أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي - وديع العبيدي - العمّال والمهجر..















المزيد.....


العمّال والمهجر..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6216 - 2019 / 4 / 30 - 20:54
المحور: ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي
    


وديع العبيدي
العمّال والمهجر..
(1)
التغيرات السياسية والعسكرية العنيفة التي طرأت على البلاد العربية في عهد ثنائية القطبية، منذ اواخر الأربعينيات حتى مطلع القرن الواحد والعشرين، والذي تعتبر موجات الهجرة من الشرق والجنوب نحو الغرب والشمال، ملمحا بارزا له، في مجال علم اجتماع السكان والتحولات التاريخية، أسفرت عن موجات متصاعدة من الهجرة والتهجير، الفردية والجماعية، خارج بلادهم، وبشكل مقطوع وقطعي.
ان اصطلاحي الهجرة واللجوء، هي تعابير ملطفة، مستعارة من معاجم أوربية متحضرة، ومن مواثيق حقوق الانسان الغربية المنشأ والفعالية؛ ولا تتصل بطبيعة الثقافة السياجتماعية العربية والشرقية. واقع الحال، ان الخروج من البلاد، هو قرار (انقلاع/ اقتلاع) ثقافي واجتماعي من جذع الشجرة.
والبيئة العربية/العراقية تحديدا، لا تستقبل المغادرين/(درب الصدّ ما ردّ!). بل أن العائلة العراقية/ الحلقة الحميمة للفرد، أول من يستنكر عودة الغائب، وتنزل عليه بمختلف النعوت والملامات والتقاريع/(جماع اللؤم والحقد والحسد)/ تحت عنوان (عتاب)، والعتاب العراقي عنيف وجارح وكيدي.
دوائر اللجوء الفاشية، كانت تتهدد اللاجئين بالتسفير والاعادة، إلى بلادهم الأم، أو البلاد الوافدين منها؛ وهذا يعني السجن والتحقيق كمجرم سياسي متهم بخيانة الوطن. لكن الجانب الأشقى من المعادلة، هو تخلي العائلة الحميمة عن الفرد، والمعروفة باقرارات (البراءة) العائلية والعشائرية، من اللاجئ، أو قرار (الطلاق الرسمي) ممن غادر بلاده في ظروف غير طبيعية.
هكذا يجد الخارج من بلاده نفسه معلقا بين نارين: (العودة/ الاقامة الاضطرارية)، وقد التقيت لاجئين عراقيين في أوربا، رفضت طلبات لجوئهم، ورفضوا التسفير وإعادتهم للعراق، ومضت عشر سنوات/(معدل)، يعيشون ويعملون بصورة غير رسمية، في البلاد الغريبة، ويغيرون إقامتهم من مكان لغيره بصورة دورية مستمرة.
عند السؤال: هل أنت تركت بلدك.. أم بلدك تركك؟..
يكون الجوانب: بل بلدي تركني، وأنا تمنيت العودة إليه وعدم مغادرته!
وقد عبّرت عن هذا ذات تسعينيات عراقية بالقول..
(يتامى نحن في وطن بلا أبناء..) وديع العبيدي
سوف أعود لمناقشة هاته الفقرة، لاحقا..
(2)
موجات الهجرة واللجوء، تختلف وتتفاوت بحسب عهودها وظروفها، وبشكل عام نقسمها هنا لمرحلتين حسب المتغيرات الدولية:
أولا: بين الخمسنيات والثمانينيات..
ثانيا: بين التسعينيات والألفية..
الأولى كانت بفعل الانقلابات العسكرية الوطنية التي أشرفت عليها دوائر المخابرات المركزية الأميركية في العالم الثالث، وحملت شعارات الوطنية والقومية والتحرر من الاستعمار والتبعية/(المقصود بالاستعمار والتبعية: الاستعمار البريطاني والفرنسي).
وقد اتبعت الحكومات الانقلابية برامج اقتصادية وشعارات سياسية متشابهة، منها التأميمات الاقتصادية وقرارات تحديد الملكية الفردية، وكان من جرائها قلب الهرم الاجتماعي والاقتصادي، وازاحة مراكز القوى التقليدية السابقة خارج المجتمع والبلاد/(عمارة يعقوبيان لعلاء الأسواني- مثلا).
