|
هل أصبح المغاربة عبيدا !!
نعمان الفاضيل
الحوار المتمدن-العدد: 6213 - 2019 / 4 / 27 - 01:28
المحور:
حقوق الانسان
لا يخفى على ذوي النظر الحصيف ما أضحى يعيشه المغاربة في العشر سنوات الأخيرة من حيف واحتقار لا مثيل لهما، جراء السياسة اللاشعبية التي تنتهجها الدولة في جل المجالات الحيوية كالصحة والتعليم والشغل،أصبح مؤكدا معه أننا نتدحرج نحو عيش نمط جديد من أنماط العبودية في القرن الواحد والعشرين. فما بعد الاجهاز على القطاع الصحي وصده في وجه الفقراء بتفويته للشركات الخاصة وحرمانهم من التطبيب بشكل مجاني وذا جودة كما هو معمول به في الدول العادلة التي تحترم كرامة الانسان، يأتي الدور بعد ذلك على الوظيفة العمومية وحق الأفراد في عمل يضمن لهم الاستقرار المهني بتحويل الأجراء إلى أقنان فحسب،عبر فرض عقود إذعان استعبادية تجعل صاحبها يرزح تحت مطرقة العمل المهين وسندان الطرد التعسفي،امتثالا لإملاءات مافيا الرأسمال العالمية،وانتهاكا صارخا للكرامة الانسانية.
وفي هذا الإطار،فالخطة الخبيثة التي ينتهجها النظام المغربي تجاه حق الأفراد في تعليم مجاني وذو جودة، تزاوج بين ما هو أيديولوجي عبر ادراج مقررات تحوي معارف مسطحة وهشة،تحرم المتعلمين من بناء استراتيجيات حياتهم وفق وعي صحيح يضمن لهم التمتع بالخيرات الرمزية إسوة بأبناء الطبقات البرجوازية. وبين ما هو قمعي استبدادي،يجعل الأساتذة يرزحون تحت نير القهر والاستعباد،بمصادرة حقوقهم الأساسية في الترسيم والترقية،وقمع حرياتهم في التعبير عن الرأي والإحتجاج،بشكل سلمي حضاري لا يتغيا سوى إيصال أنين حقهم العاجز لمن يملكون حق القوة الغاشم.
ومن هذا المنطلق، فتبجحنا بكثرة الانجازات في مجالات مختلفة، يجعلنا نتوهم أننا نخطو خطو الدول المتقدمة في اقرار الحق والحرية و العدالة . لكن حين نعاين احوال الناس نصدم بهول الكارثة وحجم الدمار الذي اضحينا نعيشه جراء تردي مستوى الحياة الاجتماعية وتنامي أشكال القهر والحيف بكل تجلياتها البشعة. مظاهر توشي بعهد جديد أكثر سماته تميزا هو القمع المفرط برقابته الوضيعة التي لا هم لها سوى هضم الحقوق وتقييد الحريات تمهيدا لخلق جيل من العبيد يرزح تحت وطأة الاستبداد والاغتراب بكل أشكاله المقيتة.
و في اطار كهذا،يكشف التحليل المادي عن مظاهر مختلفة لأشكال البؤس والمعاناة التي تجعل المرء في هذا الوطن أشبه ببركان محموم،يتحين فرصة الانفجار في أي لحظة،حين يبصر شيوخا هرمين لا يفصلهم عن الموت سوى لحظات يمدون أيديهم للناس أعطوهم أو منعوهم،أو يعاين شبابا أبرياء خلف القضبان ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بحقهم في حياة كالحياة،أو مرضى مرميون بباحات المستشفيات يئنون بيأس من آلامهم المنغصة وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء،ما يجعل وصف من ينتقدون هذا البؤس بالعدمية مثيرا للضحك والشفقة حينا،وللتقزز والغثيان حينا آخر.
