أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد زكريا توفيق - غباوتك حتودينا في داهية















المزيد.....


غباوتك حتودينا في داهية


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 6211 - 2019 / 4 / 25 - 09:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم محمد زكريا توفيق


عبد الموجود وزميله رؤوف، مجندان في الجيش المصري في منتصف الستينات. كانا يجلسان داخل عربة، بها فنطاس كبير لنقل الماء، لزوم شرب الكتيبة، التي كانت تقوم بمناورات تدريبية بالذخيرة الحية في الصحراء الغربية، في منتصف ليلة من ليالي بداية الخريف.

الظلام دامس. والصحراء أثناء الليل تنعم بطراوة الجو. بين الفينة والفينة، مع نسيم الهواء البحري، يهب أريج زهور البرتقال واليوسفي من حدائق لابد أنها قريبة من المكان. تعبئ الجو بالكولونيا والبارفان. عطر منعش، يضخمه ويزيد من روعته اعتدال الجو في فصل الخريف.

السماء بها قليل من الغمام، يحجب جزءا من النجوم والأبراج أثناء الليل. لا بد أنهما يتجهان غربا. لأنه، على يمين العربة، يمكن أن ترى النجم القطبي يرتفع 30 درجة عن خط الأفق. موقع نجوم الدب الأكبر في الشمال، تبين أن الوقت بعد منتصف الليل.

عبد الموجود، يقود العربة. مؤهل متوسط. متزوج، له طفلان. مسلم ملتزم، زبيبة الصلاة بارزه على جبهته. يفسر كل شئ بالقضاء والقدر والمشيئة الإلهية. لا يخطو خطوة قبل أن يقول الدعاء الخاص بها.

كل ثقافته ومعلوماته، جاءت عن طريق شيخ الجامع. يتمنى الشهادة حتى يستمتع بالحور العين، الاثنين وسبعين، وأنهار الخمر واللبن والعسل المصفى.

يطيع الأوامر ولا يتعب مخه. فغيره قد فكر له واهتدى. وما عليه سوى أخذ المعلومة جاهزة معلبة مثل السردين المحفوظ.

رؤوف، على النقيض، مهندس مجند. غير ملتزم دينيا. يشرب ويلعب الميسر، ولا يمانع من زيارة بائعات الهوى. لكنه أمين صادق مع نفسه وأصدقائه. لا يكذب أو يغدر أو يسرق. مثقف له فكر ليبرالي لا يخفيه.

يؤمن بالحتمية، بمعنى أن لكل شئ سبب منطقي. ولا دخل للقدر أو المشيئة في الموضوع. يحب القراءة والاطلاع، ولا يقبل أي معلومة إلا إذا كانت معقولة، لا تتعارض أو تتصادم مع المنطق والفطرة السليمة.

العربة كانت تسير في الظلام الدامس، في مؤخرة رتل من المركبات بسرعة متوسطة. تهتدي وسط هذه العتمة، بنور لمبة صغيرة مطلية باللون الأزرق، مثبتة بين العجلتين الخلفيتين للعربة أمامها. لقد كانت عربتهما آخر عربة في الرتل، متأخرة عن باقي العربات بسبب ثقلها ووعورة الأرض.

رؤوف يراقب الضوء الخافت أمامه ويسلي نفسه بالحديث مع عبد الموجود. الحديث ممل بسبب عدم التكافؤ الفكري بين الطرفين. لكن هذا لم يمنع، رؤوف من جر شكل زميله عبد الموجود من حين لآخر، ومناقشته في الدين والعقيدة. لكنه كان يتجنب الكلام في السياسة أخذا بالأحوط.