وألحق بها ازاحة غير الموالين للحزب الحاكم من تيارات شيوعية وقومية نحو الخارج، وكان عزاء هذين الصنفين، في ظل الحرب الباردة، وجود حواضن اشتراكية مقابل حواضن رأسمالية تقليدية، استوعبت تلك الموجات، ووفرت لها درجة عالية من التعويض النفسي والثقافي.
الموجة الثاني هي الأكثر خطورة، والأكثر تعسا، وذلك لمصادفتها غياب المعسكر الاشتراكي، وانغلاق بلدانه في وجه الهجرة، واستفراد العالم الغربي الرأسمالي باستقبال اللاجئين والمهاجرين من اسيا وشرق أوربا وأفريقيا.
والواقع ان سياسات الهجرة الغربية اتصلت بحاجات نظامها الاقتصادي، أكثر منها يعلاقاتها الانسانية. والمؤسف ان دوائر الامم المتحدة ومجلس الأمن، كانت طرفا في السمسرة الدولية بحياة المهاجرين، كسلع اقتصادية وقوى عمالة رخيصة يجري توزيعها بين أقطاب الرأسمالية.
والمعروف انه منذ (1994م) فتحت مكاتب الامم المتحدة دوائر للجوء ومخيمات على حدود المناطق الملتهبة، لتهجير السكان وتوزيعهم على البلدان الراغبة في استقبالهم، والمحتاجة لايدي عاملة رخيصة، بنسب وأعداد متداولة ومعترف بها من قبل دوائر اللجوء التابعة للامم المتحدة.
ففي حين كانت الحقبة الأولى، تمنح فرص الاقامة والدراسة، للمهاجرين، وتسهل معاملتهم كضيوف أعزاء، وعناصر يمكن الافادة منها وتطويرها، اسوة بالسكان الأصليين؛ فأن الحقبة الثانية، اختزلت برامج اللجوء والهجرة في عنوان (هجرة اقتصادية/ لجوء اقتصادي/ انساني)، حيث يتم اعداء اللاجئ وتأهيله لدخول سوق العمل أولا وأخيرا. ومن مفارقات هاته الحقبة، تفضيل العوائل كثيري الأطفال، ممن يمكن تأهيلهم منذ الصغر، للاندماج في ثقافة البلد وبرامجه الاقتصادية والثقافية/(الجيل الثاني من عوائل اللجوء).
برغم ان حكومات وأنظمة ما بعد خمسينيات العالم الثالث، تاجرت بشعارات الوطنية والقومية والتنمية والتقدم، لآخر أنفاسها، ورغم قرارات التأميم الحازمة أو الاعلامية، فأنها مارست وبشكل لا يغتفر، أكبر عملية هدر للطاقات الوطنية والقومية في التاريخ المعاصرا، ورسخت مثلا سيئا للتهجير والنفي، السياسي أو المجتمعي والثقافي، وبشكل جعل نصف قوة العمل، وثلثي النخب المثقفة والاكادمية، تقيم خارج بلدانها، أي حرمان بلدانهم الأم من قدراتهم الفكرية والانتاجية.
هاته الطاقات البشرية المنتجة، صارت تحت تصرف النظام الرأسمالي العالمي، منذ النصف الأخير للقرن العشرين وحتى اليوم. ولا مراء في القول، ان الهجرة من الشرق للغرب، صارت ظاهرة عادية طبيعية، لمن استطاع لها سبيلا. ولها عناوين مألوفة: [الدراسة، العمل، الاستثمار]، فضلا عن (السياحة والعلاج).
ولم يعد غريبا، أن يمتلك غير قليل من العرب، عقارات/ شركات لهم أو أسهم في شركات، في أكثر من بلد أو بنك في بلدان الغرب تحديدا. فالرأسمالية منفتحة نحو الخارج في أمرين: اجتذاب رؤوس أموال من الخارج، اجتذاب أيدي عمل رخيصة من الخارج. وفي كلا الأمرين، توجد مكاتب ترانسفير وخدمات دولية، تتولى خدمة الاعلان وتسهيل حركة رؤوس الأموال واليد العاملة بين البلدان.