في وطن يفتقر الانسان لا فقط لحقوقه الطبيعية،(دون الحديث عن الكماليات،فذاك ضرب من ضروب المستحيل)،بل حتى لانسانيته كبشر يسمو عن باقي المخلوقات بنوره الفطري وكرامته التي تستحق الاحترام و التقدير.. في بقعة لا كباقي بقاع العالم، نعثر على سياسة هوت الى الحضيض لا بتدابيرها العبثية فحسب،بل حتى سفاهة و لؤم روادها، لتتحول بذلك من خطاب له اسس وقواعد ورواد إلى حلقة من حلقات جامع الفنا...
عبث وعبث وعبث،هي الحياة في بلاد لا تريد أن ترشد أو أن تعي ماذا تفعل، أو حتى أن يتذوق أبناءها طعم العيش الكريم ولو مرة في حياتهم البائسة، اللهم إذا استثنينا ثلة من الأولين الذين يختصون في مص دماء البؤساء، وقليل من الآخرين الذين يتغذون على جيف وفضلات الثلة الأولى أو وحوشا يفترسون من هم دونهم...
وهكذا،ومع امتلاء هذا الوطن بالمحتالين ومصطادي الفرائس و صيادي المناسبات،قد تحدث الروائي والمسرحي المغربي "عبد الكريم برشيد" عن المرايا العفنة لبعض البشر، و هذه نماذج بعض المرايا، التي تتجمل في ظاهرها،مع أنها تخفي في الحقيقة مسخا لا بعده مسخ.نمط من التفكير لا ينم حيوانية صاحبه فحسب، بل حتى وضعه في خانة اللاإنسانية، لأن للحيوانات طباعها وأوصافها التي لا تخرج عنها ...
وعليه، تجدر الاشارة أنه من الضروري وفاء للحقيقة،كي يكون النقد معبرا عن وظيفته التي وجد من أجلها يستلزم مطرقة جارحة كاشفة ومتمردة ثائرة،تتعالى عن أي مصلحة أو منفعة قصيرة المدى أو محدودة الأفق.كما على لغة خطابه ان تتخذ طابعا مؤلما هي الأخرى،لأنها لسانه الذي يعبر به عن ما في واقع الأفراد من أفراح وأقراح،ومادامت هذه الأخيرة هي ما نعيشه حاليا فإن طابع الكتابة هذا يفرض نفسه علينا بقوة.
و ختاما،يجب أن ندعم بقوة الفكرة القائلة أنه مادام التعليم والصحة والشغل والحرية... حقوقا أساسية،وبها ينبني أي تعاقد منصف وعادل،فإنها تشكل نقطة التقاء الأطراف،وسبيل الاتفاق والتواضع، لمحايثتها وارتباطها الحميمي بالإنسان،ولكونها المعبر الحقيقي عن كينونته كفرد مدني، يطمح في العيش بدولة عادلة تحترم عقول الناس ، وتصون كرامتهم عبر حماية الحقوق،وتبني تعليم ذا جودة يحترم مبدأ تكافؤ الفرص،ويشجع على الخلق والابداع،لأن خير أي مجتمع يكمن في انتشال أفراده من براثن الجهل والخرافة عبر تلقينهم علوما نافعة ومعارف هادفة توسع مداركهم ليعوا ما هو كائن و ما يجب أن يكون،ويستطيعون بناء استراتجيات حياتهم كأفراد متحررين من قيود العدمية والعجز القصور،ضمن مناخ تسوده مبادئ الحق والعدالة والحرية؛ وتنتفي فيه شروط العبودية والاستغلال.
#نعمان_الفاضيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوة الحق المشروع أمام حق القوة المتمادي
-
أزمة المثقف ام مثقف الأزمة !
-
ديستوبيا الفرد أم ديستوبيا المجتمع !
-
نحو نقد بناء لعقلنا التراثي
-
الحرية الإنسانية في فكر سارتر
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|