علي عامر
الحوار المتمدن-العدد: 6209 - 2019 / 4 / 23 - 12:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ابدعت فلسفة القرن المنصرم، في اقتناص الظواهر وتفكيكها وتحليلها، إلّا أنّ كلّ ذلك جرى في رحم الفلسفة من حيث هي فلسفة، بمعزل عن (آخري، جمع آخر) الفلسفة مثل المجتمع والاقتصاد والتاريخ والسياسة وهي مكوّنات الواقع من حيث هو واقع مادي ملموس وموجود، لتضع الفلسفة نفسها في نهاية الأمر على أنّها آخر بالنسبة للواقع وفي مقابله.
من اللذيذ هنا، أنّ الفلسفة في بحثها عن الآخر، جرّدت الآخر في كمفهوم ميتافيزيقي عام ومثالي، فإذ بها تفقد الآخر وتبتعد عنه.
إنّ إعتلاء صهوة التعميم والتجريد في معمعان البحث، يجعل الابتعاد نتيجة ضروريّة لمساعي الاقتراب، أي أنّ محصّلة الاقتراب من الآخر بعد تجريده كانت الابتعاد عنه.
وتكتمل المفارقة حين تجعل الفلسفة من الآخر موضوعاً لها، بعد أن تجرّده وتعممه وتمفهمه (التعامل معه كمفهوم، إن صح الاشتقاق اللغوي).
فهنا ليس التاريخ كآخر هو موضوعها، ولا الاقتصاد كآخر، ولا الطبيعة كآخر، بل يمسي موضوعها الآخر كأخر.
فمحاولة سيليفيان أغاسانسكي (2014) في نقد المركزيّة والتمركز والذات الميتافيزيقيّة والسعي لمعرفة الآخر والتعرّف عليه والانصات له، تشكّل نموذجاً، يعرض لنا ميتافيزيقيّة الفلسفة بأعلى أشكالها، فصاحبنا وإذ أشرع سواريه في غماغم (الآخر) كمفهوم عام ومجرّد، ترك قلاعه على برّ الشط خاوية ومقفرّة؛ هذا البرّ المادي الطبقي والمنقسم والعنصري والقائم على الاستغلال والاضطهاد هو الأساس المادي لكل انفصال وتحوصل وتمركز وميتافيزيقيا، فهو أساس الانفصال والتجافي بين الذات والآخر.
مشكلة الذات والآخر ليست مشكلة مفهوم تعالج في سحاب الثقافة وسراب الفلسفة، بل مشكلة سياسيّة، مشكلة الرأسماليّة الإمبرياليّة والاستعمار والاستيطان والاستغلال.
كلما اتسعّت الفجوة الواقعية بين المستغِل والمستغَل، اتسعّت الفجوة بين الذات والآخر، بين الذات المستغِلَّة والذات المستغَلَّة، بين الفلسفة والواقع، بين مشلكة الآخر والمحاولات الثقافوية لمعالجتها.
وعليه يفرض التاريخ على أجندة الحركات الثوريّة، مهمّة اكتشاف العلائق العضويّة وخيط الفتق الذي ضرب لحمة الفلسفة والتنظير من جهة، والواقع والتثوير من الجهة الثانية.
هذا الفتق الذي نتج عن وتعمّق بسبب انفصال العمل الذهني (البحث، الأكاديميا) عن العمل البدني (الصناعة والزراعة) وجعل من التنظير حرفةً ووظيفةً ومهنةً يحترفها من أسعفتهم الحظوظ الماديّة والبيئيّة الملائمة للحصول على الشهادات العليا، العليا جداً بحيث لا ترى الوافع ولا يراها.
------
أغاسانسكي، سيليفان. 2014. نقد المركزيّة- حدث الآخر. ترجمة: منذر عيّاشي. دار نينوى، سوريا، دمشق.
#علي_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