لماذا لم تظهر برامج ومشاريع، أهلية أو حكومية، تتبنى اعادة استقطاب الكفاءات العلمية والفنية نحو الداخل، موفرة لهم أجواء حقيقية مناسبة للانتاج والابداع، ومن غير محاكم ضمير وشعارات تخوين، واستمارات توابين وولاء شخصي؟..
(3)
اذا كانت الاضطرابات الدولية في بلدان العالم الثالث، سواء في الثمانينيات السابقة والمرافقة لقرارات غورباتشوف في البيروسترويكا ثم حلّ الاتحاد السوفيتي، والممثلة بالتوترات والصراعات العسكرية في لبنان والعراق وايران ورواندا؛ أو في التسعينيات اللاحقة لسقوط الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي، كما في حرب الخليج الثانية واضطرابات اليمن، وحروب تجزئة يوغسلافيا الاتحادية، وصولا لتصاعد التوتر العالمي وتنامي الاسلام السياسي المتطرف على طرفي الحدود الباكستانية-الافغانية، الممثل بتنظيم القاعدة ونموه وانتشاره عالميا في الغرب، واقليميا في اجياله الثانية والثالثة في العراق، وصولا لتنظيم داعش، وهي تيارات فكرية وعسكرية -لاوطنية-، مؤسسة ومدعومة وموجهة مركزيا من قبل الدوائر الغربية والصهيونية، وفي مقابل وعود ايديولوجية سياسية، على غرار وعود لورنس للحسين بن علي في تثويره ضد العثمانيين في الحرب الأوربية الأولى.
في كل الحدود الجغرافية للاضطرابات وعدم الاستقرار، ترتبت ظاهرة/ موجة النزوح المناطقية أولا، وخارج البلاد وصولا إلى أوربا الغربية والولايات المتحدة الأميركية، لتفكيك البلدان اجتماعية وثقافيا، وتوفير مصادر للعمالة واجتذاب رؤوس الأموال من الخارج.
اذا وقفنا أمام عدد المهجرين من لبنان والعراق والكويت واليمن وايران وافغانستان منذ أول التسعينيات حتى أواخرها، وتأملنا في هيكيليتها الاقتصادية والاكادمية والفكرية، فكم هي نسبة الهدر المجتمعي في الطاقات والقدرات الايجابية والفعالة؟..
من الطريف، ان مجتمعات هاته البلدان، لا تعترف بمسؤوليتها في مسألة الهدر البشري والانتاجي، المسوقة للعدو الرأسمالي!.
واضح أن كل المجموعة الآنفة الذكر، هي مجموعة ثقافية اجتماعية متقاربة، ويجمعها عوامل: وحدة المصير والتاريخ، وفي يوم ما كانت تدعى بالامبراطورية الاسلامية. فلها تاريخ وثقافة ومصير مشترك، وعانت بنسب متفاوتة من آثار غزوات المغول والحكم العثماني والكولونيالي الغربي بالتعاقب، ولا خلاص لها بغير التكاتف والتعاون، والمصالحة مع الذات والتراث، والتكاتف في مواجهة الاستعداء الرأسمالي الغربي.
ان مستقبل مجتمعات المنطقة، يتعلق بالشجاعة والثقة بالذات، في الانفتاح وارادة البناء الداخلي والتقدم التاريخي، والتطلع للامام بعين تتجاوز أسباب الضعف والتردي، مع ترسيخ أسباب قوتنا وازدهار مجتمعاتنا.
وقد توفرت لنا عبر القرن العشرين، تجارب ودروس واضحة وعميقة. ومن العار، تضييع الفرص وتجاهل الدروس، تحت دعاوى الكبرياء الجوفاء وغرور الانتفاخ. وما من بلد أو مجتمع مفرد، قادر على حماية نفسه بنفسه، أو تحقيق اكتفاء ذاتي اقتصادي، يجنبه الخنوع للرأسمالية الامبريالية. أليس الانحناء للأخ والجار، بأفضل من الانحناء للأجنبي والعدو؟.. (رحم الله من عرف قدر نفسه!)..
ولمن يتبع (القرآن)، انه يقول: (ولا تمش في الأرض مرحا، انك لن تخرق الأرض، ولن تبلغ الجبال طولا/الاسراء17: 37). (ولا تصعّر خدّك للناس، ولا تمش في الأرض مرحا، ان الله لا يحبّ كلّ مختال فخور. واقصد في مشيك، واغضض من صوتك، أن أنكر الأصوات لصوت الحمير/لقمان 31: 18- 19).
