|
جولة بين ترقيعات المرقّع سليم نصر الرّقعي
مالك بارودي
الحوار المتمدن-العدد: 6207 - 2019 / 4 / 21 - 06:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جولة بين ترقيعات المرقّع سليم نصر الرّقعي . كم يضحكني ما يكتبه هذا الكاتب المسمّى "سليم نصر الرّقعي" على موقع الحوار المتمدّن! في الحقيقة، لا أعرف إن كان مؤمنًا فعلًا بما يقوله ويكتبه أم أنّه يتسلّى بخلط الأوراق وإدخال أيّ موضوع في أيّ موضوع آخر بتعلّات واهية ومنطق أعوج وبنفس الحماقة الإسلاميّة التي تعوّدنا عليها من غيره من تجّار الدّين سواء كانوا تجّار جملة أو تفصيل، لكنّني، للأمانة، أراهُ مخطئًا في الحالتين. . بدايةً، ولكي لا أُتّهم بالشّخصنة، دعُوني أوضّح شيئًا. عندما إخترت عنوان هذا المقال "جولة بين ترقيعات المرقّع سليم نصر الرّقعي"، لم يكن في بالي التّهكّم على لقبه، بل كان هذا مجرّد لعب بالكلمات رأيتُ أنّه يُعطي الصّورة الأوضح والأشمل للموضوع. فما يكتبه الرّقعي ليس إلّا مجموعة من التّرقيعات. ومثله في ذلك كمثل خيّاطٍ أراد ترقيع ثوبٍ ولم يجد نفس نوعيّة القماش فإستعمل رُقعة من أوّل ثوبٍ مستعملٍ وقع بين يديه وأخرجه لنا مشوّهًا بطريقة فاضحة. هو لا يرى ذلك، فكلّ همّه أن يرقّع الثّوب ويستُر الخرق، بغضّ النّظر عن الجماليّة والتناسق، إلخ، ولكن النّتيجة بالتّأكيد لا تُعجبُ أحدًا، ولو رضي بها على أنّها حلّ مؤقّت. . في مستهلّ جولتنا بين ترقيعات الكاتب، دعونا نستمع إليه وهو يقدّم لنا نفسه بنفسه. . سليم نصر الرّقعي، في تعريفه لنفسه على موقعه الفرعي بالحوار المتمدّن، يقول أنّه "كاتب ليبي معارض يعيش في المنفى الإضطراري (بريطانيا) بسبب غياب حرية التعبير وحق معارضة الوضع القائم في بلاده (ليبيا)". حسنًا؛ ونِعمَ المعارضة! وفي الحقيقة، له الحقّ في ذلك، فالمعارضة الحقيقيّة تكون من بريطانيا، وهذا شيء معروف للجميع. هاني السّباعي أيضًا يُعارضُ من بريطانيا. . ويضيف كاتبنا أنّه "يؤمن بضرورة تحرير العقل المسلم من ثقل التراث والتاريخ والإستفادة من كل ماهو مفيد ورشيد في الفكر والعطاء الإنساني ويناصر مشروع إقامة دولة وطنية (ديموقراطية وليبرالية) مسلمة في بلاده تقوم على العلم والإيمان وبما لا يتناقض مع نص ديني واضح قطعي الثبوت وقطعي الدلالة إذ لا مفر في بلادنا المسلمة من ثبات (المرجعية الإسلامية) (مرجعية النص لا رجال الدين!) مع ضرورة تحرير العقل المسلم من الفهم التراثي التقليدي السلفي والمغلق للنصوص الدينية وضرورة معايشة مشكلات ومعطيات العصر الحديث للبشرية والإستفادة من كل إيجابياته وتجنب ما يمكن من سلبياته بلا إفراط ولا تفريط!. " . فقرة كاملة، طويلة وعريضة ولا معنى لها. إذ كيف تستقيم "ضرورة تحرير العقل المسلم" مع رغبة الكاتب في ربط نفس هذا العقل إلى أوتاد النّصّ الدّيني المتخلّف القامع للحرّيّات والذي يقول "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوءكم"؟ حرّيّة السّؤال نفسها غير معترف بها في القرآن، فما بالك بالحرّيّات الأخرى؟ وكيف يتقابل العلم والإيمان؟ (ذكّرني بذلك البرنامج التّافه الذي كان يقدّمه الدّجّال مصطفى محمود.) كيف يتقابلُ العلمُ مع نصّه القرآني الذي يقول أنّ مريم ولدت عيسى دون أن يمسّها رجُلٌ؟ وأين العلم في هذه الخرافة؟ وأين العلم في قصة موسى وشقّ البحر وقصّة أهل الكهف ومسألة الشّمس التي تغرب في عين حمئة والطّير الأبابيل والجنّ والشّياطين وكلّ تلك الخرافات والخزعبلات؟ . وهل في القرآن شيء عن الدّولة الوطنيّة؟ هل فيه شيء عن الدّولة أصلًا؟ هل فيه شيء عن الدّيمقراطيّة؟ وماذا عن اللّيبراليّة؟ وما معنى "مرجعيّة النّصّ لا رجال الدّين"؟ مرجعيّة النّصّ من وجهة نظر من؟ من وجهة رجال دين، بطبيعة الحال، وإلّا ستُعتبر المسألة مجرّد هرطقة لا معنى لها ولا يُلقي لها أحدٌ بالًا، كما هو الحال بالنّسبة للقرآنيّين وشيخهم أحمد صبحي منصور... ثمّ، عن أيّ نصّ يتحدّث الكاتب؟ القرآن فقط أم الأحاديث أيضًا مع كلّ تناقضاتها وكلّ المتاهات التي إخترعها المسلمون في تصنيفها (صحيح، ضعيف، غريب، حديث آحاد، إلخ). والنّصّ القرآني نفسه "حمّال أوجه"، فعن أيّ "ثبات للمرجعيّة الإسلاميّة" يتحدّث كاتبنا؟ أم أنّه مجرّد كلامٍ يتمّ حشوه ورصّه في جُمل لملء بياض الورقة لا غير ولا يهمّ إن كان له معنى أم لا؟ . ثمّ، ما معنى "الدّولة المسلمة"؟ وما الدّليل على صحّة اللّفظ؟ إذا كان يقصدُ الدّولة فعلًا (الدّولة ككيان سياسي أو كمجموعة هياكل ومؤسّسات وقوانين ودستر، إلخ)، فهل الدّولة لها دينٌ وتؤمن بالقرآن على سبيل المثال وستدخلُ الجنّة هي أيضًا؟ أمّا إذا كان يقصدُ الشّعب اللّيبي، فأنا شخصيًّا أعرف الكثير من الملحدين اللّيبيّين ولديهم بعض الصّفحات على الفيسبوك يمكنه البحث عنها والإطّلاع عليها... وهل يعترف كاتبنا بوجود غير المسلمين في ليبيا وماهي وضعيّتهم في نظره وماهو مكانهم في "دولته المسلمة" المزعومة؟ إن كان لا يعترف بوجودهم، فمشروعه من البداية ساقطٌ لأنّه يريدُ إقامة ديكتاتوريّة إسلاميّة جديدة لا تعترف بغير المسلمين ولا بحقوقهم. ولكن، سواء إعترف الكاتب بهم أم لا، المشكلة الأكبر والكارثة تكمن في "المرجعيّة الإسلاميّة" الهلاميّة التي يريد الإستناد إليها و"النّصوص قطعيّة الثّبوت وقطعيّة الدّلالة" (وهذان وصفان كاذبان، فلا شيء في القرآن قطعي الثّبوت ولا قطعي الدّلالة، إنّما هي أوهامٌ يوهمون بها أنفسهم وتابعيهم) التي يريد الإعتماد عليها. وهل في القرآن نصّ واحدٌ يُعطي الحقّ للمسيحيّين واليهود في العيش بكرامة في بلادهم أم أنّ كاتبنا سيفرض عليهم الجزية يؤدّونها وهم صاغرون أذلّاء؟ وهل سيفرض عليهم ما فرضه عمر بن الخطّاب في العهدة العمريّة المتخلّفة من عدم إظهار رموزهم وكتبهم وتمييز أنفسهم من ناحية اللّباس، إلخ؟ أليست الآية 29 من سورة التّوبة نصًّا قرآنيّا صريحًا وواضحًا وقطعيّ الثّبوت وقطعي الدّلالة؟ وهل في القرآن نصّ واحدٌ يُعطي الحقّ للملحدين في العيش في بلادهم؟ لا. وماذا عن حقوق المثليّين؟ لا شيء. وماذا عن حرّيّة كلّ هؤلاء في التّعبير؟ وهل لهم الحقّ في التّعبير عن أنفسهم بما يتوافق مع معتقداتهم وميولاتهم أم أنّ القمع سيكون سبيل الكاتب لتكميمهم وإضطهادهم؟ فأين هي الدّولة الوطنيّة من رغبة الكاتب الملحّة في فرض تصنيف واحد على شعب بأكمله ووضعه في صندوق واحد، وكأنّه يتعاملُ مع قطيع أغنام من نفس السّلالة؟ أليس اللّيبيّون الملحدون والمسيحيّون واليهود وغيرهم من غير المسلمين كلّهم مواطنين ليبيّين؟ وإذا هضم كاتبنا حقوق كلّ هؤلاء وأنكر وجودهم، فما الذي يضمن أنّه لن يُحاول قتلهم في المستقبل لبناء "دولة اليوتوبيا" المتناسقة والجميلة التي يحلم بها والتي لا تمتّ للواقع بصلة؟ ألن يتحوّل كلّ هؤلاء وقتها إلى "معارضين يعيشون في المنفى الإضطراري" هم أيضًا "بسبب غياب حرية التعبير وحق معارضة الوضع القائم في بلادهم"؟ ألن تتحوّل دولته إلى نفس الدّولة التي قال أنّه هرب منها؟ . ثمّ يحدّثنا الكاتب عن "ضرورة تحرير العقل المسلم من الفهم التراثي التقليدي السلفي والمغلق للنصوص الدينية"؟ إذا كان قد إستدعى أكبر نصّ تراثي تقليدي وسلفي ومغلق وهو القرآن وأراد أن يجعل منه مرجعيّة ومرجعًا ودستورًا وقانونًا، فقد نسف العقل نفسه من الأساس، وبالتّالي لا يمكن الحديث عن تحرير العقل. وهذا النّصّ القرآني المتخلّف والبالي، إبن البيئة الصحراوية والذي ورث قحولتها وبداوتها وهمجيّة أهلها، كيفما حاول الإنسان فهمه، سيصدمه دائما وأبدًا بما فيه من قحولة وبداوة وهمجيّة. نصّ متناقض وزئبقي وقديم كهذا لا يمكن أن ينتج عنه أيّ تفسيرٍ أو فهمٍ حديثٍ متوافق مع العصر الذي نعيش فيه، إلّا باللّفّ والدّوران وليّ أعناق الآيات والألفاظ والكذب والتّلفيق والتّحريف والتّرقيع. والأولى في رأيي رميه جانبًا، لأنّه المصدر الرّئيسي للتّخلّف والإرهاب. ولنا أمثلة كثيرة على ذلك. . خلاصة القول، لكي لا أطيل عليكم، كلّ كلام الكاتب متناقضٌ يضرب بعضه بعضًا (ولعلّه متأثّر بالقرآن ونصوصه الملتوية واللّامنطقية والمتناقضة... دولة إسلاميّة ديمقراطيّة ليبراليّة قرآنيّة غير سلفيّة ملوخيّة...! ترقيعٌ في ترقيعِ بلا معنى وبلا نهاية. لذلك سأتوقّف عند هذا الحدّ وسيكون لنا قريبًا موعدٌ آخر مع بقيّة الجولة بين أكوام ترقيعات الكاتب. .
----------------------------- الهوامش: 1.. مدوّنات الكاتب مالك بارودي: http://sapolatsu.com/2VLK http://sapolatsu.com/2VOC http://sapolatsu.com/2VPK http://sapolatsu.com/2VQS 2.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية": http://sapolatsu.com/2VRv http://sapolatsu.com/2VT7 3.. صفحة "مالك بارودي" على الفيسبوك: http://sapolatsu.com/2VUR
#مالك_بارودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة لمسألة -الإسلاموفوبيا-، على هامش ما حدث في نيوزيلاندا
-
رأي في مهزلة ترجمة القرآن نفسه وترجمة معانيه
-
-وما ينطقُ عن الهوى-، بين صحّة النّبوّة والإعجاز العلمي
-
شيخُ الأزهر يعتبرُ أنّ تعدّد الزّوجات ظلمٌ للمرأة...؟
-
نظرة على حديث: -النّساء ناقصات عقل ودين-
-
عُمر بن الخطّاب الكافر الزّنديق
-
في الرّدّ على ترقيع القرآنيّين بخصوص آية ضرب المرأة
-
الإسلام دين السّلام والسّماحة... والإرهاب والهمجيّة...
-
تونس: دولة فاشلة ومفلسة تصرف مال الشّعب على الكائنات الطّفيل
...
-
أعبّاد الحجارة، نريد جوابًا...
-
بين طائفة الأميش والمسلمين
-
هل يصحّ أن نحاسب رسول الإسلام بمقاييس اليوم؟
-
أمّ المهازل ما نحن فيه...!
-
الدكتورة الراقصة وجحافل المطبّلين
-
متى تحتويني...؟
-
الله أكبر... الفيل أبو زلّومة يعتنق الإسلام
-
الإرهابُ أصلٌ من أصول الإسلام، شئتم أم أبيتم
-
رماد الزّمن (رواية) - ج2
-
رماد الزّمن (رواية) - ج1
-
خواطر لمن يعقلون – ج134
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|