|
الطبقة العاملة العراقية العدو الاول للاحتلال
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1537 - 2006 / 5 / 1 - 06:28
المحور:
ملف بمناسبة الأول من أيار 2006 - التغيرات الجارية على بنية الطبقة العاملة وحركتها النقابية والسياسية
خضعت ولادة الطبقة العاملة العراقية لمخاض عسير سبق تبلورها ونموها كما وكيفا ، وليس من السهل تحديد البداية الزمنية المؤكدة لهذه الولادة ، انما هناك معالم ملموسة يستطيع المهتم من خلالها تبيان وحصر الفاصل الزمني لظهورها كطبقة واضحة ، من بين انماط عديدة لفئات العمل الانتاجي الصناعي وغير الصناعي ، والمهيئة للتعامل مع وسائل الانتاج الحديثة ، والتي تتطلب عملا جماعيا وتكامليا في مجال محدد ، او مجال يخدم عملية الانتاج ، بمعناها الاجتماعي الحديث ، وليس الفردي او الحرفي التقليدي . منذ مطلع القرن العشرين كان أجراء النقل النهري ، وعمال الشحن والتفريغ ، في المنافذ البحرية بالبصرة ، وأجراء العديد من ورش صنع وصيانة القوارب ، وورش صناعية وحرفية متشعبة تشمل مجالات الانتاج اليدوي المستعين بالادوات الرائجة وقتها " الغزل والنسيج ـ المحالج ـ ، صناعة الدبس وكبس التمور ، الصناعات المتعلقة بالاخشاب والاثاث والقصب ، وتصنيع ادوات العمل الزراعي اليدوي ، ورش التبوغ ، ورش المدابغ والمصابغ ، المطاحن ، المقاصب ، ورش الطابوق والفخار ، ورش المعاصر الزيتية ، ورش صناعة الصابون " ، وغيرها من الاعمال التي كانت تلبي الطلب الاستهلاكي المحلي ، هم من ينطبق عليهم تسمية العمال الاجراء المهرة وغير المهرة ، وكان انتعاش دورة الانتاج هذه تخلق تراكم راسمالي ، يعززها ما يصدر من الفائض الانتاجي بعد جمعه او خزنه ، الى مناطق خارج العراق بواسطة تجار ومتعهدين لهم وكالات في اهم مدن العراق وخاصة بغداد والبصرة والموصل ، ولهم زبائن ووكالات وشركات اجنبية يتعاملون معها . وبعد احتلال العراق 1917 من قبل القوات البريطانية ، ونتيجة لحاجتها الملحة في تلبية متطلبات وجودها وانتشارها ، وتسهيل اعمال امدادها ، قام المحتل البريطاني بالعديد من مشاريع شق الطرق وبناء العبارات ، وتوسيع وتجهيز مراسي البصرة ، لتستطيع استقبال السفن البريطانية العسكرية والتجارية ، والشروع بمد خط للسكك الحديد بين بغداد والبصرة والموصل ، وترافق ذلك مع فتح المجال لشركاتها الاحتكارية العاملة في مجال النفط لاستكشافه واستخراجه داخل العراق ، وفعلا جرى تحقيق ذلك في النصف الثاني من عقد العشرينيات ، اضافة الى اقامة مطارات للاستخدام المزدوج في بغداد والبصرة والموصل ، ناهيك عن القواعد الجوية العسكرية في الحبانية والشعيبة . ان حالة العوز والجدب المعيشي ساعدت على انخراط اعداد جديدة من الأجراء في اعمال اكثر سعة واكثر استخداما للتقنية والالة الحديثة ومكننتها ، وما ان طل عقد الثلاثينيات حتى كان اعداد العمال الأجراء غير الموسميين في العراق قد تضاعفت الى عشرات بل مئات المرات .