رؤوف:
تقول لي عذاب القبر والثعبان الأقرع. هو البني آدم بعد ما يموت ويبدأ جسمه في التحلل بفعل الديدان والباكتيريا، يقدر يحس بأي شئ؟ وهل الروح، إن وجدت، تظل سجينة في حفرة؟ هل تصدق هذا الكلام يا عبده؟

عبد الموجود:
استغفر الله العظيم. آهو أنت كفرت بالله. ألم تسمع بالحديث الشريف الذي يقول بأن النبي، عليه الصلاة والسلام، مر على قبرين فقال: "إنهما يعذبان. وما يعذبان في كبير..."

رؤوف:
يا أخ عبده، هل أنت تصدق هذا الكلام برضه؟ الإنسان علشان يتعذب، لازم الجسد يبقى سليما والجهاز العصبي سليما والوعي كاملا. لكن الإنسان بعد الموت، وبعد تحلل الجسد، لا يشعر بشئ. فكيف يتعذب؟

ثم أنك لا تحتاج إلى ثعبان أقرع أو النار لكي تعذب الإنسان. يكفي، إن لم يكن المخ قد تحلل، ويظل الجهاز العصبي سليما، أن تعيد تركيب خلايا المخ بطريقة تسبب الألم أو السعادة.

أنت لا تحتاج جنة أو نار في الحياة الأخرى أيضا. كل ما تحتاجه هو إعادة خلق جديدة تجعل المرضي عنهم سعداء، والمغضوب عليهم تعساء. وبس.

بدلا من الجلود التي تتجدد والنار التي وقودها الناس والحجارة والدود الذي لا يموت والزبانية وصقر، والحور العين وأنهار الخمر والعسل، ...إلخ.

يكفي إعادة تركيب خلايا المخ، بحيث تعطيك هذه السعادة والانشراح، أو الألم المستدام. ولو أنني لا أفهم الفائدة أو الحكمة من العقاب الأبدي، أو حتى المؤقت في الحياة الأخرى. فهمت يا عبده؟

عبد الموجود:
ستنا عائشة قالت إن الرسول قال: "نعم، عذاب القبر حق" فليس هناك أوضح من ذلك. الناس اللي في قلوبهم مرض، هم بس من ينكرون الأحاديث، علشان يضللوا المسلمين.

رؤوف:
بص يا أخ عبد الموجود. أنا لا أقبل صحة مثل هذه الأحاديث. وأعتقد أنها موضوعة. دليلي على ذلك أنها لا تعقل ولا تتفق مع المنطق. ولو صدقناها واتبعناها، حتودينا في داهية.

عبد الموجود:
ممكن تسيبني أسوق العربية. أنت بأفكارك الشيطانية دي، ح تتسبب في مصيبة لينا. احنا نرجوا ربنا وندعوه علشان ننهي هذه التدريبات بسلام، وأنت ح تكفرنا وتركبنا ذنوب.

ممكن تغير الموضوع وتتركني أراقب هذا الضوء الخافت أمامي؟ فأنا خايف نفقده. علشان ارتفاعات وانخفاضات الطريق، النور بيختفي لحظات ثم يعود للظهور. خايف نفقده على طول.

رؤوف: خللي بالك على النور أمامك اعمل معروف، موش ناقصين مشاكل. وأعدك أنني سأغير الموضوع. ما رأيك في الكلام عن الحب.

عبد الموجود: لا مانع بس ابعد عن فحش الكلام.

رؤوف: يا أخي بقولك كلام عن الحب. الحب يا بني آدم. هل تزوجت عن حب يا عبده؟

عبد الموجود: أبدا. عندما بلغت، زوجنى أبي من بنت عمي. هي فتاة طيبة غير متعلمة. تعمل كل جهدها لخدمتى وخدمة أولادنا. عاوزة ترضيني بكل الطرق. بنت حلال، بتتحمل مني الإساءة ولا تشتكي.

رؤوف:
بتحس ناحيتها بالحب؟ النور أمامنا اختفى من دقائق ولم يظهر بعد.

