|
د.عثمان الخشت: عندما تسقط القيم الجامعية
محمد السعدنى
الحوار المتمدن-العدد: 6206 - 2019 / 4 / 20 - 20:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وقف الممثل الشاب بكل حماقة يكاد يكون عارياً على خشبة مسرح التجمع الخامس يؤدى أغانيه الهابطة يحوطه جوقة من الراقصات "الموديلز" كاسيات عاريات يتلوين فى رخص وتبذل، ما أثار عاصفة من الاستهجان لدى قطاعات كبيرة من مجتمعنا المصدوم بأفاعيل هذا المعجب بذاته حد التطرف، وحاولت بعض الأصوات من مدعى التعقل والتثاقف تبرير الأمر على أنه شاب غُر محدود الفكر والثقافة مسطح الذوق والمعرفة، وابتلع الناس الصدمة غير مصدقين أن هذا يحدث فى بلادهم المحروسة، ولم يفيقوا من أثر الصدمة، وإذا بهم بعد أسبوعين من الواقعة يفاجئون بما هو أمر وأنكد، لا على مسرح الغناء والفن والطرب، وإنما فى ساحة جامعة القاهرة العريقة، والبطل هذه المرة أستاذ أكاديمى حسبناه كبيراً يشغل مقعد رئاسة أكبر جامعة عربية على الإطلاق، حيث راح سيادته يؤدى فقرته التى دعى فيها أحد المطربين "محمد حماقى" تحت شعار مكافحة التطرف وتنوير الشباب بالفن الراقى. جاءت فقرة رئيس الجامعة إهانة للأكاديميين والأساتذة والطلاب والجامعة ومصر كلها. ورغم أنه كان فى كامل ملابسه الرسمية، إلا أنه بدى كما الممثل المغنى فى حفل التجمع، عارياً من وقار المنصب الرفيع خالعاً لكل قيمة علمية وأخلاقية فى سبيل أن يشارك فى الرقص والطبل لمناسبة هو لم يعلن عنها، وربطها كثيرون على منصات التواصل الاجتماعى بأنها التعديلات الدستورية. وقف عثمان الخشت لكأنه يتنكب مالا يناسب وقاره ومنصبه، وظيفة "شاويش فرح" فى حى بين السرايات أو الشعرية، أو منادى صالة مزادات. وقف سيادته ليقول: تحيا مصر، مين بيحب مصر، وعشان إنتوا شباب زى الفل، وعشان انتوا اللى حتصنعوا المستقبل، لازم مش تنبسطوا النهاردة بالفن بس، وراح يعلن ما سماه مفاجأة بإعفاء الطلاب الذين تأخروا في سداد مصاريف الجامعة من دفعها، وإعفاء طلاب المدن الجامعية من رسوم الإقامة والتغذية في شهر رمضان، وإجازة للعاملين والطلاب وأعضاء هيئة التدريس من 25 إلى 29 أبريل الجارى، كان يعلن قراراته بعد فاصل من الاستظراف مع الطلاب يتخللها تحيا مصر، وصلت قمة المهزلة قوله: طب كمان، فى ولاد من ولادنا قبل ما يتخرجوا بيبقى ناقصهم 5% وبيعيد السنة على مادة ولا اتنين، ينفع الكلام ده؟ ويرد الطلاب: لا اااه ، ويقول هو: مش سامع، تحيا مصر، 5% لكل طالب فى البكالوريوس والليسانس تكون درجات الرأفة مش جايبة معاه، إحنا هنخرّجك و خلي الخمسة ف المية علي جامعة القاهرة "لاحظ اللغة" يصفر الطلاب ويصفقوا، ويبادرهم: نقول كمان، مين اللى ما دفعش المصاريف؟ يصيح الطلاب، فيقول مداعباً: كل ده، لا على حسابكم بقى، عموماً كل طالب مادفعش المصاريف إعفاء من جامعة القاهرة، يهيج الطلاب ويصفرون بينما هو يهتف تحيا مصر، يهتفوا معه، فيقول: لأ الصوت واطى أنا مش سامع، وتستطيع متابعة المهزلة كاملة على الرابط التالى: https://www.youtube.com/watch?v=RazQo0Lh4FY لقد كان أداءً مخجلاً هابطاً لايليق فى لغته ومضامينه والرسائل من وراءه مع قدسية الجامعة، التى أهانها، والتى عرض نظمها ولوائحها للمساومة مع الطلاب وبدا كمن يتصرف بلا رقيب أو حسيب بما يوحى بتحلل الجامعة وقيادتها من أى قيد نظامى أو أكاديمى أو أخلاقى، وبدت الأمور كما لو كانت رشوة للطلاب، هو لم يقل لماذا هذه الرشوة، وإن تواكبت مع دعوة جامعته وكل الجامعات المصرية لدعوة الطلاب وهيئة التدريس والعاملين للمشاركة فى التصويت على التعديلات الدستورية. وإذا كنت ترشو الطلاب اليوم بالنجاح لمن لايستحقه، فلا تتوقع منهم عندما ينخرطون فى أعمالهم بعد التخرج، إلا الفساد والرشوة والمحسوبية. لقد ضرب فى طريقه، فى لحظة تهافت وتجلى خائب كل القيم الأكاديمية والتربوية والأخلاقية التى لاتصح الجامعة بدونها، وهل إذا صادف تعيين البعض منهم فى هيئة التدريس المعاونة سيكونوا أمناء على تربية أبنائنا وتعليمهم، أم ينخرطون فى الدروس الخصوصية والغش واللعب فى الدرجات والامتحانات. هذا سلوك يضرب المستقبل حين يخرج طبيباً أو مدرساً أو مهندساً أو محاسباً أو قانونياً غير مكتمل التعليم فماذا عساه يكون حال المجتمع الذى بلاه سيادته بكل هؤلاء المتخلفين المشوهين أخلاقياً وعلمياً، هل سيكون منهم من يراعى القانون ومواثيق الشرف والمهنية؟ كيف؟ وقد تعلم على يد رئيس الجامعة الرشوة والفهلوة وخلط الخاص بالعام. ثم لماذا يفعل رئيس الجامعة ما فعله؟ هل طلب منه ذلك؟ أشك، ومهما كانت لنا ملاحظات على الأداء العام لايمكن أن نصدق أن هذا يكون مطلب السلطة؟ فلانزال نتمتع فى بلادنا بقدر من احترام القانون، وأذكر أنه قبل انتخابات الرئاسة فى 2014، أن تطوع أحد المحافظين بعمل توكيل للسيسى، فطلب منه الاستقالة فوراً. السلطة لايمكنها أن تطلب من رئيس جامعة أن ينزل إلى المسرح "ليتحزم ويرقص"، وإن فعلها رئيس جامعة القاهرة أستاذ فلسفة الأديان، فعلى السلطة إقالته فوراً فقد أهان الجامعة والبلد كلها وأهان كل أساتذة الجامعة المحترمين الذين يؤدون واجبهم بكل كفاءة ملتزمين القانون واللوائح والقيم والضمير. يؤسفنى أن أكتب فى حق زميل كبير، لكنه هو من صغر بالمنصب والقيمة والقدوة. لقد غابت المرجعية عن عثمان الخشت فيما فعل وبالكيفية التى اقترفها، فانزلق إلى الخطيئة، فحق عقابه. وخلال تجربتى الشخصية، وقد توليت أعلى المراكز الجامعية، وكنت وكل الزملاء رؤساء الجامعات والمراكز البحثية الكبرى نتعامل مع السلطة، لم يطلب من أحدنا مخالفة القانون أو اتيان مايشين القيم الجامعية، وقد مرت علينا انتخابات رئاسية واستفتاءات ولم يحدث ما رأيناه بمثل هذه الفجاجة والخفة وعدم المسئولية. وكان