لماذا أقول هذا، ازاء انبطاح الجميع تحت اقدام العدوّ، شغفا بالانترنت والحضارة الالكترونية؟.. أليس الانترنت والموبايل، مجرد عقاقير سامة، تسهل ابتلاع الفك الأمبريالي، لمجتمعات طفيلية اتكالية، فقدت جدارتها في الوجود، أم أن مصير المتبقي من بلدان اسلامية، سيفلت من مصائر مصر والعراق وليبيا وسوريا.. قلْ:
(لن يبقى عربي واحد في الشرق..
إذا بقيت حالتنا هذي الحالة..
بين حكومات الكسبة..
- القدس عروس عروبتكم-) مظفر النواب
(4)
ان الغرب الرأسمالي، لا يعامل المهاجرين واللاجئين، على قدر المساواة مع السكان الأصليين، لا في القانون ولا العمل ولا الأجور. على الرغم من نص القانون النمساوي/ مثلا، بأن حقوق اللاجئ الرسمي، هي نفس حقوق النمساوي الأصلي، ولكن هذا لا يعدو كونه حبرا على ورق.. ليس إلا.
ومن التعابير الشعبية السائرة هناك، نظرتهم السلبية للقانون والحكومة، فيقال سخرية: (أوف ديم شيلف/ على رف الغبار)، (نور بابيرا/ ورق فقط)، وقد لاحظت في زيارتي الأخيرة، اختفاء التعابير السلبية التي تنال من هيبة الحكومة والدولة، رغم تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية بشكل يهدد بالانفجار، ما جعل الرقابة البوليسية والصرامة البيرقراطية تتضاعف، للحفاظ على أسباب الأمن السياسي.
والأخبار الأخيرة، دالة واضحة على الانهيار والثورة المكبوتة، ولكنها أيضا ثورة خائبة وبلا أمل، وذلك بفضل انتشار قوات الناتو داخل البلدان الأوربية، ضمن قوات البوليس والجندرمة. ومنذ التسعينيات، يعمل البوليس الأميركي(اف، بي، اي) في غرف عمل مشتركة مع البوليس النمساوي.
ولا تعترف بلدان اللجوء الرأسمالية، بالشهادات الأكادمية للمهاجرين، وعند عمل مقابلة شهادة المهاجر بنظيرها النمساوي، يتم تدقيق الموضوعات في المقرر النمساوي، غير المسجلة في الشهادة الأجنبية، ويترتب عليه، تعويض الفقرات المفقودة، ووجوب تعويضها دراسيا لعدة سنوات.
ان النمسا لا تأخذ بنظر الاعتبار، ان النظام التعليمي العراقي/(مثلا)، يقوم على النظام الانجليزي وليس الالماني، ولا تأخذ بعين الاعتبار فارق السنين بعد التخرج، أو امكانيات العمل بعد انجاز مقابلة الشهادة، حيث لا تجيز الدولة النمساوية، توظيف أجنبي، في دوائر الحكومة والشركات النمساوية، بحسب شهادته الأكادمية.
والاحتمال المحدود لتوظيف بعض التخصصات/ الطبية/ الجامعية، يعتمد ثلاث نقاط: [يكون من خريجي جامعة نمساوية وممن درس مرحلة واحدة في الأقل، في التسلسل الدراسي الأولي: ابتدائية، متوسطة، ثانوية؛ يكون صغير السن/(عشريناته)؛ موقع عمله في مؤسسة غير مركزية وعلى الملاك المؤقت أو قصير المدى].
ومن صور مساواة الشهادة الأجنبية بمقابلها النمساوي، فأن شهادة بكالوريوس عراقية/(اقتصاد مثلا)، تتطلب اضافة ثلاث سنوات دراسة في جامعة نمساوية، فإذا كانت مدة دراسة البكالريوس العراقية هي اربع سنوات، فمساواتها بالنمساوية، تضيف لها ثلاث سنوات: [4+ 3= 7 سنوات بكالريوس]، وهي مدة تعادل الحصول على شهادة دكتوراه في بلد عربي. أليس في هذا اجحاف وهدر، بلا مثيل. وهل عنى الأمر شيئا لأي حكومة عربية؟..