عبد الموجود:
ماتخافش. حيبان تاني. أهو بان. سلم أمرك لله. إن شاء الله مستورة معانا. بالنسبة لموضوع الحب، الحب بتاع السيما والروايات، ماعرفتهوش.

أنا تعودت على مراتي وهي تعودت علي. العلاقة الحميمة بيننا، روتين ممل. هي تحاول إرضائي كل مرة، لكنني لم أشعر أبدا أنها تفعلها برغبتها. وكأنها تعد الثواني في انتظار انتهائها. فهل كل النسوان كده يا رؤوف؟

رؤوف:
بصراحة، ليست كل النسوان كده. ما تنساش إن مراتك نشأت في بيئة تخاف وتحتقر الجنس. هي تعتبره حق للزوج، يطلبه عندما يريد. ومادمت سعيدا بالحياة دي، وهي لا تشتكي، فما المشكلة؟

عبد الموجود:
يا رؤوف أنا عاوز مشاركة. كلمني عن باقي النسوان. موش كلهن زي بعض، وخصوصا في الضلمة لما تطفي النور؟

رؤوف:
لا يا عبده. موش صحيح. النسوان موش زي بعض في الضلمة. هن زي الزهور في ريحتهن وملمسهن. كمان يدبلن بسرعة زي الورود. في الضلمة، لكل منهن شخصيتها وبصمتها الفريدة التي لا تنسى.

كمان يا عبده، صوتها وطريقة حديثها وذكاؤها وتنهيداتها وسحرها ولون بشرتها وشعرها وعيونها وريحتها ودموعها والكهربة اللي بتطلع من جسدها.

فيه بيت شعر لامرؤ القيس، بيوصف فيه رائحة نسوانه بيقول:

"إِذَا قَـامَـتَا تَـضَـوَّعَ الـمِــسْـكُ مِـنْـهُـمَا - نَـسِـيْـمَ الصَّـبَا جَـاءَتْ بِـرَيَّـا القَـرَنْفُلِ"

وفيه بيت تاني في نفس المعلقة، بيوصف فيه تأثير دموع المرأة، يقول:

"وَمَـا ذَرَفَـتْ عَـيْـنَـاكِ إلاَّ لِـتَـضْـرِبِــي - بِـسَـهْـمَـيْـكِ فِـي أعْـشَـارِ قَـلْـبٍ مُـقَتَّلِ"

عبد الموجود: طيب لما هو أنت فالح كده، ليه خبت في حبك.

رؤوف:
مشكلتي يا عبده إني حبيت بجد. بالطبع كان الحب الأول. بعد ما شفت فيلم الوسادة الخالية، قصة إحسان عبد القدوس، وسمعت أنه لا يعترف بالحب الأول، قلت في نفسي الراجل ده ما بيفهمش حاجة خالص.

الحب الأول يا عبده، حب موجود. وهو بصراحة الحب الأول والأخير. وزي ما بيقول أبو تمام:
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى—ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى—وحنينه أبدا لأول منزل

الباقي تقليد لا يرقى للأصل. أنا بأتكلم عن الحب الحقيقي، موش لعب العيال بتاع المراهقة.

الحب الأول شئ لا يمكن وصفه أو تفسيره. شئ كده مثل القضاء والقدر. يصيبنا فجأة بدون سابق إنذار. موجود يا عبده، لكن لا يشعر بيه إلا اللي يقع فيه ويغرق لشوشته.

عبد الموجود: الحب الأول زي القضاء والقدر. مصيبة يعني؟

رؤوف: هو من ناحية مصيبة، أيوه صحيح. لكن مصيبة لذيذة. ده مجرد تشبيه. الحب الأول شئ حقيقي. حصللي وذقت الأمرين بسببه.

عبد الموجود: وبعدين؟ ولماذا فشلت؟

رؤوف:
كنت طالبا، وكانت هي طالبة أصغر مني بسنة. شفتها أول مرة لما كنت أزور عائلة تربطني بها قرابة من بعيد. فتحت لي باب الشقة برشاقة وابتسامة وقالت: أهلا.