نضال سياسي واقتصادي متجذر :
لقد كان لجور الاضطهاد السياسي والاقتصادي اثره المبكر في صفوف النخب العمالية العراقية ، وكان لحسها الوطني الفطري المتحفز والمتحسس من الاحتلال ومشاريعه للتحكم بالبلاد ونهب خيراتها ، ورمي فتات ما يمن به عليها ، انعكاسات في شكل ردود افعالها وتنظيم صفوفها ، فهي ابنة شرعية لثورة العشرين ، وهي قد تمرست على العمل النضالي في صفوف تنظيمات رواد الوطنية العراقية ومدارسها التي ما انفكت ترضع الشباب حليب المقاومة ، مقاومة الاستعمار والاستثمار الاحتكاري البغيض ، وكان الحزب الوطني بقيادة جعفر ابو التمن عنوانا لها ، مع بقية التنظيمات القومية التحررية ، والليبرالية الوطنية النقية ، فخاضت بعدتها هذه ، اشرف المعارك الطبقية والوطنية ضد الاحتلال واعوانه ، وشاركت كل فئات الشعب الاخرى انتفاضاتها وهباتها وثوراتها التي تصب في ذات الاتجاه ، اتجاه التحرر الوطني والاقتصادي ، اتجاه التنمية الوطنية الديمقراطية ، فكانت اضرابات عمال السكك ، والميناء ، والنفط " كاورباغي " ، وكانت في الطليعة لاعانة الطلبة على تحقيق انبثاق اول تنظيم طلابي عراقي مركزي لهم " اتحاد طلبة العراق العام" في 14 نيسان 1948 وبتحدي علني ، وبحماية اهالي المنطقة العمالية الشعبية، في ساحة السباع وسط بغداد ، كانت التنظيمات العمالية البوصلة الوطنية لطلاب وشباب ونساء العراق ، فكانت وثبة كانون 1948 ، ضد معاهدة بورتسموث ملحمة جديدة للحمة بين كل طبقات وفئات الشارع الوطني ، تحت راية العمال اصحاب المصلحة الحقيقية والثابتة في التغيير المطلوب ، كانت "بهيجة " شهيدة جسر الشهداء ، عنوانا اخر لعطاء المراة العراقية، الحاضنة لكل نبل وعطاء ونكران ذات العراقيات الماجدات حقا . وهذا يوسف سلمان يوسف " فهد " احد طلاب الحزب الوطني واحد الابناء البررة لعمال العراق يندفع مع نخبة متميزة من مختلف شرائح المجتمع العراقي ، لتشكيل اول تنظيم حزبي يرفع شعار يا عمال العراق والعالم اتحدوا ، تحت اسم لجنة مكافحة الاستعمار والاستثمار، في31 اذار من عام 1934 ، ادراكا مبكرا منه ، في ان الاحتلال هو العدو الاول لاماني عمال بلده ، فهو باستثماراته الاحتكارية يشد الحبل على رقابهم ويمنعهم من بناء وطن حر وشعب مرفه او سعيد كما يقولون ، فأين من يدعون وصلا به ، من مذهبه هذا ؟ لقد دفع فهد حياته ثمنا لوطنه اولا واللنضال الاممي ثانيا ، وقال قبل سوقه الى المشنقة ، لو هيأ لي ان اختار من جديد لما اخترت غير طريقي هذه ، فهل اختار من يتمسحون بتراثه اليوم طريقا يكونون فيها عونا لهذا الوطن ، ام هم الان عونا عليه ؟
لطبقتنا العاملة العراقية كل الزهو والمفاخرة بأمجادها ، فهي جوهر كل المتغيرات العميقة والمشرقة في تاريخ شعبنا المعاصر ، من انتفاضة 52 ، الى انتفاضة 56 ، الى جبهة الاحرار، جبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت عام 1957 من الاحزاب الوطنية " حزب الاستقلال ، الحزب الوطني الديمقراطي ، الحزب الشيوعي العراقي ، حزب البعث العربي الاشتراكي " ، ثم جاءت انطلاقتها في تجذير مسار 14 تموز 1958 من انقلاب عسكري الى ثورة ، بكل ماتعنيه الكلمة، لتحقيق مكاسب اجتماعية وشعبية حقيقية ضد الاقطاع والتبعية وهيمنة الكارتلات النفطية ، والمباشرة بانتهاج طريق التطور الوطني المستقل .
ومرت التجربة الوطنية بعدها بانتكاسات ومطبات ، كانت علتها تمسك العسكر بالسلطة ، وانعدام التفاهم الوطني على شكل الحكم وعلى برنامجه ، والتأمر الخارجي ، كل هذا فعل فعله في انتكاسة الثورة ، وكانت الطبقة العاملة في مقدمة الخاسرين .