إذا حاول أحد المتنفذين أو مديرى المكاتب الكبرى فى وقائع محدودة وخلف الأبواب المغلقة أن يطلب استثناء فى بعثة لأحد أقاربه أو أجازة أو نقل أو مجاملة لكانت فضيحة يتناقلها المجتمع الجامعى كله، وغالباً يلقى التأنيب والعتاب من رؤساء الجامعات الموقرين. نعم كان هناك وطوال الوقت من يخالف القانون والمرجعيات، ولكن ليس جهاراً نهاراً بمثل هذه الجرأة والحماقة والغفلة عن كل قيمة. ماذا حدث؟ وكيف تفتق الذهن المحدود لسيادته أن يرى الفن الراقى فى محمد حماقى أو غيره، مع شديد احترامنا لكل فنان يحترم ذاته وفنه ووطنه، إلا أننى أذكر عمالقة من الزملاء رؤساء الجامعات حين عملت مع بعضهم وأنا فى منتصف العمر، قامات مثل محمد عبد اللاه رئيس جامعة الاسكندرية، وخلفه حسن ندير حين كان الصالون الثقافى للجامعة هو دار الأوبرا فى الاسكندرية وأوركسترا القاهرة السيمفونى، وفرقة الاسكندرية للموسيقى العربية وفرقة المايسترو سليم سحاب ومسرح الطليعة والمسرح القومى والفرق العالمية التى كان يستقدمها محمد غنيم وكيل أول وزارة الثقافة فى قصر ثقافة الحرية وقصر الإبداع وقصر ثقافة الأنفوشى والندوات التثقيفية مع كبار الكتاب والمفكرين والسياسيين، حتى أن مكتبة الإسكندرية الحالية انبثقت فكرتها من جامعة الإسكندرية وبدأت المكتبة أنشطتها فى أروقة وقاعات دار الاحتفالات الكبرى للجامعة ولاتزال، ثم يأتى من يقول أن هذا تقليد بدأته جامعة القاهرة مع سلف عثمان الخشت وبهذا المستوى المبتذل! ألا تخجلون. ثم يطرح السؤال نفسه: هل فى ظل مثل هذه الاختيارات لرؤساء الجامعات يمكن أن نثق فى مستقبل قريب أن تصطف جامعاتنا لا مع مثيلاتها فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، بل مع مثيلاتها من عالمنا العربى والإفريقى وجامعات فى آسيا؟ لا أظن. لقد تدنت الاختيارات فى أغلب المواقع وهانحن ندفع الثمن.
#محمد_السعدنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
توماس فريدمان وقراءة خاطئة للشرق الأوسط
-
فانتازيا السرد فى لاحكاية فتاة أحبها ولامسها
-
ترامب وموسيقى الفك المفترس
-
معلوماتكم خاطئة: بريتون تارانت لم يقتل المصلين فى نيوزيلاندا
-
حوار مصرى أوروبى فى حزب المحافظين
-
فنزويلا: غطرسة أمريكية وسفور أوروبى
-
من الكون الفسيح إلى عالم -الرُبع فلامانك-
-
رئيس تضع سياساته بلاده فى وجه العاصفة
-
-شذوذ تاريخى- يعرض العالم للفوضى والخطر
-
أنا النموذج ولاشئ غيرى
-
الأسئلة وحدها هى المبصرة
-
عالم مابين الحمار والفيل
-
عمل حاجات معجزة .. وحاجات كتير خابت
-
لسنا قردة .. لكننا نحب العدل والحرية
-
الإسكندرية وجدار الفصل العنصرى
-
كل الصباحات .. باردة
-
ولاتزال الحقيقة عارية
-
تُراه كان يكتبنا؟
-
يوليو وناصر الذى لا يغيب
-
الاغتيال الاقتصادى للدول
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|