|
ثقافة الاستهلاك
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 6206 - 2019 / 4 / 20 - 10:56
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يعيش العالم العربي أزمات اقتصادية خانقة بفعل تأثيرات ما شهدته السنوات الماضية من أتون حروب وصراعات سياسية وعسكرية، لايزال بعضها مستمراً في اليمن وليبيا وسوريا.
دراسات عديدة تناولت هذا الموضوع، منها ما كتبته سارة السهيل تحت عنوان «ثقافة الاستهلاك وأزماتنا»، موضحة ان استمرار هذه الحروب والصراعات قد يرتبط بمخططات خارجية لتفتيت هذه الدول للاستفادة مما تبقى من ثرواتها الطبيعية لكنه في المقابل ادى إلى خنق الاقتصاديات في باقي الدول العربية شبه المستقرة سياسياً.
غير ان الدول العربية وشعوبها لم تنتبه إلى تأثير هذه النزاعات والحروب على اقتصاداتها، ولم تقم بأي محاولات للحفاظ على مقوماتها الاقتصادية خلال السنوات القليلة الماضية حتى وجدت نفسها في مأزق اضطرت فيه إلى إلغاء الدعم، واللجوء إلى فرض الضرائب والرسوم لجلب الايرادات اللازمة للانفاق الحكومي على البنيات الاساسية للدول من تعليم وصحة وأمن وغيرها.
فجأة شعر المواطن في الدول العربية أن الحكومات العربية تخنقه وتحاصره بالضرائب، ورفع اسعار المحروقات والغلاء الفاحش، دون ان تنتبه هذه الشعوب وحكوماتها إلى الخطر الأكبر والمستفحل في المجتمعات العربية والعالمية، ممثلاً في سعار ثقافة الاستهلاك التي غرست بذور فتنتها الرأسمالية العالمية والعولمة الامريكية!
فهذه الرأسمالية قد غذت النزعة الاستهلاكية لدى شعوب العالم وبثت فيها غرائز الترفيه بكل وسيلة، مستخدمةً في ذلك حاجة الناس إلى التواصل الاجتماعي والانفتاح على الآخر، ومحاكاة تجارب الشعوب، والتلذذ بكل ما هو جديد، فتحول انسان هذا العصر منذ تسعينيات القرن الماضي إلى كائن مستهلك لكل شيء في الأرض والفضاء، مستهلك للزراعة والصناعة والاعلام والفنون وغيرها.
ومن منظور الدراسة، لقد تفعل المفهوم الاستهلاكي المفرط مع عاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية حتى صار ثقافة يومية معاشة نمارسها كشيء طبيعي، كما صار جزءاً رئيسياً من اقتصاديات الدول وركائزها السياسية، معتمداً في ذلك على دور الاعلام في بث ثقافة الاستهلاك، عبر اعادة تشكيل وعي جماهيره العريضة شرقاً وغرباً بحاجاته المتجددة للتغيير والتحديث.
فقد غذت الرأسمالية مفهوم الحاجة المستمرة لانسان العصر، والنزوع المتجدد للاستهلاك، وخلقت بداخله الدوافع لاشباع الاحتياجات الكثيرة التي لا تنتهي حتى بات الاستهلاك عنصراً رئيسياً في منظومة حياتنا اليومية.
ولذلك فلا غرابة امام عبقرية الرأسمالية المتوحشة ان تستثمر كل مناسبة في حياة الانسان لتحولها إلى سلعة وتجارة، موظفةً قدراتها على الضغط بالميديا والاعلان الجذاب، مثل الاعياد الدينية واعياد الميلاد، وطقوس الزواج والانجاب، ومواسم الربيع، وغيرها من الاحتفالات والمهرجانات.
وللاسف فان العولمة الاقتصادية، قد حولت كل الكماليات في حياتنا إلى ضروريات؛ ولكي يحظى الانسان بالمزيد من المال لاشباع هذه الكماليات؛ فقد اضطر للعمل ساعات اكثر، وبجهد مضاعف على حساب صحته، وراحته النفسية والعصبية؛ لتوفير نفقات هذه الكماليات، وتغطية نفقات هذه الثقافة الاستهلاكية.
لقد نجحت الرعاية الامريكية في اختراق عقول ووجدان البشر، وسيطرت على حركة التجارة العالمية، ونشأت التجارة عابرة القارات عبر عولمة زادت فيها الدول الكبرى ثراءً ونفوذاً سياسياً واقتصادياً؛ بفعل كثرة انتاجها بينما تحول باقي سكان العالم إلى مجرد مستهلك لما تنتجه الدول الكبرى، وخرجت شعوبها من دائرة الانتاج إلى دائرة التلقي والاستيراد والاستهلاك!
وصار انسان هذا العصر امام وحش الدعاية في هذه القرية الكونية، «ضحية الاغواء بالسلع»، وفق نظرية الالحاح حتى يخضع الزبون لتأثيرات المنتج عاطفياً وسلوكياً.