الامل لم ينقطع : انقطع تطور الثورة وارتد متخبطا تتلاقفه الاهواء ، والشعب يدفع فاتورة ما ترتكبه الاحزاب والتنظيمات من اخطاء اهونها ، كان شرا بدد الطاقات والاموال والفرص . حتى حلول عقد السبعينيات الذي شهد بحق متغيرات جديدة تبعث على الامل ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ، كان ابرزها النمو الكمي المليوني والنوعي للطبقة العاملة العراقية وبشرائح جديدة تتمتع بالمهارة والتقنية ، والخبرات والتمرس ، ضمن نهج استثماري وطني يزدهر بمناخ جديد مؤاتي . ازدهر القطاع العام ومعه المختلط والخاص ، ونهضت من جديد نقابات العمال ، وصدرت اروع التشريعات التي تؤمن حقوق العمال في كافة القطاعات ، فكان قانون العمل والتقاعد لعام 72 باكورة المكاسب الفاعلة ، وفي عقد السبعينات تم هيكلة المنشأت الصناعية والخدمية ، وتغلغلت التنظيمات النقابية الى كل مجال يتسع لها : عمال السكك ، الكهرباء ، النقل ، الميناء ، اسالة الماء ، صناعات الغزل والنسيج ، الصناعات الغذائية ، مجمع الاسكندرية الصناعي ، معامل الادوية ، معامل الزجاج والسيراميك ، الصناعات النفطية الاستخراجية والتحويلية ، الصناعات الجلدية ، الانشاءات والبناء " شركة المقاولات الانشائية " ، المطارات والطيران، شركة الدخان العراقية ، الصناعات الورقية ، الطباعة ، مصانع الطابوق والاسمنت ، مصانع الاسمدة والمبيدات ، معامل انتاج السكر وتكريره ، معامل انتاج الحديد الاسفنجي والتعدين في البصرة ، عمال المشاريع الزراعية ، عمال الصناعات البلاستيكية ، عمال الدوائر الخدمية ، عمال الصناعات الخشبية . لقد كان حجم المشاريع التنموية هائلا بحيث استوجب استيراد مئات الالوف من العمالة الخارجية وخاصة المصرية ، لتكون عونا لتسريع تنمية عجلة الاقتصاد العراقي الطموح بمشاريعه الاستراتيجية " خطوط نقل جديدة ومزدوجة للنفط ، مشاريع الري وبزل الاراضي المالحة ، مشاريع الطرق والجسور ، مشاريع كهربة الريف ، مشاريع البنى التحتية في التعليم والصحة ولاتصالات ، مشاريع الصناعات الثقيلة المعتمدة على مواد خام عراقية مثل النفط والحديد والفوسفات والكبريت والكلس ، ومشاريع الصناعات التجميعية الثقيلة كالسيارات والمعدات الزراعية ، والاجهزة المعمرة ، اضافة الى تطوير مشاريع الصناعات المتوسطة في المجال الغذائي والنسيجي والخدمي ، وتنشيط دور القطاع الخاص فيها ، ثم انعاش القطاع الخاص في استثماره للمشاريع الصغيرة المنتجة والخدمية بسبب من رعاية الدولة ونظام القروض الطويلة. الحالة هذه جعلت العراق ورشة عمل كبيرة لو قدر لها التواصل لخرج العراق من مصاف الدول المتاخرة الى حالة متقدمة وطليعية في مسيرة بلدان العالم الثالث .