ازاء ذلك، وعدم وجود احتمال ثالث، تفرض عليك الحكومة، النزول الى سوق العمل، بصفة عامل غير ماهر، دون أدنى اعتبار للتحصيل الدراسي أو المستوى الثقافي ، مقارنة بشخص لم يكمل الدراسة الأولية، وربما لا يجيد القراءة والكتابة في بلده. فكورس اللغة الألمانية يعلم جميع المشتركين، الفباء اللغة، اللازمة للتعامل في الحياة العامة والعمل، خلال ستة أشهر.
هذا الغبن في العمل القهري أو نوعيته، لا يجد جهة رسمية أو نقابية تتبناه، أو تقدم يد العين للمهاجر. فنقابات العمال في الغرب تابعة للأحزاب، وكل حزب حسب نفوذه في الدولة والمجتمع. وهذا يشرط على الراغب في الاستفادة من خدمة النقابة ان يكون عضوا سابقا في الحزب، وهذا شرط آخر قهري في الموضوع.
يوجد بالمقابل، هيئة نقابية اتحادية للعمال وأصحاب العمل، وهي تقدم خدمة جيدة وبلا تمييز، ولكن تخصصاتها محدودة، وتتعمل مع اوراق ومستندات، مثل حقوق الاجازة والأجور، وتقتضي أن تكون عضوا فيها ايضا، مقابل رسوم رمزية.
وإلى جانب الخيارين السابقين، ثمة احتمال ثالث، والكلام عن النمسا، هو حق الجاليات في فتح مكاتب نقابية تتبنى حقوق العمال والعاملين من افراد جاليتها فقط. من شروط فتحها وجود شخص حامل لشهادة القانون/(محامي نمساوي/ اختصاص اعمال)، وناشطين نقابيين لهم شهادات خبرة وعمل سابق. اما الشرط الآخر، فهو عدد أفراد الجالية الممكن استفادتها من المكتب، وهذا نافع للجاليات الأجنبية الكبيرة في البلد، وهما الترك واليوغسلاف.
وقد تعرضت لحالة غبن ذات مرة، ولم انتفع من خدمة تجمع النقابات، وكان لي صديق تركي يومها، فعرض علي الذهاب لمكتب المحامين الترك في قضايا العمل، لكوني اجيد التركية، فذهبت وانتظرت في الدور، حتى قارب الدوام على الانتهاء، فدخلت المكتب، ورويت للمحامي قضيتي، وقبل أن يتخذ اجراء أو يقدم الخدمة، طلب البيانات الشخصية والهوية.. فنظر في خانة البلد، وصار يتلفت ويصدر أصوات مع نفسه.. ثم قال.. من أي بلد أنت؟.. قلت له: العراق.
فقال: من ارسلك إلى هنا، من دلّك علينا، خدمتنا هنا خاصة بالأتراك العاملين هنا حسب القانون.. انت لست تركيا.. أخبرته عن صديقي التركي دون ذكر الاسم.. على كل.. انت جئت بالدور وانتظرت طويلا.. لماذا لم تذهب لمكتب اليوغسلاف؟.. قلت له: لا اجيد اليوغسلافية. وبدأ في كتابة رسالة عن شكواي، ثم سألني: أين تعلمت التركية هكذا؟.. قلت له: يوجد تركمان في العراق.. أنت تركماني.. لكنك تتحدث التركية الآن.
وضع الرسالة داخل ظرف، ووقف وراء مكتبه وسلمني المظروف، قائلا. في المرة التالية، رجاء لا تراجعنا، المكتب خاص بالاتراك، وليس المتحدثين بالتركية. ابتسم، وخرجت. يومها تساءلت لماذا لم يكن لنا مكتب خاص بالجالية العراقية أو العربية. أين أصحاب الكفاءات والشهادات عن هذا الموضوع.
الحياة والعمل في اوربا ليس سهلا، ليس من حيث العمل، انما الحصول على عمل مناسب ومعاملة لائقة. وهذا يقتضي وقفة تضامنية وطنية في المهجر، مثل الترك، مثل اليوغسلاف، مثل بقية البلدان.