كلمة أهلا دي يا عبده، كانت رصاصة ورشقت في قلبي. ثم سرت في جسمي مثل الكهرباء. أصبح جسدي ودماغي وكللي متكهرب. لما أفكر فيها أشعر بتيار وخدر لذيذ بيسري في أوصالي، لا أريده أن يتوقف.

كنت أتحين الفرص وأخلق الأعذار لكي أزور هذه العائلة. عندما كنت أراها وأتحدث إليها، كانت سعادتي لا توصف. فيه مرة لم تكن موجودة بالمنزل، لمحت بلوفر من ملابسها.

وجدت نفسي ألمس البلوفر وكأنني ألمسها هي. الغريب أنني لم أكن أفكر فيها جنسيا على الإطلاق. إنما كنت فقط أريد أن أراها وأسمع صوتها. كنت عاوزها جنبي على طول. فقط لا غير، يا عبده.

صارحتها بحبي، وصارحتني بأنها تبادلني نفس الشعور. حاولت حثها على مقابلتي خارج بيت العائلة، ولكنها رفضت. عندما وجدت أنها تشغل 90% من تفكيري، وتؤثر على دراستي، قررت الامتناع عن زيارة الأسرة وتأجيل الموضوع إلى حين التخرج. ربما كانت هذه غلطتي التي لا أغفرها لنفسي.

بعد عامين، حاولت مقابلتها، لكنها رفضت المقابلة خارج البيت. بعد التخرج، وصلتني أخبار مهببة. لقد تمت خطبة الفتاة التي احببتها من كل قلبي من ضابط كبير بالجيش، يكبرها ب 15 سنة على الأقل.

أصبت بالجنون، وطلبت مقابلة أبوها، وهو موظف كبير في الحكومة. كنت في ذلك الوقت قد تخرجت واشتغلت بوظيفتي الحالية، وهي وظيفة موش بطالة لها مستقبل.

لطعني أبوها على الناصية، في يوم شتاء شديد البرد، زي ما بيقولوا كده زمهرير. والريح تعصف بي من كل جانب، وأنا واقف في الشارع ما يقرب من ساعة. قبل ما يتكرم سيادته ويأتي لكي يزف إلي خبر خطبة ابنته.

قال لي في كلامه، شروط العريس اللقطة، وهي أن تقعد مراته بعد الزواج في البيت. وأنا أقول بيني وبين نفسي، وكمان بيشطرت. عندما أخبرت أبوها بسبب طلبي مقابلته، وأنني، يا عمي، أحبها ومستعد للزواج منها اليوم قبل الغد، اعتذر بالكلام المعتاد: لماذا لم تتقدم من قبل؟ ثم لمح لي بما معناه أنني لسه متخرج وفقير دقه، ولم أكوّن نفسي بعد. أي مفلس وعلى الحديدة.

وهي للأسف حقيقة لا أستطيع إنكارها أو إخفاءها. أخبرني أيضا أنه لا يزال أمامي متسعا من الوقت للزواج بمن هي أفضل من ابنته، أو الوقوع في زواجة سقع، مثل التي وقع فيها هو وابنته. ثم ودعني في الطريق ومشى كالطاووس، يختال فخرا عائدا إلى عمله، وأنا أرقبه من بعيد حتى اختفى عن الأنظار.

حدث كل هذا على قارعة الطريق. لم يفكر حتى في دعوتي إلى قهوة بلدي، وطلب زجاجة بيبسي كولا ساقعة تخفف من هول الصدمة في نفسي. منتهى القسوة من أب يرفض من يطلب يد ابنته بصدق وأمانة.

