي شيء آخر. طوال الوقت هو خيرُ سفير لمصرَ أمام كلّ رؤساء العالم؛ فلم يسمح لأحد بالتدخّل في الشأن المصري، ولم يُهِن اسمَ مصر يومًا بل أعلاها في عيون العالم ورفضَ كلَّ محاولات الغرب للزجّ بالأنف فيما يحدث أحيانًا من مضايقات للمسيحيين في وطنهم. لو عرفَ المصريون كم فتنةً وأدها البابا تواضروس في مهدها بحكمته ووطنيته، لقدّموا له التحية كلَّ صباح. كل سنة ونحنُ أجملُ الشعوب. كلُّ سنة ومصرُ، مصرُ. "الدينُ لله، والوطنُ لَمن يحبُّ الوطن”.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصرُ التي … على صفحة العائم
- حوار مع متطرّف: نعم … أنا متطرّفة!
- مَن يقرعُ الأجراسَ في باريس؟
- الملك لير … سرُّ عظمة مصرَ
- روچر … البودي جارد الذي خاصمني!
- مصطفى الفقي … سَلطنة التشريح الفكر
- في قانون التحضُّر: البقاءُ للأضعف!
- الإسكندراني والسيسي وزيدان …. يا حفيظ!!!
- أم كلثوم ... فيروز … شيرين
- دائرةُ الحُب الأبديةُ في بيت لليان تراشر
- العسراءُ الجميلة التي اغتالتها يدُ صهيون
- ما هديتُكَ في عيد الأم؟
- البابا شنودة و... برينتون تارانت
- الأدبُ … حين يحمينا من المزورين | عن الصفحات الكاذبة
- هنا أسيوط … والذي مصرُ تعيشُ فيه
- على هامش ((تصويب)) الخطاب الديني
- البابا فرنسيس في دار زايد … على خُطا القديس الأسيزي
- صخرةُ العالم … وسوطُ السجّان
- إكليلُ غار للجميلة: سميحة أيوب
- قال الرئيس: مسيحيو مصر ليسوا أقليّة!


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - القيامة … البابا … رمضان … النقشبندي