في المهجر العراقي، كانت تتشكل احيانا جمعية عراقية من بضعة أشخاص، ولكنها لا تكون جمعية عراقية وطنية، بقدر ما هي شللية، مرة تجدها كردية، ثم تنقسم تبعا للحزبين الكبيرين، وتكون جمعيتين، وتارة تكون عراقية، وعندما تتقرب منها، تجدهم جماعة شيوعية، لها احكام خاصة، ولا تكاد واحدة منها تستمر طويلا، حتى تنفرط جراء خلافات داخلية، وسيما حول الزعامة والمالية.
الظاهر مما سبق، اننا، كعراقيين، أو عرب، أو مسلمين، لم نكن مجتمعبين ومتفقين على مبادئ مشتركة، بما يجمعنا ويدعم مصالحنا. بل الآنكى منه، انتشار الخلافات غير الحقيقية، والمتعلقة بالقيل والقال والاتهامات والتخوين المجاني والكلام غير المسؤول.
ولذلك كانت الجمعيات العراقية الشللية تنتهي بخلافات ومزاودات ونعرات شخصية، أو اتهامات تتعلق بالعلاقة مع السفارة ـأو الموقف من النظام، والتجاوزات الشخصية القائمة على ظروف ورؤى ضيقة. وحديثي ينحصر في عقد التسعينيات في النمسا.
فهل تغير الحال في نهاية العقد الثاني بعد الألفية؟.. أين نحن من ثوابتنا، عراقيا.. عربيا.. اسلاميا.. أو يساريا..
(5)
نصف المهاجرين العرب/ العراقيين، رجالا ونساء، يمارسون اعمالا مهنية وحرفية، في مجال الانتاج أو الخدمات؛ لكنه لا توجد خيمة/ هيئة نقابية وطنية/ عربية تجمع شتاتهم وتتولى/ تتبنى قضاياهم ومشاكلهم في بلد المهجر، ومنذ التسعينيات ترددت أفكار تنظيمية جماهيرية، لم تجد صدى حقيقيا، بقدر ظهور مزاودات ايديولوجية لاحتواء الافكار والتطلعات، وتجييرها لصالح جهة ضيقة ومن خلال أشخاص/ واجهات.
باستثناء الجالية اليمنية في اتجلتره، لا توجد جالية وطنية أو عربية لها خطاب واسلوب عمل حضاري غير طائفي/ حزبي/ شللي، ومن لا ينضوي تحت طائفة أو ايديولجيا، لا يجد مكانا أو لواء، يشارك في نشاطاته. من البديهي أن كل جهة وجمعية تعتبر نفسها وطنية ومحايدة، ولكن ماذا عن الصور والشعارات والدعايات، المباشرة وغير المباشرة.
الهيئات العمالية عموما، ذات توجه أممي، لا يخلو من الانتماء الوطني، ولكن نقابة عمالية تضم عرب المهجر، او مسلميه، أو عراقييه، لم تتشكل حتى الآن، مما يمكن أن يوثق الصلات والاهتمامات بين ابناء المهجر من جهة، وبينهم وبين بلدانهم من جهة أخرى، ويسهم في تكوين خطاب مشترك بين مجموعة البلدان التي تتعرض لنفس الظروف، وتحمل خلفيات ثقافية واقتصادية متشابهة.
ان مثل هكذا تنظيم، يمكنه ريادة تطلعات العالم العربي، ممثلا في شبابه وطلائعه المتقدمة، بما يشكل قاعدة لنهوض بلداننا المعوقة سياسيا وحكوميا، بعقابيل امبريالية. كما يمكن لجبهة عمالية متكاتفة، ومقرها في المهجر الأوربي، أن تتبنى قضايا التنمية والتقدم والانعتاق، من ربقة الاحتلال والتبعية الرسمية.
لقد تعطل العمل الجماهيري والنقابي تماما، مع مطلع العولمة وانفراد الرأسمالية الانجلوميركية بالسياسات العالمية. ولابد من الصحو والنهوض، على يد المستنيرين النزهاء من ابناء المهجر، المستقلين عن النعرات والمزاودات الطائفية والبلدانية والايديولوجية، التي كانت سببا رئيسا، لخراب البلاد واهتراء الانظمة، وجملة الانحطاط العربي على عتبة الالفية.
هاته النظرة، تصدر عن واقع كون المهجر الغربي، رغم اطاره الرأسمالي/ الاستعماري/ الامبريالي، على الصعيد العام، فأن الفرد المهجري اكثر استقلالية شخصية وفكرية واقتصادية، وهو أمر لا يتحقق في ظل الحكومات العربية والثقافات الاجتماعية الطفيلية السائدة تاريخيا في بلدانها.