حاولت أن أبكي فلم أستطع. كنت أدخن، فألقيت بعلبة السجاير في سلة المهملات، وقلت هذا آخر عهدي بك، ولا أدري لماذا. ربما لأنها كانت تمثل شيئا أحببته وتعلقت به وعشت معه. مشيت إلى عملي لا أدري كيف، فقد كنت لا أرى الطريق وما به من عربات. الدنيا اسودت في وجهي يا عبده.

جلست على المكتب وطلبت من عفيفي عامل البوفيه فنجال قهوة. أخرجت ورقة وقلم من درج المكتب. كتبت فيها الآتي:
لا لن أنهار.
أنا أقوى من أي إعصار.
سأصبح إنسانا جديدا.
لن يقف شئ في سبيل مستقبلي.
لن أقع في الحب مرة ثانية.

عبد الموجود: يا حرام. لقد صعبت علي. وبعدين.

رؤوف: خلي عينك على الطريق يا عبده. أنا موش شايف النور منذ مدة. وبعدين، قبل ما أطلب في الجيش، بلغني بعد سنة أن الخطبة فشلت.

حاول أبوها إرسال المراسيل. كلم عمي وعمتي وابن خالتي. وعندما قابلني صدفة، دعاني لزيارته في المنزل بحجة مساعدتي في إيجاد عمل إضافي. وكلها تمحيكات لكي أتـقدم لخطبة ابنته من جديد، فتاتي وحبي الوحيد.

عبد الموجود: آهو فرصتك وما كنت تتمناه، قد جاء لغاية عندك.

رؤوف:
أبدا يا عبده. صعبت على نفسي قوي. وتذكرت الألم واليأس والبكاء المكتوم الذي كابدته بسبب هذه الفتاة. أقسمت أن لا أعود إليها أبدا. لقد رفضتها وأنا أحبها حب عبادة.

فهل يلومني أحد على ذلك؟ تسألني هل لازلت تحبها، فأجيبك بكل صراحة، نعم. لكنني لا أستطيع أن أتزوجها. الجرح عميق وغائر. كرامتي بتنقح علي يا عبده.

كما أنني لم أتأكد من صدق حبها لي. ربما لم تكن تفكر في بالمرة. لقد تركتها لكي تتزوج من آخر، ربما ضابط أيضا. لقد فقدتها مرتين: المرة الأولى رغما عني، والثانية بمحض اختياري.

ثم بدأت مغامراتي النسائية بعد ذلك. صرت أبدلهن كما تبدل أنت ملابسك. علاقات حسية فقط، لا حياة فيها ولا روح. كل علاقة تدفن ما قبلها بدون ألم أو دموع أو عزاء. لأن قلبي لم يكن إلا مع الحب الأول. الكلام أخذنا يا عبده. أنا موش شايف النور منذ مدة.

عبد الموجود:
ح يبان دلوقتي.

رؤوف:
ح يبان إمتى؟ من ساعة ما بدأت قصة حبي الفاشلة، وأنا موش شايف النور أمامنا. أرجو أن لا نكون قد تهنا وسط الصحراء الغربية. هذه الصحراء، تاه فيها جيش قنبيز الفارسي من قبل، وفني عن آخره.

وتاه فيها أيضا الاسكندر ذو القرنين، الاسكندر الأكبر، هو وجيشه. ولولا أن بعث له الإله آمون سربا من الغربان لكي يدله على طريق واحة سيوة، لفني جيش الاسكندر هو الآخر مثل جيش قنبيز.

عبد الموجود:
فال الله ولا فالك. ح نشوف النور إن شاء الله.

رؤوف:
موش ممكن نمشي في الضلمة كدة من غير دليل. وقف العربية أو نوّر الكشافات الضعيفة.

عبد الموجود:
التعلميات بتقول، لا تتوقف أو تضئ الكشافات.

رؤوف:
لكننا تايهين دلوقت يا عبده، التعليمات تنطبق على عربات الرتل اللي ماشية في طريقها المرسوم.

عبد الموجود:
ما اقدرش أوقف العربية أو أنوّر الكشفات. بعد شوية سنرى النور أمامنا.

