|
لماذا فشلت -ثورات الربيع العربي-؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 6208 - 2019 / 4 / 22 - 02:50
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
بانطلاق الموجة الثانية لما بات يعرف "بالربيع العربي" بانتفاضة الشعبين الجزائري والسوداني ونجاحهما في إزاحة رأسي النظام دون دمار وسفك الدماء، نجد أنفسنا أمام سؤال جوهري: لماذا فشلت ثورات "الربيع العربي" في إقامة أنظمة ديمقراطية مثلما نجت في إسقاط أنظمة استبدادية في ظرف زمني قياسي ؟ من المفروض أن الشعوب التي عانت طويلا ولعقود ، بعد حصولها على الاستقلال، من القهر والاستبداد أن تكون راكمت وعيا حقيقيا بواقعها السياسي والاجتماعي وبما تملكه من عناصر القوة ونقاط الضعف التي جعلتها رهينة بيد الاستبداد . فالواقع المادي عادة هو الذي يحدد وعي الأفراد والمجتمع ويخلق لديهم الاستعداد لتغييره . إلا أن تجربة الشعوب العربية التي ثارت ضد أنظمتها الحاكمة وأسقطتها لم تفلح في بناء أنظمة سياسية ديمقراطية تعبر عن تطلعات الشعوب إلى الحرية والكرامة ؛ بل إنها أعادت البلاد والعباد إلى مرحلة ما قبل ظهور الدولة حيث طغت التنظيمات الطائفية والمذهبية والإرهابية وهيمنت القبيلة بأعرافها وقوانينها الداخلية ، وحل الولاء للطائفة محل الولاء للدولة والوطن. ثماني سنوات هي مدة كافية لتقييم نتائج هذه "الثورات" والمآلات التي انتهت إليها . فما الذي أفشل هذه الثورات ؟ يمكن الوقوف عند عاملين رئيسيين هما : 1/ العامل الثقافي ويمكن النظر إليه من مستويين : أ ــ ضعف التشبع بالقيم الديمقراطية والمواطنة . فالشعوب التي ثارت ضد أنظمتها لم تكن مقتنعة بضرورة بناء الدولة الديمقراطية التي تتعالى على الطائفية والمذهبية والأديان ، وفي نفس الوقت تضمن لجميع المواطنين حقوقهم وحرياتهم بغض النظر عن عقائدهم ومذاهبهم . لم يرق بعد ، وعي الشعوب إلى أن الوطن هو الجامع وليس الدين أو المذهب أو العرق . لهذا ، وبمجرد سقوط الأنظمة ، طغت الانتماءات المذهبية والطائفية والعشائرية على الوعي العام مما أدى إلى حدة التطاحن الداخلي بكل مستوياته بين الطوائف والعشائر . فما كان يهمّ تلك الشعوب هو إسقاط الأنظمة دون أن تمتلك رؤية واضحة وخارطة طريق لما بعد السقوط . إن الوعي السياسي الحقيقي يقتضي من هذه الشعوب أن تدرك أهمية الممارسة الديمقراطية في إرساء مؤسسات دستورية غير مرتبطة بالأحزاب والتنظيمات الطائفية ؛ ومن ثم تطالب الأحزابَ بالاتفاق على برنامج انتخابي موحد وتقديم مرشح مشترك لمواجهة خصوم الديمقراطية وأعدائها. لكن هذا لم يحدث ، فكان الفوز للإسلاميين . ب ــ طغيان التصور الديني على ما عداه . فغالبية الشعوب تستجيب تلقائيا للخطاب الديني مما يجعلها ضحيةً سهلة الانقياد والتحكم والطاعة . وهذا الذي يفسر فوز الأحزاب الدينية في الانتخابات ( تونس ، مصر ) فيما احتضنت شعوب أخرى التنظيمات المتطرفة والطائفية ( ليبيا ، سوريا ، اليمن ) . ففي اللاوعي الجمعي للشعوب الإسلامية أن التشريعات الدينية هي الكفيلة بضمان العدل وتحقيق التقدم . ومهما كانت قوة الخطاب الحداثي فلن يُقنع الغالبية بأن الدولة الديمقراطية وتشريعاتها المدنية ومؤسساتها الدستورية هي أساس التقدم والكرامة والحرية . فعلى مدى عقود وهذه الشعوب تخضع للشحن الإيديولوجي والفقهي جعلها مسلوبة الفكر والإرادة لدرجة أنها تتمثل الدولة الإسلامية ونظام الخلافة أرقى النظم السياسية. 