أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - راتب شعبو - الكوفيون الجدد














المزيد.....

الكوفيون الجدد


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6216 - 2019 / 4 / 30 - 13:39
المحور: حقوق الانسان
    


خذل الكوفيون الحسين بن علي بعد أن أرسلوا يستقدمونه ليكون إمامهم. وتغلبت دنيا المسلمين على دينهم فقتل الحسين بعد أن حيل بين جماعته وبين ماء الفرات ثلاثة أيام. وضُرب عنق حفيد رسول الله وهو ساجد في صلاته الأخيرة التي سمح له بها جلاده كي يختار الشكل الأكثر دلالة لقتله، على ما تقول الروايات. لا شك أن الكوفيين شعروا بالعار وهم يسمعون زينب بنت علي المسبية توبخهم، لكن سيف يزيد كان أقوى من إيمانهم. واليوم يلطم أحفاد أنصار الحسين أولئك أنفسهم ندماً على خذلان أسلافهم للحسين فيما هم وغيرهم يخذلونه اليوم وكل يوم. غير أن الندب على ما مضى وما لا يمكن تغييره بحال، أسهل على النفس من مواجهة حاضر يمكن لنا التأثير فيه وتغييره. في الحالة الأولى تكون النفس في مأمن لا يفسده عليها الندم ولا الندب ولا حتى أشكال اللطم الدموية، في الحالة الثانية يمكن أن تتعرض النفس لخطر مواجهة قوة أصحاب السلطة الذين يستخدمون القوة لتثبيت حال ممتاز لهم وجائر على غيرهم.
أجمع المسلمون كافة، سنة وشيعة، على إدانة فعلة يزيد وتقدير موقف الحسين. غير أن المسلمين يعيشون الآن عاشوراء في كل يوم. في سوريا الآن، كل يوم عاشوراء وكل مكان كربلاء. والمسلمون يقفون مع يزيد المعاصر المتجدد في ألف صورة وصورة، ويخذلون الحسين المتجدد في ألف صورة وصورة. على هذا ليس من الظلم القول إن أفعال الندم التي نشهدها، رغم قسوة بعضها وعنفه جراء الشحنة العالية من الشعور بالتعاطف والتماهي مع الحسين التاريخي، سوف تتلاشى وتنتهي إلى تخاذل لو عاد الزمن بنا إلى لحظة عاشوراء الفعلية. في عاشوراء الفعلية نتخاذل وننطوي على ذواتنا، وفي عاشوراء المستعادة والمؤسطرة يرسمنا خيالنا كأبطال أسطوريين أيضاً، ننتصر للحسين ونصد عنه ونغير وجه التاريخ، ونترك العنان للندم على أننا لم نكن نحن هناك كي نفعل غير ما فعل أسلافنا. نترك العنان للندم الذي لا يفرغ حزننا على الحسين وخجلنا من قعود أسلافنا عن نجدته فقط، بل يفرغ أيضاً حزننا على حالنا الآن وفي كربلائنا التي لبس اسمها كل مكان في سوريا، ويفرغ شحنة ضمائرنا المثقلة. الضمائر لا يثقلها ما جرى في أزمنة غابرة، لا يمكن لضمير أن يلوم النفس على ما جرى قبل ولادتها. الضمائر يثقلها ما تشهده النفس ولا تفعل شيئاً لتغييره. الضمائر لا تلوم على المستحيل، تلوم على الممكن. الندم على مظلمة الحسين، يشكل اليوم مهرباً من لوم الضمير وملجأ للنفس من المواجهة مع يزيديين جدد. الجديد اليوم أن "الكوفيين" المعاصرين لا يشعرون بعار موقفهم المعاصر.
في الواقع نحن لا نقعد فقط عن نصرة الآخر المظلوم، بل نقعد أيضاً عن نصرة أنفسنا ونحن ضحايا الظلم. حين أستعيد سنوات السجن الطويلة مع المئات من أمثالي، أقول ألا يحق لشاب اليوم أن يتساءل: إذا كان المجتمع السوري، مثل كل مجتمع مبتلى بنظام حكم عسكري، قد سكت عن اعتقالكم، وأغمض عينيه عن المظالم اليومية وتسابق أفراده لنيل رضى "اليزيديين"، لماذا استسلمتم أنتم للسجن ولم تضربوا عن الطعام مثلاً مطالبين بالافراج عنكم؟ ولكن، هل سيكون جوابي مقنعاً إذا قلت إن فكرة كهذه لم تكن لتخطر في بالنا لأننا كنا نرى أن مطالبتنا نحن بالإفراج عنا تشكل دليلاً على ضعفنا وانهزامنا أمام السجن؟ كنا نعتقد أن ما على السجين فعله هو أن يحسن شروط سجنه لا أكثر. وأضربنا من أجل ذلك أكثر من مرة. كان في وعينا أن الاستسلام هو أن نطالب بالإفراج عنا، وأن الصمود هو في إظهار قوتنا في تحمل السجن. هي نزعة استشهادية. ولكن يحق لناقد أن يقول إن وراء رهبة هذه النزعة، يختفي تخاذل عن نصرة النفس. أسهل على النفس أن تستكين في السجن من أن تتمرد داخله وتواجه سجانيها باحتجاج ما، كالإضراب عن الطعام مثلاً وما يجره عليها ذلك من عذابات.
ولكن ما لا شك فيه، أن تقاعس الجماعة عن نصرة الأفراد، تشل نزوع الفرد إلى نصرة نفسه ضد جلاديه. كان أجدى أن تتحول طاقة الندم التي تتبدد في طقوس عقيمة، إلى نجدة فعلية للحسين الذي يقتل في كل يوم وفي كل مكان وبصور وأشكال شتى.



كانون اول 2014



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلة التشبيه
- حديث اللبن
- أطفال سورية
- العلويون، عزلة ثانية
- رفة عين اسمها الاستيقاظ
- خيانات مضمرة
- براميل على الذاكرة
- -المقامر- على أضواء سورية
- الموت تحت التعذيب
- بيت في المخيم
- إرهاب ضد الإرهاب
- البلد العابر للسياسة
- النساء في الثورة السورية
- من الذي قلع عين الرئيس؟
- حزب السيارة الزرقاء
- عميد مغلق وباب مفتوح
- الطبيب المسكين وفخامة الجريح
- يا حيوان ليش ما قلت انك -منهم-؟
- تموت وتاكل غيرها
- موت الرواية


المزيد.....




- صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق ...
- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
- كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ ...
- مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - راتب شعبو - الكوفيون الجدد