وعلى صعيد التأثير الاجتماعي؛ فإن الدراسة اشارت إلى ان ثقافة الاستهلاك اثرت تأثيرات سلبية على المجتمعات خاصة مجتمعاتنا العربية، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي، حيث تسببت ثقافة الاستهلاك في خفض معدلات الادخار، ومن ثم تقليص مساهمات افراد المجتمع في تحقيق المشروعات التنموية مع حكوماتها، كما أدى ذلك إلى تقليص حركة التجارة الداخلية نتيجة نقص السيولة النقدية بين افراد المجتمع.
ونجم عن انخفاض الدخل المادي عجز الكثير من الاسر عن الوفاء بالتزاماتها المعيشية واعبائها اليومية، ما أدى تباعاً إلى تعميق الخلافات الاسرية، وتعرض ربّ الاسرة الى الملاحقات الامنية لعدم قدرته على سداد مديوناته، ما يؤدي لتشتت افراد أسرته!
وخرجت العديد من الدراسات التي بحثت تأثيرات الافراط في الانفاق، وانتشار ثقافة الاستهلاك إلى ان هذه الثقافة قد أدت إلى انتشار الجرائم سواء بين الطبقات الغنية او الفقيرة.
وتذكر الدراسة ان في الدول الغنية، حيث الاستهلاك هو نمط الحياة السائد يعيش 16% فقط من سكان الأرض، فنسبة الاغنياء في العالم 16% من سكان الأرض واستهلاكهم يصل إلى 78% من الاستهلاك العالمي، وتتصدرهم الولايات المتحدة بنسبة 32% رغم ان تعدادهم لا يتجاوز 5% من سكان الأرض.
أما الدول النامية فتنظر إلى الدول المتقدمة على انها مثال وقدوة، وتحاول ان تحذو حذوها وتتبنى نمط معيشتها، وهنا فإن الدراسة تحذر من انه لو اتيح لجميع سكان الارض العيش بنفس نمط الحياة الامريكي، فسنكون وقتها بحاجة إلى خمسة او ستة من كواكب الارض لكي نلبي احتياجاتهم، وذلك لان كوكبنا سيكون عاجزاً عن تأمين الموارد الكافية لجميع سكانه.
فإذا كان من الأهمية وضع برامج لتكثيف الوعي لضبط ايقاع الاستهلاك، والتحذير من عواقبه السياسية والامنية والاقتصادية؛ فانه من الأهمية ايضاً - كما تدعو الكاتبة - ان تتكاتف كل المؤسسات العربية ومنظماتها بجانب مؤسسات المجتمع المدني في الدول العربية، وكذلك وسائل الاعلام المختلفة، في نشر الوعي بترشيد الاستهلاك وضغط النفقات وابراز الازمة الاقتصادية التي تواجه مجتمعاتنا.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدول العربية وهجرة العقول!
-
ترامب وانتهاك الشرعية الدولية!
-
المدير الفاشل!
-
المرأة في الدول العربية وسوق العمل!
-
أرقام حول المرأة في يومها العالمي
-
تقارير عن الجوع وسوء التغذية!
-
الإسلام السياسي والاغتيالات السياسية!
-
ترامب وريغان
-
صراع الطوائف والطبقات في المشرق العربي وإيران
-
التدخل الأمريكي في أمريكا اللاتينية!
-
«نقمة النفط».. كيف تؤثر الثروة النفطية على نمو الأمم
-
بعض توقعات ستراتفور لعام 2019
-
المثقف وهاوية الطائفية!
-
الإمارات وعام التسامح
-
تقارير عن الفقر!
-
خليل سعادة
-
احتجاجات الفئات المهمشة!
-
الدول النامية وأزمة الاستدانة!
-
عن منتدى جمعية المرأة البحرينية
-
اعيدوا النظر.. انتخبوا الأكفأ
المزيد.....
-
ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في تركيا أكثر من 5%
-
ترامب: سنفرض رسوما جمركية على أوروبا
-
مساع حكومية لحماية العملة الوطنية في العراق وتعزيز أمنها الا
...
-
هل تترجم مذكرات التفاهم العراقية المصرية إلى منافع اقتصادية؟
...
-
هل يجب إرغام الاقتصاد السويسري على احترام حدود الطبيعة؟
-
رئيس مؤسسة النفط الليبية: نركز على تعزيز الإنتاج والشفافية
-
الاقتصاد السوري بين متطلبات بناء الدولة وطموح المطالب الشعبي
...
-
الهند تلغي الضرائب على واردات العديد من المكونات الإلكترونية
...
-
ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي تفشل لأول مرة في تحقيق أهداف مل
...
-
ضمن حربه على التزوير.. العراق يعزز أمن عملته
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|