لقد كان لتاميم النفط العراقي عام 72 وبناء مقومات النهضة وتحصينها بقدرات دفاعية نوعية مزدوجة في المجالين المدني والعسكري " قطاع الانتاج العسكري ، المفاعل النووي للاغراض السلمية ، تطوير شبكة الصواريخ بعيدة المدى " مبعث التحرش الامريكي الصهيوني بالعراق وتجربته ، وتعمد الاساءة اليه والضغط عليه واستدراجه الى مواجهات لا يريدها ، فكانت الحرب الايرانية العراقية ، التي استثمرت امريكيا لاحتواء البلدين ، فايران مهوسة بتصدير ثورتها والعراق يريد ابعاد شرها عنه ، وبينهما امريكا واسرائيل يصبون الزيت على النار ، فكانت فرصة لاسرائيل ، لتصفية حسابها مع مفاعل العراق ، وكانت فرصة لامريكا لانهاك البلدين ، وبعد ان خرج العراق موفقا في دفاعه عن نفسه ، اراد الامريكان تبديد شحنات الانطلاقة المحتملة ، فكانت حرب الخليج الثانية عام 91 وكان الحصار المدمر والقذر الذي من خلاله فقط استطاعت امريكا الاطاحة بمنجزات الشعب العراقي وبناه التحتية البشرية والمادية ، وهي بذلك مهدت لنفسها احتلال العراق في 9/ 4/ 2003 ، واصبحت وجها لوجه امام الطرف الاخر كي يأتي دوره في الاحتواء الاحتلالي المباشر او غير المباشر ، حتى تتم لها السيطرة الكاملة على مصادر الطاقة من قزوين للمغرب .
الطبقة العاملة تقاوم الاحتلال رغم الخراب :
ماذا ينتظر من عمال لا يملكون غير قوة عملهم ، يبيعوها ليحصلوا على قوتهم اليومي ، وغالبا ما لا يجدون هذا الذي يشتري قوة عملهم ، لانتاج خيرات مادية ما ، اواداء خدمة شريفة ما ، ماذا تراهم فاعلون ؟ ، ماذا ينتظر من مواطنين احتل وطنهم ، وخربت بيوتهم ، ودمرت احلامهم برفع الحصار والعودة لاستأناف مسيرة التنمية ؟ ، ماذا ينتظر من عمال نهبت معاملهم وبيعت كالخردة ؟ ، ماذا ينتظر من معدمين لا يجدون عملا ولا املا ؟ ، ماذا ينتظر من الذين جادوا باحلى سنين العمر في العمل بهذه المؤسسة اوتلك والان يجدون مؤسساتهم حطام وهم يتلقون تعويضات لا تسد رمق طفل رضيع !؟ ماذا ينتظر من عمال كان لهم كيان وضمان ، والان مصيرهم على كف فاسد او فاتن او لص او متاجر ، كف عفريت أأمن من كفه !؟ ماذا تخسر الطبقة العاملة في نضالها وجهادها ومقاومتها ، غير قيودها ، فالف تحية للايادي التي تصنع فجرا جديدا للعراق في اطلال مصانعه ، او في جهادها ضد المحتلين واعوانهم في ساحات القتال ، نعم بحسها الطبقي المرهف تتلمس الوطن مصنعا وورشة للخلق والابتكار ، انه ملكها الذي يحرم بيعه مهما كان الثمن ، والاحتلال الامريكي هو العدو الطبقي الاول ، وعدو الوطن الاول ، وعدو المستقبل الاول ، فكيف لا تقاومه ؟
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لقطات
-
القيادات الكردية العراقية مدمنة على التصيد في المياه العكرة
-
اليُتم اليساري في العراق
-
الاعلام العراقي بين التخلف والتزلف
-
بين الاستهتار الامريكي والخبث الايراني
-
الجحيم لم يأتي بعد العقدة والحل
-
الطينة الفكرية لرجالات العهد الجديد في العراق
-
نقطة نظام - حالة الدجيل مسببة حسب القانون العراقي وقتها
-
احتلال المرأة
-
التحشيش الطائفي والتجييش الامريكي
-
العراق في مزاد سياسي مزدحم
-
يا أعداء الاحتلال وفتنه اتحدوا
-
خبر التفجير والتفسر عند السفير
-
دولة فساد أم فساد دولة
-
امبراطورية سوق العبيد
-
اعادة انتاج العوق جنحة العولمة الجديدة
-
وطني ليس للأيجار
-
الدولة التي فقدت ظلها
-
تعلموا الديمقراطية من هنود امريكا اللاتينية
-
خارطة طريق الدولة الكردية
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
خزريات بابل ينشدن الزنج والقرامطة
/ المنصور جعفر
-
حالية نظرية التنظيم اللينينية على ضوء التجربة التاريخية
/ إرنست ماندل
-
العمل النقابي الكفاحي والحزب الثوري
/ أندري هنري
المزيد.....
|