رؤوف:
واحنا بنتكلم، يمكن تكون العربيات حودت يمين أو شمال من غير ما ناخد بالنا. احنا دلوقتي ماشيين من غير هادي في سكة ثانية خالص. وقف قبل ما تحصل لنا مصيبة.

حاول رؤوف إيقاف العربة بالقوة، أو وضع أنوارها، لكن منعه عبد الموجود باستماتة.

عبد الموجود:
بص، لولا أنك صاحبي، وأكلنا عيش وملح مع بعض، كنت رميتك بره العربية وكملت أنا. لو حاولت تاني، سوف أبلغ عنك.

رؤوف:
بتهمت إيه؟ علشان بقول لك وقف العربية لأننا تهنا؟

عبد الموجود:
التعليمات بتقول كده. وما اقدرش أخالف التعليمات. فهمت؟

رؤوف:
هي التعليمات قرآن يا عالم؟ أجيب لك مين يفهمك إن حياتنا في خطر؟ وقف العربية يا عبده قبل ما تندم. ماعدناش بنشم ريحة زهور البرتقال. يظهر إننا توغلنا في الصحراء وبعدنا عن العمار.

بدأت العربة المحملة بفنطاس الماء ترتفع وتنخفض بشدة بسبب أحجار الطريق ووعورة الأرض. أبطأ عبد الموجود السائق من سرعتها وحاول التحكم في عجلة قيادتها بكل قوته، لكنها ارتفعت عاليا فجأة ثم هبطت وسقطت في حفرة وتوقفت عن السير.

رؤوف:
عاجبك كده؟ موش قلت لك وقف العربية؟ إنزل يا خويا نشوف إيه المصيبة دي كمان. ولع لنا كشاف العربية نشوف الحفرة اللي وقعنا فيها شكلها إيه.

عبد الموجود: لا يمكن. ممنوع إضاءة الكشافات. نحن في حالة تدريب بالذخيرة الحية وممنوع الإنارة. أنا مسئول عن العربية زي ما انت مسئول عن فنطاس المية.

ظل عبد الموجود ورؤوف بجوار عربة المياه في الظلام الدامس ينتظران وينتظران. بعد ما يقرب من ساعة تقريبا، وجدا عربة جيب صغير تقترب منهما وهي تسير في ضوء كشافات ضعيفة مطلية باللون الأزرق.

توقفت العربة ونزل منها ضابط ملازم، بادرهم قائلا: "انتم هنا واحنا دايخين عليكم؟"

عبد الموجود:
لقد تهنا عن الضوء الهادي في العربة أمامنا. وأنا رفضت يا حضرت الضابط إضاءة كشافات الشاحنة أو التوقف لغاية ما غرزت العربية في الحفرة دية.

الضابط: قبل ما نربط الشاحنة بحبل في العربة الجيب لجرها، دعونا نرى عمق الحفرة التي وقعتم فيها.

أضاء الضابط كشافات العربة الجيب القوية، وإذا بهم يرون مشهدًا جعل الجميع تقعشر أبدانهم وكادوا يسقطون على الأرض من هول ما رأوا أمامهم. لقد رأوا أنهم، على سفح تل، يبعد خطوات من حافة منحدر رأسي لا يقل عمقه عن مئة متر.

لو استمرت عربة المياه في طريقها مدة ثانية واحدة، قبل أن تقع في الحفرة الصغيرة، لسقطت من ربوة التل وانفجرت ولاقى عبد الموجود ورؤوف حتفيهما بالتأكيد.

ظل رؤوف يرتعش من هول الصدمة ولا يستطيع الوقوف على قدميه. أما عبد الموجود، فقد عالج الأمر بركعتين شكر لله. لأنه أرسل لهما الحفرة الصغيرة لكي تحميهما من موت محقق. ثم خاطب رؤوف قائلا:

صدقت دلوقت إن فيه ربنا؟ آهو بعت لنا حفرة صغيرة تنجينا من كارثة أكيدة.