2 / العامل الخارجي ويتمثل في تدخل القوى الإقليمية والدولية في دعم الاقتتال الداخلي بين الطوائف والمذاهب وفتح المجال لتنقل العناصر الإرهابية من كل بقاع العالم لإجهاض الثورات ووقف الزحف "الربيعي" على دولها ومصالحها . وما كان لهذه القوى الخارجية أن تفلح في إذكاء الانقسامات وتغذية الاقتتال الداخلي لولا انعدام الوعي بأهمية الوطن الجامع وفعالية الآلية الديمقراطية في تدبير الاختلاف . هل فشل الإسلام السياسي شرط لبناء الديمقراطية ؟ تبدو ثورة الشعبين في الجزائر والسودان أكثر نضجا وتماسكا لحد الآن في مطالبها ومواقفها من النظام ورموزه . وكلما حافظ الشعبان على التماسك الداخلي بين المواطنين إلا وتعذر على القوى الأجنبية إحداث الاختراقات أيا كانت طبيعتها . وما تسمح به الموجة الثانية "للربيع العربي" من ملاحظات يمكن تركيزها في التالي: أ ــ فقدان التنظيمات الدينية زخمها وبريق خطابها بعد المآسي التي تسببت فيها للشعبين السوداني والجزائري . فهذان الشعبان ينطلقان من تجربتهما الخاصة ومعاناتهما بسبب هذه التنظيمات الدينية التي تجعل السياسة والحكم فرعا من الشريعة .فالشعب السوداني عانى طويلا من الاستبداد باسم الدين مع النميري ثم البشير ، ولا يمكنه فتح المجال لعودة التنظيمات الدينية للسلطة من جديد .وكذلك هو الحال بالنسبة للشعب الجزائري الذي فتك به إرهاب جبهة الإنقاذ وأذرعها المسلحة . ب ــ الاستفادة من أخطاء الموجة الأولى "للربيع العربي" بحيث حافظت الموجة الثانية على سلميتها ووحدة قواها الحية وتمييزها بين النظام السياسي وبين الدولة ومؤسساتها . فمطالبتها بإسقاط النظام غير مشروطة بحل مؤسسات الدولة وهياكلها ؛ كما أن العداء للنظام لا يعني العداء للدولة . إن نجاح الشعبين الجزائري والسوداني في إسقاط النظامين المستبدين وإقامة نظام ديمقراطي يضمن الحقوق والكرامة لجميع المواطنين سيحفز شعوب المنطقة على تجاوز عوامل التخويف من المصير الليبي والسوري ، ويحرضها على ممارسة مزيد من الضغوط على أنظمة الاستبداد التي تجثم على صدورها قصد دمقرطتها أو إزاحتها .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار لفائدة جريدة الأحداث المغربية
-
أهداف البيجيدي من تعريب المدرسة العمومية.
-
زيارة البابا تسقط القناع عن تطرف الإسلاميين .
-
سقوط شعار -حجابي عفّتي-.
-
درس نيوزيلندا درس لنا .
-
أين مشروع الإسلاميين للنهوض بأوضاع المرأة ؟؟
-
دور الهيئات والمنظمات النسائية في النهوض بأوضاع المرأة بالمغ
...
-
من كانت مرجعيته -محددة من عند الله- فمكانه الزاوية وليس الحك
...
-
يوم كانت المدارس القرآنية تكوّن الوطنيين .
-
إستراتيجية الإخوان لتطويق النظام .
-
ما مدى نجاعة المقاربة الدينية في مواجهة التطرف والإرهاب ؟
-
أيها الريسوني:الإرهاب فتاوى يصدرها الشيوخ وينفذها الشباب.
-
كماشة التطرف تطبق على المجتمع المغربي.
-
ابحثوا عن مسئولية الدولة في الجرائم الإرهابية.
-
لولا العلمانية لما تمتع المسلمون بجزء من الحقوق الإنسانية.
-
الدعوشة تغزو المجتمع وتنخر الدولة.
-
خلفيات إطلاق اسم منظّر الإرهاب -سيد قطب- على شارع بطنجة .
-
تونس تؤسس للدولة المدنية في العالم العربي.
-
احذروهم فهم يكيدون.
-
تثبيت التوقيت الصيفي تأكيد للتبعية وفقدان للسيادة.
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|