فالفرص التنظيمية والفكرية المتاحة في أوربا، لا يوجد ما يضاهيها في بلداننا، كما أن تعددية ألوان سكان المهاجر وتعددية بلدانهم الأم، يشكل ضمانات لازمة، لعدم الارتداد الحضاري في مستويات العشيرة والطائفة. ولكن قبل كل شيء، ان جماهير المهجر، عربا وعراقيين، بحاجة لدعم منظم وادارة اجتماعية وفنية، تكون لهم وطنا صغيرا، وخيمة، تحمل الكثير من الوعود، وتكون سارية للأمل العربي، لانعاش نفوس أهلينا في الداخل.
المهجر العراقي/ العربي بحاجة لتنكب دوره الطليعي الذي سبق ان قام به خلال التسعينيات وبكل نجاح، معتمدا على الامكانات الذاتية، ودون مساعدة ودعم من ايما جهة حكومية/ او غير حكومية، ولتكن البداية هاته المرة، بناء خيمة عمالية جامعة ، مخلصة لأهدافها، نزيهة ومحايدة عن أية مطبات أو أغراض ضيقة، تتربص بها.
لقد عانى عرب المهجر من الغبن والاجحاف، فضلا عن مزاودات واتهامات غير لائقة، ولابد للمهجر أن يؤكد أصالته، أمام أجيال المهجر ومواليده الجدد، من جهة، وأما الوطن الأم مرة أخرى، أسوة بالمهجر اللبناني الاجتماعي والثقافي الذي قاد مسيرة القرن العشرين، ولما تزل أصداؤه تتردد لليوم.
يا أبناء المهجر اتحدوا..
يا ابناء المهجر انهضوا بالمبادرة.. لتكونوا طليعة العرب الجديدة..
منكم سينهض الأمل..انتم ساريته..
وبجهودكم ووعيكم الراقي، تسقط المشاريع الامبريالية في بلاد العرب!..
وديع العبيدي
الثلاثين من ابريل 2019م



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يحسن فهم الموت.. يحسن الحياة..
- مقامات تونس (3)
- مقامات تونس (2)
- مقامات تونس/1
- احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم (5)
- احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم..! (4)
- احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم..! (3)
- احذر السمنة.. ولا تتبع الريجيم..! (2)
- احذر السمنة.. واتبع الريجيم..! (1)
- قصائد من متحف العري..
- رواية (كركجورد العراقي) لوديع العبيدي تفوز في مسابقة منف الع ...
- دُخانُ المَعابدِ
- فَتاةٌ تخْرُجُ مِنَ المَدْرَسَةِ..!
- الذكرى العاشرة لرحيل محمود درويش..
- في علم اجتماع الجيولوجيا..
- العولمة: اشتراكية بزاوية مقلوبة!..
- ما قبل اللغة..
- عولمة الخناثة (2)
- عولمة الخناثة..
- دارون والعنصرية الانجلوميركية..


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- في منع الطبقة العاملة من قيادة الثورة. / التيتي الحبيب
- الحركة النقابية للشغيلة في تونس وتلازم البعدين الوطني والاجت ... / خميس بن محمد عرفاوي
- الاتحاد العام التونسي للشغل والشراكة في بناء الدولة الوطنية: ... / عائشة عباش
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من مطالب الحركة العمالية / سعيد العليمى
- الحركة العمالية والنقابية في اليمن خلال 80 عاماً.. التحولات ... / عيبان محمد السامعي
- الحركه النقابيه العربيه :افاق وتحديات / باسم عثمان
- سلطة العمال في ظل الأزمة الرأسمالية / داريو أزيليني
- إيديولوجية الحركة العمالية في مواجهة التحريفية / محسين الشهباني
- الحركة النقابية في افريقيا وميثاقها / كريبسو ديالو
- قراءة في واقع الحركة النقابية البحرينية / إبراهيم القصاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف 1 أيار - ماي يوم العمال العالمي 2019 - سبل تقوية وتعزيز دور الحركة النقابية والعمالية في العالم العربي - وديع العبيدي - العمّال والمهجر..