إذا برؤوف يفقد توازنه ويهجم على عبد الموجود، يمسك بتلابيبه وينشب أظافره في عنقه ويشبعه لكما وصفعا وركلنا، ويكيل له كل أنواع الشتائم والسباب، ويصرخ فيه قائلا:

"كنت ح تودينا في داهية بغباوتك وعنادك. ألم أقل لك توقف! أو نوّر كشافات العربية؟"

عبد الموجود: "خليك شاهد يا حضرة الضابط. أنا كنت فقط أطيع الأوامر. هل أخطأت يا حضرة الضابط؟"

الضابط مترددا وبدون اقتناع: لا أبدا.

رؤوف: هذا الحيوان كان ح يموتني. هذا النوع من البني آدمين، ح يودينا في 60 داهية. لا يصلحون إلا لطاعة الأوامر. عبيد بالفطرة. من غير مخ.

الضابط: معلهش. أنا حسامحك يا عسكري علشان الموقف ده، ولن أبلغ اعتداءك على زميلك بالضرب. يا ريت تنسو الموضوع ويسامح كل منكما الآخر.

رؤوف: أنا أسامحه؟ هو لا يستحق. كل اللي أقدر أقوله له، يا عبده، أنت غبي، وغباوتك حتودينا في داهية.

كتابي الجديد بعنوان قصص وحكايات من عالم الكائنات، التحميل مجانا من هذا الموقع
https://archive.org/details/zakariael_att_201904/page/n29
باقي كتبي يمكن تنزيلها بالمجان من هذا الموقع
https://archive.org/search.php?query=zakariael



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قم للنملة واوفها التبجيلا
- من أقوال وتأملات ماركوس أخيلوس
- صديقي الحر أحمر اللون
- طيور تقيم الأفراح والليالي الملاح للزواج
- نقار الخشب والبوق وطائر البطريق
- القوة الغاشمة ومحاربة التطرف
- رسائل من مصر (الفلاح المصري)
- مونتيسكو ومبدأ فصل السلطات
- من أين جاءت أساطير العهد القديم؟
- قصص وحكايات من زمن جميل فات - الجلشاني
- كيف تبني الطيور عشوشها
- الهروب من الحرية طلبا للأمان
- أوديسة هومير 1
- حكم المواشي وحكم البني آدميين
- الديموقراطية ونظام نقر الدواجن
- عندما كانت مصر جميلة
- كيف ولدت الشمس وكيف تموت
- الدستور وُضِعَ فى ظرف استثنائي، وبنوايا حسنة
- أوريستيا - ثلاثية أسخيليوس - أجاممنون
- دعوة لسماع الموسيقى الكلاسيكية الغربية


المزيد.....




- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
- فيديو مروع يظهر هجوم كلب شرس على آخر أمام مالكه في الشارع
- لبنان.. عشرات القتلى بالغارات الإسرائيلية بينهم 20 قتيلا وسط ...
- عاصفة ثلجية تعطل الحياة في بنسلفانيا.. مدارس مغلقة وحركة الم ...
- مقتل مسلح وإصابة ثلاثة من الشرطة في هجوم قرب السفارة الإسرائ ...
- اتفقت مع قاتل مأجور.. نائبة الرئيس الفلبيني تهدد علنا باغتيا ...
- العثور على جثة الحاخام المفقود في الإمارات وتل أبيب تعتبر ال ...
- سكوت ريتر: بايدن قادر على إشعال حرب نووية قبل تولي ترامب منص ...
- شقيقة الملك تشارلز تحرج زوجته كاميلا وتمنعها من كسر البروتوك ...
- خبير عسكري روسي: واشنطن أبلغت فرنسا وبريطانيا مباشرة بإطلاق ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد زكريا توفيق - غباوتك حتودينا في داهية